إذا ما اعتبر صوت الطلقة النارية تدشينا محموما لبدء ماراثون الجري، ورنين الأجراس إعلانا لانطلاق النزال، فإن رائحة الحنّاء في جنوب السعودية هي فاتحة الفرح التي لا يجوز التخلي عنها في الأعراس والاحتفالات النسائية.
اليوم صار الحناء بألوانه وتشكيلاته الزاهية تقليدا شائعا في بلدان العالم العربي، وبديلا مناسبا ينسجم مع منطلقات الثقافة المحافظة، ولا يخالف القيم الإسلامية التي تنبذ الوشم بالإبرة لما يتركه من علامات دائمة وجروح.
أين يزرع؟
تنمو شجرة الحناء في البيئات الحارة، وتشتهر بها بلدان شمالي أفريقيا وآسيا وشمال أستراليا، والمناطق شبه القاحلة والمناطق الاستوائية، وأهم البلدان المنتجة لها المغرب ومصر والسودان والصين والهند، حيث يستخرج المسحوق من شجيرة براقة ومتعددة الفروع يتراوح طولها من 1.8 إلى 7.6 متر، وتتميز بأنها حولية مستديمة الخضرة تعمر حوالي ثلاث إلى عشر سنوات، كما تمتاز بجذورها الوتدية الحمراء، وفروعها الكثيرة التي تتحول إلى البني عند النضج، وبأزهارها البيضاء ذات الروائح العطرية.
تنتج أشجار الحناء الأصباغ بكثافة عندما تنمو في درجات حرارة تتراوح بين (35) و(45) درجة مئوية، وتنمو بسرعة أثناء فترات هطول الأمطار مطلقة براعم جديدة، بينما يتباطأ النمو في وقت لاحق، وخلال فترات الجفاف أو البرودة الطويلة تصفرّ الأوراق وتسقط تدريجيا، كما لا يزهر نباتها في درجات حرارة أقل من إحدى عشرة درجة مئوية، وتموت عندما تكون أقل من خمس درجات مئوية.
رسوم أنيقة
على الرغم من فوائده الطبية، إلا أن أبرز استخداماته لدى العامة قائمة على الزينة والتجميل، وفي منطقة جازان جنوب غربي السعودية، يعد الحناء من طقوس الزفاف الرئيسة، ويُولى ليلةً خاصة تسمى "ليلة الحنّاء"، حيث يلتقين النسوة لنقش كفوف اليد والأقدام، وتتنوع النقوش تبعا للأذواق، ولم تعد ليلة الحناء مقتصرة على تجهيز العروس التي غالبا ما تحظى بأكثر "النقّاشات" - العاملات في النقش - خبرة وتميزا، إنما تحولت إلى تجمع مغمور بالألفة والسمر.
ويعد نقش الحناء أحد المهن النسائية التي تدر عوائد مادية جيدة، لاسيما أن إقبال النساء عليه ليس في الأعياد والأعراس فحسب، بل صرن يضعنه من دون أي مناسبة سنوية. تروي إحدى المحترفات بالنقش عائشة عتين بداياتها قائلة بأن شغفها بالرسم منذ الصغر قادها إلى هذه المهنة، ولم يكن الرسم بالنسبة لها مجرد هواية تملأ أوقاتها، بل تصفه بمحاولة لتشكيل ملامح الواقع بأنامل بشرية، وتلوين البائس منه.
وإذ عُرفت الهند بأقدم البلدان التي استخدمت الحناء، تذكر عائشة بأن النساء في بلدتها يفضلن النقش الهندي المميز بأزهاره وبتلاته وتفاصيله الدقيقة التي تستغرق وقتا أطول، بالإضافة إلى النقش الإماراتي الذي ينفرد برسوماته الناعمة، وبالنسبة للعروس، فتحظى النقوش الناعمة على اليد دون باطن الكفن بشعبية واسعة، وقد تأخذ ساعتين إلى خمس ساعات.
فوائده الطبية
استخدم الحناء قديمًا كدواء لعلاج التهابات الجلد، ولتبريد الجسم، وحاليا يستخدم في منتجات الشعر لإعطائه لونا وبريقا، وتشير الدكتورة فاتن بخاري إلى أن لونه الطبيعي يميل الى الأحمر والبرتقالي؛ محذّرة من المساحيق المضافة إليها صبغة سوداء لاحتوائها على مادة "بي بي دي" التي قد تؤدي إلى حساسية شديدة، يمكن أن تصل إلى الوفاة. وتنوّه بخاري بأن الأشخاص المصابين بما يعرف بأنيميا الفول، يجب عليهم تجنب أي مستحضر يحتوي على الحناء لأنه يتسبب في زيادة تكسر الدم لديهم.