Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انهيار النظام التعليمي في غزة يهدد بنشوء أجيال أمية

أكدت بيانات وزارة التربية الفلسطينية مقتل أكثر من 3700 طالب منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر وإصابة ما لا يقل عن 5 آلاف

شبح الجهل يلاحق الطلبة الغزيين مع تفاقم انهيار النظام التعليمي (وسائل التواصل)

ملخص

خرجت 67 مدرسة عن الخدمة بشكل كامل بعد أن اضطر الفارون من الحرب لحرق المقاعد والسبابير للخبز والتدفئة، مما يعني تضرر أكثر من 70 في المئة من المنشآت التعليمية في القطاع

بعد عناء طويل، تمكن ياسر الفرا (40 سنة) من إقناع بناته الثلاث بالتخلي عن كتبهم المدرسية التي يحتفظون بها، على أمل استكمال الدراسة فور انتهاء الحرب. إلا أن البرد الشديد الذي ينخر عظامهم داخل خيمة مهترئة للنازحين جنوب قطاع غزة، لم يترك لهم خياراً آخر سوى حرقها ليحظوا بقليل من الدفء. وفي نهاية المطاف، ليست هناك مدرسة يعودن إليها، فمدرستهن إلى جانب 278 مؤسسة تعليمية حكومية و65 أخرى تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، تعرضت للقصف والتخريب، مما أدى إلى أضرار بالغة في 83 مبنى منها وتدمير سبعة بشكل كلي، فيما خرجت 67 مدرسة عن الخدمة بشكل كامل بعد أن اضطر الفارون من ويلات الحرب، إلى حرق المقاعد والسبابير وأي مقتنيات خشبية أخرى واستخدامها للخبز والتدفئة، مما يعني تضرر أكثر من 70 في المئة من المنشآت التعليمية في القطاع. ومع تصاعد القصف اليومي والنقص الحاد في الغذاء والمياه والوقود وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة وفرار 1.9 مليون شخص من منازلهم وقراهم ومدنهم، وتفشي الأمراض المعدية والأوبئة في مراكز الإيواء وبين النازحين، قد لا تلقى مأساة انهيار النظام التعليمي الاهتمام اللازم وسط كل تلك الأزمات الكارثية الأكثر إلحاحاً.

ويحظى التعليم بتقدير كبير بين الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، إذ يلتحق 95.4 في المئة من الأطفال بالتعليم الأساسي. وبحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن معدلات الأمية في فلسطين تعد من أقل المعدلات في العالم، إذ لا تتعدى نسبتها 2.2 في المئة بين المراهقين بعمر 15 سنة وما فوق.

توقف كامل

منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حرم نحو 608 آلاف طالب وطالبة في قطاع غزة من حقهم بالتعليم المدرسي، واستخدام 133 مبنى مدرسياً حكومياً و150 مبنى مدرسياً تابعاً لوكالة الغوث كمراكز إيواء للنازحين. ووفقاً لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة، فقد قتل ما لا يقل عن 200 معلم في قطاع غزة وأصيب أكثر من 500، وتضرر نحو 352 مبنى مدرسياً، علاوة على استهداف أبنية مدرسية كانت قيد الإنشاء تمهيداً لإنجازها. ولكثرة أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس، كانت هناك 135 مدرسة تعمل بنظام الفترتين يومياً، مما يعني أن القصف والدمار الذي طال مبنى تعليمياً واحداً، أثر في قدرة مدرستين على العمل. وأكدت بيانات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، أن ما لا يقل عن 3700 طالب قتلوا منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، وأصيب أكثر من خمسة آلاف، ناهيك بآلاف الإعاقات الدائمة بين الطلاب والمعلمين، وهذه الأرقام لا تشمل الأطفال الذين كانوا في روضات الأطفال أو في طريقهم للتعليم.

بدوره، كشف المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم صادق خضور، أن آثار الحرب وتدمير المدارس قد يؤديان إلى ارتفاع نسب التسرب من التعليم لاحقاً، وهو ما قد يتسبب في ارتفاع معدلات الأمية بين السكان، لصعوبة عودة الطلاب إلى التعليم بفعل الدمار. وأضاف "في ظل استمرار الحرب، يصعب الحديث عن ملامح خطة للتدخلات التعليمية لأن الأولوية القصوى حالياً تتمثل في حماية الطلبة وذويهم"، مردفاً أن "العودة للمسار الطبيعي المكتمل للعملية التعليمية في قطاع غزة سيستغرق وقتاً طويلاً، واستعادة الرغبة في التعلم فور انتهاء الحرب يجب أن تبدأ بتدخلات نفسية للطلبة والمعلمين". وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن قطاع غزة أصبح أخطر مكان للأطفال في العالم، "ولا مكان آمناً فيه".

"حرب تجهيل"

تدمير البنية التحتية للتعليم في قطاع غزة لم يقتصر على المدارس، فخلال الأيام الأولى للحرب دمر الجيش الإسرائيلي معظم جامعات القطاع بشكل كلي أو جزئي كجامعة الأزهر وجامعة القدس المفتوحة (فرع غزة) والجامعة الإسلامية في مدينة غزة. وقال الجيش الإسرائيلي، إن الأخيرة تعمل كمركز تأهيل وتدريب رئيسي لمهندسي "حماس". وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، على منصة "أكس" أن الجامعة الإسلامية التي كان من المفترض أن تعمل لترسيخ العلم والتقدم في غزة، تحولت تحت حكم "حماس" إلى "مركز مهم للقوة السياسية والعسكرية في التنظيم الإرهابي". أضاف "تعمل الجامعة على تأهيل وتدريب وتطوير وإنتاج الوسائل القتالية". في المقابل، نفت وزارة التربية الفلسطينية تلك الاتهامات. وقال وكيل وزارة التربية والتعليم العالي، بصري صالح، إن "استهداف الجامعات والمراكز التعليمية في غزة يؤكد بما لا يدع الشك، أن إسرائيل تشن حرب تجهيل ضد الفلسطينيين"، موضحاً أن "نحو 90 ألف طالب وطالبة في مؤسسات التعليم العالي بغزة حرموا من استكمال مسيرتهم التعليمية جراء الحرب وتدمير الجامعات". وأكد صالح أن وزارة التعليم العالي "تواصلت مع كل الجهات ذات العلاقة والمؤسسات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، ووضعتها في صورة الوضع وأطلعتها على الاستهداف الإسرائيلي للجامعات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفقاً لبيانات رسمية فلسطينية، قتل ما لا يقل عن 438 طالباً جامعياً في قطاع غزة منذ بدء الحرب، إلى جانب 14 موظفاً ممن يعملون في مؤسسات التعليم العالي، في ما بلغ عدد مؤسسات التعليم العالي التي تضررت جزئياً أو بالكامل منذ بدء الحرب، 12 مؤسسة. واعتبر مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، أن "إسرائيل تقصف المدارس والجامعات بشكل متعمد ومقصود لفرض سياسة التجهيل وحرمان الفلسطينيين من أي فرصة للحصول على تعليم جيد". وتابع "عملية التجهيل تأتي ضمن سياسة التمييز العنصري التي يتبعها الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتعد أيضاً انتهاكاً لحقوق الإنسان، ومخالفة واضحة للقانون الدولي ولكل القوانين التي تكفل الحق في التعليم". بدوره، أكد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"، أن الاستهداف الإسرائيلي للمؤسسات التعليمية الفلسطينية (جامعات، مدارس، روضات أطفال، مؤسسات ثقافية) يعبر عن الاستخفاف واللامبالاة اتجاه القوانين الدولية التي تحمي المؤسسات التعليمية وتدعو إلى تحييدها عن العمليات الحربية وساحات المعارك، كونها منشآت مدنية ولا تستخدم لأي أغراض عسكرية أو قتالية. واعتبر في بيان، أن مصادرة حق طلاب غزة في التعليم "ينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ كفل المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي الاتفاق الدولية لحقوق الطفل، الحق بالتعليم".

جريمة حرب

وفقاً لمراقبين، فإن تدمير المدارس والمؤسسات التعليمية الفلسطينية بشكل ممنهج يتطلب تدخلات عاجلة وفورية من الأمين العام للأمم المتحدة، والمقرر الخاص للأمم المتحدة للطفولة، والمنظمات الدولية الإقليمية العربية والإسلامية، والمنظمات والشبكات الدولية غير الحكومية المعنية بالتعليم، ليس لوقف سياسة التدمير التي تنتهجها إسرائيل في حق الجامعات والمدارس والمراكز العلمية والثقافية في قطاع غزة فحسب، بل لأن فلسطين دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وترفع علم الأمم المتحدة.

وبحسب القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، فقد ضمنت اتفاق لاهاي في شأن قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، حماية خاصة للمؤسسات التعليمية، لا سيما المادة رقم 27، التي نصت على أنه "في حالات الحصار أو القصف يجب اتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع على المباني المخصصة للعبادة، والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية"، في حين شددت المادة رقم 56 على أنه "يجب معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية، كممتلكات خاصة، حتى عندما تكون ملكاً للدولة. ويحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات، والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال"، كما نصت المادة رقم 8 من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولي لاتفاق روما لعام 1998، على أن "تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، يعتبر جريمة حرب".

فجوة كبيرة

تقارير تربوية مختلفة، أكدت أن الفجوة الكبيرة في التعليم داخل القطاع والتي قد تمتد لأعوام طويلة، ستلقي بظلالها على مستقبل آلاف الطلاب، مما يزيد من أثر الصدمة والخسارة الناجمة عن الحرب، وبعدما فاقت أعداد النازحين قدرة وطاقة المدارس والمستشفيات، دخلوا مباني الجامعات، ليس القاعات الدراسية فحسب، فقد حول النازحون ساحات الجامعات الواسعة وملاعبها الرياضية إلى مخيمات للإيواء. ويرى مراقبون أن الدمار الهائل الذي طال كل أوجه الحياة والبنية الأساسية في قطاع غزة، ونذر طول أمد الحرب، يحملان سيناريوهات شديدة التعقيد بالنسبة لاستكمال عملية التعليم. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن إعادة إعمار القطاع وبنيته التحتية التي تضررت بنسب فاقت 60 في المئة "تحتاج لسنوات ومليارات الدولارات". وبحسب تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن حجم الكلفة الاقتصادية الأولية للإعمار في غزة بسبب الحرب، تصل إلى 11 مليار دولار. ومنذ بداية الحرب قبل 100 يوم، دمرت 52 ألف وحدة سكنية بالكامل، و253 ألف وحدة بشكل جزئي. وتكبد القطاع التجاري خسائر فاقت 650 مليون دولار، والقطاع الصناعي أكثر 450 مليون دولار، وزادت خسائر القطاع الزراعي عن 420 مليون دولار، في حين وصلت خسائر القطاع الصحي إلى 230 مليون دولار، والتعليم 720 مليون دولار، والكهرباء 120 مليون دولار، ووصلت خسائر الاتصالات والإنترنت إلى 600 مليون دولار، والنقل 480 مليون دولار. وفيما رجحت تقديرات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن تصل الخسائر إلى نحو 20 مليار دولار، أكد متخصصون أن النازحين في الجامعات والمدارس لن يتمكنوا من الخروج بشكل سريع وسلس حتى لو توقفت الحرب بشكل كامل، بسبب فقدان منازلهم، كما أن الأوضاع الاقتصادية المنهارة للغزيين جراء الحرب ستؤثر في الطلاب مستقبلاً في مسألة دفع الرسوم المطلوبة لمواصلة التعليم خصوصاً الجامعي منها، كيف لا وقد أصبح كل سكان غزة يعتمدون على المساعدات الدولية، ويبحثون عما يسد رمقهم بكسرة خبز نظيفة وشربة ماء نقية، في وقت يهدد شبح المجاعة حياة مئات الآلاف من النازحين.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات