فوجئ كثيرون بإعلان عمدة [مدينة "ساوث بِند" في ولاية إنديانا] بيت بوتيدجيدج تعليق حملته الانتخابية. فقبل أقلّ من شهر، وفي خضم فوضى انتخابات المجمع الديمقراطي في ولاية أيوا، أعلن أمام مؤيديه أنهم قد "صنعوا التاريخ" و"صدموا الأمة"، واعتقد كثيرون منا، للحظة وجيزة، في خضمّ المنافسة بينه وبيرني في ولايتي أيوا ونيو هامبشاير، أنّ انتخاب بوتيدجيدج رئيساً يُعدّ "احتمالاً جدياً".
لكن، كانت ساوث كارولينا أوّل اختبار حقيقي لمعرفة ما إذا كان محافظ ساوث بيند السابق في ولاية إنديانا نجح في إقامة روابط مع الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية الذين اتُهِم بتجاهلهم. وكان حكمهم عبر صندوق الاقتراع صريحاً، وهو أنه لم يفعل ما يكفي.
لقد أظهرت استطلاعات آراء من صوّتوا من الناخبين السود الشباب أنهم كانوا أكثر ميلاً بقليل إلى أن يحسنوا الظن به، لكن لم يكد يدعمه أيٌّ من الناخبين السود الذين هم في منتصف العمر تقريباً، فهم لم يعرفوا مَنْ هو، ولم يعمل مع مجتمعاتهم عقوداً من الزمن، علاوة على أنّه ارتكب خطأً عندما واجه قضايا مثيرة الجدل حول العنصرية في ساوث بيند.
وعلى الرغم من أدائه غير المشجّع في ساوث كارولينا، فإن معظمنا توقّع أن يبقى المحافظ بيت في السباق إلى يوم "الثلاثاء الكبير"، ففي صباح السبت الماضي فقط، كان مدير حملته يتحدّث عن استراتيجيتهم في "الثلاثاء الكبير" لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز". لذا، ليس من قبيل المبالغة القول إنّ شيئاً ما قد تغيّر بين ليلة وضحاها.
تروّج نظريات متعددة تتراوح بين التآمر المُبهم، ومفاده أن اللجنة الوطنية الديمقراطية الكارهة بيرني تريد أن تدعم مرشحاً معتدلاً، لذا أبلغت كلوبوشار وبايدن وبوتيدجيدج أنّ على أحدهم أن ينسحب، وبين الافتراضات الأكثر ترجيحاً نوعاً ما، التي تقول بوجود صفقة سرية مع مرشح لا يزال في السباق.
هل وافق بيت على الترشّح لمنصب نائب الرئيس في بطاقة مشتركة مع جو بايدن، أو إيمي كلوبوشار، أو إليزابيث وارن، في محاولة لمنع بيرني ساندرز من الصعود بسهولة إلى القمة؟ هذا ممكن.
إذا كان هذا صحيحاً، فإني أراهن على وارن شريكة له في الترشّح. فهي بدأت في الأسابيع القليلة الماضية تنأى بنفسها علناً عن ساندرز، بينما أخذت تتراجع بهدوء عن كثير من مقترحاتها اليسارية، بما في ذلك الرعاية الصحية للجميع.
كانت وارن تصارع لكسب انتخابات المجمعات الحزبية والتمهيدية، لكنها تعهدت البقاء في السباق حتى موعد انعقاد المؤتمر الديمقراطي في يوليو (تموز)، لذلك فهي إمّا مخادعة وإمّا أنها تُحضر طريقة لإعطاء زخم جديد لحملتها مع شخص آخر خلف الكواليس.
وإذا لم يكن الأمر يتعلق بصفقة نائب الرئيس، فقد يكون السبب أكثر وضوحاً وأقل خطورة كأن يرمي بثقله وراء بايدن، لكي يضمن لنفسه منصباً وزارياً مرموقاً في حالة إدارة بايدن المستقبلية.
لكن، وبالقدر نفسه، ربما لا يكون لدى بيت خطط حقيقية لخوض هذا السباق الرئاسي، فهو في سن الـ38 عاماً، وبالكاد تأهل للترشح للرئاسة في المقام الأول، إذ يُخصّص أعلى منصب في البلاد لمن يزيد عمره على 35 عاماً. واستغل بوتيدجيدج في المناظرات، شبابه إلى أقصى حد، إذ قاطع بايدن وبيرني بشكل ماكر مرة واحدة على الأقل ليقول: "عندما أكون كبيراً في السن مثلكما، آمل أن أنظر إلى الخلف وأفكّر...".
لكن، لسوء الحظ، ربما أدّى اعتماده الشديد على عامل السن إلى نتائج عكسية، فقد أبرز ذلك افتقاره إلى الخبرة، ويوجد فرقٌ بين تسيير مدينة يبلغ عدد سكانها 100,000 وإدارة بلد يبلغ عدد سكّانه 327 مليوناً، وقليل من الديمقراطيين مهيؤون للمقامرة مع دونالد ترمب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إنّ بوتيدجيدج صغير السن بما يكفي للانتظار حتى يُطوّر تجربته السياسية الحيوية أكثر بقليل بعدما صنع لنفسه اسماً على الصعيد الوطني، لا يستطيع أحدٌ أن ينكر أنه رائعٌ في الخطابة وقويٌّ في المناظرة، قد يكون ترشّحه الأول في هذه الانتخابات الرئاسية مجرد بداية لمزيد من التواصل مع الناخبين، وما زال بإمكاننا رؤية الرئيس بوتيدجيدج في البيت الأبيض. إذا كان يخطط لخوض سباق في المستقبل، فقد يكون قرراه بالانسحاب حين كان متقدماً بدلاً من مواجهة مزيد من الخسائر المُدمرة في يوم "الثلاثاء الكبير" قراراً أذكى للحفاظ على سمعته، وهو ما سيوفّر له أرضيةً لإطلاق حملة مماثلة في عام 2024 أو 2028.
قد نتساءل: لماذا يذهب إلى هذا الحد، ويأخذ كل هذه التبرعات، ويحضر كل تلك التجمعات الحاشدة، ويطبع كل تلك المنشورات إذا كانت خطته منذ اللحظة الأولى هي الانسحاب؟
أشكّ في أن هذه كانت خطته منذ البداية، لكن ربما يكون بوتيدجيدج ومستشاروه جلسوا وتحدّثوا في الأسابيع القليلة الماضية، عن حقيقة أن بيرني ساندرز لديه فرصة ممتازة، ليكون مرشح الحزب الديمقراطي هذا العام. ولأن الاعتدال لم يساعد هيلاري كلينتون في أي شيء بعدما أوقفت بيرني ساندرز عام 2016، سيكون ذلك مجازفة أيضاً بالنسبة إلى بوتيدجيدج .
أمّا إذا انتهى الأمر بخسارة كبيرة لبيرني أمام ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في حال تسببت حملة التخويف من الاشتراكية على غرار حملة "الحُمْر تحت السرير!" بإلحاق أضرار جسيمة بالسيناتور من فيرمونت وحزبه بأكمله، فقد يرغب بوتيدجيدج بالنأي بنفسه عن ديمقراطيي 2020، مثلما سعى كثيرٌ من السياسيين العماليين البريطانيين للابتعاد عن الحزب، وهو بقيادة جيريمي كوربين.
بالتالي، فإنّ الانسحاب في الوقت الراهن سيحميه في الحالتين: سيتفادى غضب رفاق بيرني، ويتجنّب وسمه بالاشتراكية خلال حياته السياسية الطويلة.
وفي خطاب مؤثر في ولاية أنديانا افتتحه زوجه تشاستن، أعلن بوتيدجيدج أنه شعر بـ"مسؤولية" سياسية للابتعاد، وتحدّث عن دعم مرشح يتمتع بـ"قاعدة عريضة" (بالتالي، فذلك المرشح ليس هو ساندرز) ويقدم "نوعاً جديداً من السياسة" (وذلك لا يبدو تماماً أنه بايدن). تحدّث بروح من الدعابة وبحيوية. هتف أنصاره "2024، 2024!" بينما كان يبتسم ابتسامة خجولة.
ولمزيدٍ من الإشارات حول سبب اتخاذه هذا القرار، سيتعيّن علينا أن نراقب من كثب مَنْ سيؤيد بعدُ "الثلاثاء الكبير".
© The Independent