Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السلطة" في مرمى انتقادات إسرائيل والفلسطينيين معا

مراقبون يؤكدون أن بقاءها في رام الله يوفر على تل أبيب 14 مليار دولار سنوياً

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

تتعرض السلطة الفلسطينية منذ "هجوم حماس" لانتقادات لاذعة من حكومة نتنياهو والفلسطينيين.

لم يغير تاريخ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي المنظومة الأمنية والعسكرية والاستراتيجية لإسرائيل وحسب، بل قلب مفاهيم صراعها مع الفلسطينيين رأساً على عقب، وبدل الآراء والمواقف وحتى المبادئ بين الجانبيين، فالحكومة الإسرائيلية التي تخوفت لسنوات من انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وسعت لمساعدتها اقتصادياً وتعزيز أجهزتها الأمنية وتقويتهم، تراها اليوم "حاضنة للإرهاب وأحد مموليه".

ففي محادثات مغلقة للجنة شؤون الخارجية والأمن التابعة للكنيست قبل أيام، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن "تل أبيب لا تستبعد احتمال شن حرب ضد قوات أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية"، بل واعتبر أن اتفاقات السلام (أوسلو) التي وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993 و1995 "الخطأ الأساس الذي أحضر العامل المناهض للصهيونية والمعادي لليهود".

تصريحات نتنياهو يرى مراقبون أنها غير مسبوقة ومغايرة تماماً لتلك العلنية التي أدلى بها في يوليو (تموز) الماضي، التي قال فيها إن "مصلحة إسرائيل تقتضي وجود سلطة فلسطينية قوية". وعلى رغم تأكيدات الخارجية الأميركية المتكررة أهمية "توحيد السلطة الفلسطينية للضفة الغربية وقطاع غزة، ورفضها أي احتلال إسرائيلي أو تقليص للأراضي الفلسطينية"، خرج نتنياهو في مقطع مصور على حسابه في منصة "إكس" مؤكداً أن غزة "لن تكون حماسستان ولا فتحستان"، في إشارة إلى حركة "فتح" التي ينتمي إليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

حرب شاملة

الرئاسة الفلسطينية التي فجعت من تلك التصريحات قالت إنها "تعبر بشكل واضح عن نوايا نتنياهو المبيتة لإشعال الضفة الغربية، استكمالاً للحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس".

وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، في بيان، إن "تصريحات نتنياهو التي أشار فيها إلى إنشاء سلطة مدنية إسرائيلية في قطاع غزة مدانة ومرفوضة، وتشكل تحدياً للمجتمع الدولي برمته وللمواقف المعلنة للإدارة الأميركية".

ولفت إلى أن "قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، فيما اعتبر أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ أن "تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يساوي بين اتفاق أوسلو وما حصل في السابع من أكتوبر يؤكد أن حربه ضد الكل الفلسطيني".

وأضاف في منشور على منصة "إكس"، "نحن نقول لنتنياهو إن أوسلو ماتت تحت جنازير دباباته التي تجتاح كل مدننا وقرانا ومخيماتنا من جنين حتى رفح."

تدهور كبير

التصعيد الخطر بين الجانبين لم يكن وليد الحدث، لكنه تدهور بشكل كبير عقب تحفظ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على إدانة هجمات "حماس" بشكل صريح وواضح وعلني، على رغم أنه اتخذ موقفاً مثيراً للجدل من الهجوم، ودان قتل المدنيين من كلا الجانبيين.

وقال إن "أفعال حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني"، إلا أن ذلك لم يشف غليل الإسرائيليين الذين استشاطوا غضباً بعد أن تراجع عن هذا الجزء من تصريحه، وما لحقها، من نفي وزارة الخارجية الفلسطينية أن تكون حركة "حماس" هي التي نفذت الهجوم على رواد مهرجان "نوفا" الموسيقي أثناء اختراق الحدود في السابع من أكتوبر، وذلك بعد أن أشار إلى تقرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن التحقيق في الحادثة "كشف عن أن مروحية عسكرية أطلقت النار على إرهابيين وأصابت بعض الحاضرين في الحفل".

من جانبه يرى الكاتب الإسرائيلي جدعون راشمان أن كثراً ينظرون إلى السلطة الفلسطينية على أنها "ضعيفة وفاسدة ولا تتمتع إلا بقدر ضئيل من الصدقية".

فيما يؤكد ذلك الرأي العقيد الاحتياط في الجيش الإسرائيلي لأوري هالبيرين الذي قال إن السلطة الفلسطينية "أثبتت عجزها عن السيطرة على المنطقة، كما شجعت الإرهابيين من خلال تحويل المخصصات لهم وتثقيف جيل من الشباب حول قيم الجهاد". أضاف هالبيرين في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية "السلطة الفلسطينية لم تعد جزءاً من الحل."

شعبية متهالكة

انحطاط صورة السلطة الفلسطينية ورئيسها الذي ينظر إليه دولياً على أنه شريك في إحياء عملية السلام من أجل حل الدولتين لم يقتصر عند الإسرائيليين وساستهم فحسب، إذ لا تحظى مواقف السلطة بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين أيضاً، الذين ينظرون إليها منذ سنوات على أنها مقاول من الباطن لإسرائيل.

وقدرت منظمة "محامون من أجل العدالة" أنه في عام 2022 وحده اعتقلت السلطة الفلسطينية أكثر من 500 فلسطيني بدعوى ارتكابهم جرائم ضد إسرائيل، كما أنها رصدت أكثر من 727 حالة اعتقال منذ بداية العام الحالي، ضمت عشرات الناشطين السياسيين ومواطنين على خلفية انتماءاتهم السياسية وحرية الرأي والتعبير وأخرى استهدفت طلبة جامعيين على خلفية نشاطاتهم الطلابية.

وقال مدير المنظمة مهند كراجة إن "السلطة الفلسطينية اعتقلت منذ السابع من أكتوبر أكثر من 100 فلسطيني على خلفية نشاطهم السياسي المؤيد لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وآخرين لخروجهم بتظاهرات تضامنية مع قطاع غزة وضد جرائم الاحتلال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية بداية ديسمبر (كانون الأول) الجاري أن أفراد قوات السلطة الفلسطينية ملزمون التنسيق مع نظرائهم الإسرائيليين في الأراضي التي تسيطر عليها تل أبيب، مما يغذي الشكوك حول التعاون بينهما ويقوض شرعية السلطة الفلسطينية بين السكان.

وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعاً حاداً في تأييد عباس، الذي أكد مراراً تمسكه بالتسوية السلمية كسبيل للحل، وألزم أجهزته التنسيق الأمني مع إسرائيل ومحاربة الإرهاب.

وبحسب استطلاعات الرأي العام المتواترة التي يجريها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (مستقل)، فإن أكثر من 60 في المئة من الفلسطينيين يطالبون بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل، إذ إن 79 في المئة منهم يرى أن السلطة لم توقف التعاون الأمني على رغم إعلانها ذلك، في حين أن أكثر من 80 في المئة منهم يرفضون أن تسلم الحركات المسلحة في الضفة أسلحتها للسلطة الفلسطينية، فضلاً عن أن 77 في المئة يرون أن على رئيس السلطة محمود عباس الاستقالة فوراً.

وذهب استطلاع المركز الذي يتخذ من رام الله مقراً له إلى أن 70 في المئة من الفلسطينيين يعارضون حل الدولتين، فيما عبر 71 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم عن تأييدهم تأسيس مجموعات مسلحة على غرار "عرين الأسود" في نابلس و"كتيبة جنين" في مخيم جنين شمال الضفة الغربية.

ويرى 80 في المئة من الفلسطينيين أن السلطة فاسدة، فيما اعتبرها 62 في المئة عائقاً ولا تتمتع أي من مؤسساتها الرئيسة بشرعية شعبية. وفي ظل تسوية سلمية ماتت إكلينيكياً في أعين الفلسطينيين، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" عن أن 24 في المئة فقط من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية يؤيدون حل الدولتين، مقارنة بـ59 في المئة في عام 2012.

وأشار استطلاع آخر أجراه مركز "بيو" للأبحاث إلى أن 35 في المئة فقط من الإسرائيليين يعتقدون أنه "يمكن إيجاد طريقة لتعايش إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة بسلام"، في تراجع قدره 15 نقطة مئوية منذ عام 2013.

وضع هش

دائماً ما اعتبرت مسألة تقويض السلطة الفلسطينية ودورها موضع خلاف بين المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، لكن الأحداث الجارية وما يخرج من تصريحات رسمية إسرائيلية يتحديان بشكل خطر الاستقرار الأوسع للسلطة الفلسطينية، بخاصة أنه يتفاقم بالتوازي مع التصعيد الاستيطاني وشح المساعدات المالية العربية والغربية.

وفي ظل تسارع هذا الوضع الهش وإصرار رفض الحكومة الإسرائيلية تأييد فكرة عودة السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لحكم غزة، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن إسرائيل بدأت تفقد دعم المجتمع الدولي بقصفها العشوائي لقطاع غزة، وإن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لن يتمكن في المستقبل من قول "لا" لدولة فلسطينية، وطالبه بتغيير حكومته.

تصريحات بايدن التي أشعلت غضب الإسرائيليين وألمحت لبوادر خلاف بين واشنطن وتل أبيب في شأن مستقبل غزة، دفعت وزير الاتصالات شلومو كرعي إلى القول "إنه لن يكون هناك دولة فلسطينية، ولن نسمح أبداً بإقامة دولة أخرى بين نهر الأردن والبحر، ولن نعود أبداً إلى اتفاق أوسلو"، مضيفاً في منشور بحسابه على منصة "إكس" أن "أمن الشعب اليهودي على المحك هنا، والدولة الفلسطينية ستعرضه للخطر".

في حين قال الوزير الإسرائيلي بمجلس الوزراء المصغر (الكابينت) جدعون ساعر، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن "هذه الحكومة هي الوحيدة الممكنة"، مضيفاً أن "حل الحكومة سيشجع حماس وحزب الله وإيران".

وأضاف أن "إسرائيل" لن توافق على "دولة رعب فلسطينية لا في الضفة الغربية ولا في غزة"، ورفض التنازل عن "المسؤولية الأمنية" هناك، معلقاً بالقول "لن نوافق على المساس بالاستيطان بالضفة".

انفجار الضفة

وفقاً لمحللين، فإن تزاحم التصريحات الإسرائيلية التي تؤكد سد الطريق أمام طموح الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة لهم، وتزامن ذلك مع تردي الأحوال الاقتصادية لشريحة كبيرة من الفلسطينيين، مع عدم ذهاب أكثر من 200 ألف عامل للعمل داخل إسرائيل للشهر الثاني على التوالي، وعدم صرف رواتب السلطة بعد اقتطاع حصة قطاع غزة من أموال الضرائب المحولة من وزارة المالية في تل أبيب، ورفض السلطة الفلسطينية تسلمها وإعادتها، يهيئ بما لا يدع مجالاً للشك أرضية خصبة لاحتمال انفجار الضفة الغربية.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فإن العمليات الفلسطينية تضاعفت أربع مرات، عما كانت عليه قبل هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر.

كما قال المحلل السياسي هاني المصري إن "الخبرة السابقة أثبتت أن ما جرى طوال ثلاثة عقود في ظروف أفضل ليس عملية سلام، بل عملية بلا سلام، واستخدمت بوصفها غطاء لخلق حقائق احتلالية واستيطانية وعنصرية تجعل تحقيق السلام مستحيلاً، فضلاً عن أنها فتحت الطريق لتطبيق مشاريع الضم والتهويد والتهجير".

وتابع "قد يحل مكان الحكومة الإسرائيلية حكومة أقل تطرفاً ولكنها ستتمسك باللاءات المعتادة، ولن يتسع برنامجها للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك تجسيد الاستقلال للدولة الفلسطينية".

عشية اندلاع المعارك على وراثة أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) في خضم التطورات الأخيرة، أشار رئيس معهد ميسغاف لشؤون الأمن القومي، مستشار الأمن القومي السابق، مائير بن شبات، إلى أنه "بعد مرور ثلاثة عقود على اتفاق أوسلو قد تضطر الحكومة الإسرائيلية قريباً جداً إلى اتخاذ قرارات ستحسم مصير السلطة الفلسطينية".

في المقابل، لفت مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، نمرود نوفيك، في وقت سابق، إلى أن بقاء السلطة يمثل مصلحة اقتصادية من الطراز الأول لإسرائيل، لأن وجودها بحسب تعبيره "يوفر على الخزانة الإسرائيلية 50 مليار شيكل سنوياً (نحو 14 مليار دولار)"، على اعتبار أن عدم وجود السلطة سيلزم إسرائيل توفير الخدمات المختلفة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، استناداً إلى القانون الدولي، بوصفها قوة احتلال.

المزيد من تقارير