على غير العادة، فاجأ صمت الأحزاب والمنظمات الوطنية التونسية من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين الشارع التونسي، الذي يعيش في كل اللحظات التي تكون فيها فلسطين مستهدفة حالة غضب وحراك شعبي وسياسي كبير، تضامناً مع الشعب الفلسطيني ورفضاً لما يعتبره مؤامرات تهدف إلى تصفية القضية.
الطريق إلى فلسطين
الترابط التاريخي بين تونس وفلسطين شكل حالة مميزة في العلاقات بين الشعبين، حيث تنبه التونسيون باكراً إلى أطماع الحركة الصهيونية فيها. وأولى حملات التضامن سميت حينها حملة "الفرنك"، وانطلقت عام 1933 لمساعدة الفلسطينيين ومنع بيع وتسريب الأراضي إلى الحركة الصهيونية. وعلى الرغم من أن تونس، كانت تحت الاحتلال العسكري الفرنسي حينها، لكنها شهدت التحاق العشرات من أبنائها بجبهات القتال خلال حرب 1948.
الصحافية ضحى طليق، التي شارك والدها في معارك عام 1948، قالت في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، إن مدينة بن قردان على الحدود الجنوبية الشرقية لتونس والقريبة من ليبيا، كانت نقطة التقاء المتطوعين من كافة دول المغرب العربي قبل العبور إلى ليبيا باتجاه فلسطين، وأن والدها كان أحد هؤلاء، الذين انطلقت رحلتهم منذ عام 1947 وتواصل بقاؤهم هناك لغاية 1949، وذلك بعد اعتراف الأمم المتحدة بعضوية إسرائيل.
وأضافت أن هؤلاء الشبان كانوا يعتبرون الدفاع عن فلسطين جزءاً من الدفاع عن الدول العربية، التي كانت ترزح تحت الاستعمار المباشر، وأن تحرير الشعوب العربية يمر عبر تحرير فلسطين والقدس.
ونوهت طليق إلى أن انتقال منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس بعد حرب عام 1982 زاد من تعميق هذا الرابط الوثيق بين تونس وفلسطين.
بيانات حزبية وتحركات غائبة
إثر الإعلان عن الخطة، بادر عدد من الأحزاب إلى إصدار بيانات عامة تراوحت بين الشجب والاستنكار وإدانة مضمون الخطة، باعتبارها مؤامرة ومحاولة لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإضفاء شرعية وهمية على الاحتلال الإسرائيلي.
ودعت الأحزاب إلى "تسوية عادلة تعيد إلى الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة، وفقاً للشرعية الدولية ومقرراتها".
هذه العبارات تقاسمتها البيانات التي صدرت عن كل من التيار الديموقراطي وحزب العمال وحزب التيار الشعبي وحركة الشعب. كما أصدر حزب قلب تونس وحركة النهضة بياناً يستنكر الخطة. لكن غابت عن هذه البيانات دعوات جدية إلى التحرك السياسي أو الشعبي.
وفي السنوات الأولى، التي تلت سقوط نظام زين العابدين بن علي ووصول حركة النهضة وحلفائها إلى السلطة، كانت القضية الفلسطينية والعلاقة مع حركة "حماس"، أحد أهم مرتكزات خلق الدعم والتعاطف الشعبي مع هذه الأحزاب. لكن الحال تغير كثيراً، وتراجع تأييد القوى التي كانت تعتبر نفسها ثورية حتى غابت مساندة القضية الفلسطينية عن مجمل خطاباتها إلا في ما ندر.
تصاعد الخوف من أميركا
حالة الصمت والاكتفاء بالبيانات شكلت، بحسب المحلل السياسي منذر ثابت، مؤشراً على تصاعد الخوف لدى القيادات الحزبية من ردود فعل الإدارة الأميركية.
وقال لـ "اندبندنت عربية" إن هذه الأحزاب تعلم جيداً أن ما يسمى بـ "الربيع العربي" هو نتاج الاستخبارات الأميركية وحلف الناتو، ووجودها مرتهن بمدى مهادنتها للمشاريع الأميركية والغربية في المنطقة، وتعلم كذلك أن أمن إسرائيل خط أحمر بالنسبة إلى العالم الغربي وكل تصعيد كبير يعتبر خروجاً عن المتفق حوله.
مواقف خجولة للمنظمات الوطنية
التنديد بالخطة الأميركية غاب أيضاً عن المنظمات الوطنية العريقة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي اكتفى ببيان إدانة، معتبراً خطة ترمب حرباً معلنة على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وعلى المنهج نفسه، سارت نقابة المحامين، التي اكتفت بإصدار بيان دانت فيه الخطة، الهادفة إلى تجسيد وعد بلفور على الأرض من خلال منح إسرائيل مزيد من الفرص لضم الأراضي.
أما نقابة الصحافيين التونسيين فكانت السباقة في إدانة الخطة، ودعت في بيانها القوى الوطنية التونسية إلى التوحد من أجل العمل على رفض هذا "المشروع الصهيوني- الأميركي". وأكدت أنّ للإعلام دوراً محورياً في كشف مخاطره الكارثية وتعبئة الرأي العام للانخراط في المعركة ضده.