Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قابلات السودان يحرسن "صرخة الولادة" وسط الموات

على رغم الكارثة لا يزلن يواصلن العمل ويمثلن طوق نجاة للأمهات والحوامل في بلد أنهكته الحرب

خدمات الرعاية الصحية للأمهات تعتمد اعتماداً كبيراً على الرعاية التي تقدمها القابلات (صندوق الأمم المتحدة للسكان)

ملخص

الهجمات المستمرة على مرافق الرعاية الصحية تحرم النساء والفتيات في السودان من الحصول على الرعاية الصحية المنقذة للحياة والنساء الحوامل هن الأشد تضرراً

يزيد الصراع الذي يدور في السودان منذ الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات "الدعم السريع" من تفاقم الحال الصحية، إذ أدى إلى تعطيل خطوط الإمداد الحيوية وتآكل الرعاية الصحية للسودانيين، خصوصاً النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة في كل المناطق المتأثرة بالحرب ومناطق النزوح التي لا تتوفر فيها وسائل الرعاية الصحية.

وفي هذه الأوضاع السيئة ظهرت القابلات اللاتي يقمن بدور أساس في توفير الرعاية الصحية للنساء أثناء الولادة بإنقاذ الأرواح وتجنب حالات وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى تقديم المعلومات والاستشارات الأساسية حول تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للنساء، لا سيما أن الظروف الحالية القاسية تنقصها متطلبات الحياة الأساسية. وتبذل القابلات جهوداً كبيرة بأبسط المقومات، وفي ظل انعدام المستلزمات الصحية الأساسية.

نقص الإمدادات

في يونيو (حزيران) الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان، من أن "الهجمات المستمرة على مرافق الرعاية الصحية، وما تشتمل عليه من أجهزة ومعدات، وعلى العاملين الصحيين، تحرم النساء والفتيات في السودان من الحصول على الرعاية الصحية المنقذة للحياة، وتعد النساء الحوامل هن الأشد تضرراً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوردت المنظمة أنه "تم إغلاق ما يقارب 67 في المئة من المستشفيات في المناطق المتضررة بالقتال، وخرج عديد من مستشفيات الولادة من الخدمة وصارت عاطلة من العمل ومنها مستشفى أم درمان، أكبر مستشفيات الإحالة في السودان. ومن بين 11 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات صحية عاجلة في البلاد هناك 2.64 مليون امرأة في سن الإنجاب، ما يقارب 300 ألف منهن حوامل، ومن المنتظر أن تلد أكثر من 90 ألف امرأة منهن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وجميعهن في حاجة ماسة إلى خدمات الصحة الإنجابية الأساسية والضرورية".

وفي مايو (أيار) الماضي وفر صندوق الأمم المتحدة للسكان والمنظمة السودانية للتنمية (كافا) الوقود لسبعة مستشفيات للولادة في الخرطوم، إلا أن الحاجة لا تزال ماسة إلى تأمين الوقود لمستشفيات الخرطوم ومناطق الصراع. وبسبب النقص في الإمدادات مثل الأوكسجين وأكياس الدم ومستلزمات طبية أخرى، شهدت بعض مستشفيات الولادة وفيات أطفال حديثي الولادة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن هناك نحو 27 ألف قابلة يعملن في جميع أنحاء السودان، منهن نحو 5 آلاف في العاصمة، وتشرف معظمهن على ما بين ثلاث وأربع حالات ولادة يومياً.

وتعمل منظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة السودانية والشركاء الآخرين لضمان توفير الرعاية الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية ورعاية الأمهات والأطفال، إضافة إلى تقديم الرعاية الطارئة في حالات الولادة ورعاية الأطفال حديثي الولادة في الخرطوم والجزيرة، وفي الولايات التي تؤوي النازحين داخلياً.

تدريب القابلات

في كتابه "أطباء السودان الحفاة" تناول الكاتب حسن بلة مؤسسة "قابلة القرية" في السودان منذ إنشاء المدرسة الأولى لتدريب القابلات بمدينة أم درمان عام 1920، وقبل ذلك كانت النساء يعانين الولادات المتعسرة، وكانت عملية الولادة مرتبطة بالمضاعفات والوفاة، وكانت الولادة مرعبة بسبب الختان الفرعوني والممارسات غير الصحية للقابلات التقليديات غير المدربات (دايات الحبل) نسبة إلى وسيلة الولادة القديمة.

 

 

وكان بدر الدين الهاشمي قد ترجم مقال الأكاديمية الكندية المتخصصة في "تاريخ الطب في السودان البريطاني - المصري" هيذر بيل عن تدريب القابلات وختان الإناث في السودان إبان العهد الاستعماري، وذكرت فيه "كان هناك عديد من السودانيين يعملون في المهن الطبية المساعدة ويؤدون بالإنابة عن الدولة الاستعمارية مختلف المهام الطبية والصحية مثل مساعدي الأطباء، والممرضين والممرضات، وعمال الصحة والقابلات".

وأوضحت بيل "من تلك المجموعات الطبية المساعدة كانت (مدرسة تدريب القابلات) التي افتتحت بأم درمان عام 1920. وأسهمت الأختان مبيل وقيرترود وولف من خلال المدرسة في خلق طبقة حديثة من القابلات المدربات السودانيات من (الدايات) التقليديات". وأفادت "سبق للمستعمر البريطاني من قبل تطبيق استراتيجية تدريب القابلات التقليديات على القبالة الحديثة في الهند والملايو وفي جنوب الولايات المتحدة. وكان التدريب البريطاني لقابلات السودان التقليديات يشابه بصورة كبيرة تدريبهن في الملايو".

وأضافت الأكاديمية "أثبتت الخطوات التي سبقت وأعقبت إنشاء مدرسة تدريب الدايات بالسودان أهمية التكيف والتوفيق بين ثقافتي المستعمر والمستعمر. وكانت الأختان وولف تبديان كثيراً من التفهم للثقافة والعادات السودانية، وتؤثران أن يتم التغيير ببطء من طريق التعاون والتفاهم، وتدركان أنه ليس بمقدور الدولة فرض أشياء على الأهالي لا يرغبون فيها. وبالفعل أفلحت الأختان البريطانيتان، ببطء وتدرج، في إدخال تغييرات مهمة في الممارسات التقليدية، غير أن بعض تلك الممارسات ظلت عصية على التغيير". وواصلت "كانت مدرسة تدريب القابلات هي أولى المحاولات الناجحة لتدريب النساء السودانيات على العمل في الحقل الطبي المساعد، وانضمت لمجالي تعليم البنات والتمريض، حيث أدت النساء البريطانيات والسودانيات أدواراً قيادية في سنوات الحكم الكولونيالي".

وتابعت بيل "لقد كانت (الداية) عنصراً ثابتاً في مجتمعات شمال السودان بسبب شيوع ممارسة الختان الفرعوني. وعلى رغم أن تلك الممارسة كانت منتشرة قبل دخول الإسلام إلى السودان، فإنها غدت مع مرور السنوات تعرف وكأنها عادة دينية".

طوق نجاة

منذ ذلك الوقت تغيرت وسائل "الدايات" الشعبيات، إذ قامت المؤسسة الطبية السودانية منذ 1935 حتى منتصف الستينيات بتدريب واستيعاب غالب "دايات الحبل" ليصبحن دايات قانونيات تحمل كل واحدة منهن صندوقاً به أدوات طبية وهو بمثابة الشهادة والرخصة التي تؤكد بها تخرجها في مدرسة القابلات.

وواصلت مؤسسات برنامج مدرسة الدايات مثل ست بتول محمد عيسى، أول سودانية التحقت بالمدرسة في أم درمان وأول من أدارها من السودانيات، وست الدون في مدني، وغيرهن توعية وتدريب النساء من أقاليم السودان المختلفة. واستفادت المدن والأرياف السودانية من خدماتهن والأجيال من بعدهن في ظروف مماثلة، أثناء الحرب في دارفور والنزوح المستمر منذ عام 2003.

والآن مع معاناة مخيمات النازحين من نقص عدد الأطباء والممرضين ونسبة للظروف الصحية في المخيمات غير المناسبة للولادة والحمل بسبب غياب الخدمات الصحية وشدة الحرارة، حيث تقع معظم مخيمات النزوح في مناطق صحراوية متقلبة الطقس، وعلى رغم الظروف الكارثية التي تشهدها البلاد ما زلن يواصلن عملهن ويمثلن طوق نجاة للأمهات والحوامل. وحين يكون الوصول إلى المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية صعباً، تقوم القابلات بالوصول لبيوت النساء لإجراء الولادات.

وقبل خمسة أشهر احتفل الاتحاد الدولي للقابلات باليوم العالمي للقبالة في الخامس من مايو (أيار). وأكد أن "خدمات الرعاية الصحية للأمهات تعتمد اعتماداً كبيراً على الرعاية التي تقدمها القابلات، بما في ذلك دورهن في تلبية حاجات النساء والأسر والمجتمعات المحلية".

وأضاف في بيان أصدره بالمناسبة أن "الوصول إلى كل امرأة ومولود جديد بخدمات القبالة يعد أمراً أساسياً لتحقيق الأهداف المتعلقة بالصحة ضمن أهداف التنمية المستدامة لخفض وفيات الأمهات والمواليد، إضافة إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة".

تحديات يومية

تقول عضو لجان مقاومة حي الصحافة بالخرطوم آمنة بركات، "خصصنا أرقاماً هاتفية لتلقي حالات الولادة الطارئة في المنازل، حيث تذهب قابلات من الحي، ومتطوعات من بعض المستشفيات لتنفيذ الولادة، وتمت تلبية كثير من الاتصالات".

أما القابلة نزيهة الطيب، والتي تعمل منذ 47 عاماً في مجال القبالة، فقد اختارت أن تتطوع لخدمة النساء الحوامل في إحدى قرى منطقة الجزيرة. وقالت "كان المستشفى الأقرب إلى المنطقة هو مستشفى سوبا الجامعي، ولكن لعدم استتباب الأمن في الخرطوم، فإن نساء القرية والقرى المجاورة اخترن الولادة على يد القابلات". وأضافت، "يوجد في المنطقة عدد من القابلات، ولكن تنقصنا الأدوات الطبية لإنقاذ حياتهن".

وسردت القابلة مريم جمعة بعض التحديات اليومية التي تواجهها في سبيل إنجاز مهمتها لمساعدة النساء في معسكر النازحين في دارفور. وتقول، "أقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام، وأحياناً في الليل، حيث يهددنا قطاع الطرق أو في ظل اشتباكات بين الجيش و(الدعم السريع)، أو بين الميليشيات والحركات المسلحة للوصول إلى النساء اللاتي يحتجن إلى المساعدة على التوليد". وتضيف "هؤلاء النساء ضمن نازحين يسكنون معسكرات موقتة وغير صحية منذ سنوات بسبب عدم الاستقرار والجوع والصراع حول المرعى، والحرب الأهلية في دارفور، قبل اندلاع الحرب الحالية".

المزيد من تقارير