أثار تصاعد أسعار المواد الأساسية بنسبة تقارب 70 في المئة، وشح الخبز والوقود، غضب السودانيين ضد الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك. وتجددت الاحتجاجات في 18 ولاية سودانية مطالبة بحل الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بشكل مخيف بعد مرور ستة أشهر من تسلم الحكومة مهماتها على الرغم من تأكيدها أن تحسين الأداء الاقتصادي هو أحد أهدافها الرئيسية. واتجه المحتجون وغالبيتهم من طلاب المدارس إلى إحراق إطارات السيارات وإغلاق الطرق الرئيسة داخل المدن ووضع المتاريس في مداخل الشوارع والجسور. ما أدى إلى تعطل الحركة المرورية خصوصاً في العاصمة الخرطوم التي تشهد ازدحام مئات السيارات أمام محطات الوقود، فضلاً عن ازدياد طوابير المواطنين أمام المخابز.
ويستهلك السودان مليوني طن قمح سنوياً بقيمة نحو ملياري دولار، ويغطي الإنتاج المحلي بين 12 و17 في المئة من هذه الكمية، وفق إحصاءات وزارة المالية. في الأثناء، تواجه الحكومة السودانية أزمة في توفير اعتمادات النقد الأجنبي المطلوبة لاستيراد القمح، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، إذ بلغ سعر صرف الجنيه السوداني نحو مئة جنيه للدولار في السوق الموازية، مقابل خمسين جنيهاً للدولار كسعر رسمي للبنك المركزي. في حين أبقت حكومة حمدوك دعم القمح والوقود في موازنة عام 2020، حتى مارس (آذار) المقبل، في انتظار اتخاذ قرار بشأن استمراره أو إلغائه بعد عقد مؤتمر اقتصادي. وتراجع سعر صرف الجنيه السوداني إلى نحو 100 جنيه للدولار في السوق الموازية في الأسابيع القليلة الماضية، بينما يبلغ سعره الرسمي 50.4 جنيه للدولار.
ترشيد الدعم
وأكد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني إبراهيم البدوي، خلال مؤتمر صحافي الاثنين 10 فبراير (شباط) الحالي، ضرورة ترشيد دعم الوقود والخروج منه بسرعة، واصفاً الدعم بالمكلف ومن الصعب الدفاع عنه.
وفيما أشار البدوي إلى إمكان التدرج في رفع دعم الجازولين، نوه بأن دعم الوقود هو قانون دولة، وأكد الالتزام بالدعم. وربط البدوي معالجة ندرة النقد الأجنبي بتحرير سعر الصرف مع الإبقاء على الدولار الجمركي.
وأوضح البدوي أن مشاكل الخبز والوقود ليست بسبب عدم توفر التمويل فحسب، مشيراً إلى تعطل الخط الناقل للبترول والمعالجات المؤقتة التي أعلنتها وزارة الطاقة بتحديد أربعة غالونات للسيارة الواحدة يومياً. واعتبر أنه إذا اتبعنا توصية مجلس الأجور برفع الحد الأدنى إلى ثمانية آلاف جنيه سيحدث انفجار في الموازنة وارتفاع في التضخم.
أضاف أن "لجنة إزالة التمكين تعمل على مراجعة ملف الأموال المنهوبة من جانب النظام السابق وتوظيفها في دعم الموازنة". وأقرّ بسوء السياسات المتبعة في ضبط الذهب قائلاً "المحفز الأكبر لتهريب الذهب هو السياسات الخطأ، لكن الآن الفرص متاحة للجميع لتصدير الذهب بحسب منشور بنك السودان، ونأمل في أن تسهم الخطوة في إحداث حركة صادرات كبيرة واستقطاب حصائل الصادرات حتى تعمم التجربة على الصادرات الأخرى".
رفع العقوبات
ويشكّل دعم الوقود والخبز ضغطاً على الخزانة العامة، ويتسبب في مشكلات في العرض والتوزيع ويشجع السوق السوداء ويسهم في حدوث أزمة اقتصادية.
وتحاول الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير إنقاذ الاقتصاد وإصلاحه، لكنها تواجه ضغطاً من المواطنين الذين يتعجلون رؤية تحسن في مستويات المعيشة. في الأثناء، تتفاقم الأزمة الاقتصادية مع تجدد نقص الخبز والوقود.
وتحاول الحكومة التغلب على القيود التجارية المرتبطة بإدراج السودان على قائمة أميركية للبلدان الراعية للإرهاب.
وفيما أشار مسؤولون أميركيون إلى أن السودان قد يرفع من القائمة، من غير الواضح متى سيتم ذلك.
وكشف البدوي أن العقوبات عرقلت جهود إعداد البطاقات الذكية لإصلاح منظومة الدعم، وأن البنوك الدولية تحجم عن استئناف التحويلات للسودان بسبب إدراج اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن البدوي، في مؤتمر صحافي في الخرطوم، أن السودان يتحاور مع الولايات المتحدة في شأن دخول سيتي بنك الأميركي البلاد والتمكين من استخدام البطاقات الذكية وبطاقات تحقيق الشخصية لإدارة التحويلات النقدية.
وقال البدوي إن السودان سيقدم تقريراً في أبريل (نيسان) المقبل لنادي باريس الذي يضم الدول الدائنة للسودان عن الآليات الممكنة للسماح بدين أجنبي يصل إلى نحو 60 مليار دولار.
وتواجه الحكومة الانتقالية، وفق البدوي، المصالح والامتيازات الاقتصادية الواسعة التي يتمتع بها الجيش في السودان. وتبحث الحكومة عن وسيلة لفرض رقابة وزارة المالية على الشركات التي يديرها الجيش.
وعود الحكومة
وكان مجلس الوزراء السوداني عقد اجتماعاً طارئاً لبحث الأزمة الاقتصادية وآثارها، وأكد أن أزمة الخبز الراهنة ناتجة من انخفاض إنتاج المطاحن من الدقيق إلى النصف تقريباً، مشدداً على أنه سيتم حل الأزمة خلال أيام، وسيتم رفع إنتاج المطاحن.
وأعلن وزير التجارة والصناعة السوداني مدني عباس أنه سيتم خلال ساعات حل مشكلة الخبز إلى الأبد عبر قرارات وإجراءات لضبط وحسم الفوضى والتلاعب بأوزان الخبز وأسعاره، وهو ما لم يحدث.
وأرجع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، في بيان له، شح الدقيق في العاصمة والمدن الأخرى، إلى إضراب إحدى أكبر الشركات وتوقفها عن العمل، فضلاً عن قيام جهات بدفع أموال إلى بعض الموظفين لتنفيذ الإضراب". وأضاف أنه "بحسب المتابعات شهدت الفترة الماضية صراعاً مكتوماً بين وزارة الصناعة والتجارة وبعض الوكلاء وبعض أصحاب المخابز على خلفية الرقابة المفروضة عليهم من جانب لجان المقاومة بالتنسيق مع الوزارة. ما أثر في الوضع وأدى إلى استفحال هذه الأزمة".
دعم الصادرات
يستبعد الاقتصادي السوداني محمد الناير رفع الدعم في الوقت الراهن، "لأن أسعار السلع والخدمات وصلت إلى مراحل قياسية، ولا يمكن أن يتقبل المواطن أي زيادات جديدة، بالإضافة إلى ضعف الهياكل الخاصة بالأجور في القطاع العام والتي بلغت مستويات لا تكاد تغطي 20 في المئة من الحد الأدنى لمستوى المعيشة".
فيما أشار وكيل أكاديمية المصارف للعلوم المصرفية والمالية الدكتور علي خالد الفويل إلى أن معالجة تدهور الاقتصاد يتطلب معرفة أسبابه أولاً ومشكلته الرئيسية، مبيناً أن الاقتصاد السوداني يواجه إشكاليات مزمنة تتمثل في هيكل الاقتصاد نفسه. وشدد على أن الخيار الأمثل لبناء أي اقتصاد هو الإنتاج سواء كان ثروة حيوانية أو زراعية أو تعديناً أو بترولاً أو صناعة وهكذا، وأنه بالنسبة إلى اقتصاد السودان فإنه يعاني من ضعف الإنتاج على الرغم من توفر الموارد الطبيعية، خصوصاً قطاع الزراعة والثروة الحيوانية.
وأوضح أن تجاوز الفترة الانتقالية من الناحية الاقتصادية يتطلب إيجاد برنامج إسعافي يعمل على اتباع سياسات ترشيديه في الاستيراد لتخفيف الفجوة في الميزان التجاري البالغة 6 مليارات دولار، لا سيما أنه كان يتم في فترة النظام السابق استيراد 80 في المئة من حاجة الاستهلاك المحلي، كما أنه لا بد من تحرك خارجي لدعم الصادرات والاستيراد من خلال رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة علاقاتنا مع المؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية لضخ رأسمال تشغيلي تستفيد منه قطاعات منتجة فترات طويلة، إلى جانب أهمية العمل على ثبات السياسات الائتمانية النقدية والضريبية والجمركية وقانون الاستثمار. فضلاً عن العمل على استقطاب مدخرات المغتربين من خلال وضع سياسات تشجيعية واضحة.