تتجه أنظار أسواق النفط إلى متابعة اجتماع منظمة "أوبك" والمنتجين المستقلين، وسط تصاعد الآثار السلبية لتفشي فيروس "كورونا" وتنامي التوقعات بشأن تعميق خفض الإنتاج للحفاظ على توازن الأسعار.
وأمس الثلاثاء، بدأ وزراء أوبك التوافد على فيينا، حيث سيناقشون خفضاً إضافياً محتملاً في إنتاج النفط في الوقت الذي يؤثر انتشار فيروس كورونا على الطلب العالمي على الخام، واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء بقيادة روسيا، في إطار مجموعة تعرف بـ"أوبك+"، في ديسمبر (كانون الأول)، على خفض جماعي للإنتاج قدره 1.7 مليون برميل يومياً حتى نهاية مارس (آذار) الحالي.
وتجري السعودية ودول خليجية أخرى، خفضاً طوعياً للإنتاج، ما يعني أن "أوبك+" تخفض الإنتاج فعلياً بواقع 2.1 مليون برميل يومياً في مسعى لدعم أسعار النفط، لكن منذ ذلك الحين، ألقى الانتشار العالمي للفيروس القاتل بظلاله على النشاط الاقتصادي حول العالم وألحق ضرراً بالطلب على النفط.
وقالت مصادر مطلعة، أن "أوبك+" تناقش خفضاً إضافياً لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يومياً وخيارات أخرى، وذلك في الوقت الذي تسعى إلى تحقيق استقرار للأسعار الآخذة في التراجع، ويزيد ذلك عن خفض قدره 600 ألف برميل يومياً اقترحته المنظمة في بادئ الأمر.
اجتماع في ظروف "استثنائية"
وقبل توجهه إلى فيينا، قال وزير النفط الكويتي، خالد الفاضل، إنه متفائل بشأن نتيجة الاجتماعات واستمرار التعاون بين دول تحالف "أوبك+"، وقال "نطمح أن يكون هناك توازن في أسعار النفط كي نصل إلى المستوى المطلوب الذي يرضي الدول المصدرة والمستهلكة، وأن يكون مستوى الأسعار مقبولاً للجميع"، مضيفاً أن "الاجتماع يأتي في ظروف استثنائية نتيجة لانتشار فيروس كورونا الذي أصبح يشكل هاجساً عالمياً ألقى بظلاله على أسعار النفط".
ومن المقرر أن يجتمع وزراء أوبك في فيينا، في الخامس من مارس الحالي، قبل أن يجتمعوا في اليوم التالي مع وزراء من دول منتجة للنفط غير أعضاء بالمنظمة، فيما تجتمع اليوم لجنة فنية منبثقة عن التحالف لاستعرض أساسيات السوق، بينما ستجتمع لجنة وزارية غداً الأربعاء الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش.
ولم تقتنع موسكو حتى الآن بالحاجة إلى خفض أكبر، وتقول بعض المصادر إن أوبك قد تتحمل التخفيضات الإضافية بنفسها، لكن ليونيد فيدون، نائب رئيس لوك أويل، ثاني أكبر شركة منتجة للنفط في روسيا، قال إن خفضاً إضافياً قدره مليون برميل يومياً سيكون كافياً لتحقيق توازن في السوق ورفع أسعار النفط مجدداً إلى 60 دولاراً للبرميل.
وفي وقت سابق، قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إنه على ثقة بأن أوبك والدول المنتجة للنفط الشريكة لها، في إطار ما يُسمى بمجموعة "أوبك+"، ستستجيب على نحو مسؤول لانتشار فيروس كورونا. وأضاف "أن بلاده وروسيا ستواصلان النقاشات فيما يتعلق بسياسة النفط"، مشيراً إلى أن "كل مسألة خطيرة يجب التعامل معها بجدية".
وقال إنه لا يزال يتحدث مع موسكو، ويثق في شراكة الرياض مع باقي مجموعة "أوبك+"، موضحاً "لا تزال في جعبتنا أفكار ولم نغلق هواتفنا، هناك دائماً سبيل جيد للتواصل عبر المؤتمرات الهاتفية".
تراجع الطلب للمرة الأولى منذ الأزمة المالية
وفي تقريرها الأخير، توقعت وكالة الطاقة الدولية تراجع الطلب على النفط في الربع الأول من 2020 للمرة الأولى منذ الأزمة المالية في 2009، وذلك بسبب تفشي الفيروس التاجي في الصين.
وقالت الوكالة، التي مقرها باريس "عواقب (كوفيد-19) بالنسبة إلى الطلب العالمي على النفط ستكون كبيرة". و(كوفيد - 19) هو الاسم العلمي الجديد للفيروس.
وأضافت "من المتوقع أن ينكمش الطلب في الربع الأول من 2020 بمقدار 435 ألف برميل يومياً مقارنة به قبل عام"، مشيرة إلى أنه سيكون "أول انخفاض ربع سنوي خلال أكثر من عقد."
من جهته، خفّض بنك "أوف أميركا غلوبال ريسرش"، توقعاته لأسعار النفط لعام 2020، كما توقع خفض "أوبك" وحلفائها مستوى الإنتاج، في حين قد يتباطأ نمو معروض النفط الأميركي إلى 500 ألف برميل يومياً خلال العام الحالي. وقلص البنك الأميركي توقعاته لسعر خام "برنت" بمقدار ثمانية دولارات إلى 54 دولاراً، والخام الأميركي إلى 49 دولاراً.
إنتاج أعضاء "أوبك" يتراجع بنحو 510 آلاف برميل يومياً
وتوقعت نتائج مسح حديث، تراجع إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) من الخام إلى أدنى مستوى في أكثر من عقد من الزمن بقيادة ليبيا والسعودية. ووفقاً للمسح الذي أعدته وكالة "رويترز"، فقد تراجع الإنتاج النفطي لـ13 دولة الأعضاء في "أوبك" بنحو 510 ألف برميل يومياً خلال فبراير (شباط) الماضي ليصل إلى 27.84 مليون برميل يومياً، وهو أدنى مستوى منذ عام 2009 على الأقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تراجع المعروض، انخفض سعر الخام القياسي "برنت" أدنى من 50 دولاراً مع مخاوف تأثير فيروس كورونا على الطلب. ونهاية العام الماضي، وافقت "أوبك" وحلفاؤها على تعميق خفض إنتاج النفط ليصل إلى 1.7 مليون برميل يومياً بداية من العام الحالي وحتى نهاية الربع الأول، يتم إجراؤها من قبل كافة أعضاء المنظمة باستثناء إيران وليبيا وفنزويلا.
وتجاوز أعضاء "أوبك" الـ10 الملتزمون بالاتفاقية بسهولة التخفيضات التي تم التعهد بها بفضل السعودية وحلفائها في الخليج.
كما انخفض إنتاج النفط في ليبيا منذ 18 يناير (كانون الثاني) بسبب الحصار على الموانئ والحقول النفطية ليتراجع متوسط الإنتاج إلى 155 ألف برميل يومياً خلال الشهر الماضي، بعد أن كان 760 ألف برميل يومياً في يناير الماضي.
ومع ذلك، فإن زيادة الإنتاج النفطي من قبل العراق ونيجيريا أدت إلى تراجع مستوى امتثال "أوبك" باتفاقية خفض الإنتاج إلى 128 في المئة في الشهر الماضي بعد أن كانت 133 في المئة في يناير السابق له.
ترقب شديد في ظل تأثيرات كورونا
وفي هذا الصدد، قال كبير المحللين الاستراتيجيين لأسواق المال لدى مؤسسة "ثنك ماركتس"، محمد زيدان، إن أسواق النفط في ترقب شديد لاجتماعات أوبك باعتبارها تمثل أهمية خاصة في ظل التطورات والتأثيرات السلبية الناجمة عن فيروس كورونا.
وأضاف "رغم وجود ضبابية حول نتائج الاجتماعات، هناك تكهنات تتوقف على أسعار النفط التي تعافت بعد تفاؤل الأسواق بتدخل البنوك المركزية ودعم السيولة وخفض أسعار الفائدة، ما جعل الأسعار تحافظ على مستوياتها فوق 45 دولاراً للبرميل"، لافتاً إلى أن لجنة الخبراء الفنيين في أعضاء "أوبك" والمنتجين المستقلين كانت أوصت بخفض الإنتاج بنحو 600 ألف برميل يومياً، ولكن هذا قبل انتشار فيروس كورونا، موضحاً أن "هذا السيناريو سيتغير الآن إلى خفض بنحو مليون برميل، وستكون السعودية صاحبة النصيب الأكبر، فيما الإمارات والكويت وروسيا تتحمل الجزء المتبقي من الخفض".
وتابع "سيناريو تعميق الخفض هو الأقرب حالياً بشكل واضح، خصوصاً مع استمرار خام تكساس تحت مستوى 48 دولاراً مع وجود مزيد من الضغوطات البيعية"، مشيراً إلى أنه "على المدى الطويل تبقى الرؤية سلبية على أسعار الخام عموماً مع استقراره تحت 50 دولاراً للبرميل، ما قد يدفع الأسعار نحو الانخفاض إلى 42 دولاراً، الأمر الذي يجعل احتمالية الخفض تزيد مع كل تراجع جديد".
وقال زيدان إن الأسعار تأثرت سلباً بفيروس كورونا، وهو ما شهدته التعاملات في الأسبوع الحالي، مع تزايد المخاوف من تراجع الطلب العالمي ولا ينطبق ذلك على الصين فقط، موضحاً أن بكين خفضت طلبها بنحو 100 ألف برميل عند انتشار فيروس "سارس" وقتما كانت تمثل 7 في المئة من حجم التجارة العالمية، والآن تمثل 15 في المئة، ما يجعل تراجع الطلب بـ200 ألف برميل مع كورونا.
وأضاف "كل الإشارات تضغط على الأسعار، ويظل مستوى 50 دولاراً نقطة محورية في اتخاذ قرار الخفض من عدمه، فالأسعار أسفلها الاحتمالات تزيد نحو الخفض".
تخفيض مستويات الإنتاج
وقال المحلل النفطي وعضو الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة، وضاح الطه، إن كل الطرق أمام "أوبك+" تؤدي إلى تخفيض مستويات الإنتاج، موضحاً أن "هناك عاملين رئيسين مؤثرين في أسواق النفط العالمية حالياً، الأول انخفاض مستوى الطلب الناتج عن تراجع الطلب الصيني الأكبر في العالم في حدود 13 مليون برميل يومياً بسبب التداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا، والثاني يتمثل في ارتفاع إنتاج دول أخرى مستقلة لا تنتمي إلى أوبك وحلفائها المستقلين مثل الولايات المتحدة البالغ إنتاجها 12.780 مليون برميل بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي والذي يعتبر الأكبر في العالم، ما يمثل عامل ضغط إضافي إلى جانب دول أخرى مثل البرازيل وكندا المكسيك، فضلاً عن وجود عددٍ من المنتجين لديهم رغبة في زيادة الإنتاج".
وأشار الطه إلى أن التحدي الأكبر أمام الاجتماع هو إقناع روسيا بخفض إنتاجها الذي ارتفع في بعض الأشهر الماضية ولم تستطيع الوفاء بالتزامها.
خفض الإنتاج لم يعد مجدياً لرفع الأسعار
في السياق، قال المتخصص بالشؤون النفطية، أحمد حسن كرم، إن قرارات "أوبك+" بخفض الإنتاج لم تعد تجدي كثيراً لرفع الأسعار، لكنها تحقق توازناً له وتحد من انحداره كثيراً، فعلى الرغم من تواجد عوامل سياسية من شأنها رفع أسعار النفط كثيراً، فإنه لم يحدث هذا بدرجة كبيرة كما حصل أخيراً بالتوترات السياسية بين أميركا وإيران في المنطقة، وهذا أيضاً ما يحدث حالياً مع ظهور فيروس كورونا الآن الذي يلعب دوراً كبيراً بانخفاض أسعار النفط كونه أحد أسباب تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وزاد بقوله "لم تعد مستويات الإنتاج النفطي تؤثر بشكل كبير على أسعار الخام، مع ارتفاع إنتاج النفط الصخري وبخاصة الأميركي، فالأسواق النفطية حالياً باتت تتأثر إلى حد كبير بالعوامل الاقتصادية ومستويات النمو للدول المستهلكة والصناعية وخصوصاً من الصين والولايات المتحدة، فالحرب التجارية الخفية بينهما أصبحت هي المحرك الرئيس للأسواق النفطية وأسعار النفط".
وقال إن "اجتماع (أوبك+) المقبل لا بد أن يعتمد قراراته بعد مراجعة الأسواق العالمية الاقتصادية والنفطية ومراقبة معدلات النمو الاقتصادية والتجارية كذلك، وبعدها تُقرر كمية الخفض التي من شأنها إعادة أسعار النفط إلى المستويات المرغوبة لديها، فهناك شبه تباطؤ اقتصادي للدول الصناعية سببه الحرب الخفية بين واشنطن وبكين، ولهذا لا بد من الاجتماع أن يراجع الملفات السياسية ويترقبها جيداً".
وأضاف كرم أنه في ظل المعطيات الحالية، فإن التوقعات تشير إلى استمرار أسعار النفط خلال العام الحالي على ما هي عليه، بحيث ستكون أعلى من 60 دولاراً للبرميل.