حدث أن شاهدتُ ليلة الخميس الماضي، قبل الضجة التي أثيرت على وسائل التواصل الاجتماعي، امرأة بتسريحة شعر مماثلة لتلك التي تتميز بها بالممثلة أليسون ستيدمان، وهي تتكلم خلال برنامج "كوستشين تايم" (وقت السؤال) عن الهجرة، وخطرت ببالي ثلاثة أمور، وليس فقط أنها تبدو شبيهة بشخصية باميلا التي لعبت الممثلة ستيدمان دورها في فيلم غافين وستايسي.
أولا: ربما ستنتشر قصتها على نطاق واسع للغاية. وقد أصبح هذا نوعا من التقليد الأسبوعي، إذ يجري تسليط الضوء بقوة في كل من حلقات البرنامج على مساهمة صاخبة تأتي من أحد أعضاء الجمهور، ثم تصبح لاحقا موضع سخرية أو إطراء على يد قبائل تويتر المتنوعة.
ثانيا: كانت المرأة على خطأ، بشكل يبعث على الضجر والاكتئاب. كنت كأني أستمع لاستعادة متأخرة لأحد خطابات نايجل فاراج التي ظل يرددها خلال الـ 15 سنة الأخيرة. فالآراء حول السياحة الصحية، وحول الضغط على الخدمات العامة، وفكرة أن بريطانيا تغصّ بالبشر وأن هناك الكثير من الأجانب الذين يتدفقون "عليها كالطوفان"؛ كان كلامها يفيض بالمزاعم الطنّانة التي ردّدها "حزب استقلال المملكة المتحدة" و " بريكست"، وأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، ونايجل فاراج أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن هذه المزاعم لم تُدحض أبداً بشكل كافٍ ولم تجد ردوداً تفنّدها تفنيداً كاملاً، وهذا هو سبب خسارة أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي الاستفتاء عام 2016 حول بريكست، إذا كان هناك من يتذكره.
ثالثا: لماذا كان ردّ فريق ضيوف البرنامج عليها ضعيفاً جداً؟ كوني شاهدت البرنامج، أستطيع القول إن هذا الجانب كان الأكثر إحباطا ومدعاة لليأس فيه، وليس وجهات النظر الشائعة التي عبرت عنها تلك المرأة. وللتذكير، هناك ملايين البريطانيين ممن يوافقونها الرأي.
ضم فريق الضيوف المدعوين لمناقشة الأسئلة المطروحة من الجمهور، جورج يوستيس، وهو عضو في مجلس الوزراء الحالي، ومايكل بورتيلو، وزير الدفاع الأسبق؛ والنائبة العمالية أليسون ماكغوفرن؛ وهوارد ديفيز، الذي يرأس مجلس إدارة "رويال بانك اوف سكوتلاند"؛ وآش ساركار الناشطة اليسارية والصحافية. ولم يوافق أي منهم على مطالبة المرأة بإغلاق الحدود البريطانية، لكنهم كانوا أكسل من أن يبذلوا جهداً حقيقياً لشرح أسباب معارضتهم لها.
كأن محاولة تفنيد مزاعم المرأة لم تكن تستحق الاهتمام، لأنها كانت شديدة الانفعال. ولم يأخذ أي منهم جدال المرأة على محمل الجد، أو تعامل معها بشيء من الاحترام من خلال الإجابة على النقاط التي أثارتها بشكل مباشر ومقتضب، واحدة بعد الأخرى.
كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك. كان بوسعهم القول إن "خدمة الصحة الوطنية" كانت تحاول التعامل مع عمليات الاحتيال ذات الصلة بالسياحة الصحية، وهي تمثل فضيحة حقيقية على الرغم من ضآلتها النسبية. ربما كان بإمكانهم تذكير المرأة أن أولئك الذين سيعالجونها أو يعالجون أفراد أسرتها هم مهاجرون، أو أن أسلافهم من المهاجرين، ولا يمكن العثور على من يحلّ محلهم من أبناء بريطانيا الذين يغلب عليهم حالياً التقدم بالسن. وكان يمكنهم أن يقولوا على سبيل المزاح إن إغلاق الحدود سيعقِّد الوضع بالنسبة للألماني يورغن كلوب، مدرب فريق ليفربول، حين يريد العودة إلى ملعب أنفيلد. كما كانوا يستطيعون تذكيرها بان الخدمات العامة ترزح تحت ضغوط شديدة حالياً بسبب التخفيضات في التمويل العام والتقشف، سواء كان هذان الإجراءان ضروريين لمعالجة المالية العامة أم لا.
كان بإمكانهم أن يجادلوا بأن المهاجرين بشكل عام هم من الشباب الباحثين عن عمل، وليس عن إعانات البطالة، وهم يولّدون المزيد من الطلب في اقتصاد يشهد ارتفاعاً في النمو الاقتصادي والأجور. ولعلهم كانوا قادرين على شرح أنه ليس بمستطاع أي بلد أو مجموعة الإفلات من العولمة، والمهمة الخطيرة الآن هي حماية المجتمعات الصغيرة التي تعرضت إلى أضرار شديدة بسببها، وذلك عن طريق دعمها للتكيف مع هذا الوضع.
لكن بشكل عام، لم يفعل فريق الضيوف ذلك. وتكلموا بنبرة فوقية مع المرأة وتجاهلوا مخاوفها، بالطريقة نفسها التي تجاهل فيها غوردون براون رئيس الوزراء الأسبق العمالي، مخاوف السيدة دافي حيال المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية، مما أثّر كثيرا على فرص فوزه بالانتخابات العامة.
هكذا تعرض أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي للإهمال وتُركوا لقمة سائغة لفاراج وأمثاله، وحتى لبوريس جونسون الذي يستغلهم عن طريق الإشارة إلى قناعاتهم القديمة الخاطئة، على رغم أنها صادقة، حول الهجرة والاتحاد الأوروبي. فالأفكار والجمل القصيرة التي تتردد في مجموعات بؤرية أو أمام أبواب بيوت الناخبين، مثل "لنحقّق بريكست " أو "فلنستعدْ السيطرة" و"نقطة التحول"، باتت أشبه بالشعارات والعناوين العريضة للمنشورات الدعائية، وصار الناس يستخدمونها في النقاشات العامة، وبذلك تكتمل الحلقة وتكون الخسارة من نصيب وجهة النظر التقدمية المستنيرة.
نحن نعيش في غرفة تُرّجع جدرانها الصدى، والمشاعر التي أثارتها المرأة في برنامج "وقت السؤال" ليست استثنائية أو غريبة، لذلك يجب عدم احتقارها، فهي تتكلم بالنيابة عن عدد كبير من الأفراد.
© The Independent