غيَّرت حادثة انهيار مبنى مصنع "رنا بلازا" بالقرب من "دكا" عاصمة بنغلاديش، مجرى حياة السعوديتين ثناء وسخاء الحربي، اللتان تقيمان في لندن، فلم تمر تلك الحادثة كخبر تناولته وسائل الإعلام في عام 2013 عليهما، بل أصبحت نقطة تحوُّل للبحث والتقصي عن تلك الحادثة التي توفي فيها ما يقارب 80 شخصاً وأصيب 700 آخرون، إذ عملت الشقيقتان في تلك الفترة على البحث والتحري بشأن كل ما يخص حقوق العاملين في مصانع الماركات العالمية للملابس، أو ما يُطلق عليها "الموضة السريعة"، والتي يحرص أصحابها على استغلال الفقراء لا سيما النساء في الدول النامية للعمل لديهم برواتب منخفضة بهدف الربح.
وفي حلقة نقاش استضافتها جمعية "تالقة للتنمية المستدامة"، أمس الاثنين، في العاصمة السعودية الرياض، استعرضت الناشطتان السعوديتان العادات الشرائية السيئة، وأهمية التوعية المجتمعية حول الاستهلاك المفرط فيما يعرف بـ"الموضة السريعة"، وتناولت الحلقة عدداً من سلوكيات بعض شركات الأزياء في استغلال الفئات الفقيرة من المجتمع وتوظيفها في مصانع غير مؤهلة للعمل ولا تتوافق مع معايير منظمة العمل الدولية.
تقول ثناء الحربي لـ"اندبندنت عربية" "مكثت عامين في البحث والتحري عن حادثة رنا بلاز، خصوصاً بعدما شاهدت عدداً من الأفلام التي تحكي معاناة العاملين في ذلك المصنع، والذين لا تنطبق عليهم المواثيق العالمية الخاصة بحماية حقوق العمَّال، وكذا مواثيق هيئة الأمم المتحدة المتعلقة بالتمييز ضد المرأة وحقوق الطفل".
تضيف "في منتصف يوليو (تموز) عام 2014 بدأت أولى خطواتي في تثقيف المجتمع حول المخالفات التي يرتكبها عددٌ من الماركات العالمية الشهيرة المتخصصة في صناعة (الموضة السريعة) بما يخص العمال، والهدف في الوقت ذاته هو نشر ثقافة الوعي الاستهلاكي وحفظ حقوق الإنسان بما يحقق الأهداف الخاصة بالتنمية المستدامة للأمم المتحدة".
وتابعت "كانت هناك صعوبة في إقناع الكثيرين بعدم الشراء من ماركات الموضة السريعة، التي لا تراعي حقوق العاملين في مصانعها، والتي كشفت للعالم بعد انهيار مبنى رنا بلازا المكوّن من عدة طوابق تضم عدداً من مصانع ماركات شهيرة لملابس الموضة السريعة، بسبب أن أسعارها في متناول الجميع وتصاميمها عصرية، واستطعنا تجاوز تلك المعضلة من خلال التعاون مع عدد من الماركات العالمية التي تطبِّق المواثيق الدولية فيما يخص تشغيل العِمالة لديها من خلال بيع منتجاتها في تصفيات نهاية الموسم بأسعار في متناول الجميع".
وأكدت أن الفكرة لاقت استحان الكثيرين ممن حولها، ما جعلها تستمر في رسالتها مع شقيقتها سخاء في نشر ثقافة الاستهلاك لدى المستهلكين للحد من استغلال شركات الموضة السريعة الفقراء والضعفاء في الدول النامية.
وفي المقابل ترى سخاء الحربي أن الاهتمام بحقوق الحيوان يلقى اهتماماً أكبر من حقوق الإنسان، لا سيما أن الأصوات التي تعلو لعدم قتل الحيوانات بهدف استخدام فرائها أو جلدها في تصنيع الملبوسات لا تعلو للتأكيد على أهمية حفظ حقوق العاملين في مصانع صناعة الفراء الصناعي والذين يصابون بالعديد من الأمراض الصدرية نتيجة استنشاق المواد الكيميائية في عمليات التصنع"، لافتة إلى أن أعراض تلك الأمراض تظهر على العاملين بعد ستة أشهر من العمل في تلك المصانع، ويمكن أن تودي بحياتهم بعد مرور 12 عاماً.
من جانبها، أكدت رئيسة مجلس إدارة جمعية تالقة، الأميرة عبير بنت سعود بن فرحان آل سعود لـ"اندبندنت عربية" أن الجمعية تحرص على إقامة ورش عمل حول التنمية المستدامة بهدف إبراز جهود السعودية الرائدة في هذا المجال محلياً وعالمياً.
وقالت "إن الجمعية تحرص على نشر الوعي المجتمعي خصوصاً لدى فئة الشباب وحثهم على الإبداع والإلهام من خلال حلقات نقاش تلهم الجيل الصاعد لتقديم مشروعات مبتكرة تساعد في حل المشاكل التي تواجهنا محلياً بما يتلاءم ويتناغم مع رؤية السعودية 2030".
ولفتت إلى أن جمعية "تالقة للتنمية المستدامة" استوحت شعارها من شجرة تنمو في منطقة عسير جنوب السعودية، تمثل مبادئ الجمعية الثلاثة المتعلقة بالاستدامة، إذ إن تلك الشجرة عاشت 1500 سنة في مناخ لا يناسبها وكذلك كانت مصدراً للإبداع، حيث إن كثيرين كتبوا تحت ظلها أبيات الشعر والقصص، وهي كذلك مصدر للانسجام، فكان ظلها المكان الذي يُعقد فيه الصلح بين المتخاصمين.