"نيوز غارد" هي واحدة من الأدوات الشهيرة في مجال مكافحة الأخبار الزائفة عالمياً. أثارت الأداة زوبعة بين مدونين وخبراء في مكافحة الأخبار الزائفة أخيراً، بعد ورود أنباء عن أن مشروع تطويرها ممول من مجموعة تجارية عملاقة تعمل في مجال تصنيع الأدوية والمنتجات الطبية!
لم ينفِ القيّمون على "نيوز غارد" هذه الأنباء التي تحدثت عن مئات ملايين الدولارات تحولها المجموعة العملاقة إلى المنصة الرقمية التي تدير "نيوز غارد" وحسابات عديدة لشركات علاقات عامة وإعلام.
كما في النفط وتجارة السلاح، هناك مجموعات ضغط تتحكم بالقطاع الصحي على صعيد العالم، وتتدخل في الاتجاهات المؤثرة في مختلف المرافق المرتبطة به.
في الأسبوع الأول لظهور "كورونا"، سجلّ مؤشر "ناسداك" أرباحاً قياسية لشركات تعمل في القطاع الصحي. بعض هذه الشركات شهد ارتفاعاً ناهز 12 في المئة في قيمة أسهمه في أسبوع واحد فقط. علماً أن لم يكن "كورونا" قد تحول إلى قضية عالمية بعد.
من الأمثلة البارزة، الارتفاع الكبير في أسهم شركات تصنع مكملات "فيتامين سي"، وتمتلك مقرات في الولايات المتحدة والصين. شركة Blackmores، على سبيل المثال لا الحصر، شهدت زيادة في المبيعات بنسبة 11 في المئة عن اليوم السابق بتاريخ السادس من يناير) كانون الثاني (الفائت.
نتحدث هنا عن مبيعات بمئات ملايين الدولارات في ساعات قليلة. النماذج نفسها تتكرر مع شركات تصنيع الأقنعة الواقية، لا في الصين فقط، بل في أستراليا، أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
بعض الشركات لم تضطر لبيع أي منتج لتحقيق ربح مادي، بل كان يكفي أن تُعلن أنها بدأت العمل على الاستثمار في تطوير لقاحات لعلاج الفيروس لتشهد أسهمها ارتفاعاً ملحوظاً في أسواق المال العالمية.
الانعكاسات في الاقتصاد الصيني
وفي حين اضطرت السلطات الصينية إلى ضخ الأموال في النظام المصرفي لمواجهة التداعيات السلبية للفيروس على اقتصادها، فقد استفادت شركات أجنبية من تخفيض بكين للضرائب على الكثير من الواردات ومن حوافز مالية تم طرحها لجذب الاستثمارات في القطاع الصحي. للتذكير، هذا أكبر بلد في العالم لناحية عدد السكان.
ومع عزوف زبائن المتاجر الافتراضية الصينية، وفي مقدمها "علي أكسبرس" و "علي بابا"، عن الشراء، اتجهت الأنظار إلى "أمازون" الأميركية وغيرها من متاجر التجزئة.
الأرقام التي تتحدث عن قائمة طويلة من المستفيدين والرابحين من فيروس "كورونا" موجودة بوفرة في بيانات الأسواق المالية العالمية.
لسنا بحاجة أيضاً إلى الخوض في الأهمية الجغرافية لـ "يوهان" الصينية، مصدر "كورونا"، في ربط حركة نقل البضائع ما بين الداخل وسواحل الصين.
لا تدعم هذه الأرقام والمعطيات أي نظرية عن "مؤامرة" في إطلاق وانتشار الفيروس، ولكنها أيضاً لا تنفي استفادة شركات أعمال عابرة للحدود من الواقع الحالي. وبالتالي فإن التهويل الإعلامي أمر مفيد في جميع الأحوال.
ومنذ مطلع هذا الأسبوع، أصبحت نسبة الوفيات بسبب "كورونا" أكبر من معدل الوفيات من فيروس "سارس" الشهير عام 2003 قياساً إلى عدد المصابين، مع الإشارة إلى أن العدد الأكبر من الوفيات بأي فيروس مماثل هو دائماً أكبر بالتأكيد لدى من يعانون من أمراض أخرى.
في الوقت الراهن، ينحو الاتجاه الإعلامي العالمي إلى التركيز على احتمالات تحول "كورونا" إلى وباء دولي. إحدى ركائز هذا التوقع هو أن اقتصاد الصين قد زاد عشرة أضعاف عما كان عليه في العام 2003، حين ظهر "السارس"، ما يعني أن الخطر الذي يحدق بنا جميعاً هو أكبر!
في المعضلات والمشاكل، تفترض الحكمة والهدوء الركون لأصحاب الاختصاص ولتقييم المخاطر والفرص. هي ليست المرة الأولى التي ينتشر فيها وباء في العالم. في العصور الماضية، شهدنا موجات موت جماعية بسبب أمراض لم تعد تُعتبر مميتة في زمننا الحالي. وكحال كل الأمراض التي تتغذى أيضاً من مشاعر القلق والخوف والعوارض "النفس- جسدية"، فإن "كورونا" حتى الساعة هو فيروس جديد يسبب ارتفاعاً في الحرارة وضيقاً في التنفس وأعراضاً أخرى مشتركة ومألوفة لدى البشر المصابين بأنفلونزا موسمية، وقد يكون الأمر مميتاً في حال تم إهمال العناية بالمريض أو في حال كان المريض يعاني أمراضاً أخرى تؤخر العلاج أو تمنعه.
ما عدا ذلك، فنحن أمام قضية رأي عام عالمي يغذيها بعض الإعلام لغايات غير بريئة تختلط فيها المصالح التجارية والاقتصادية بالسياسة والأمن.