على الرغم من الخسائر الدامية التي تكبدتها أسواق الأسهم العالمية، وبخاصة الأميركية والصينية، خلال الجلسات الماضية، لكن تحليلاً حديثاً جاء ليُبرئ فيروس "كورونا" من هذه الخسائر التي طالت جميع المستثمرين.
ويبدو أن الصواب جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في دفاعه المستمر عن طريقة تعامل إدارته مع انتشار الفيروس القاتل، حيث كتب في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أن "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية الأميركي يقوم بعمل رائع في التعامل مع فيروس كورونا". وجاءت تعليقات ترمب في الوقت الذي أطلق فيه مسؤولو الصحة في الولايات المتحدة تحذيرات للاستعداد لانتشار الفيروس في البلاد، بعد اكتشاف إصابة جنديّ في معسكر كارول بالقرب من كوريا الجنوبية.
وعلّق محللون ومتعاملون في الأسواق مسؤولية الخسائر العنيفة التي واجهتها أسواق الأسهم خلال الجلسات الماضية بالكامل في رقبة "كورونا"، بخاصة مع انتشار حالة الذعر بين المستثمرين وتسببها في موجة بيعية عنيفة وقرارات عشوائية انتهت بخسائر اقتربت من نصف تريليون دولار في بعض الجلسات.
وفي أسواق الأسهم الأميركية، كانت الأوضاع أكثر صعوبة، حيث هوت 7 في المئة خلال 5 جلسات فقط، وهذه هي المرة الرابعة فقط التي تشهد فيها "وول ستريت" هذه الموجة البيعية منذ أزمة سقف ديون الولايات المتحدة في عام 2011.
لكن التحليل، الذي أعدته وكالة "بلومبيرغ أوبنيون"، أشار إلى أنه بعد كل موجة بيعية من المرات الثلاث السابقة كان هناك حالة من التعافي الفوري. لكن، ولسوء الحظ، من الصعب رؤية كيف نحقق مثل هذا التعافي في ذلك الوقت.
فيروس "كورونا" ليس عرضة للضغوط المالية
التحليل أشار إلى أنه على عكس سلطات السياسة النقدية في الصين أو بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن فيروس كورونا ليس عرضة للضغوط المالية، وعلى خلاف جيروم باول، لا يمكن لكورونا أن يحول اتجاهها. وحتى إذا كان هناك تراجع في هذه الأزمة الصحية، فإن الوضع يحتاج إلى مراقبته لبعض الوقت، لذلك لا يوجد أنباء رئيسة واضحة من شأنها أن تصحّح الأمور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلاوة على ذلك، فإن عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات سجلت أدنى مستوى في تاريخها خلال جلسة تداول الثلاثاء الماضي، في حين أن أداة العقود الآجلة للفيدرالي المعدلة تضع تكهنات بتنفيذ خفض معدل الفائدة في الولايات المتحدة مرتين قبل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وذلك بمقدار 25 نقطة أساس (0.25 في المئة) لكل مرة.
كما يوجد احتمالية بنحو 50 في المئة لتنفيذ خفض إضافي في معدل الفائدة الأميركي بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) من العام المقبل. لكن بالطبع، لا تستخدم معدلات الفائدة المنخفضة ضد عدوى الجهاز التنفسي، لكن من المحتمل أن تساعد في التخفيف من التداعيات السلبية الاقتصادية الناجمة عن الفيروس.
وفي ظل حقيقة أن الأسواق بالفعل تضع تسعيرها على أساس فرضية خفض معدلات الفائدة وأن تكاليف الاقتراض منخفضة بشكل ملحوظ بالفعل، فإن احتمالية تنفيذ عمليات خفض كبيرة في الفائدة لن يكون لها نفس التأثير الذي أحدثته خطوات مماثلة في السابق.
وعلى عكس موجة التقلبات الشديدة التي حدثت قبل عامين، عندما تراجعت الرهانات بشكل حاد، على أن تقلبات أسواق الأسهم الأميركية ستظل منخفضة، إلا أن هذا الوضع لم يشهد انعكاساً لأيّ من المراكز المفرطة بشكل واضح.
قطاعات بالسوق تسجل قيماً مبالغاً فيها
وتطرق التحليل إلى وجود سبب وجيه للاعتقاد بأن العديد من قطاعات السوق مبالغ في قيمتها، وكان ذلك لفترة طويلة، لكن تحركات الأيام القليلة الماضية لا تتعلق بهذه المبالغات. وبالأحرى، فإن هذه عبارة عن "موجة تصحيح" استثنائية للغاية تهدف إلى تصحيح التوقعات الاقتصادية في ضوء الأخبار بدلاً عن المبالغات في السوق.
وذكر أنه بالنظر إلى حالة عدم اليقين الشديدة حيال مدى الضرر الاقتصادي الذي ستحدثه الجهود المبذولة لاحتواء الفيروس في نهاية المطاف، فإن هذه التحركات هادئة ومنظمة بشكل يثير الدهشة.
وتتركز الخسائر في القطاعات التي من الواضح أنها ستتأثر بشكل أكبر، مثل شركات الطيران والفنادق والرحلات البحرية، كما ستكون متمركزة في الشركات التي حذرت بشكل خاص من أنها تتوقع إلحاق الضرر بأرقامها المالية، مثل أبل وماستر كارد.
وشهدت جلسة الثلاثاء الماضي موجة بيعية حادة للغاية، حيث تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 3 في المئة. لكن لم يشمل ذلك أيّ محاولة لتقليل حالة المبالغة في تقييمات الأسواق.
وفي الواقع، فإن مؤشر "فانج+"، بما في ذلك الأسماء الأحدث في الوقت الحالي، تفوّق في الأداء قليلاً عن أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في هذا اليوم، بينما حققت أسهم النمو أداءً أفضل قليلاً من أسهم القيمة، على الرغم من الذعر المطول في السابق.
وحتى مع هبوط العائد على سندات الخزانة الأميركية، التي يحل موعد سدادها بعد 10 سنوات، إلى مستوى تاريخي متدنٍ، لم يكن هناك كذلك اتجاه واضح للملاذات الآمنة التقليدية.
وفي سوق العملات المشفرة، تراجعت قليلاً عملة "بتكوين"، التي تعد الملجأ الآمن الحديث في الوقت الراهن، كما انخفض سعر الذهب - الذي ارتفع بوتيرة متسارعة أخيراً- في الواقع بشكل طفيف خلال جلسة التداول الأميركية، في حين توقف عائد سندات الخزانة أجل 30 عاماً عن هبوطه.
تحركات غريبة في سوق العملات بقيادة الدولار
عند النظر إلى تحركات الدولار، أشار التحليل إلى أن هناك شيئاً غريباً يحدث مجدداً، حيث إن الدولار الأميركي كان يتداول عالمياً في الآونة الأخيرة كملاذ آمن. كما أن أداء اليورو كان ضعيفاً، حيث إن هناك تفشياً كبيراً للفيروس في منطقة اليورو (في إيطاليا)، في حين أن الولايات المتحدة بعيدة عن هذا الأمر حتى الآن.
ومع ذلك، فإن اليورو ارتفع بالفعل مقابل الدولار خلال تعاملات هذا الأسبوع، على الرغم من أن عملات الأسواق الناشئة ( بقيادة دول أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وليس الدول الآسيوية) قد تراجعت إلى مستويات قياسية متدنية من حيث القيمة الاسمية.
وربما يكمن أفضل تفسير لهذا الوضع في أن المستثمرين يقللون من عمليات المخاطرة من خلال إنهاء صفقات الشراء بالاقتراض، مما يعني إعادة شراء اليورو - وبالتبعية تقوية قيمة العملة مقابل الدولار- وبيع الاستثمارات في عملات الأسواق الناشئة.
لكن، مجدداً، يؤكد هذا الأمر أن حركة التصحيح تلك استثنائية. وعوضاً عن الذعر، فإن هذه محاولة منظمة للتعامل مع مشاكل جادة.
وتبذل البنوك وجماعات الاستثمار قصارى جهدها من أجل تحديد النطاق المحتمل للمشكلة، وهم يفعلون ذلك بصورة معقولة إلى حد كبير. ولا يعتبر ذلك بمثابة تجسيد لحالة الذعر في السوق، ومع ذلك فإن الأنباء التي تصدرت الأيام القليلة الماضية مثيرة للقلق، حيث يوجد حالة من الذعر لدى السكان المتضررين بشكل مباشر إلى جانب شيء قريب منه في المناطق التي لا تزال خالية من الفيروس. ويمكن وصف هذا الأمر بأنه عبارة عن عملية تصحيح للذعر في العالم الحقيقي.
وأشار تحليل "بلومبيرغ أوبنيون" إلى أنه إذا كانت هذه هي الأنباء السارة، فلا يزال هناك الكثير من الأخبار السيئة، حيث يبذل العديد من الأشخاص محاولة صادقة لاكتشاف مدى خطورة فيروس كورونا. وذكر أنه بالفعل تم إثبات أن فيروس "كورونا" يختلف عن وبائي سارس وإيبولا، حيث لا يوجد بالفعل أيّ سابقة مفيدة في العقود الأخيرة.
وبعيداً عن هذه الأفكار الواقعية، تبقى المشاكل الرئيسة المتفاقمة بالنسبة إلى الأسواق والاقتصاد، ولا يزال يبدو ذلك كسوق أسهم لا تدعمها سوى التقييمات المبالغة في سوق السندات.
وتتضاءل أهمية سوق الأسهم المبالغ في تقييماتها عند مقارنتها مع انتشار مرض معدٍ يحتمل أن يؤدي إلى الوفاة، لكنه يظل بمثابة معضلة، ولم تفعل أحداث الأيام القليلة الماضية شيئاً لعلاج هذا الأمر.