Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا انتشرت الوثائق الأميركية المسربة في غفلة من البنتاغون

تداولها مستخدمون للمرة الأولى في يناير الماضي ضمن مجموعة صغيرة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي

وثائق استخبارية أميركية تسربت إلى شبكة الإنترنت (أ.ب)

ملخص

#أسرار_أميركية_على #الإنترنت ومنصة #ألعاب_كمبيوتر

قبل أسابيع من اكتشاف تسريبها، كانت مجموعة كبيرة من الوثائق الأميركية السرية الأهم في هذه المرحلة، تتنقل بين مجموعة منسية من المستخدمين على أحد برامج التواصل الاجتماعي. في أحد أيام (يناير (كانون الثاني) الماضي، وعلى غفلة من الجميع، أخذ أحد الأعضاء ضمن مجموعة لا تقل عن 12 مستخدماً على منصة "ديسكورد" Discord  المجانية المصممة أساساً لمجتمع الألعاب الإلكترونية، في نشر عدد من الملفات الاستخباراتية الأميركية الشديدة السرية، كما جاء في تقرير نشرته أخيراً "وول ستريت جورنال".

تضمنت الملفات تفاصيل عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومعلومات حول تجسس الولايات المتحدة على اتصالات مهمة لدول حليفة لها، من بينها محادثات هاتفية بين قادة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" ومناقشات بين أعضاء مجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية بشأن بيع ذخيرة يمكن أن تنتهي في يد الأوكرانيين، أضف إلى ذلك تفاصيل تتناول الاختراق الأميركي للخطط العسكرية الروسية، ومسائل أخرى.

وفي تفاصيل عرضتها "وول ستريت جورنال"، كشفت أنه حتى أوائل مارس (آذار)، بقي تداول تلك الوثائق، التي يبدو أن عددها بلغ المئات، محصوراً بين أعضاء المجموعة الصغيرة على منصة "ديسكورد"، إلى أن أعاد مستخدم آخر مشاركة العشرات منها مع مجموعة أخرى إنما تضم عدداً أكبر من المستخدمين. ومن هناك، أُرسلت 10 ملفات إلى مجموعة أكبر ضمن المنصة تواظب على ممارسة لعبة الكمبيوتر "ماين كرافت" Minecraft.

يوم الأربعاء الماضي، وبينما كانت الحكومة الأميركية لا تزال غافلة عما جرى، نشر أحد الحسابات الدعائية الروسية على "تيليغرام" نسخة معدلة من إحدى الوثائق المسربة، إلى جانب عدد قليل من الوثائق غير المعدلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فبدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ"أف بي آي" ووزارة العدل الأميركية سعياً محموماً واسع النطاق للعثور على إجابات تفسر ظهور عشرات الصور لوثائق يُزعم أنها سرية يتداولها مستخدمون على الإنترنت. وبدوره، يبحث تحقيق حكومي أميركي انطلق يوم الجمعة بناء على طلب وزارة الدفاع عن مصدر التسريب.

وقالت متحدثة باسم البنتاغون ليلة الأحد إن الوزارة تعكف على مراجعة وتقييم صحة الوثائق المصورة "التي يبدو أنها تحتوي على مواد حساسة وشديدة السرية"، وأوضحت أن الولايات المتحدة تناقشت في هذه الأزمة مع الحلفاء خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتدرس التأثير المحتمل الذي يطرحه هذا الانتهاك على الأمن القومي.

كذلك قال مسؤولون إن التسريب الاستخباراتي يتجه إلى أن يصبح أحد أكثر التسريبات الأميركية فداحة وضرراً منذ عقود مضت. وفي رأيهم، الكشف عن الوثائق يجهض الهجوم المضاد الذي تعول عليه كييف في الربيع المقبل، إذ يفضح خططاً تفصيلية وضعتها الولايات المتحدة بشأن المعدات الحربية التي ستقدمها دول غربية إلى أوكرانيا هذا الربيع، من بينها دبابات وعربات مدرعة، بالإضافة إلى برامج تدريبية للقوات الأوكرانية تتولاها دول حلف شمال الأطلسي "الناتو".

 كذلك سيمنع التسريب، على الأرجح، أي استعداد من جانب حلفاء الولايات المتحدة الأجانب لمشاركة معلومات حساسة مع حكومة هذه البلاد. وليس مستبعداً أن يفضح مصادر الاستخبارات الأميركية داخل روسيا ودول معادية أخرى.

ولكن الأهم أن التسريب في حد ذاته، بغض النظر عن ماهية المعلومات التي كشفها وأهميتها، يؤكد حقيقة واحدة مفادها أنه بعد مرور 10 سنوات، على عملية تسريب ضخمة لوثائق مصنفة بأنها شديدة السرية نفذها المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، من بينها أكبر مشروع أميركي للتجسس الرقمي "بريسم" وأنشطة استخباراتية أخرى، ما زالت الحكومة الأميركية عاجزة عن صد انتهاكات على هذه الشاكلة والحؤول دونها.

"كيف آلت بنا الحال إلى هذا مجدداً؟"، سأل بريت بروين، رئيس "غلوبال ستويشين رووم"، شركة استشارية للأمن القومي، ومسؤول سابق في البيت الأبيض في إدارة الرئيس باراك أوباما. وأضاف في حديث إلى "وول ستريت جورنال" أن هذه الأنواع من الانتهاكات الأمنية كان يفترض أنها قد أصبحت من الماضي بعد إرساء قيود ووسائل مراقبة وتدقيق جديدة ومع ذلك، يبدو جلياً أنها غير كافية، وأن علينا إعادة التفكير في عملية الحماية السرية ومراجعتها".

لم تتمكن الصحيفة الأميركية من التحقق من المستندات بشكل مستقل، غير أنها تضم ما يكفي من تفاصيل تؤكد مصداقيتها. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية إنهم يعتقدون أن بعض الوثائق ربما تكون أصلية.

الوثائق التي ظهرت حتى الآن تزيد على 50 وثيقة موزعة ما بين التصنيفين "سري" أو "شديد السرية"، وقد اطلعت عليها الصحيفة وعدد من محللي الاستخبارات المستقلين، علماً أنها عبارة عن صور مأخوذة لمستندات خاصة بعروض تقديمية وملفات طُبعت على ورق بحجم "أي 4"، ويبدو أنها قد طُويت مرتين بغية تسهيل تهريبها من إحدى المنشآت الأمنية.

ولكن يبقى كل ما ذكرناه مجرد تفاصيل أمام الأسئلة الأهم، من كان يملك حق الوصول إلى هذه المعلومات، وإلى المئات غيرها التي نُشرت ضمن مجموعة المستخدمين الأولى التي تداولتها بين يناير ومارس (آذار)، ومتى أمكنه ذلك، وما مدى أهمية الأسرار التي تحتوي عليها هذه الملفات؟

شرع مكتب التحقيقات الفيدرالي في عمله فعلاً بحثاً عمن يملك الدافع لكشف النقاب عن تلك الوثائق، ومن يمكنه النفاذ إليها، ومن ارتكب جريمة الخيانة هذه، بحسب ما ذكر جوشوا سكول، مسؤول تنفيذي كبير سابق في الـ"أف بي آي"، علماً أن عناصر عدة تظهر في هوامش الصور الملتقطة للوثائق، من بينها غراء لاصق من "غوريلا"، وأحذية، وتعليمات خاصة باستخدام منظار GlassHawk HD، وهذه معلومات تساعد لا ريب في البحث عن الفاعل. علاوة على ذلك، قال مسؤولون حاليون وسابقون إن تحقيقات التسريب تبدأ عادة بتحديد الأشخاص الذين يملكون الحق في الوصول إلى الوثائق، علماً أن المئات من موظفي الحكومة لديهم تصاريح أمنية تسمح لهم بالاطلاع عليها.

في الحقيقة، شكلت تسريبات الوثائق تكتيكاً شائعاً خلال الحرب في أوكرانيا، ولكن وفق المحللين يعتبر نشر ملفات الاستخبارات الأميركية على "ديسكورد"، وهي خدمة دردشة عبر الإنترنت يهواها لاعبو ألعاب الفيديو، نمطاً مختلفاً ومحيراً إلى حد ما.

واللافت أنه ما إن ضج العالم بعملية التسريب، حتى سارع أعضاء مجموعات "ديسكورد" إلى حذف حساباتهم من المنصة وتنظيف خوادمهم، خشية العقاب من الحكومة الأميركية وجذب الاهتمام غير المرغوب فيه من وكالات الاستخبارات الأجنبية.

"لقد غادرت هذا الخادم وآمل أن أكون بأمان" [في منأى من نتائج التسريبات]، نشر أحد المستخدمين، الذي كان حمل بعض الملفات المسربة إلى مجموعة "ماين كرافت"، مزيلاً كلامه برمز "إيموجي" يذرف الدموع.

وقال متحدث باسم "ديسكورد" إن الأخيرة تتعاون مع سلطات إنفاذ القانون بشأن التحقيق في التسريب. وقال: "من أهم أولوياتنا ضمان تجربة آمنة لمستخدمينا. لما كان التحقيق ما زال جارياً، لا يمكننا تقديم أي تصريحات إضافية في الوقت الحالي".

وبالعودة إلى عام 2013 وخرق سنودن الذي أصبح مواطناً روسياً، فقد قال حينها إن دافعه كان وجود مواطنيه تحت مراقبة يومية دائمة في انتهاكٍ صارخ ليس لمبادئ الدستور الأميركي فحسب، بل أيضاً للقيم الأساسية لأي مجتمع حر. ولكن يا ترى ما تبريرات مسرب الوثائق الأخيرة عندما تكشف التحقيقات هويته وكيف سيسوغ فعلته؟

المزيد من تقارير