تسببت المخاوف من انتشار الفيروس التاجي "كورونا" وأثره الاقتصادي في موجة بيع بأولى جلسات التداول في سوق الأسهم الصينية بعد عطلة العام القمري الجديد، ليتكبد المؤشر الرئيس خسائر بلغت 420 مليار دولار في بداية تعاملات اليوم الاثنين.
جاء التراجع الحاد في السوق على الرغم من ضخ البنك المركزي سيولة في النظام المالي للبلاد - في خطوة لإظهار الدعم للاقتصاد- فضلا عن خطوات الجهات التنظيمية للحد من عمليات بيع الأسهم.
ووصل عدد الوفيات في الصين بسبب الإصابة بالفيروس إلى 361 حتى يوم أمس الأحد، بعد أن كان 17 فقط في جلسة التداول الأخيرة قبل العطلة يوم 23 يناير (كانون الثاني) الحالي. وبحلول منتصف النهار، خسر مؤشر شنغهاي المجمع أكثر من 8% مقتربا من أدنى مستوى له في عام ومتجها صوب أسوأ أداء ليوم واحد في أكثر من أربع سنوات.
وسجلت قيمة اليوان أدنى مستوى لها في 2020 لدى بدء التداول وانخفضت 1.2 بالمئة، متخطية مستوى السبعة يوانات للدولار ذي الأهمية الرمزية. وتسببت تلك الانخفاضات في أجواء من القلق في الأسواق الآسيوية عموما.
في الوقت نفسه، كشفت بيانات رسمية انكماش اقتصاد هونغ كونغ بنسبة 1.2% خلال العام 2019.
لكن في المقابل، استهلت أسواق الأسهم الأوروبية تعاملات اليوم على ارتفاع طفيف، وسط ارتياح المستثمرين بعد خروج بريطانيا أخيرا من الاتحاد الأوروبي، لكن المخاوف من تفشي الفيروس التاجي الصيني نالت من الحماس. وفي تعاملات مبكرة، كان المؤشر ستوكس 600 الأوروبي مرتفعاً بنسبة 0.3%.
وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسميا يوم الجمعة، منهية سنوات من عدم التيقن المالي والسياسي. وزاد مؤشر الأسهم القيادية البريطانية 0.2%. لكن التداعيات الاقتصادية المتوقعة لتفشي فيروس الصين كبحت الشراء، لا سيما مع انهيار مؤشرات الأسهم الصينية عند الفتح يوم الاثنين بعد عطلة طويلة. وكان مؤشر قطاع التكنولوجيا الأوروبي هو الأفضل أداء بصعوده بنسبة 0.9%.
المستثمرون يواصلون تجنب مخاطر أسواق الأسهم
ووفقاً لتحليل نشرته مدونة البنك الهولندي "آي.إن.جي" لثمانية خبراء في الاقتصاد والأسواق، فقد تعرضت أسواق الأصول لضربة قوية إثر حالة من تجنب المخاطرة تسيطر على المستثمرين، وسط تفاعل العالم مع الأنباء حول فيروس كورونا. وتعني حالة عدم اليقين المطالبة بعلاوة مخاطرة إضافية من الأصول المعرضة للطلب الصيني، وفقاً لتقرير نشرته مدونة البنك الهولندي "آي.إن.جي" لثمانية خبراء في الاقتصاد والأسواق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وربما يعني ذلك بقاء معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول، كما تظل السلع ذات الصلة القوية بالصين تحت الضغط.
التحليل أشار إلى أن أيّ انتشار محتمل للفيروس في كافة أنحاء العالم، من المتوقع أن يُشكل خطراً سلبياً جديداً على الاقتصاد العالمي في النصف الأول من عام 2020. ومن المنظور الاقتصادي، فإن الاقتصاد العالمي قد أصبح أكثر تكاملاً وتداخلاً مقارنة بعام 2003.
وعلى سبيل المثال، فإن حركة النقل الجوي العالمية تبلغ في الوقت الحالي ما يزيد على ضعف حجمها الذي كانت عليه في 2003. وكذلك، على النقيض من عام 2003 عندما كانت السياحة الصينية موجهة إلى الداخل في الأساس، أصبح السياح الصينيون الآن محركاً رئيساً للسياحة العالمية.
وبالتالي، يمكن أن تصبح وتيرة انتشار الفيروس أسرع من عام 2003، في حين أن الأثر السلبي على النمو الاقتصادي العالمي في الوقت نفسه قد يكون أكبر عند المقارنة مع عام 2003.
كم خسرت الصين بسبب "سارس" في 2003؟
لكن "ماذا يعني النمو الاقتصادي الضعيف للصين لشركاء التجارة؟" وفقاً للتحليل، فإن أكبر تأثير على الاستهلاك الصيني سوف يظهر خلال مبيعات التجزئة والسفر والسياحة وإمكانية عودة السكان الصينيين إلى العمل.
ومن المعتقد أن فيروس "سارس" تسبب في محو نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2003، لكن عدم اليقين القوي حول مدى انتشار فيروس كورونا يجعل من الصعب للغاية التكهن بالتأثير الكلي.
وتوصلت دراسة سابقة أجرتها جامعة كوريا وجامعة أستراليا الوطنية، إلى أن التأثير الكامل لفيروس السارس على الاقتصاد العالمي بلغ ما يقرب من 40 مليار دولار في عام 2003. ومن شأن التكهنات الدقيقة بشأن هذا الأثر أن تستغرق وقتاً، لكن من الواضح أن تباطؤ الطلب المحلي الصيني سيترك بصمته على الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي يحاول فيه التعافي من تأثيرات الحرب التجارية في عامي 2018 و2019، بخاصة وأن الصين وآسيا العظمى تمثلان بالفعل من 10 إلى 20% من المبيعات السنوية بالنسبة إلى بعض سلاسل الفنادق العالمية أو شركات السلع الفاخرة. كما أن نطاق التحديد الدقيق لتأثير الاقتصاد الصيني الأضعف على شركائه التجاريين العالميين أمر غير مؤكد، لكن دراسة صندوق النقد الدولي لعام 2016 تشير إلى أن التباطؤ الدوري البالغ نحو 1% في الصين يؤثر إلى حد كبير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تكون الروابط التجارية مرتفعة، وكذلك في الدول المنتجة للسلع الأساسية.
تداعيات سلبية على سوق السلع مع إغلاق المصانع
التحليل أشار إلى أن التداعيات على الاقتصاد الأميركي بشان الوباء السابق، كانت محدودة وربما تعيد إحياء مسألة فروق النمو الأوسع بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم، وهي قصة صعودية بالنسبة إلى الدولار.
لكن في الوقت الحالي ومع سيطرة الصين على حصة كبيرة في سوق السلع الأساسية العالمية، فإن الوضع سيكون مختلفاً، حيث إنه كلما ظلت المصانع مغلقة لفترة أطول مع فرض قيود على السفر وتوقف البناء، كلما زادت تداعيات الطلب على السلع.
وشهدت فئة الأصول تلك موجة بيعية هائلة منذ تفشي فيروس كورونا في الصين، حيث تراجعت أسعار النحاس بنحو 8.5% منذ القمة المسجلة في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي. كما هبط سعر خام الحديد في سنغافورة بأكثر من 6%، مع تهاوي خام برنت النفطي نحو 10%.
ومن الصعب تحديد مدى سرعة انتشار الفيروس، لكن يكفي القول إن هناك ضغوطاً متصاعدة على السلع في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن مستوى الضرر على سعر السوق سيتوقف على مدى التعرض إلى الصين ووضع اقتصادها بسبب الأزمة.
وبالنظر إلى المعادن، فإن استمرار قيود السفر وتوقف أنشطة البناء والصناعة لفترة طويلة قد يؤثر على سلاسل التوريد. لكن يتمتع النحاس بأساسيات أكثر قوة نسبياً مقارنة مع بقية المعادن؛ نتيجة تشديد المعروض في إنتاج المناجم عالمياً في العام الماضي، كما من المتوقع أن يكون النمو في الإنتاج خافتاً في العام الحالي وسط توقعات كانت تشير لتعافي الطلب من الصين خلال عام 2020، وهو أمر أصبح مشكوكا فيه. ويعتبر النحاس بمثابة مقياس اقتصادي، كما أن الصين تستحوذ على 50% من الاستخدام العالمي للنحاس.
وبالنسبة إلى خام الحديد، تستحوذ الصين على 70% من السوق العالمية المنقولة عبر البحر. وإذا تسبب فيروس كورونا في تأخير طويل في أنشطة البناء، فإنه قد يتم تأجيل أيّ زيادة في الطلب على خام الحديد.
قيود السفر تزيد أوجاع سوق النفط
على صعيد النفط، من الواضح أن قيود السفر الأوسع نطاقاً تضر الطلب على النفط من جانب وقود الطائرات وغيرها من أنواع الوقود الأخرى داخل الصين إلى جانب الآثار السلبية في المنطقة. وبشكل عام، تمثل صناعة النقل العالمية نحو نصف الطلب على واردات الخام عالمياً.
ووفقاً للتحليل، تنعكس المخاوف بشكل غير مفاجئ في هوامش التكرير، والتي تستمر في التداول عند مستويات منخفضة. ومع ذلك، مع تراجع أسعار النفط، هناك ضغوط متزايدة على مجموعة (أوبك+)، والتي تضم الدول الأعضاء في أوبك ومنتجي الخام من خارج المنظمة، لتمديد اتفاق خفض مستويات الإنتاج حتى منتصف العام في الأقل.
لكن مع ذلك، سوف يراقب أعضاء (أوبك+) التطورات في ليبيا عن كثب، حيث إن تعطلاً ممتداً من شأنه أن يعني تراجع الحاجة لتقليص المعروض.
هذه العملات معرضة لضغوط قوية خلال الفترة المقبلة
في الوقت نفسه، تؤثر الأحداث في الصين على أسواق العملات العالمية من خلال أمرين، أحدهما المخاطرة، حيث إن مخاوف النمو العالمي تنعكس سلباً على أسواق الأسهم، أما الآخر فيكمن في السلع بالنظر إلى أهمية الصين في الطلب العالمي على السلع الأساسية.
وأشار التحليل إلى أن عملات الدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي والكرونة النرويجية (العملات المعتمدة على حركة أسعار السلع الأساسية بشكل كبير) هي الأكثر عرضة للتأثر، إذا بقيت معنويات السوق ضعيفة.
ومن بين العملات الرئيسة، يجب أن يستمر الين الياباني والدولار الأميركي في الأداء القوي بالنظر إلى سمات الملاذ الآمن.
كما توقع انخفاض اليورو مقابل العملة الخضراء، حيث يستمر الدولار في الاستفادة من جاذبيته كملاذ آمن، في حين أن اقتصاد منطقة اليورو المنفتح يكون أكثر عرضة لأيّ تأثير على الاقتصاد العالمي. وفي حال استمرار الأزمة، فإن شهية المخاطرة وأسعار السلع الأساسية تظل مائلة نحو الجانب الهبوطي.
وبالنسبة إلى عملات الأسواق الناشئة، فإن العملات ذات التعرض للسلع تقود الخسائر (البيزو الشيلي والروبل الروسي والراند الجنوب أفريقي)، بينما لا تزال عملات آسيا عرضة للخطر بسبب روابطها التجارية المباشرة مع الصين.