جرت العادة أن يحارب نجوم وصنّاع السينما أي وسيلة لقرصنة أعمالهم الفنية، وعدم الترويج لنشر أفلامهم بطريقة غير مشروعة، نظراً إلى رفضهم التشجيع على مشاهدة تلك الأعمال من دون مقابل بما يُسهم في خسارة الإنتاج، وأيضاً لأن هناك وسائل معروفة لمتابعة الأفلام.
لكن، حينما يتعلق الأمر بحرمان الجمهور من مشاهدة فيلم تجربته تعد استثنائية وغير مسبوقة في السينما المصرية، فإن القائمين على الصناعة يغيرون قناعاتهم.
"18 يوم"، فيلمٌ انتظره الجميع، فيما ظروف حرمان الجمهور من مشاهدته غير مفهومة وغامضة، إذ يعد العمل الأول الذي أرّخ لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 بشكل مباشر، وصُوِّر في زخم الحدث، وعُرض بعد أشهر قليلة من انتهاء الـ18 يوماً، مدة الثورة المصرية منذ اندلاع التظاهرات وحتى تنحي الرئيس حسني مبارك، ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في فرنسا خلال العام ذاته.
متى يراه الجمهور المصري؟!
الفيلم شاهده باحتفاء روّاد الدورة 64 لمهرجان كان، وحضر العرض عدد كبير من صنّاعه وأبطاله، وشارك في إخراجه عشرة مخرجين، بينهم شريف عرفة، ويسري نصر الله، وكاملة أبو ذكري، ومحمد علي، ومروان حامد، ومريم أبو عوف.
العمل مُؤَّلف من عشر قصص، كلّ منها يتحدّث عن جانب محدد وفكرة لرؤية تظاهرات ثورة يناير 2011، وأشرفت على إنتاجه شركة لايت هاوس، فيما كان من أبرز أبطاله هند صبري وأحمد حلمي ويسرا وآسر ياسين ومنى زكي وأحمد الفيشاوي، وغيرهم.
ورغم ذلك لا توجد كلمة محددة حول سبب عدم عرضه في مصر، إذ أكد جهاز الرقابة على المصنفات الفنية مراراً أنه "لا يوجد قرار رسمي بمنع عرضه، ولا أحد تقدّم رسمياً للحصول على ترخيص بعرضه من الأساس".
بينما عدد من المشاركين فيه يؤكدون أنه يوجد "قرار نهائي بمنع عرض الفيلم جماهيرياً رغم مرور تسع سنوات على إنتاجه، حتى لو كان هذا القرار غير مكتوب".
نسخة غير مشروعة
وبناءً على هذا التبرير، فمن الطبيعي أن نجد المخرج يسري نصر الله يحتفي بتسريب نسخة الفيلم قبل أكثر من عامين على موقع "يوتيوب"، ربما يأساً من إمكانية عرضه بطريقة مشروعة في تظاهرة فنية، أو في دور السينما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهو نفس ما فعله الفنان أحمد حلمي حينها أيضاً، إذ نشر رابط مشاهدة الفيلم عبر حسابه الرسمي بـموقع "فيسبوك"، وشجّع الجمهور على متابعته.
كما أبدى المنتج محمد حفظي سعادته بتسريب الفيلم، ليراه محبو السينما في مصر، فمن غير المعتاد أن يشجّع أصحاب الصناعة الجمهور على مشاهدة النسخ المسربة!
ورغم أن أحد أجزاء الفيلم بعنوان "شباك" عُرِضَ في مهرجان الإٍسماعيلية الذي تشرف عليه وزارة الثقافة المصرية في عام 2012، فإنه في النهاية كان عرضاً محدوداً، وعاد الفيلم مجدداً بباقي أجزائه إلى الأدراج.
سر اختفاء الفيلم
يتناول فيلم "18 يوم" إشكاليات إنسانية وسياسية واجتماعية، من خلال قصص ترصد الواقع، إبان تظاهرات 25 يناير وحتى تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط) 2011.
ويتعرض إلى روايات احتجاز النشطاء السياسيين وحظر التجوال وموقعة الجمل وغيرها، ومن بين أجزائه (احتباس، وخلقة ربنا، وكحك الثورة، وإن جالك الطوفان، وداخلي خارجي).
واللافت أن كثيراً من الأفلام التي تتماس أحداثها مع ثورة يناير سُمِح بعرضها بسهولة في صالات السينما وفي مهرجانات متعددة، مثل (بعد الموقعة، وحظ سعيد، وصرخة نملة، وفرش وغطا، وتحرير 2011، والشتا اللي فات)، لكن يبقى الفيلم الأكثر مباشرة وزخماً مركوناً على الرف لأسباب غير واضحة.
من جهته يفسر الناقد الفني طارق الشناوي، حالة الضبابية التي تحيط بالفيلم قائلاً "أعتقد أن سر عدم الحماس لعرضه أو الوقوف بصفه والمحاربة ليراه الجمهور أن القائمين على الأمر يرون أن الدنيا تغيرت، والمواقف تباعدت، وهذا باختصار سبب اختفاء الفيلم من المشهد".
وأضاف الشناوي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الفيلم صُنع وقتها بحماس شديد وقت ذروة الحراك، والقائمون على الحركة الفنية باتوا حذرين جداً فيما يخص إعلان دعمهم أي محتوى سياسي".
وتابع "كنت ممن شاهدوا الفيلم في مهرجان كان 2011، ولاقى حفاوة كبيرة، وسار صنّاعه ونجومه على السجادة الحمراء في المهرجان العالمي البارز، وفي المقابل لم يجد الفيلم من يدافع عنه للعرض في مصر، وبالطبع من شاهده في (كان) حينها كان عدداً قليلاً جداً".