Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئو العالم... أعداد مفزعة وتوقعات بالمزيد

الأمم المتحدة تضع سوريا على رأس الدول الأكثر تصديراً لهم في 2023

سودانيون اضطروا إلى النزوح من بيوتهم بحثاً عن الأمن والأمان عبر الحدود (أ ف ب)

ملخص

في اليوم العالمي للاجئين يتذكر من لم يلجأ بعد أن اللاجئين كانوا مواطنين آمنين لكن وجدوا أنفسهم يعبرون الحدود ويجتازون البحار أو يغرقون فيها ويدقون الأبواب أملاً في النجاة بعيداً من أوطانهم

اليوم 20 يونيو (حزيران) يومهم، على رغم أن كل يوم هو يومهم على مدى سنوات طويلة كانت كفيلة بأن تصيب شعوباً وأمماً بأكملها بصدمات مميتة. صدمة الأزمات الاقتصادية تؤزم حياة الناس وتسقطهم درجات أسفل الهرم الاجتماعي.

ونكبة الكوارث الطبيعية تقتل وتصيب وتدمر لكنها تظل حدثاً مؤسفاً لا مجال للهرب منه أو وسيلة لاتقاء شره. وأزمات السياسة سمة من سمات اليوم والغد وبعد الغد، لكن أغلبها لا يميت أو يشرد أو يدمر، لكنها حين تترك لتنمو وتتوغل وتتغول، تدفع العالم إلى أن يحيا يوماً في كل عام ليتذكر فيه من لم يلجأ بعدُ أن اللاجئين كانوا مواطنين آمنين لكن وجدوا أنفسهم يعبرون الحدود ويجتازون البحار ويدقون الأبواب أملاً في النجاة بعيداً من أوطانهم.

الوطن يختلف عن التوطين

يظل الوطن يختلف تماماً عن التوطين. وعلى رغم أن كليهما مشتق من الحروف الثلاثة نفسها "و" و"ط" و"ن"، فإن الوطن يولد فيه الإنسان ويقيم مع آخرين يربطه بهم تاريخ وجغرافيا ومصالح مشتركة وأحلام وذكريات، وكذلك شعور بالأمان. ويلحق بالوطن أو بالأحرى المواطن الأذى حين يعرف أن بقاءه في الوطن فيه خطر دامغ.

الخطر الدامغ في الوطن يدفع الملايين إلى استبدال بالوطن آخر، بحثاً عن قدر أوفر من الأمن أو السلام. المحظوظون منهم يعاد توطينهم، فيقال إنهم عثروا على وطن جديد تم توطينهم فيه، لكن يظل الوطن واحداً متفرداً لا ثاني له. أما الآخرون فإما تبوء محاولات لجوئهم بالفشل ويتم ترحيلهم إلى "أوطانهم" مجدداً، وإما يمضون سنوات في محاولات تسلل عبر الحدود أو جهود للبقاء وأسرهم بعيداً من قبضة الخطر الكامن في الوطن من حروب وصراعات، وكذلك الخطر الكامن في دول المقصد من رفض للاستقبال وتلويح بالترحيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللاجئ في التعريف الأممي هو "كل شخص يوجد، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يعود إلى ذلك البلد".

البلدان الأكثر تصديراً للاجئين بحسب أحدث أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (2023) هي سوريا (6.8 مليون)، وأوكرانيا (5.8 مليون)، وأفغانستان (5.7 مليون). وفي نهاية عام 2022 كان عدد النازحين قسراً حول العالم 108.4 مليون شخص لأسباب تتراوح بين الاضطهاد والصراع والعنف والانتهاكات والأحداث المخلة بالنظام العام بشكل خطر. ويشار إلى أن هذا العدد ارتفع إلى 110 ملايين منذ مطلع العام الحالي في ضوء استمرار القتال في أوكرانيا، وتردي الأوضاع في أفغانستان، واندلاع الصراع بالسودان.

ولأن اللجوء والنزوح والهجرة غالباً تتشابك وتتقاطع مما يتسبب في تضارب التعريفات وغموض المعلومات، فإن اللاجئ هو من فر من بلده ولا يقدر على العودة لأنه يعاني خوفاً مبرراً من الاضطهاد جراء عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لفئة مجتمعية معينة. ويتشابه لدرجة التطابق النازح مع اللاجئ في أن كلاً منهما فر من بيته لأسباب غالباً تتعلق بالنزاعات المسلحة والاعتداء على حقوق الإنسان والكوارث الطبيعية، لكن النازح ليس لاجئاً طالما لم يعبر حدود دولته طلباً للجوء في دولة أخرى. ويعتبره القانون في حماية حكومة دولته حتى لو كانت هي نفسها السبب الذي دفعه إلى الفرار.

أما الهجرة، وغالباً تسمى "هجرة مختلطة" فهي تدفقات الأشخاص الذين يسافرون معاً بطريقة غير نظامية، ويسلكون الطرق نفسها ويستخدمون الوسائل ذاتها ولكن لأسباب مختلفة. وغالباً يجد هؤلاء المهاجرون أنفسهم مجبرين على الهجرة بسبب نزاعات مسلحة أو اضطهاد أو بحثاً عن حياة جديدة أفضل عزت في أوطانهم.

الكرامة للجميع نظرياً

حقوقياً ونظرياً تقر منظمات الأمم المتحدة والجماعات الحقوقية والمدنية وكذلك أغلب الدول حول العالم بأن الجميع - لاجئين ونازحين ومهاجرين - ممن يتنقلون بين الدول يستحقون الاحترام الكامل لحقوقهم الإنسانية وكرامتهم، إلا أن التطبيق العملي يختلف أحياناً عن الاعتراف النظري.

ويظل اللاجئون الذين هم مجموعة محددة ومحمية في القانون الدولي في ظل استحالة الحياة في أوطانهم الأصلية هم المحتفى بهم في "اليوم العالمي للاجئين"، أو ربما يكون اليوم الذي "يحتفي" فيه العالم بإخفاقه في حماية الملايين. أدبيات منظمات اللجوء والهجرة تقول إنه اليوم الذي يحتفي فيه الكوكب بعزيمة وشجاعة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم هرباً من الصراعات والاضطهاد، مع تسليط الضوء على حاجتهم إلى التعاطف والتفهم لمحنتهم ورغبتهم في بناء حياتهم مجدداً في مكان آخر أكثر أمناً.

الربيع واللجوء عربياً

مجدداً، وعلى إيقاع ما يسمى "الربيع العربي"، يكتسب "اليوم العالمي للاجئين" نكهة عربية مميزة. ويكفي أنه منذ عام 2014 وسوريا تعد الدولة الأكثر تصديراً للاجئين في العالم. الـ108.4 مليون شخص مجموع من أجبروا سواء بمعنى الإجبار المباشر أو تحت وطأة الصراعات والظروف لترك أوطانهم نحو 43 في المئة منهم أطفال. ويتم تصنيف المجبرين على ترك أوطانهم أو النزوح داخلياً فيها إلى 62.5 مليون نازح داخلياً، و35.3 مليون لاجئ، و5.4 مليون طالب لجوء، و5.2 مليون في حاجة إلى حماية دولية.

صراعات العالم وكوارثه ومآسيه تزيد، لكن يبدو أن للمنطقة العربية نصيباً يقترب من نصيب الأسد، إن لم يكن في الكم ففي وتيرة تصاعد أسباب اللجوء مع انعدام بوادر علاج الأوضاع. 10 دول عربية شهدت زيادة في أعداد طالبي اللجوء القادمين منها صوب دول أوروبية في عام 2022. اللافت أن بعض هذه الدول لا يعاني صراعات أو كوارث طبيعية وهي ما تمثل أبرز أسباب اللجوء وأكثرها إلحاحاً.

 

وبحسب الأرقام الصادرة عن وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء لعام 2022، فإن هذه الدول بالترتيب هي سوريا لأسباب تتعلق بالصراع الذي ظل دائراً منذ عام 2011 وحتى مع خفوت طلقات النار وعراك الفصائل و"الجيوش" غير النظامية، تظل الأوضاع دافعة للبعض إلى طلب اللجوء، والعراق حيث الأمور هادئة نسبياً والاقتصاد أفضل بعض الشيء لكن تظل معدلات محاولات اللجوء مرتفعة، إذ الحياة على صفيح الطائفية والأزمات السياسية الساخنة تدفع إلى الهرب، والمغرب الذي سجل القادمون منه عدداً قياسياً في طلبات اللجوء التي يرجح خبراء أن يكون المحرك الرئيس لها الاقتصاد وليس الصراع أو الاضطهاد، وتونس حيث معدلات القلق الشعبي من الظروف الاقتصادية آخذة في الارتفاع. علاوة على الصومال الذي أصبح تصديره للاجئين أمراً كلاسيكياً بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية والمعيشية والسياسية والمناخية حيث الجفاف يضرب بعنف، ومصر التي تشهد زيادة في أعداد طالبي اللجوء في السنوات القليلة الماضية لكنه لجوء بطعم الأزمة الاقتصادية، والجزائر الذي يتوافد منها طالبو اللجوء صوب أوروبا هرباً من الظروف الاقتصادية كذلك، وفلسطين التي دفعت أعداداً متزايدة إلى محاولات طلب اللجوء وهي الطلبات التي تمتزج فيها الأحوال الأمنية بالسياسية بالاقتصادية، والسودان الذي شهد ارتفاعاً في أعداد طالبي اللجوء القادمين منه صوب أوروبا حتى قبل اندلاع الأحداث الدامية فيه قبل أسابيع، واليمن حيث الأسباب معروفة.

أرقام مفزعة ومأسوية

ومعروف أيضاً أن أرقام اللاجئين في الشرق الأوسط باتت مفزعة ومأسوية. ارتفاع أعداد طالبي اللجوء القادمين من الدول العربية صوب دول الاتحاد الأوروبي تبدو وكأنها نهاية العالم لتلك الدول، لكن أعداد اللاجئين من دولة عربية إلى أخرى والنازحين عربياً هي بالفعل الأقرب إلى أن تكون نهاية العالم، في الأقل كما كان يعرفه البشر.

مسؤولة الإعلام والاتصال لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رولا أمين قالت قبل أيام في حديث إلى "أخبار الأمم المتحدة"، إن الشرق الأوسط بات يستضيف ملايين اللاجئين والنازحين داخلياً بسبب استمرار النزاعات والحروب والظروف الصعبة في عديد من دول المنطقة.

 

 

وأضافت "لدينا أزمة في اليمن، لدينا أزمة في سوريا، هناك أوضاع صعبة في العراق، لبنان يمر بوضع صعب، والدول التي تستضيف اللاجئين الهاربين من الحروب والصراعات أيضاً تعاني. معظم اللاجئين الذين تركوا سوريا وعبروا الحدود في الـ12 عاماً الماضية أكثر من 5.5 مليون منهم موجودون في الدول المجاورة لسوريا، وتحديداً في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق. وهذا يعني أن الدول التي لديها أصلاً مشكلات اقتصادية وتعاني البطالة والخدمات الأساسية فيها ليست بالنجاعة الكافية كالدول الغنية هي التي تستضيف العدد الأكبر".

وعلى رغم الصوت العالي القادم من الدول الغربية في ما يختص بأعداد اللاجئين التي باتت على ما يبدو تمثل هماً ثقيلاً لها، سواء اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، أو بسبب تغير قوائم الأولويات وأجندات المصالح، فإن 76 في المئة من اللاجئين والأفراد الذين يحتاجون إلى حماية دولية موجودون في دول ذات مستويات دخل متوسطة ومنخفضة.

الصراعات في الصدارة

في اليوم العالمي للاجئين في عام 2023، تبقى الحروب والنزاعات والصراعات المسلحة مهيمنة على صدارة أسباب اللجوء والنزوح. وبحسب "تقرير الاتجاهات العالمية للنزوح القسري 2022" الصادر قبل ساعات عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن الحروب والصراعات والنزاعات لا تنبئ بانفراجة قريبة، أو حتى على المدى المتوسط. الصراعات تزيد وأعداد الهاربين واللاجئين والنازحين ترتفع بجنون.

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يقول على هامش التقرير "هذه الأرقام تخبرنا أن بعض الناس سريعون جداً في الاندفاع صوب الصراعات، لكنهم أيضاً بطيئون جداً في إيجاد حلول. والنتيجة دمار ونزوح وكرب لملايين الناس ممن يتم اقتلاعهم قسراً من بيوتهم".

يظن البعض أن اللاجئ - بحصوله على وضعية لاجئ أو بمجرد نجاحه في عبور الحدود وهو على قيد الحياة - يفتح صفحة جديدة في حياته، لكن الواقع يقول إن كل عام يمر على اللاجئ عادة تصبح الأمور أكثر صعوبة وقسوة. تقول رولا أمين "عادة تصبح الحياة أصعب على اللاجئ أو النازح. وقدرة الدول على تأمين الخدمات الأساسية لهم وعلى مساعدتهم أيضاً تتأثر سلباً، فتمويل الخدمات المقدمة للاجئين دائماً غير كاف، لا سيما أن أعدادهم في زيادة مستمرة ولا تتناسب والتمويل المتاح، ويكفي مثلاً أن أعداد السوريين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية تزيد كل عام ووصلت حالياً إلى 15.3 مليون سوري".

 

 

وتشير أمين إلى أن مدة النزوح أو اللجوء تطول، ومنها ما يمتد سنوات أو يستمر للأبد، وأن أعداد من يتمكنون من العودة إلى ديارهم من اللاجئين ليست كبيرة مقارنة بمن يهربون من ظروف بلدانهم كل عام، قائلة "العام الماضي بلغ عدد اللاجئين والنازحين الذين عادوا إلى بيوتهم نحو 400 ألف شخص، لكن في العام نفسه زاد عدد من اضطروا إلى النزوح من بيوتهم بحثاً عن الأمن والأمان عبر الحدود ببضعة ملايين".

صلاح أحوال الملايين

هذه الملايين لن يصلح من أحوالها كثيراً التراشق باتهامات من المتسبب في تفجر الصراع الدامي هنا، أو تنقذ أطفالها الدعوة إلى تهدئة سياسات شعبوية غربية تتجه نحو يمين كراهية اللاجئين، أو يخفف من وطأة حياتها اليومية إعلان الحداد حزناً على وفاة لاجئين حاولوا المرور هنا أو فقدان أطفال هربوا مع ذويهم هناك. هذه الملايين تحتاج إلى حلول جذرية تتعلق بعلاج أسباب اللجوء على الأرجح لن تجد من يترجمها على أرض الواقع في المستقبل القريب، فأسباب اندلاع الحروب والصراعات ليست متوفرة فقط، بل إن عوامل استمرارها مزدهرة ومتكاثرة.

والظروف الاقتصادية تسير من صعبة إلى أصعب والخروج من عنق الزجاجة لا يلوح في الأفق. حتى العوامل المناخية فإن حدوث التغيرات من شأنه أن يصلح ما فسد على مدى عقود متسبباً في جفاف وشبح جوع لا تلوح في الأفق، وإن لاحت فتحتاج إلى عقود أخرى لتؤتي ثمارها.

المناخ يشارك الحروب

وعن تغير المناخ وأثره في زيادة أعداد اللاجئين، لا سيما في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتوقع البنك الدولي أن يجد نحو 19 مليون شخص أنفسهم مضطرين إلى النزوح واللجوء بقدوم عام 2050 لأسباب تتعلق بآثار تغير المناخ ومنها شح المياه وارتفاع مستوى البحر وانخفاض المحاصيل وغيرها.

ويتوقع "البنك الدولي" أن يتلون اللجوء والنزوح المدفوعان بتغير المناخ السنوات المقبلة بألوان "النوع"، لا سيما أن 80 في المئة من النازحين حالياً لأسباب تتعلق بتغير المناخ نساء.

ويحذر البنك الدولي من أن الحوادث المفاجئة الناجمة عن تغير المناخ تؤدي إلى انهيار البنى التحتية وأدوات الحوكمة، وهو ما يسهم في زيادة معدلات الاتجار بالبشر والإناث في القلب منها. وحتى في الأحوال التي لا تهاجر فيها النساء، فإنه يتوقع منهن أن يقمن بالمهام التي عادة يقوم بها الرجال الذين يلجئون إلى الهجرة بحثاً عن فرصة عمل تدر دخلاً أفضل. عربياً كثير من النساء لا يمكنهن القيام بهذه المهام لسبب واحد ألا وهو التمييز ضدهن في قوانين امتلاك الأراضي والمواريث وغيرها.

استجابة أكثر إنصافاً

وبعيداً من القيود القانونية والمسائل المتعلقة بالنوع والتي تضيف هماً إضافياً على هموم اللاجئين والمهاجرين، تشير ورقة نشرتها "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" تحت عنوان "الهجرة والنزوح في العالم العربي يتطلبان استجابة أكثر إنصافاً" (2023) أن لبنان اليوم يستضيف أكبر عدد من اللاجئين (بالنسبة إلى تعداده الأصلي) إذ هناك واحد بين كل ثمانية أشخاص لاجئ أو مهاجر، يليه الأردن (واحد من كل 14)، ثم تركيا (واحد من كل 23). ولا يزال ملايين العراقيين والسوريين واليمنيين نازحين داخلياً، ويكفي أن 2.6 مليون يمني من أصل أربعة ملايين شخص نازح داخلياً يواجه نقصاً حاداً في الغذاء.

وفي المنطقة العربية وتركيا أدت الحرب المستمرة في أوكرانيا إلى زيادة أسعار الغذاء والوقود وتعطيل سلاسل التوريد، وهو ما رفع كلفة توصيل المساعدات الإنسانية للاجئين.

وتشير الورقة إلى تفاقم مشكلات لجوء ونزوح العراقيين واليمنيين والسوريين، وهو ما تفاقم بضغوط تغير المناخ الإضافية والافتقار إلى خيارات الهجرة الآمنة للمواطنين وغيرهم في دول شمال أفريقيا. أما أوروبا فهي تركز على الجهود الرامية إلى رفع كفاءة "تقاسم المسؤولية الدولية"، لا سيما أن بعض الدول ترى نفسها متضررة أكثر من غيرها أو متحملة قدراً أكبر من ضغط وجود اللاجئين على أراضيها.

الغربة وفقدان الوطن

وتظل المشكلة الكبرى للاجئين العرب في عام 2023 هي نفسها المشكلة الكبرى لأي لاجئ في العالم وهي الغربة، يضيف خبير دراسات السكان والهجرة وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر أيمن زهري "الغربة وفقدان شبكة العلاقات الاجتماعية والأسرية المساندة في وطنهم، مع فقدان العمل والبيت والتعليم، وغيرها، لكن يضاف إليها عربياً هو أن غالبية الدول العربية غير مصادقة على اتفاقية وضع اللاجئ الصادرة في عام 1951 والبروتوكول المكمل لها والصادر في عام 1967". ويضيف "اللاجئون العرب في دول عربية أخرى غالباً يتم استقبالهم باعتبارهم ضيوفاً، ثم ضيوفاً مهملين، وربما يتم استغلالهم للحصول على تمويل من الدول المانحة وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من المشكلات لا الحلول، وينعكس سلباً على أوضاع اللاجئين أنفسهم، بمعنى آخر اللاجئون العرب في كثير من الدول العربية ضيوف لكن من دون الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية للاجئين".

آفاق اللجوء العربي إلى زيادة، وهي زيادة لا يرى زهري أنها مرتبطة بما يجري في السودان. وهنا يقول "السودان على مدى سنوات طويلة يدفع كثراً إلى الهرب خارجه طلباً للجوء. مشكلات كردفان ودارفور عمرها عقود طويلة. ربما زادت المعدلات في ضوء الصراع الأخير، لكنه ليس الأول ولن يكون الأخير".

ولن تكون حادثة غرق قارب الصيد، وفي أقوال أخرى قارب الهجرة، قبل أيام قبالة السواحل اليونانية وعلى متنه بضع مئات، يعتقد أن عددهم يزيد على 750 شخصاً، نسبة كبيرة منهم من النساء والأطفال كانوا في الطابق السفلي وقت غرق المركب، لذا لم تحو قائمة الناجين الـ104 طفلاً أو امرأة واحدة.

 يقول زهري "تتشابك ملفات اللجوء والهجرة، والهجرة عبر المتوسط تندرج تحت بند ما يسمى تيارات الهجرة المختلطة، وهي تشمل طالبي لجوء ومهاجرين اقتصاديين وقصر غير مصحوبين وحتى ربما إرهابيين. ويفترض أن تستقبل دول المقصد هذه التيارات بالفرز والتصنيف، وذلك لفصل مستحقي اللجوء عن غيرهم، والتعامل مع غيرهم بناءً على قوانين كل دولة".

لوم الهجرة واللجوء

وعلى رغم ذلك يظل كثر يلقون بلوم اختلاط أشكال الهجرة واللجوء وغرق المراكب وتعرض طالبي اللجوء والمهاجرين لمخاطر عبور الحدود وغيرها على اللاجئين أنفسهم. يقول زهري إنه بحسب بروتوكول باليرمو الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر والبر والجو، فإن المهرب هو المسؤول وحده، أما المهاجر فلا مسؤولية عليه، أما المهاجر غير النظامي فهو ليس مجرماً، باستثناء ليبيا التي تجرمه. ويضيف "إذاً مسألة تجريم المهاجر أو اللاجئ نفسه منتهية في كل من القانون الدولي وكذلك القوانين الوطنية للدول ما عدا ليبيا".

ومن ليبيا إلى سوريا في اليوم العالمي للاجئين، حيث ما زال السوريون يسيطرون على صدارة اللاجئين والمهاجرين، يقول زهري إن عودة سوريا إلى جامعة الدولة العربية لن تغلق ملف اللجوء السوري الذي سيستمر مفتوحاً لسنوات كثيرة. وهنا يذكر "الطفل أو الرضيع الذي خرج من سوريا في بداية الصراع لا يعرف بلاده. وإذا أضفنا إلى ذلك استمرار كثير من العوامل التي أدت إلى هرب كثر إلى خارج سوريا، فإن المؤكد أن مشكلة اللاجئين السوريين مستمرة".

اللجوء السوري مستمر

في اليوم العالمي للاجئين يتوقع أن تستمر أزمة اللاجئين السوريين، بل ربما لا يعودون إلى سوريا أصلاً بينما تستمر موجات الخروج من سوريا صوب الدول الأوروبية، كما تستمر أعداد طالبي اللجوء والهجرة مع استمرار الصراعات واستدامة أسبابها، لكن أيمن زهري يقول إن دول الجنوب لا ينبغي أن تقبل القيام بدور شرطي الشمال.

ويضيف "الشد والجذب بين دول شمال وجنوب المتوسط مسألة مستمرة، وذلك على رغم العجز السكاني في أوروبا، والنقص الحاد في العمالة في مقابل الفائض الديموغرافي في الدول الأفريقية وغيرها من دول الجنوب. وستستمر الدول الأوروبية في انتقاء من يأتون إليها ومن لا يأتون بناءً على حاجاتها من الخبرات والكفاءات، لكن المهاجر سيصل إلى وجهته بطريقة أو بأخرى، وهو ما يستدعي إدارة ملف اللاجئين بقدر أوفر من الحكمة".

في اليوم العالمي للاجئين يحتفي العالم باللاجئين وطالبي اللجوء، كما يتذكر إخفاقاته المستمرة في علاج والوقاية من مزيد من اللجوء والهجرة والنزوح عبر عمليات لا تتسم إلا بالخطورة، ولا تقابل إلا بالصد أو المنع أو التقييد إلا في ما ندر.

أكبر مخيم لاجئين

تحوي مئات المخيمات حول العالم ملايين اللاجئين والمهاجرين، لكن أكبرها على الإطلاق هو مخيم كوتوبالونغ الواقع في كوكس بازار في بنغلاديش. ويقدر عدد المقيمين فيه بنحو مليون شخص أغلبهم من لاجئي الروهينغا. وفي مارس (آذار) الماضي اشتعلت النيران في أجزاء عديدة من المعسكر مما أثار الشكوك. لم يسفر الحريق عن وفيات، لكنه ترك 15 ألف لاجئ بلا مأوى في مخيم اللاجئين، علاوة على تدمير جانب كبير من البنى التحتية والخدمية من مدارس ووحدات صحية وغيرها. ويشار إلى أن المخيم تعرض لاشتعال النيران ما يزيد على 222 مرة.

مخيم آخر يحتوي على أعداد أقل من البشر لكن يعد ضمن الأغرب والأخطر والأكثر إثارة هو مخيم الهول الواقع في محافظة الحسكة شمال سوريا. تركيبة القاطنين فيه بالغة الغرابة، إضافة إلى وصفه المستمر بـ"القنبلة الموقوتة".

التركيبة الاجتماعية للمقيمين في المخيم غريبة بعض الشيء، البعض منهم لاجئون عراقيون والبعض الآخر نازحون سوريون هربوا من نيران "داعش" ليجدوا أنفسهم مقيمين جنباً إلى جنب مع أسر الدواعش والمنتمين لنحو 54 جنسية عربية وغير عربية. الأكثر إثارة هو أن غالبية الدول التي ينحدر منها هؤلاء تتجاهل وجود مواطنيها من الدواعش في المخيم، وإن كان العراق أعاد عدداً من مواطنيه في الأشهر القليلة الماضية. من جهة أخرى تحول المخيم إلى بؤرة إجرامية ومنطقة بالغة الخطورة، مئات من حوادث القتل وقعت هناك.

الحاضرون الغائبون فلسطينيون

على رغم أن ملف ومشكلات اللجوء الفلسطيني أصبحت نادرة الذكر، فإن اللاجئ الفلسطيني يظل الأشهر والأقدم عربياً وصاحب ملف الاستدامة والاستمرارية غير المسبوقين في تاريخ اللجوء.

"اللاجئون الفلسطينيون هم الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين في الفترة بين يونيو (حزيران) عام 1946 وحتى مايو (أيار) عام 1948. هم الذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948"، وذلك بحسب تعريف "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى" (أونروا).

ويقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين بنحو 6.4 مليون فلسطيني يحظون بخدمات "متعثرة" لـ"أونروا". وكان العدد لا يتجاوز 750 ألف فلسطيني في عام 1950 حين بدأت الوكالة عملها.

يعيش نحو ثلث هؤلاء اللاجئين في 58 مخيماً معترفاً بها للاجئين في كل من الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. ويعاني أغلب هذه المخيمات ظروفاً معيشية بالغة الصعوبة، حيث الفقر والكثافة السكانية المرتفعة وتدهور البنى التحتية.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى فإن سنوات الصراع في سوريا ألقت بظلال موجعة على ما يزيد على 570 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في هذا البلد، نصفهم تقريباً مقيم في مخيمات، والنصف الآخر في المدن والقرى السورية.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان كانت أعلنت عن مقتل 3207 لاجئين فلسطينيين في سوريا بسبب الصراع، إضافة إلى وجود نحو 2022 فلسطينياً بين معتقلين ومختفين قسرياً. وبسبب الصراع لجأ نحو 30 ألف فلسطيني من سوريا إلى لبنان، ونحو 19 ألفاً إلى الأردن، ونحو ثلاثة آلاف إلى مصر.

الأدهى من ذلك هي تلك العناوين التي تشير إلى مصير فلسطينيي سوريا الذين هربوا إلى السودان، وذلك في ضوء الصراع الذي اشتعل أخيراً.

عديمو الجنسية

حتى سنوات قليلة مضت كان يعيش على ظهر هذا الكوكب نحو 10 ملايين شخص بلا جنسية، أو "بدون". وترجح الأرقام الحديثة أن يكون العدد قد انخفض إلى نحو 4.3 مليون شخص العام الماضي. وبينما يعتقد البعض أن هؤلاء يعيشون في دول العالم الثالث فقط، إلا أن الحقيقة هي أنهم يعيشون في دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء.

وأكثر من نصف دول العالم لا يقدم معلومات أو أرقاماً تتعلق بعدد "عديمي الجنسية". ويعرف القانون الدولي عديم الجنسية بأنه الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها. ويولد بعض الأشخاص وهم عديمو الجنسية، لكن آخرين يصبحون عديمي الجنسية. وقد يفقد شخص ما جنسيته لأسباب عديدة بحسب الدولة. وهناك إجراءات تمييزية تمارس ضد مجموعات إثنية أو دينية معينة أو على أساس نوع الجنس.

وقد تنشأ دول جديدة ويجري نقل ملكية الأراضي بين الدول القائمة، إضافة إلى الثغرات في قوانين الجنسية. وعلى رغم حملة "أنا أنتمي" العالمية التي أطلقتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قبل تسع سنوات، ونجاحها في حصول بضعة آلاف على جنسية الدول التي يقيمون فيها، إضافة إلى إجراء عدد من التعديلات التشريعية على قوانين الجنسية والحق فيها في بعض الدول، فإن "البدون" ما زالوا يقيمون على الهامش في عديد من دول العالم، ومن بينها دول عربية.

الأشهر بين الأشخاص الذين يعيشون من دون جنسية عربياً هم "البدون" في عدد من دول الخليج وأبرزها الكويت، لكن هناك آخرين يعيشون أيضاً بلا جنسية مثل البعض من الأكراد في كل من لبنان وسوريا، كما جرد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عدداً كبيراً من الأكراد الفيلية من جنسيتهم كإجراء عقابي، لكن تم إلغاء القرار في عام 2006.

فنزويلا الأقل ذكراً

يعتقد البعض أن العدد الأكبر من الهاربين من قسوة الأوضاع في بلادهم حديثاً في العالم من نصيب السوريين، لكن الحقيقة هي أن الفنزويليين في الصدارة. وتقدر أعداد من تركوا هذا البلد خلال السنوات القليلة الماضية بنحو 7.2 مليون شخص. أغلبهم - نحو ستة ملايين - تستضيفهم دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، لكن أغلبهم لا يحظى بوضعية "لاجئ".

هذه الملايين هربت من ثالوث الفقر والجريمة المنظمة والفساد لتجد نفسها فريسة شح الطعام والرعاية الصحية والتعليم والسكن في الدول المضيفة، لا سيما في ظل ارتفاع كلفة المعيشة ومعدلات البطالة المرتفعة في هذه الدول.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات