تلوح بوادر صيف شديد الحرارة في العراق، ما يعيد تسليط الأضواء مجدداً على ملف الطاقة، وقدرة الحكومة الجديدة على توفير الكهرباء للسكان.
ويعاني العراق نقصاً حاداً في قطاع الكهرباء منذ تسعينيات القرن الماضي، بعدما دمرت حرب الخليج الثانية، التي اندلعت إثر غزو الكويت، البنى التحتية في البلاد. ثم عادت حرب إطاحة نظام صدام حسين في العام 2003، لتعمّق جراح الكهرباء في البلاد.
ولا تنتج محطات توليد الكهرباء أكثر من نصف حاجة البلاد، التي تُقدَّر بنحو 27 ألف (ميغاواط) سنوياً، إذ يبلغ الطلب ذروته خلال أشهر الصيف، التي تسجل حرارة تناهز الـ 50 درجة مئوية، لا سيما في محافظات الوسط والجنوب.
ويقول مختصون في مجال الطاقة إن العراق أنفق نحو 40 مليار دولار على شبكات الكهرباء منذ العام 2004، من دون تحقيق تقدم ملموس.
وشكّل قطاع الكهرباء وفق تقارير استقصائية وتقديرات مراقبين، مصدر تمويل هائل للأحزاب والشخصيات النافذة، التي احتكرت عقود تنفيذ البنية التحتية في مجال الطاقة.
الأرصاد الجوية
ويقول خبراء الأرصاد الجوية في العراق، إن المقدمات التي ستلوح بوادرها في أواخر شهر مارس (آذار) المقبل، تشي بصيف عراقي شديد الحرارة. وبدأت درجات الحرارة في مدن وسط العراق ومنها بغداد، ومدن الجنوب وأبرزها البصرة، بالارتفاع تدريجياً خلال ساعات النهار في الأيام الأخيرة من الشهر الجاري، فيما تبلغ درجات الحرارة ذروتها خلال يوليو (تموز) وأغسطس (آب).
وتفاءل كثيرون بتكليف الخبير البارز في قطاع الطاقة لؤي الخطيب، إدارة حقيبة الكهرباء في الحكومة العراقية الجديدة، التي يرأسها عادل عبدالمهدي.
وبدأت محاولات الإنقاذ الحقيقية لقطاع الكهرباء العراقي في أواخر عهد الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي، إذ انفتحت على شركات عالمية كبرى في هذا المجال، فيما حاول الخطيب استكمال الجهود والتوقيع مع شركتين عالميتين عقوداً عاجلة لمواجهة الصيف المقبل.
الوزير متشائم
في المقابل، يبدو البرلمان العراقي غير راضٍ عن جهود الخطيب، ويعتقد أن خططه ليست واضحة بما يكفي. وكان الخطيب عبّر لدى تسلمه حقبة الكهرباء، عن آمالٍ حذرة في تحسّن تجهيز منظومة الكهرباء الوطنية للسكان، مشيراً إلى أنه ورث تركة ثقيلة، مليئة بالمشاكل.
وتسببت التعليقات الأولى لوزير الكهرباء في قلب التفاؤل إلى تشاؤم، إذ وجد فيها مراقبون تنصلاً استباقياً من المسؤولية.
ويعتقد العراقيون على نطاق واسع، أن الصيف القادم، سيشكل اختباراً مفصلياً لقدرة الحكومة على الصمود في وجه الضغوط الشعبية.
ومع اشتداد درجات الحرارة خلال فصول الصيف الماضية، وعجز المنظومة الوطنية عن تجهيز السكان بحاجتهم من الكهرباء، شكّلت التظاهرات ضد سوء الخدمات والفساد ضغطاً كبيراً على السلطة التنفيذية.
وكادت تظاهرات انطلقت الصيف الماضي في البصرة، على خلفية عجز وزارة الكهرباء عن توفير الطاقة اللازمة لتشغيل محطات تحلية المياه، أن تتسبب في اشتباك واسع بين المواطنين الغاضبين وقوات الأمن.
وأحرق محتجون مبانٍ حكومية في البصرة، قبل أن يتطور الأمر إلى مهاجمة مقرات الأحزاب القريبة من إيران، بل وإحراق القنصلية الإيرانية في المدينة.
ولم تنفع عمليات القمع التي تورطت فيها أجهزة الأمن العراقية في تهدئة المحتجين، الذين نجحوا في نقل شرارة التظاهر إلى محافظات أخرى، شهدت أعمال عنف مماثلة. لكن الهطول المبكر للأمطار، وما صاحبه من انخفاض في درجات الحرارة، أعاد جزءاً كبيراً من المحتجين إلى منازلهم.
وتذهب التوقعات إلى فرضية اندلاع احتجاجات أوسع خلال الصيف المقبل، إذا استمر عجز الحكومة عن توفير الكهرباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اللوم على الأحزاب
ويلوم المحتجون الأحزاب السياسية التي تستولي على عقود إنشاء المحطات، وتحيلها إلى شركات وهمية أو وسطاء، ما يؤدي إلى ضياع الأموال من دون تحقيق أي إنجاز على الأرض.
ومن بين الفرضيات التي يقدمها مراقبون لتفسير عزوف الأحزاب السياسية الكبيرة عن الدفع بمرشحيها لتولي حقائب تختص بتقديم الخدمات في حكومة عبدالمهدي، وعلى رأسها الكهرباء، هي الخوف من الفشل في هذا القطاع والتسبب في إغضاب الجمهور خلال الصيف، ما قد يؤدي إلى تهديد تماسك الحكومة. لذلك، أتيح المجال أمام عبدالمهدي لتحمّل مسؤولية اختيار وزراء القطاع الخدمي، ومنهم لؤي الخطيب، الذي ترشح إلى الحكومة، بصفته مستقلاً.
وذكرت مصادر سياسية رفيعة في بغداد لـ "اندبندنت عربية"، أن "كتلاً نيابية ناقمة على حكومة عبدالمهدي، تحضر لاستجواب وزير الكهرباء مع اشتداد حرارة الصيف، والعجز المتوقع عن الوفاء بحاجة السكان"، ما ينبئ بصيف ساخن في العراق، ليس على مستوى درجات الحرارة وحسب، بل لجهة صدام سياسي مرتقب.