في 2015، جمعتُ تبرعات لتمويل رحلة لتغطية الانتخابات العامة في المملكة المتحدة كصحافي مستقل. ومن بين التقارير الأولى التي نشرتها آنذاك، مقابلة مع نانسي تاف المرشحة عن "اتحاد العمال" و"الائتلاف الاشتراكي" في "والتامستو" ضد النائبة العمالية ستيلا كريسي من اليسار.
أخبرتني نانسي أن "حزب العمال لم يعد حزباً اشتراكياً،" وقد وجدت حججها قوية. وبعد خسارة حزب العمال تلك الانتخابات، اعتقدت أنها كانت محقة. لذلك، وفي عمود لمجلة "زي غاي يو كيه" The Gay UK، أعلنت دعمي للاشتراكي والناشط اليساري جيريمي كوربين في قيادة البلاد. ومن دواعي سروري أن كوربين قد فاز، إذ رأيت الثورة مقبلة بعد طول انتظار.
لقد تغيرت الأمور بسرعة. بحلول 2017، بدا واضحاً أن جيريمي كوربين، على الرغم من أنني أتفق معه في معظم القضايا، لم يكن قادراً على الفوز بلعبة "تيك تاك تو"، بمعنى كونه بعيداً من القدرة على الفوز في انتخابات عامة. كان حزبه في حالة من الفوضى، ويتخبط زعيمه كوربين في فضيحة متعلقة بمعاداة السامية (التي استمرت حتى يومنا هذا). ظهرت مخاوف من أن تتسلل إلى حزب العمال أصوات متطرفة كانت تسعى إلى إعادة تشكيله بالطريقة التي تراها مناسبة لها. أثيرت اتهامات بأن "اليسار المتشدد" كان يحاول تطهير الحزب من أصوات يسارية أكثر اعتدالاً. لقد خشي عدد من أعضاء البرلمان أن يكون كوربين وأنصاره الذين كانوا معروفين بممارسة الترهيب ضد زملائهم أعضاء الحزب ومحاولة إلغاء ترشيحات نواب البرلمان ممن لم يلتزموا تماماً بخط كوربين في الانتخابات التمهيدية، بعيدين كل البعد من الجمهور البريطاني وبشكل يبعث على الأسى.
لقد توليت قيادة التغطية الانتخابية لمجلة "زي غاي يو كيه" في ذلك العام، وتوضّح لي أن حزب العمال لن يهزم تيريزا ماي. وبالنظر إلى عدم شعبية ماي بشكل عام وحقيقة أن البلاد كانت متعبة بعد سبع سنوات من تقشف المحافظين، بدت الانتخابات في متناوله، لكنه خسرها. حاول الحزب الترويج للمكاسب التي حققها باعتبارها نصراً، لكن الاقتراب من الفوز يعني أيضاً... الخسارة. ومع ذلك، احتفظ بإمساكة زمام السلطة، وقاد حزب العمال إلى انتخابات 2019 و... أسوأ هزيمة انتخابية للحزب منذ 1935.
ويعود بنا هذا إلى انتخابات ولاية "نيوهامشر". ففي الليلة الماضية، بالكاد انتزع بيرني ساندرز انتصاراً بفارق ضئيل في التصويت الشعبي على بيت بوتيدجيدج . ففي الوقت الذي كنت أشاهد النتائج تصل تباعاً، لم أكن قادراً على مقاومة الشعور بأنني أعيش في فيلم "يوم جرذ الأرض"، وتلك تجربة سبق لي أن عشتها كاملة بالتفصيل، ولم يتبدّل سوى اللـهجة وحدها هذه المرة.
غرّد شينك يوغور، مقدم برنامح "زي يونغ توركس" The Young Turks على "يوتيوب"، "إذا استحوذ التقدميون على الحزب" سيكون لزاماً علينا أن "نمنع جميع الاستشاريين الديمقراطيين المشتركين" (لم يحدد من، إلا أن كل من قرأها يعرف أنه يقصد المعتدلين). وقبل أيام من ذلك، عندما غردت أنه كي يفوز بيرني في نوفمبر (تشرين ثاني)، سيحتاج إلى ناخبين من أمثالي ممن يؤيدون مرشحين آخرين في الانتخابات التمهيدية، ردّ عليَّ أحد أنصار بيرني، "نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين". وخلال الليلة الماضية، شبه أحد المتحمسين من أنصار بيرني المرشح الذي أؤيده بيت بوتيد جيدج بـ... هتلر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أنا يائس. يبدو أن بيرني ساندرز وأنصاره يستنسخون جميع فصول اللعبة الكوربينية آملين بالحصول على نتائج مختلفة. ولن يحصلوا عليها. في المقابل، أدرك لِمَ يجدون ذلك مغرياً. إن إثارة حماسة قواعدك في حملة الانتخابات التمهيدية أو زعامة الحزب يبدو كله أمراً جيداً ويمنحك شعوراً جميلاً. الناس عاطفيون، وقد تجعل العواطف منك مرشح الحزب أو زعيمه. وسينتظم جميع أعضاء الحزب في صف واحد، لأنهم يريدون الفوز وأنت فرصتهم الوحيدة للفوز بالانتخابات.
غير أن الناخبين لن يحذو حذوهم. فبعيد انتخابات 2015 في المملكة المتحدة، كتبتُ مقالاً موجزاً تحت عنوان "لماذا خسر العمال؟". وتمثّلت خلاصة التحليل آنذاك في أن الأفكار اليسارية كانت تحظى بشعبية غير مسبوقة، وبالطبع إذا قدم حزب العمال بياناً اشتراكياً حقيقياً سيكون الفوز سهلاً.
كم كنت مخطئاً. إذ رأى غالبية الناخبين في كوربين شخصاً منقطعاً عن الواقع بشكل مأساوي وقلقوا من كونه راديكالياً خطيراً قد يلحق الضرر بالأمن القومي. فقد ترك تفاعلهم مع أنصاره على الإنترنت مرارة في أفواههم. وشعروا أيضاً أن الحزب يركز على القضايا التي تؤثر في النخبة المدينية أكثر من القضايا المعيشية لسكان وسط إنجلترا.
لم يتمكن كوربين من كسب الناخبين المتقلبين. وكذلك غادر الحزب أو امتنع عن التصويت لمصلحته، عديد من الناخبين الذين دأبوا لفترة طويلة على التصويت للعمال. ونتيجة لذلك، خسر المعركة أمام شخص يعتبر مزحة قومية، رجل بليد وفج وذو شعر أشقر متدلٍ ويملك تاريخاً من التصريحات العنصرية، ولم يكن أحد يعتقد أنه سيصبح رئيساً للوزراء قبل سنوات قليلة.
هل يبدو هذا مألوفاً؟
يبدو أن ساندرز وأنصاره على وجه الخصوص، يخاطرون بإبعاد الناخبين الديمقراطيين التقليديين الذين ربما يكونوا غير مستعدين للثورة. ويغامرون أيضاً بإبعاد الناخبين المتقلبين في الولايات الحاسمة مثل "ويسكونسن" و"بنسلفانيا" الذين يبدو لهم التغيير البنيوي الكبير أمراً مخيفاً ومدمراً، لأنه مخيف ومدمر. إنس لبرهة من الزمن الترشيح والعب اللعبة الطويلة الأمد. إنّ كل ديمقراطي نرشحه سيحتاج إلى تلك المجموعتين معاً، إذا سعى/سعت إلى الفوز بالبيت الأبيض، وذلك يشمل بيرني ساندرز.
أتعاطف مع بيرني وأنصاره لأنني اشتراكي، ولست ديمقراطياً اشتراكياً جباناً مثل بيرني، لكنني اشتراكي خالص ينتمي إلى المدرسة الاشتراكية القديمة. أؤمن أن الناس وليس رأس المال أو الدولة، يجب أن يسيطروا على وسائل الإنتاج. كما أؤمن بإعادة توزيع هائلة للثروة. لكن قطعاً أؤمن أيضاً بالفوز.
استطراداً، يتمثّل الهدف الوحيد للسياسة الانتخابية في الفوز بالسلطة. وبغية الفوز بها، يجب عليك أن تلتقي بالناخبين حيثما كانوا والعمل من داخل النظام كما هو. ويعني ذلك العمل مع "تكتل الكلب الأزرق" في الحزب الديمقراطي [ينتمي أعضاء ذلك التكتل بإخلاص إلى الحزب الديمقراطي، لكنهم ينحازون إلى سياسة محافظة في المال والاقتصاد] الذين يفوزون في المناطق المحافظة للبلاد، بدل طردهم من صفوفك.
يعتبر التوافق والعمل من داخل النظام مسألة بغيضة بالنسبة للمتطرفين الذين يدعمون بيرني ساندرز، لأن النظام بالتحديد هو ما يريدون تدميره. ولن يحدث ذلك بين عشية وضحاها. ولن يحدث هذا خلال هذه السنة. ولا يحتمل أيضاً أن يحدث طوال حياتنا. إذن نحن حيث نحن، وإذا كنا نتمنى أن نغيّر الأشياء إلى الأفضل لكل شخص، فسيكون علينا أن نقابل الشعب الأميركي حيثما يوجد.
لدى بيرني سندرز كثير من الأفكار الرائعة بشأن أميركا، لكن ما يسمى "بإخوة بيرني" يشكّلون عبئاً ثقيلاً عليه. لو أتيحت لي فرصة إسداء النصح لهم، سأدعوهم إلى التخلص من ذلك العبء. سواء أحببنا ذلك أم لا، سنحتاج إلى الديمقراطيين الآخرين والمستقلين والناخبين المتقلبين، إذا رغبنا في وضع الشخص الذي نريده في البيت الأبيض.
حاضراً، لا تؤدي اختباراتك للنقاء الأيديولوجي، والتنمّر على أولئك الذين لا يتفقون معك والتلويح بتطهير الحزب من معارضيك، إلا إلى إبعاد كثيرين منا. يتجسّد الأمر الأكثر أهمية الآن في إلحاق الهزيمة بدونالد ترمب والفوز في الانتخابات. وبسبب ذلك سيحصل بيرني على صوتي إذا ترشح للرئاسيات. لكن، إذا استمر مساعدوه في التصرف كعصابة من المتنمرين الزاعقين، لن يحصل على صوتي.
لقد خسر جيريمي كوربين بسبب رفض متعالٍ من قِبَل أتباعه، لقبول المواقف المختلفة. وما لم يغيّر بيرني وإخوته المسار الذي يسلكونه، سيخسر كذلك، وما لم يحصل ذلك في الانتخابات التمهيدية، فسيحدث في... نوفمبر [عند الانتخابات الرئاسية العامة].
© The Independent