أخيراً وصل وفد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى قطاع غزة، بعد تأجيل زيارته المرتقبة لأكثر من مرة، لأسباب مختلفة ومن بينها الأمنية، إضافةً إلى عدم رد حركة "حماس" على استقبال وفد حركة "فتح" بشكل رسمي، والاكتفاء بالترحيب عبر وسائل الإعلام.
الوفد القيادي الممثل عن الرئيس عباس الذي جاء من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، لم يكن هو المرتقب ولا على المستوى السياسي المطلوب، حسب ما وصفه متابعون للساحة السياسية الفلسطينية، وكذلك وصل متأخراً.
تألّف الوفد من عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" (أكبر هيئة قيادية) روحي فتوح ومستشار الرئيس للشؤون الأمنية اللواء إسماعيل جبر، اللّذين عقدا سلسلة لقاءات مع أعضاء وهياكل "فتح"، ولم يعلنا بشكلٍ رسمي جدول الزيارة إلى غزة ولا مدتها.
عباس جهز الوفد... "حماس" لم ترد
وفي خطاب عباس الذي جاء رداً على إعلان الرئيس الأميركي خطته للسلام في 29 يناير (كانون الثاني)، قال إن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، طلب منه زيارة قطاع غزة وتوحيد الموقف ضد خطة ترمب، وأنه وافق على ذلك من أجل القضية الفلسطينية.
وفي الحقيقة، انشغل عباس في جولته الخارجية لحشد المواقف الدولية ضد خطة ترمب للسلام، وأعطى تعليماته بتشكيل وفد يزور غزة. وكشف مصدر مقرب من الرئيس لـ "اندبندنت عربية" عن أنه جرى تحضير الوفد، وكان مكوناً من 12 قيادياً وصاحب قرار من الفصائل واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وأوضح المصدر أن وفد عباس أرسل طلباً لـ"حماس" بأنّه سيزور القطاع خلال أيام، لكنه لم يتلقَّ ردّاً رسميّاً من الحركة، التي اكتفت بالترحيب بالوفد عبر وسائل الإعلام، من دون إرسال أي موقف إلى الرئيس أو أعضاء الوفد، لذلك أُجّلت الزيارة حتى إشعار آخر، من دون إلغائها.
عباس لن يزور غزة بسبب جولة هنية
وعن رفض عباس زيارة غزة، أفصح المصدر أن السبب الحقيقي يعود إلى غياب هنية عن القطاع، وأنه لن يجد من يستقبله بشكل مناسب، فضلاً عن توتر الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ، أخيراً.
أمّا بالنسبة إلى حركة "حماس"، فإن المعلن من موقفها عبر قنواتها الإعلامية الرسمية، أنها ترحب بزيارة وفد الرئيس إلى قطاع غزة، لكن لم تردّ بشكل رسمي على ذلك، ولم تبلغ قيادة حركة "فتح" موقفها من استقبال الوفد أو الاجتماع معه، ما تخشاه قيادة السلطة بأن يكون اللقاء ضعيفاً وليس على المستوى المطلوب.
ورأى المحلل السياسي رامي قاسم أن موقف "حماس" بمثابة الضغط كي يأتي عباس بنفسه للقاء الصف الأول في الحركة. وعلى مدى أسبوع، حمّل ممثل "فتح" في غزة أحمد حلس، "حماس" مسؤولية إفشال الذهاب إلى رؤية فلسطينية موحدة.
توسعة الوفد واردة
وبالعودة إلى وصول الوفد غير المكتمل إلى قطاع غزّة، قال المتحدث باسم حركة "فتح" إياد نصر إنّ هذه الزيارة لجسّ نبض حركة "حماس" بالنسبة إلى موقفها من استقبال الوفد القيادي الرئاسي، ولدراسة إمكانية توسعة الزيارة.
وتوقع المحلل السياسي رامي قاسم أنّ يُصار إلى توسعة الوفد الذي من المقرر أن يصل غزّة، وأن يجري لقاءات مع حركة "حماس" بغية الخروج بموقف فلسطيني موحد، يبدأ من حكومة واحدة، وتسليم غزّة إلى السلطة الفلسطينية، ثمّ توحيد خطاب المواجهة ضد خطة ترمب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذا ما أكده المتحدث باسم حركة "فتح" إياد نصر، إذ إنّ مهمة الوفد الرئاسي في غزة، عقد اجتماعات مع الفصائل والقوى الوطنية، من بينها حركة "حماس"، ثمّ تحديد موقف توسعة الوفد الرئاسي إلى غزة من عدمه.
وفي حال توسعة الوفد الفتحاوي الذي يزور القطاع، من المقرر أنّ يشمل أعضاء ومستشاري مكتب الرئيس عبّاس، وشخصيات من منظمة التحرير، وأعضاء اللجنة المركزية لـ "فتح"، وينطوي ذلك على موقف حركة "حماس" من زيارة الوفد.
لا مصالحة... فقط صد لخطة ترمب
أمّا حول الوفد الذي وصل إلى غزّة، فإنّ "اندبندنت عربية" علمت من مصادر في حركة "فتح" أنّه يرغب في مناقشة طرق الرفض والتصدي لخطة ترمب للسلام، إذ يبذل كلّ طرف جهوده في إطار آلية موحدة، ومن دون تبني رؤية الطرف الآخر، ولن يتمّ الحديث عن المصالحة الفلسطينية.
في هذا السياق، قال المصدر المرافق لوفد الرئيس إنّ المصالحة الفلسطينية صعبة جداً في الوقت الحالي، ومن منظور قريب، لا توجد أي خطوات عملية لإنهاء الانقسام، ولكن الزيارة تأتي لوضع عناوين رئيسة لصد خطة السلام الجديدة. وأشار المصدر إلى أن عباس يرغب في توحيد موقفه مع "حماس"، وإعادتها إلى الصف الوطني من خلال ترك التسوية الطويلة مع إسرائيل، لافتاً إلى أن عباس يبارك جهود هنية في جولته الخارجية لكن باسم "حماس" فقط، وليس باسم الشرعية الفلسطينية.
الخروج بوثيقة
وإذا كان زعيم التيار الإصلاحي في حركة "فتح" محمد دحلان ينوي المشاركة في اللقاء مع وفد الرئيس و"حماس"، نفى المصدر ذلك، قائلاً "حتى أعضاء التيار لن يشاركوا في اجتماع تقوده السلطة"، وموضحاً أنّ الهدف من الاجتماع الخروج بوثيقة كاملة تعبّر عن الموقف الرسمي الفلسطيني.
وبتفحص التاريخ الفلسطيني، فإن هذه الزيارة تأتي كخطوة مشابهة لتلك التي اتخذها عباس في أبريل (نيسان) 2014، حين أرسل وفداً قيادياً إلى غزّة، واجتمع مع حركة "حماس" وتمكن من الوصول إلى اتفاق حول تشكيل حكومة وفاق وطني، وكانت هي الأولى التي يجري تشكيلها منذ الانقسام، بتوافق وطني. وكانت تلك الخطوة رداً على تنكر إسرائيل لاستحقاقاتها.