لو شاهدتم حفل توزيع جوائز الأوسكار 2014 ، قد لا تتذكرون بالضبط الفيلم الذي فاز في كل فئة، لكن من المحتمل أنكم تتذكرون دموع لوبيتا نيونغ مو واقفة وقبضتها محكمة على التمثال البرونزي المطلي بالذهب من عيار 24 قيراط ويبلغ طوله 13 بوصة، وتحدق فيه بإعجاب وتصرح أنها تأمل في أن "يتمكن التمثال من تذكيري أنا وكل طفل صغير بأن أحلامك مشروعة، بغض النظر عن المكان الذي أتيت منه".
على نحو مماثل، ربما لم تتمكنوا من مشاهدة فيلم "صِبا" ("بويهود") للمخرج ريتشارد لينكليتر، على الرغم من كل نواياكم الحسنة، لكن من المحتمل أن تكونوا قد شاهدتم باتريشيا آركيت تطالب بـ"المساواة في الأجور مرّة واحدة وإلى الأبد" عند تسلّمها جائزة أفضل ممثلة مساعدة في 2015.
غالباً ما تكون خطب استلام الجوائز جذابة تماماً مثل الأفلام، وفي بعض الأحيان تكون أكثر جاذبية، بعدما صارت لحظة مثالية بالنسبة للممثلين وصارت مواضيع إخبارية في حد ذاتها. العام الماضي، شارك حوالى 30 مليون شخص في مشاهدة حفل توزيع جوائز الأوسكار. مع وجود منصة كهذه، تتاح للممثلين فرصة لإسماع أصواتهم، على عكس تأديتهم للحوارات المكتوبة لهم في سيناريوهات الأفلام. وبشكل متزايد، يسعد كثيرون باستغلال هذه الفرصة إلى أقصى حد ممكن.
إليكم هنا الجانب الجيد في الموضوع. من التمييز الجنسي والعنصرية إلى حقوق الأميركيين الأصليين وأزمة المناخ، يستخدم المشاهير خطاب استلام الجوائز منذ وقت طويل بوصفه فرصة كي يصطفّوا مع حركة تهمُّهم بصورة شخصية. ولم يكن هذا العام مختلفاً أبداً. فبعد عدد قليل مضحك تقريباً للمرشحات نيل جوائز "غولدن غلوبز" (على الرغم من وجود عديد من المتنافسات الجديرات في أهم الفئات)، واحتلال شخصيات بيضاء كافة قوائم أفضل الفئات في مسابقة "بافتا"، سيطر على موسم الجوائز هذا العام الحديث عن موعد التحاق صناعة الفن بركب العالم الذي تقول إنها تمثله.
عندما أُعلِنَ عن فوز فيلم "طفيلي" ("بارازايت") للمخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو بجائزة أفضل فيلم لهذا العام، شعر كثيرون بالحماسة لأن إحدى احتفالات توزيع الجوائز لهذا الموسم وأهمها على الإطلاق، قد اعترفت أخيراً بالفن ولم تعطِ الأولوية لأصحاب الامتياز.
وعلى وجه الخصوص، تحدّث أحد الممثلين علانية عن أوجه القصور في هذه الصناعة. إذ استخدم خواكين فوينكس خطاب تسلمه جائزة "بافتا" للحديث عن "العنصرية المنهجية"، معترفاً بأنه "لم يفعل كل ما في وسعه لضمان أن الأفلام التي كان مشاركاً فيها كانت شاملة في تنوّعها". وجاء رد الفعل على كلمته إيجابياً في الغالب. إذ عمدت سينثيا إريفو نجمة فيلم "هارييت"، علماً بأنها الممثلة السوداء الوحيدة التي رُشّحت في جميع فئات التمثيل في جوائز الأوسكار 2020، إلى الحديث عن مدى سعادتها لأن فوينكس قد استخدم منصته للإشادة بالأشخاص الملونين، مشيرة إلى أن "أشخاص مثلي، الفتيات السوداوات في العالم، والرجال السود في العالم، يقولون ذلك باستمرار، لكن أصواتنا لا تُسمع دائماً".
أثناء تسلمه جائزة أفضل ممثل في حفل توزيع جوائز الأوسكار ليلة الأحد الماضي، واصل فوينكس حملته عن المساواة، لكنه ألقى هذه المرّة بعض الأسباب الاخرى ضمن دوافعه.
وورد في خطاب فوينكس، "أعتقد أننا في بعض الأحيان نشعر أو جُعلنا نشعر، في أننا ندافع عن قضايا مختلفة... لكن بالنسبة لي، أنا أرى قواسم مشتركة. وأعتقد، سواء أكنا نتحدث عن عدم المساواة بين الجنسين أو العنصرية أو حقوق الإنسان أو حقوق السكان الأصليين أو حقوق الحيوان، فإننا نتحدث عن مكافحة الظلم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من دون التوسّع في قضايا العنصرية أو حقوق المرأة التي من الواضح أنه أراد تضمينها في حديثه كي تكون مجرد سلاح مساند لموضوعه الرئيسي، بدأ فوينكس خطبة لاذعة ضد صناعة الألبان. ووفق كلماته، "نشعر بأننا مخوّلون تلقيح بقرة اصطناعياً وسرقة مولودها، على الرغم من أنه لا يمكن للعين أن تخطئ صرخات ألمها. ثم نأخذ حليبها الذي يفترض أنه مخصص للعجل، ونضيفه إلى قهوتنا وحبوب فطورنا".
إنها مقاربة صارخة. ربما لو اختار أن يناصر هذه القضية وحدها، بدلاً من إقحام كل القضايا مع بعضها بعضاً، لما كان الموقف مؤلماً كثيراً مثلما حدث. ولكن الذي حدث أنه تتحدث عن مظالم العنصرية، وتجارب الملونين أصحاب التاريخ الغارق في العبودية، ومن ثم ناقش قضية النساء اللواتي ما زلن يواجهن تحدياً في حقوقهن في الاستقلال الذاتي الجسدي من قِبَلْ قوانين مناهضة الإجهاض في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وذكر حقوق اللواطيين، في الوقت الذي يتعرض فيه أفراد من مجتمع المثليين للضرب والتجريم ويمنعون من الزواج من شركائهم. أن تذكر تلك القضايا كلها في حديث واحد مع الأبقار الحلوب، فذلك يسلط الضوء حقاً على مدى الامتياز الذكوري الأبيض المذهل الذي يجسّده فوينكس بوضوح!
ولإضفاء مزيد من الإهانة على الألم، أنهى فوينكس خطابه باقتباس كلمات أغنية كتبها أخوه ريفر، "إهرب إلى نجاتك، وسيأتي الحب والسلام". وبدا واضحاً أيضاً أن هذا يحمل معنى شخصياً (حيث كان صوت فوينكس يتحشرج أثناء نطقه الكلمات التي كتبها شقيقه الراحل)، لكن الموضوع حوّل الموقف إلى مثل عن تركيبة المنقذ الأبيض الذي تكاد مشاهدته لا تطاق.
وبالطبع، ورد ذلك كله قيل خلال خطاب استلامه جائزة عن فيلم جرى الاحتفاء به على نطاق واسع ولكن جرت إدانته كذلك باعتباره إشكالياً. إذ يستعرض فيلم "الجوكر" حياة رجل مريض عقلياً وغير قادر على الحصول على دوائه ومُهمل من الدولة، ويخوض معركة قتل غاضبة. شكّل الاختلاف في الطرق التي تتعامل فيها أجهزة القانون ووسائل الإعلام مع مرتكبي هذه الجرائم من البيض والملونين، وكذلك المناقشات عن الذكورة السامة والمخاوف بشأن تجسيد صورة نمطية عن اضطرابات الصحة العقلية، شكّل ذلك كله جزءاً من الانتقادات الكثيرة التي واجهها الفيلم على الإنترنت.
عندما استخدمت فرانسيس ماكدورمان خطاب استلامها جائزة أفضل ممثلة في 2018 عن أدائها في فيلم "ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميزوري"، لاتخاذ موقف سياسي، وَعَدَتْ بحماسة وغضب أن تفرض عنصر الشمول المتنوع عند قبولها الأدوار، وتلك خطوة من شأنها أن تُحدِث فارقاً ملموساً في هذه الصناعة إذا فرضت بصورة عملية. في المقابل، ما الشيء الذي يعد به فوينكس بالضبط بعيداً عن جعل نفسه واجهة لشعور الذنب الذكوري لديه؟
كخلاصة، من المخاطرة أن يستخدم أحد المشاهير المنصة المتاحة لهم لتقديم وجهة نظر سياسية. ويؤكد ذلك الفيلم الوثائقي لتايلور سويفت على "نيتفلكس"، إذ ثُنيتْ المغنية عن وضع نفسها في صف حركة ما بسبب اعتقاد إدارتها أن ذلك قد يؤثر على نجاحها. لكن فوينكس تجاوز ذلك بكثير. إنه رجل يتمتع بمسيرة مهنية تمتد عبر أدوار لا تحصى نالت استحساناً كبيراً وقد اكتسح موسم الجوائز لهذا العام. كان في مكنته دفع القارب إلى الأمام قليلاً.
المشاعر الموجودة في جوهر خطاب فوينكس مهمة. إذ يتمتع الأشخاص الموجودون في مواقع السلطة بامتياز ومنصة للتحدث علانية عن المجتمعات المضطهدة، ويتوجب عليهم فعل ذلك. لكنني أقدم هنا نصيحة لكل رجل أبيض غير مثلي جنسيّاً ويرغب في الوقوف إلى جانب مجتمعات المثليين والنساء والأشخاص الملونين... لا تَنْبرِ إلى مقارنة المجموعات المهمشة مع الحيوانات اللبونة. إذ يبعث هذا الأمر بالرسالة الخطأ.
© The Independent