لأن مهنتهم إنسانية، لم يقبل أطباء سوريون أن يراقبوا بحسرة معاناة مرضاهم المرهقين من غلاء المعالجات الطبية وارتفاع تكاليفها، لا سيما في ظل واقع معيشي صعب يترافق مع انهيار العملة المحلية أمام القطع الأجنبي.
ولهذه الأسباب، قرر أطباء معاينة المرضى بشكل مجاني، عبر إطلاق مبادرة سميت "قلوبنا معكم". وهي تجربة تهدف إلى مساعدة المحتاجين، ممن لا يملكون المال لمتابعة حالتهم الصحية مع الإجراءات الطبية الأخرى من دون مقابل مادي.
أوحت هذه المبادرة إلى فريق طبي من مختلف الاختصاصات الطبية بالمشاركة، وانضم إليه المزيد من زملاء المهنة، وباتت دوائر هذه المبادرة تتسع وتكبر مع الوقت.
وبحسب مصادر طبية تحدثت لـ "اندبندنت عربية"، استطاعت المبادرة التطوعية استقطاب حوالى 150 طبيباً وطبيبة مع مراكز طبية ودوائية أسهمت في تعزيزها.
تمكنت "قلوبنا معكم" من الانتشار في مدن عدة، منها دمشق وحلب وحمص واللاذقية، مستقبلة 1700 حالة في مختلف التخصصات (أسنان وبولية وجلدية وعظمية وأذنية وجراحة وغيرها).
الرحمة والشفقة
تحرك الأطباء لاقى الكثير من الاستحسان لدى المرضى من غير الميسورين، الذين اعتبروها مبادرة إنسانية أمام غلاء بدلات المعاينة الطبية، وجشع بعض الأطباء الذين لا يتقيدون بالتسعيرة الرسمية التي تصدر عن النقابة أو الجهات الطبية ذات الشأن.
ويقول أحد المرضى، في مركز صحي حكومي، "نستغرب من الطبيب الذي لا يملك أدنى رحمة وشفقة أن يزيد تسعيرته إلى ضعف قيمتها. فالمعاينة التي كانت بألفين ارتفعت إلى أربعة آلاف ليرة، أي حوالى 4 دولارات".
كما زادت أسعار الأدوية بنسب وصلت أحياناً إلى 300 في المئة، فضلاً عن فقدان العديد منها، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة، بسبب تعطل كثير من المعامل خلال الحرب السورية والحصار المفروض على البلاد.
ويعزو عدد من الأطباء، من غير المشاركين في المبادرة، سبب الزيادة إلى ارتفاع التكاليف والضرائب.
ويشير طبيب، فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "المواد في أغلبها مستوردة أو مصنعة في الداخل السوري، لكن المواد الأولية المستخدمة في صناعتها تباع بالدولار"، الذي قفز إلى حاجز الـ 1000 ليرة سورية.
الطب بالمجان
يقابل السوريون ارتفاع الأسعار بمزيد من التقشف والحرص على مراجعة المراكز الصحية الحكومية، كونها مجانية، خصوصاً مع تدني متوسط الأجور إلى حوالى 70 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 70 دولاراً أميركياً تقريباً.
ومع هذا الواقع الأليم برزت مبادرة "قلوبنا معكم" كبارقة أمل وبقعة ضوء في نفق مظلم. لكن ما يخشاه المتابعون لهذا العمل الإنساني هو أن يكون عبارة عن "فورة" تخمد كالمبادرات الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الجانب، يطمح الدكتور جودت عطايا، وهو اختصاصي في طب الأسنان وأحد المبادرين في تأسيس هذه التجربة، في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، إلى استمرارية هذا العمل لأنه إنساني بالمطلق.
ويضيف "نسير بخطين متوازيين. الخط الأول تقديم المساعدة الأفضل، وتوفير الرعاية الطبية. والخط الثاني تنظيم بيتنا الداخلي مع بناء مبادرة على أسس إدارية منظمة".
ولا يكتفي الأطباء المشرفون بتقديم الخدمة، بل يحرصون على جودة العمل. إذ يشير عطايا إلى أنه بعد تلقي المريض المعالجة من طبيبه يرسل إليه استبيان تقييم يتيح له تقييم الخدمة، ويخضع أعضاء الفريق إلى تدريب قبل استلامهم العمل، وتقييم دوري من قبل مدير الموارد البشرية.
اتساع الفريق
هذا العمل الإنساني شجّع كثيرين من المتطوعين من خارج القطاع الصحي إلى الالتحاق به.
ويشير عطايا إلى أن الكادر الإداري أخذ بالاتساع، بعدما التحق به حوالى 20 إدارياً من فريق التسويق والسوشيال ميديا والتصميم والعلاقات العامة، وانبثق من المبادرات مجالس إدارة في كل محافظة مشاركة.
من جانبهم، انضم أطباء مدينة اللاذقية إلى المبادرة عبر فريق طبي. وأعلنت نقابة أطباء اللاذقية أن مشاركة أطبائها تندرج في إطار تخفيف الأعباء العلاجية والطبية.
وتسعى المبادرة إلى أن تكون شاملة ولا تقتصر على المعاينة الطبية، بهدف إشراك جهات طبية أخرى تضامنت مع مبادرتهم. إذ بات بالإمكان إجراء التصوير الشعاعي والتحاليل المخبرية، وفق الإمكانيات المتوافرة لديهم.