على الرغم من تأكيد الصين قدرتها على مواجهة فيروس كورونا الذي أدى حتى الآن إلى وفاة أكثر من 630 شخصاً وإصابة أكثر من 31 ألف شخص غالبيتهم في الصين، إلا أنه في العالم الواقعي يستغرق إنتاج لقاح ضد الفيروسات سنوات عدة، وقد يستغرق عقداً من الزمان، كما أن بعض الأمراض لم ينجح العلماء في إنتاج لقاح لها حتى الآن مثل الإيدز، لكن الابتكارات التكنولوجية والتطور العلمي يمكن أن تقلص المدة الزمنية لإنتاج لقاح فعال، وهو ما يحاول العلماء في الولايات المتحدة و 14 بلداً آخر العمل على إنتاج لقاح لهذا الفيروس القاتل، وفق ما أعلنته منظمة الصحة العالمية.
ومنذ أن نشر علماء صينيون في الثاني عشر من يناير (كانون الثاني) التسلسل الوراثي للفيروس بعد أقل من أسبوع على عزل الجرثومة من مريض يعاني من التهاب تنفسي غامض، سارعت مجموعات عديدة حول العالم إلى إنتاج لقاح استناداً إلى هذه المعلومات حول التسلسل الوراثي.
ليس قبل عام
وتقول المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة إن تطوير لقاح ما زال في مراحله الأولى، فيما يشير علماء إلى إنهم سيبدأون اختبارات معملية على البشر مع بداية أبريل (نيسان) 2020، لكن إذا نجحت الاختبارات، فسوف يستغرق إنتاج اللقاح عاماً واحداً على الأقل.
وفي تجارب سابقة، اتحد العالم لمواجهة فيروس الإيبولا الذي انتشر في غرب إفريقيا بين 2013- 2016، ونجحت الجهود الأميركية والدولية في إنتاج لقاح تمكن من مواجهة انتشار جديد للإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2018، وها هو العالم يتحد من جديد لمواجهة أخطار فيروس كورونا بتركيبته الجديدة في نسختها السابعة، بعدما هدد العالم في مرات عدة سابقة بسلسلة وراثية متحورة مثل فيروس سارس وميرس.
ولو تأخر إنتاج لقاح لفيروس كورونا الجديد مدة عام فلن يفيد ذلك في معالجة المرض المتفشي في الصين بكل تأكيد، لكنه مثل الإيبولا سيكون فعالاً للدول الأخرى حول العالم.
خطورة انتشار الفيروس
تتزايد مخاوف الباحثين المتخصصين من أن يتحول فيروس كورونا ليصبح موسمياً، ويعاود الهجوم كل عام، مثل فيروس الإنفلونزا الشائع، لكن جهود الصين لاحتواء انتشار الفيروس، بما في ذلك إجراءات الحجر الصحي التي فرضتها على 50 مليون شخص، ستساهم في الحد من انتشار العدوى في دول أخرى إلا في موسم الشتاء المقبل، وهو ما يجعل الإسراع بإنتاج لقاح أمراً ضرورياً للجميع.
ويشير العلماء إلى أنه من غير المعروف إلى أي درجة أصبح فيها هذا الفيروس قاتلاً، ولذلك فإن انتقاله المحتمل بشكل سيء مثل الإنفلونزا يعد نذير خطر، وليس هناك أدل على خطورته من بيانات الجهات الطبية في الولايات المتحدة التي تشير سجلاتها إلى أن نحو 800 ألف شخص عولجوا في المستشفيات من الإنفلونزا في شتاء 2017– 2018، لكن 60 ألف شخص قضوا نحبهم بسببها وحدها في الولايات المتحدة.
التسابق نحو تطوير لقاح لفيروس كورونا الجديد يقوده ما يسمى "التحالف من أجل الابتكار والتأهب لمكافحة الوباء"، وهي مجموعة دولية تشكلت عام 2017 عقب انتشار وباء الإيبولا. ويستهدف التحالف مساعدة العالم ضد تفشي الأمراض مستقبلاً من دون معرفة نوع هذه الأمراض، كما يعمل على إنتاج لقاحات ضد مسببات الأمراض غير المعروفة في السابق، استعداداً للاختبار في البشر خلال 16 أسبوعاً.
كيف تُنتج اللقاحات؟
وتحقيقاً لهذه الغاية، تعمل بعض مراكز الأبحاث الجامعية وشركات التكنولوجيا الحيوية التي تمولها، على تصميم وتصنيع لقاحات يمكن استخدامها في عدد من مسببات الأمراض، ويتم ذلك بربط جزيّء من مسببات الأمراض في التسلسل الوراثي لمرض معين، بجزيّء آخر موجود بالفعل يقوم بتشكيل قواعد اللقاح الجديد.
كان الأمر في الماضي يتطلب توافر مجموعة من الفيروسات الحقيقية، ثم يجري العمل على نزع قدرتها على الإصابة، ولكن مع الحرص على إبقاء قدرتها على تحفيز النظام المناعي للجسم، وبالتالي القدرة على إنتاج أجسام مضادة من البروتينات تقاوم وتكافح الفيروس إذا هاجم الجسم.
ونظراً لأن العمل على فيروس ميت محفوف بالمخاطر، فإن الأمر كان يتطلب دوماً الحيطة والحذر واتخاذ إجراءات خاصة لمنع الفيروس من الهروب والتسبب في إصابة العلماء في المعامل.
فوائد التكنولوجيا
أدى التسلسل الوراثي إلى جعل هذه العملية أسرع وأسهل وأكثر أمناً، حيث أصبح بإمكان الباحثين تشكيل أجزاء من الفيروسات للعمل على لقاح من دون الحاجة إلى استكمال عينات مسببات المرض.
نجح العلماء في إنتاج لقاحات ضد فيروسات أخرى مثل زيكا والإيبولا وسارس وميرس، باستخدام هذه التكنولوجيا، كما أصبحت البحوث الخاصة بفيروس سارس وميرس، وهما من أشقاء فيروس كورونا الجديد، في متناول اليد.
وبمجرد أن يتم تطوير اللقاح في المختبر، يتم إرساله إلى مصنع يحوله إلى مزيج لقاح معقم، ثم يصب في قوارير تخضع لاختبارات للتأكد من عدم تلوثها قبل البدء في إجراء التجارب السريرية على البشر، وتستغرق هذه العملية أشهراً عدة فضلاً عن ثلاثة أشهر أخرى من الترتيبات والقواعد الإجرائية والأخلاقية اللازمة لإتمام المهمة.
الصين تريد العلاج الآن
نظراً إلى أن فيروس كورونا الجديد يهدد بعرقلة النمو الاقتصادي في الصين، بدأت الحكومة الصينية النظر في طلب تقدمت به شركة صينية للحصول على براءة اختراع دواء مضاد للفيروسات خضع لتجارب سريرية قصيرة ويُعرف باسم (ريميديسفير) وتملك حقوقه شركة غيليد الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما يتفهم البعض سبب استعجال الحكومة الصينية في اتخاذ هذه الخطوة، إلا أن الشركة الأميركية تحذر من أنه إذا استولت الشركة الصينية على براءة الاختراع ومنحتها حكومة بكين هذا الحق، فإن ذلك سيؤكد مخاوف شركات الأدوية الأجنبية بأن الصين لا تلتزم بحماية حقوق الملكية الفكرية، وهو ما قد يؤثر في مستقبل صناعة الأدوية في سوق كبير مثل السوق الصيني، وقد يؤدي إلى تآكل المحفزات الضعيفة الممنوحة إلى شركات الأدوية كي تستثمر في العقاقير الخاصة بمكافحة الأمراض المعدية الناشئة.
وكان دواء شركة غيليد الأميركية قد تم تطويره لمعالجة مرض الإيبولا، إلا أنه لم ينجح، ومع ذلك فقد أظهر نتائج واعدة في الاختبارات المعملية ضد أمراض فيروسية مشابهة لفيروس كورونا.
بكين بين نارين
يمثل عدد سكان الصين الهائل (1386 مليون نسمة)، فرصة عظيمة لصناع الدواء، فهناك كثير من الاستثمارات الدوائية الكثيفة في الصين حالياً، كما أظهرت القيادة الصينية أخيراً التزاماً أكبر حيال حقوق الملكية الفكرية بسبب اتفاقها التجاري الأخير مع الولايات المتحدة الأميركية، لكنها إذا منحت براءة الاختراع للشركة الصينية تحت ضغط حاجتها لاحتواء المرض المتفشي في أكثر من منطقة، وضربت عرض الحائط بتحذيرات الشركة الأميركية، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى تآكل الثقة في الحكومة الصينية وسيثير قلق شركات صناعة الدواء الأجنبية العاملة في الصين.
ولن تقتصر العواقب على تراجع ثقة شركات الأدوية في الصين، بل سيساهم في تقليص استثمارات هذه الشركات في أدوية مكافحة الفيروسات المعدية التي تراجعت بقوة خلال السنوات الماضية. ولا يُعد تطوير هذه النوعية من الأدوية رابحاً مقارنة بالعقاقير الخاصة بالأمراض النادرة والسرطان.