يبدو أنّ أحداً لم تفُتْه الأخبار. لكن، حتى في حال غابت عن أحد السكان هنا معرفة أنّ هذه المدينة قد شهدت أوّل حالة وفاة في الولايات المتحدة الأميركية بفيروس "كورونا" المستجد، لا ريب في أنّ الخبر سيصله في وقت قريب.
بعد أول وفاة لأميركي، أعلن جاي إنسلي، حاكم ولاية واشنطن حال طوارئ صحيّة في المنطقة، علّه بذلك يتجنّب وقوع أيّة وفيات إضافيّة. ولكن في وقت لاحق، تبيّن أن أعراض الوباء تظهر لدى 50 شخصاً من المقيمين في "لايف كير" وهي دار رعاية تقع على بعد ميلين من المستشفى، حيث فارقت الضحيّة الأولى الحياة.
خارج متجر "هول فودز ماركت" في كيركلاند، إحدى مدن ولاية واشنطن، حيث في مقدور كل من يبدي اهتماماً بالأمر ويتلفّت أن يرى بناظريه مستشفى "إيفرغرين هيلث"، كان الناس يزاولون أعمالهم المعتادة. ولكن مع ذلك، بدا جليّاً أنّ قلقاً صامتاً يساور كثيرين هناك، على الرغم من أنّ أحداً منهم لم يكن يصرخ أو يصيح.
"أنا قلق فعلاً، لا سيما أنّي استقلّ الحافلة إلى العمل"، قال أكاش شريفاستافا الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، وكان يتسوّق برفقة زوجته أديتي.
في ذلك الصباح، امتدّت طوابير الانتظار طويلاً في "كوستكو"، سوبر ماركت المدينة، وفقاً لزوجة شريفاستافا، كما لو أنّ الناس يخزّنون السلع في منازلهم. كذلك ذكرت أنّ لافتة رُفعت في المتجر تقول إنّ أقنعة الوجه قد نفدت، مشيرةً إلى أنّها وزوجها كانا يتّبعان نصائح خبراء الصحّة، بما في ذلك غسل اليدين بانتظام. "في الواقع، ليس في استطاعتنا القيام بالكثير".
أمّا مايكل إبستاين الذي يبلغ من العمر 48 سنة ويعمل مستشاراً، فذكر أنّه يتابع تحديثات تتعلّق بوباء "كورونا" صادرة عن "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (سي. دي. سي) في البلاد، وغيره من جهات مختصّة. وقال إنه لم يكن يستمع إلى كلام دونالد ترمب عن المسألة. ومعلوم أنّ الانتقادات وُجّهت إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة نتيجة سعيه إلى التقليل من شأن التهديد الذي يشكّله الوباء المتفشيّ عالمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف إبستاين، أنّه يجد "الأمر فظيعاً بالنسبة إلى عائلة الشخص الذي فارق الحياة من جراء كورونا. لكن عندما ينظر المرء إلى الأشخاص الأكثر عرضةً للخطر، وإلى معدلات الوفيات، عليه أن يحاول ألاّ يقلق".
وفي ما يتعلّق بمزاعم ترمب التي تقول إن الولايات المتحدة الأميركيّة بمنأى عمّا يدعو إلى القلق، ذكر الرجل أنّه لا يستمع "إلى أيّ أمر يتفوّه به الرئيس".
واعتبرت مدرِّسة تبلغ من العمر21 سنة "كان من المهم أنّ المواطنين اتّبعوا الخطوات اللازمة كافة في سبيل الحفاظ على صحتهم"، مضيفةً "كوني مدرِّسة، أشعر ببعض الذعر، لكنّنا نحاول ألاّ نخرج عن طورنا. يلقى أشخاص حتفهم بسبب الإنفلونزا كل عام. لذا، على المرء أن يولي صحّته الاهتمام اللازم وأن يزاول أنشطة جسديّة"، وفقاً للمرأة التي اكتفت بالكشف عن اسمها الأول فحسب، روكسانا.
في الحقيقة، يتباهى سكان واشنطن بأنّهم يتعاطون مع الأمور بهدوء بعيداً من أيّ جلبة. ترى كثيرين منهم يتنزّهون في الجبال وقد ارتدوا سراويل قصيرة وقمصاناً صيفيّة فحسب. على نحو مشابه، يصرّون على أنّ الأمطار المتواصلة التي لا تفارق معظم أوقاتهم ليست أكثر من مجرد "رذاذ".
ولكن بالنسبة إلى شخص دخيل وصل حديثاً إلى المنطقة، يبدو ذلك أقرب إلى تهوّر منه إلى اختيار الناس الانسجام مع مجريات الأمور من دون الانشغال الهوسي بتلك التفاصيل التي يعجزون عن تغييرها.
ولمّا كانت المنطقة تجذب كثيرين من مهندسي الكمبيوتر والمبرمجين، يبدو الأخذ بتلك المقاربة المنهجية واضحاً للعيان في عطلة نهاية الأسبوع في كيركلاند، حيّ يقع على بعد 10 أميال من شمال شرقي مدينة سياتل الأميركيّة.
وعلى سبيل المثال، قالت امرأة تبلغ من العمر 65 سنة تعمل في بلدية بلفيو، "لا يوجد سبب يحملنا على الشعور بالذعر. ونحصل على معلومات جيدة بشأن الوباء فعلاً".
ولكن إلى متى يبقى ذلك الشكل من الهدوء قائماً؟
في مؤتمر صحافي، أوضح عدد من مسؤولي الصحة في الولايات المتحدة الأميركيّة أنّ الرجل الذي توفي في مستشفى "إيفرغرين هيلث" يوم الجمعة الماضي كان في الخمسينات من العمر، وكان يكابد أوضاعاً صحيّة أخرى، ولم يسافر من قبل أو يتواصل مع شخص يعاني "كوفيد- 19".
وفي مساء يوم السبت الماضي، أُبلغ عن أنّ حالتين من أصل ثلاث حالات مؤكدة من الإصابة بالفيروس المستجد في ولاية واشنطن على صلة بمنشأة صحيّة تقدِّم خدمات عناية طويلة الأمد في مدينة كيركلاند، وأنّ ما يربو على 50 شخصاً من المرفق الصحيّ، بين موظفين ومقيمين، يُعتقد أنّ أعراض الوباء تظهر عليهم. وسيخضع هؤلاء للتحاليل الطبيّة اللازمة، فيما يتوقّع خبراء الصحّة تالياً أن يرتفع عدد إصابات "كورونا" المؤكّدة في تلك المنطقة.
تبدو إحدى الحالات، وهي امرأة في الأربعين من عمرها تعمل لدى "لايف كير" المرفق الصحيّ المذكور آنفاً، في وضع صحي مسقرّ في المستشفى. أمّا الحالة الأخرى، وهي امرأة في السبعينات من عمرها مقيمة في "لايف كير"، فوضعها الصحيّ خطير. يُشار هنا إلى أنّ "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" ومسؤولي الصحّة المحليِّين، أرسلوا فريق الاستجابة لحالات الطوارئ إلى مرفق الرعاية يوم الأحد الماضي، في محاولة للسيطرة على الوضع.
في تطوِّر متصل، قالت إيمي رينولدز من وزارة الصحّة في ولاية واشنطن، في اجتماع مقتضب لها مع الصحافيين، "إنّنا نتعامل مع حال طارئة ناشئة".
في البداية، حظيت واشنطن بتمايز لم ترغب فيه حين سجلت الحالة الأولى المؤكّدة من الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، بعدما جاءت نتيجة تحليل الفيروس إيجابيّة لدى رجل سافر إلى الصين وكان يعيش في مدينة إيفرت، على بعد 20 ميلاً إلى الشمال من مدينة سياتل. والآن، صارت الولاية أيضاً المنطقة الأميركيّة الأولى التي تشهد أوّل حالة وفاة نتيجة الفيروس.
وبين المتسوِّقين في متجر "هول فود ماركت"، تحاول شيريل كراولي التظاهر بالشجاعة. تبلغ المرأة من العمر 73 سنة، وهي مساعدة قانونيّة متقاعدة. وعلى الرغم من إصابات كورونا المؤكدة وتلك المشتبه فيها، قالت إنّها لا تنوي تغيير خططها، ولديها رحلة إلى الساحل الشرقي خلال أسبوعين، وتعتزم القيام بها. "ماذا عسانا نفعل غير ذلك. حريّ بنا ألاّ نستسلم للخوف. وإلاّ لن نغادر المنزل وسنبقى مكتوفي الأيدي".
© The Independent