Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرائق الغابات تجبر كندا على مراجعة حساباتها بخصوص التغير المناخي

هل توفق بين خياراتها الصديقة للبيئة والحفاظ على مكانتها كدولة منتجة أساسية للنفط؟

فقدت جوليا كاردينال خلال حرائق الغابات المدمرة التي شبت في مايو الماضي في كندا (حقوق الطبع والنشر للسنة 2023 هي لوكالة "أسوشيتد برس". جميع الحقوق محفوظة)

ملخص

هل تستطيع كندا التوفيق بين خياراتها الصديقة للبيئة والحفاظ على مكانتها كدولة منتجة أساسية للنفط؟

فقدت جوليا كاردينال خلال حرائق الغابات المدمرة التي شبت في مايو (أيار) الماضي في شمال غربي كندا، والتهمت مساحات واسعة من غابات أشجار الشوح (التنوب) والصنوبر، مقصورة على ضفاف نهر، كانت تمثل كثيراً بالنسبة إليها: فلم تكن مشروعاً للتقاعد فحسب، بل هدية من زوجها، ومكاناً للعيش فيه بوئام وسط الطبيعة، وهو تقليد اتبعته عائلتها على مر أجيال.

كاردينال التي تنتمي إلى "أمة أثاباسكا تشيبويان الأولى" Athabasca Chipewyan First Nation (حكومة محلية لمجموعة عرقية من السكان الأصليين تضم ثماني محميات هندية) قالت بمرارة: "بعدما كانت بيت أحلامنا، أصبحت رمزاً للنزوح القسري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أتت آلاف حرائق الغابات في كندا هذه السنة على أراض تفوق بمساحتها ولاية فلوريدا، مما تسبب بإطلاق أكثر من ثلاثة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي كانت تنتجها كندا في عام كامل. وبعض حرائق الغابات هذه لا تزال مشتعلة.

وكثيراً ما أكد القادة الكنديون - بمن فيهم رئيس الوزراء الليبرالي جاستن ترودو أن بلادهم قادرة على استغلال مواردها الطبيعية، وفي الوقت نفسه حماية التنوع البيولوجي فيها وقيادة المعركة العالمية لتغير المناخ. ومع ذلك، فإن موسم الحرائق الذي يبدو ألا نهاية له، سلط الضوء على صراع ثنائي متفاقم وشديد التناقض: التفاني في مكافحة تغير المناخ من جهة، والاحتفاظ بمكانة البلاد كإحدى أهم الدول المنتجة للنفط والغاز في العالم من جهة ثانية.

معلوم أن الوقود الأحفوري، يتسبب عند استخدامه بانبعاث ثاني أكسيد الكربون - وهو غاز دفيئة يزيد من الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي - مما يؤدي إلى تفاقم المناخ الجاف الذي يفضي إلى اندلاع حرائق الغابات، وهذه بدورها تلتهم مساحات شاسعة من الأراضي تقدر بملايين الدونمات.

وفي هذا الصدد، أفاد جان لومكور وهو مدافع عن البيئة ينتمي إلى "أمة فورت ماكي الأولى" Fort McKay First Nation (حكومة محلية لمجموعة عرقية من السكان في شمال شرقي ولاية ألبيرتا الكندية، تضم خمس محميات هندية)، أنهم "يصورون كندا على أنها صديقة للبيئة، لكن المصدر الأكبر لانبعاثات الكربون موجود هنا في الواقع".

التركيز على النفط والترويج له

تعد كندا جزءاً من مجموعة تضم نحو 100 دولة تعهدت بتحقيق "صافي الصفر من الانبعاثات الحرارية" بحلول منتصف القرن الجاري، أو إزالة أكبر كمية من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، بمقدار ما تسهم به من تلوث. وخلال "المؤتمر الـ27 للأمم المتحدة للتغير المناخي" (كوب 27) COP27 في العام الماضي، تعهدت كندا إلى جانب دول غنية أخرى، بزيادة الدعم المالي لمساعدة بلدان نامية في جهودها لمكافحة تغير المناخ.

مع ذلك، تبين من تحليل أجرته وكالة "أسوشيتد برس" أن كندا أرسلت إلى المؤتمر نفسه، ثاني أكبر وفد من المديرين التنفيذيين لشركات الوقود الأحفوري، من أي بلد آخر على مستوى العالم، فقد حضر إلى "قمة المناخ الـ27" 11 مديراً تنفيذياً يمثلون شركات النفط والغاز والصلب الكندية الكبرى، بما فيها شركة "إينبريدج" Enbridge و"باركلاند كوربورايشن" Parkland Corporation، هذا المؤتمر كما هو معروف، هو بمثابة منصة للدول لتحديد أولوياتها المناخية والجداول الزمنية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة. وكشف التحليل عن أن روسيا كانت الدولة الوحيدة التي بعثت بوفد أكبر من الوفد الكندي من مديرين تنفيذيين لشركات الوقود الأحفوري.

وكرر بيت شيفيلد كبير مسؤولي الاستدامة في شركة "إنبريدج" العملاقة لخطوط الأنابيب والغاز الطبيعي، كلام مسؤولين تنفيذيين كنديين آخرين في مجال الطاقة لوكالة "أسوشيتد برس" عن حضورهم قمة "كوب 27" بالقول: "نحن لم نشارك لدفع أجندة ما، بل لتقديم منظور خاص بنا".

وتشير إحدى وجهات النظر المطروحة إلى أن منتجي النفط الكنديين يمكنهم الحفاظ على معدلات الاستخراج الراهنة، فيما يستخدمون التقدم التكنولوجي لتعزيز الاستدامة البيئية لعملياتهم، مما يسمح للبلاد بتحقيق أهدافها المناخية. ومع ذلك، حتى لو نجح هؤلاء المنتجون في مسعاهم، فإن الانبعاثات الناجمة عن استهلاك المنتجات تظل عاملاً حاسماً لم يتم أخذه في الاعتبار بالكامل في خططهم، خصوصاً عندما يستخدم المستهلكون تلك المنتجات في أنشطة مثل تشغيل السيارات وتدفئة المنازل والقيام برحلات جوية وغيرها.

نفط وحرائق ودخان

تقع تحت غابات مقاطعة ألبيرتا غرب البلاد التي شهدت عديداً من حرائق الغابات الشديدة خزانات واسعة من النفط الخام الكثيف الممزوج بالرمال اللزجة. وتتطلب عملية الاستخراج التي يطلق عليها اسم "الرمال النفطية"، مقداراً كبيراً من الطاقة، مما يجعل النفط الكندي - الذي يتم استخراج معظمه من هذه المنطقة - أحد أكثر النفط تلويثاً للبيئة في العالم وتأثيراً فيها.

وفي ألبيرتا، يعد تأثير هذا القطاع على المشهد العام عميقاً: ففي منطقة أكبر من مدينة نيويورك، قامت شركات النفط بحفر أجزاء واسعة من الأرض في مناجم مفتوحة يصل عمقها إلى مئات الأقدام، وأنشأت بركاً كبيرة من الجريان السطحي الكيماوي تشبه البحيرات، وخلفت وراءها أكواماً غير عادية شكلها المنتج الثانوي للكبريت الأصفر النيون.

وكانت حرائق الغابات في ألبيرتا قد اقتربت في أسابيع معينة بشكل كثيف، إلى درجة أن شركات النفط اضطرت إلى وقف إنتاج النفط والغاز موقتاً، وبالكاد تمكن الكنديون من تنفس الهواء الذي كان غير آمن.

ومع ذلك، يواصل منتجون كنديون عمليات الاستخراج ولا يعتزمون إبطاءها. وقد زادوا منذ عام 2009 استخراج الرمال النفطية. واليوم، تنتج كندا نحو أربعة ملايين و900 ألف برميل من النفط يومياً، وتسبب قطاع النفط والغاز في نحو ثلث انبعاثات البلاد من الكربون في عام 2021.

مستقبل مستدام؟

يمكن القول إن أحد الدوافع الرئيسة لكندا في هذا الإنتاج الكبير من النفط والغاز في القرن الـ21، يعود إلى وضعها كدولة ديمقراطية مستقرة، تتميز بقوانين بيئية وأخرى لحماية حقوق الإنسان، هي أكثر صرامة من تلك الموجودة لدى الدول العملاقة الأخرى في مجال النفط، التي اعتمد عليها الغرب تاريخياً. وباعتبارها أكبر مورد أجنبي للنفط إلى الولايات المتحدة، تصدر كندا كمية مذهلة تعادل 22 في المئة من استهلاك الولايات المتحدة.

لكن علماء المناخ ينبهون إلى أن مستويات الاستخراج الراهنة ستعني أن كندا لن تصل إلى هدف الصفر من الانبعاثات الكربونية، ناهيك بالتداعيات الإضافية التي يتسبب بها تغير المناخ نتيجة تصاعد وتيرة حرائق الغابات، التي من المتوقع أن تشتد مع ظاهرة الاحتباس الحراري.

علماء في منظمة المناخ "كلايمت آكشن تراكر" Climate Action Tracker - وهي مجموعة تقوم بالتدقيق في تعهدات الدول بخفض انبعاثاتها - وصفوا التقدم الذي أحرزته كندا بأنه "غير كاف إلى حد كبير"، وأكدوا الحاجة الملحة إلى أن تسرع البلاد تطبيق سياساتها المناخية بوتيرة أكبر.

ومن شأن حرائق الغابات أن تفاقم التحدي المتمثل في خفض الانبعاثات، وأن تشكل أخطاراً صحية كبيرة على المواطنين الكنديين وعلى أي فرد يكون عرضة لاستنشاق الدخان.

وفي شهر يونيو (حزيران)، اقترب حريق من منطقة "فورت تشيبويان" شبه القطبية، التي يقطنها سكان أصليون في شمال ألبيرتا. ونتيجة لذلك، فقدت جوليا كاردينال وزوجها هابي كاردينال مقصورتهما التي كانت تبعد مسافة تستغرق نحو 45 دقيقة على متن قارب.

وفيما تظل مفاعيل الصدمة الناجمة عن الحريق قائمة، تبقى مشاعر الزوجين متباينة تجاه الموقف. وعلى رغم إدراكهما تأثير تغير المناخ في الحرائق، وعواقب استخراج النفط على المناخ والبحيرات والأنهر المحيطة بمنطقتهما، فإنهما لا يسارعان إلى إلقاء اللوم على القطاع.

ويقول هابي كاردينال الذي عمل في مجال الرمال النفطية حتى تقاعده قبل نحو ثلاثة أعوام: "كان هذا مصدر رزقي".

أسهمت ماري كاثرين وايلدمان الصحافية المتخصصة في شؤون البيانات في وكالة "أسوشيتد برس"، في إعداد محتوى هذا التقرير.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة