في 21 فبراير (شباط) الحالي، يجري النظام في طهران الانتخابات البرلمانية الحادية عشرة، والتي تأتي في أعقاب موجة ثورية وغضب شعبي ضد نظام الملالي حتى بلغ الغضب الجماهيري ذروته بعد إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية، في 8 يناير (كانون الثاني) الماضي، التي كانت تقل 177 راكباً قضوا جميعاً في الحادث وأغلبهم من أصول إيرانية، لكن ما يزيد الأجواء شحناً استبعاد مجلس صيانة الدستور، الهيئة الحكومية المنظمة لقوانين البرلمان والتي تتكون من ستة رجال دين وستة قضاة يعينهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، لعشرات المرشحين الإصلاحيين بما في ذلك ما لا يقل عن 80 عضواً في البرلمان الحالي، ما يعني غياب التنافسية بشكل كامل، ويدفع إلى إحكام قبضة المتشددين على المؤسسة.
يتنافس 7148 مرشحاً على 290 مقعداً في 31 مقاطعة، وتعد العاصمة طهران أكبر الدوائر الانتخابية، حيث تنتخب 35 عضواً، تليها أصفهان وأذربيجان الشرقية التي تنتخب كل منهما 19 عضواً ورفض البرلمان الحالي مشروع قانون من شأنه زيادة عدد المقاعد، وهناك خمسة مقاعد مخصصة للأقليات الدينية: اليهود والزرادشتيون ومقعد مشترك للآشوريين والكلدانيين ومقعدان للأرمن، أحدهما للأرمن في الشمال وآخر لأولئك في الجنوب.
إفساح المجال للتيار المتشدد
استبعاد الذين يُطلق عليهم "الإصلاحيون" يُعد امتداداً لممارسات قمعية جمة يمارسها نظام خامنئي لإفساح المجال بالكامل للتيار المتشدد، فمنذ حركة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2009 وسُميت "الثورة الخضراء"، قام النظام بحظر الأحزاب الإصلاحية الرئيسة، مثل جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وقد جرى حظرهما عام 2010 لدعمهما حركة الاحتجاج الخضراء، وشُكِل حزبٌ إصلاحي مشترك باسم "حزب الوحدة الإسلامية الإيراني" (IIUNP) في عام 2015، لكنه واجه أيضاً القمع ولم يُسمح لأي من أعضائه بخوض الانتخابات.
واستمر مجلس صيانة الدستور في استبعاد بعض من أشهر أعضاء البرلمان من طهران، مثل محمود صادقي، النائب الشعبي المعروف بالدفاع الصريح عن الحقوق المدنيِّة، وعلي مطهري، وهو نائب محافظ لكنه مؤيد للرئيس حسن روحاني الذي ينتمي نفسه إلى التيار الإصلاحي، وقد انتقد روحاني تنحية عددٍ كبير من المرشحين للانتخابات، فمن أصل 15 ألف شخص تقدموا للانتخابات استُبعِد 7296 مرشحاً، بحسب أراش عزيزي، الباحث الإيراني في جامعة نيويورك.
غياب التنافسية
ويشير عزيزي، في تقرير للمجلس الأطلنطي، إلى أن انتخابات الجمعة المقبل هي الأكثر غياباً للتنافسية منذ سنوات، فالإصلاحيون سيشكلون أقلية صغيرة للغاية في البرلمان المقبل وسيتعين على روحاني أن يتعامل مع برلمان يسيطر عليه المحافظون خلال الفترة المتبقية من ولايته، ووفقاً لحسابات عبد الواحد موسوي لاري، نائب رئيس مجلس السياسة العليا للإصلاحيين، فإن نحو 160 مقعداً من أصل 290 لن يشهدوا تنافساً، حتى داخل المعسكر المحافظ نفسه.
وبحسب مسؤول تحدث لوكالة "رويترز" شريطة عدم ذكر اسمه، فإنه لا يمكن إطلاق اسم "سِباق" على الانتخابات المقررة، فالتيار المتشدد يسعى إلى الرئاسة في 2021 وستكون هذه نهاية التيار المعتدل على الأقل لعقد مقبل إن لم يكن أكثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد حلفاء المرشد الأعلى أن المتشدّدين يسيطرون على المشهد، إذ يطيحون بالمعتدلين ويقودون المحافظين، بحيث يقدمون للناخبين خياراً وحيداً بين المرشحين المتشدّدين والمحافظين الموالين للمرشد، ما يفتح الباب لحقبة يحكم فيها النخبة من الحرس الثوري، الذين يهيمنون بالفعل، ويمنحهم نفوذاً أكبر في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
دعوات للمقاطعة
ولم تبرز حتى الآن دعوات تظاهر ضد الانتخابات، لكن يدعو العديد من قادة المعارضة في إيران إلى المقاطعة، ليس فقط بسبب الفساد وغياب المنافسة، ولكن بسبب الغضب جراء العنف الذي مُورس ضد المحتجين الذين خرجوا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 احتجاجاً على رفع أسعار الوقود، حيث قُتل 1500 متظاهر بوحشية على أيدي عناصر الحرس الثوري وقوات الأمن، فضلاً عن الغضب الشعبي عقب حادثة الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري خطأ خلال عملية شنها ضد قواعد أميركية في العراق انتقاما لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي استهدفته الولايات المتحدة مطلع العام الحالي.
الشعب يهتف ضد النظام
ومنذ عام 2017 نظّم الشعب الإيراني أربعة احتجاجات كبرى على مستوى البلاد تطالب بتغيير النظام، كما أن تظاهرات يناير (كانون الثاني) الماضي التي نددت بحادثة الطائرة شملت هتافات استهدفت المرشد منها "الموت للظالم" وأخرى منددة بكل الطبقة السياسية الحاكمة سواء من المتشددين أو الإصلاحيين، ما يعني بحسب علي باغيري، الناشط الإيراني المدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، الرغبة في تغيير النظام الثيوقراطي غير الشرعي برمته كأولوية للشعب، مضيفاً "لقد هتف الناس والطلاب (الموت لخامنئي)، (الموت للديكتاتور)، (الموت لمبدأ الفقيه)، (الموت للظالم)، سواء كان الشاه أو القائد، إنهم يريدون جمهورية علمانية تقوم على الديمقراطية وسيادة الشعب، بينما كان الشعب يهتف في مظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ويناير 2020، فقد قاموا بالفعل بالتصويت لتغيير النظام".
ودعت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI)، الشعب الإيراني إلى مقاطعة الانتخابات المزيفة، وقالت إن "مقاطعة هذه المهزلة واجب وطني والتزام من الأمة لشهداء الشعب الإيراني، وبخاصة الـ1500 شهيد الذين قتلوا في انتفاضة نوفمبر". كما كانت نرجس محمدي، الناشطة الحقوقية المسجونة في سجن إيفين سيئ السمعة في طهران منذ عام 2014، من بين العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية للاحتجاج على "القتل في الشارع ورد الحكومة القاسي".
"تعيينات" بقيادة خامنئي
وبحسب عزيزي، فإن مصطفى تاج زاده، الذي عمل مستشاراً للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، بين عامي (1997-2005)، تحدث للكثيرين داخل إيران قائلاً إنه سيقاطع الانتخابات لأن الأمر أصبح بالفعل "تعيينات" بقيادة خامنئي، وأعلن المجلس الأعلى للإصلاحيين، الذي يمثل جميع السياسيين الإصلاحيين الرئيسين، أنه لن يصادق على المرشحين في طهران والعديد من المحافظات الأخرى.
تحرك خامنئي نحو إزاحة الإصلاحيين من المشهد السياسي لا يتعلق فقط بالقمع، فبحسب الباحث الإيراني ففي السنوات القليلة الماضية، دعا المرشد الأعلى مراراً وتكراراً إلى برلمان تهيمن عليه "القوى الشابة والمتدينة والثورية"، وهي دعوة تهدف إلى تغيير الحرس القديم ويمنح بموجبه المزيد من كبار المحافظين مكانهم لعناصر أصغر سناً تكون عادةً أكثر محافظة وتأييدا لخامنئي ومعادية للغرب، وأيضاً تدعم تدخل إيران المسلح في العالم العربي.