منذ تمرد جماعة الحوثي على الدولة اليمنية في صعدة، عرف اليمنيون النزوح والتهجير القسري، كسلوك انتهجته الميليشيات منذ اللحظة الأولى لنشاطها في المحافظة الشمالية.
ومع سيطرة الحوثيين على عاصمة اليمن وتمددهم في باقي المدن، ترك الملايين منازلهم وأماكن عملهم وفروا إلى أماكن أخرى أكثر أمناً واستقراراً، وما إن تأتي بارقة أمل بانقشاع الأزمة، حتى تبدأ مراحل جديدة من التهجير في شمال وغرب وجنوب البلاد.
تسببت المواجهات بنزوح الآلاف من الأسر، توزعت على أكثر من منطقة، وكان لمخيم الزبرة في مديرية مدغل، الذي يبعد عن مدينة مأرب نحو 50 كيلومترا، النصيب الأكبر، حيث يعيش الآلاف ظروفاً إنسانية صعبة، بلا خيام أو كهرباء، وفي ظل نقص الغذاء وشح المياه الصالحة للشرب، وغياب تام لأي دور للمنظمات الإغاثية والإنسانية.
النازح عبد الله صالح بن ذياب، البالغ من العمر 75 عاماً من قبيلة آل صلاح، يقول لـ"اندبندنت عربية" إن قبيلته قدمت 40 فرداً في العام 2014 خلال مواجهات مع الحوثيين ولا تزال تدفع ثمناً باهظاً لمناهضتهم، ويشير إلى أنه في المرحلة الثالثة من النزوح، وخلال المعارك الأخيرة بين قوات الجيش والجماعة، داهم الحوثيون منازلهم وفجّروا بعض البيوت واضطروا للنزوح من مناطقهم إلى مخيم الزبرة.
ويوضح "لا يوجد مأوى لنا الآن، الخيمة يقطنها أكثر من ثلاث أسر، لا فراش ولا مياه صالحة للشرب نظراً لعدم وجود الجهات المعنية والمنظمات"، مؤكداً أنهم لم يصطحبوا شيئاً من أغراضهم الشخصية في النزوح.
أما الحاج كهلان صالح، والذي نزح في فترة سابقة من منطقته إلى مخيم الخانق الواقع بمديرية نهم، فيقول إنه بعد قرب المواجهات من المخيم اضطروا إلى النزوح مجدداً، ويضيف "أنا أب لخمسة أولاد وثلاث بنات، كنت في قريتي أعمل في زراعة القات وسعيداً ونعيش في خير كثير، ومع الحرب وتوسعها ووصولها إلى قريتنا، التي لم نفكر أن نتركها ولم نتوقع أن تصل الحرب إليها، ولكن مع وصولها قررنا ننزح رغماً عنا".
كهلان اضطر إلى الهروب مجدداً من مخيم الخانق بعد أن تساقطت القذائف بالقرب منه ليبدأ رحلة جديدة من النزوح واستقرت به الحال في مخيم الزبرة.
نداء لإغاثة نازحي المخيم
من جانبه، دعا أمين عام جمعية مجزر الاجتماعية، عبد الله جمالة، المنظمات والجهات الرسمية إلى سرعة التدخل والحدّ من مأساة النازحين الذين يفتقرون لكل مقومات الحياة والخدمات الصحية والتعليمية، لافتاً إلى أن النازحين بحاجة إلى تدخلات كبيره للتخفيف من معاناتهم.
وأشار جمالة إلى أنه تم تجهيز قرابة 36 موقعاً ومخيماً للنزوح لاستقبال الأسر التي شردتها الميليشيات في مناطق نهم ومجزر والجوف.
ويوافقه الرأي محمد دحان، سائق صهريج ماء، في ضرورة تقديم المساعدات الإغاثية للنازحين، قائلاً إن "المياه القريبة من المخيم مياه كبريتية غير صالحة للشرب، والمدة التي تستغرق للوصول إلى مياه صالحة تصل إلى 3 ساعات ذهاب و3 للعودة"، مؤكداً أنه يتم تقاسم ماء الشرب لكل أسرة بواقع 20 لتراً، وهذا لا يسد الاحتياجات الحياتية.
3800 أسرة نزحت جراء تصاعد المواجهات
من جانبها، قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 3800 أسرة نزحت جراء تصاعد القتال في نهم والجوف ومأرب خلال الأيام الماضية. وأضاف تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أنه في الفترة من 19 يناير (كانون الثاني) إلى 2 فبراير (شباط)، أفاد شركاء في المجال الإنساني أن 3825 أسرة نزحت في منطقة نهم بمحافظة صنعاء، ومنطقة صرواح في مأرب، والمتون في محافظة الجوف، في أعقاب تصاعد الأعمال العدائية بسرعة.
ورجح التقرير أن يكون العدد الإجمالي للأشخاص النازحين أعلى من المبلّغ عنه، مع وجود العديد من العائلات النازحة داخلياً المنتشرة في ثلاث محافظات في المناطق التي تعاني من اضطرابات شديدة.
وأشار التقرير إلى تعرض مخيم الخانق في مديرية مجزر لقصف مدفعي في 26 يناير الماضي، مضيفا أنه لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات، حيث غادر معظم الأشخاص النازحين داخلياً أو الذين كانوا يقيمون في المخيم أو في المنطقة المجاورة، مضيفاً أن نحو 1550 أسرة غادرت المخيم متوجهة إلى منطقة مدغل أو مدينة مأرب.
كما نزح، بحسب التقرير، نحو 500 أسرة داخل منطقة نهم في محافظة صنعاء، ونزحت 400 عائلة داخل محافظة الجوف، إضافة إلى تسجيل 180 عائلة نازحة في منطقة بني حشيش، و100 أسرة أخرى نزحت من منطقة صرواح في محافظة مأرب إلى منطقة خولان في محافظة صنعاء.
وقال التقرير إن العديد من النازحين ينامون في الشوارع أو في ظروف مزدحمة في حاجة ماسة إلى المأوى في حالات الطوارئ، والمواد غير الغذائية.
وأشار التقرير إلى أنه إذا استمرت الأعمال العدائية في التزايد فمن المحتمل أن تحدث المزيد من عمليات النزوح في مناطق الحزم ونهم ومجزر وصرواح ومدغل.
ولفت التقرير إلى أنه في أسوأ الأحوال يمكن أن تتشرد حوالي 15500 أسرة، حسب تقديرات الشركاء في المجال الإنساني.