Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الريف الموريتاني يتمسك بزواج الأقارب حفاظا على "النسب والخصوصية"

تفرض الأسر على أبنائها الاقتران بأشخاص من العائلة خوفاً من الارتباط بـ"غرباء" على رغم التحذيرات من الأمراض الوراثية

غالبية الولادات الجديدة المسجلة في موريتانيا هي لأسر مكونة من أقارب من المحيط العائلي الضيق (أ ف ب)

ملخص

تحرص القبائل والعشائر في موريتانيا على تزويج أفرادها ببعضهم بعضاً مما يسمح التدخل لفض النزاعات وحل المشكلات الزوجية منعاً للطلاق

لا يزال زواج الأقارب يحظى بإقبال كبير في موريتانيا على رغم حملات التوعية التي تطلقها الجمعيات بين فترة وأخرى للرفع من مستوى الوعي بخطورة هذا التقليد الذي تشجع عليه القبائل والعشائر حفاظاً على النسب والجاه والمال، في وقت يحذر خبراء الصحة والجينات من خطورة الاستمرار في ارتباط الأقارب تفادياً لظهور أمراض وراثية تزيد نسبة الإصابة بها 85 في المئة ضمن هذا النوع من الزواج.

كما أن علماء الاجتماع يحذرون من تأثيره في التعايش والانصهار بين الطبقات الاجتماعية في مجتمع مقسم إلى قبائل وعرقيات متعددة، وغالباً ما تؤثر العادات الاجتماعية في تركيبة النسيج الاجتماعي وتمنع الارتباط بأفراد من شرائح وطبقات مختلفة.

القريب خيار أول

وعلى رغم كل التحذيرات عقب دراسات أجريت حول زواج الأقارب من تأثيراته المتعددة، لا تزال عوائل كثيرة في موريتانيا تتمسك به، خصوصاً في الأرياف حيث ينتشر زواج الأقارب بصورة كبيرة، فتفرض الأسر على أبنائها الارتباط بأقربائهم ومن داخل المحيط العائلي خوفاً من النسب مع الغرباء وبحثاً عن الاحترام والتفاهم ودعماً لأواصر القربى وحفاظاً على العلاقات الأسرية والمشاريع التجارية بين العوائل.

وفي هذا الشأن، يقول الموظف في إدارة الحالة المدنية محمد سعيد الناجي إنه "بحكم عمله في قسم تسجيل الولادات، فإن غالبية الولادات الجديدة المسجلة هي لأسر مكونة من أقارب من المحيط العائلي الضيق مثل أبناء العم والخال أو من المحيط الأكبر مثل أخوال وأعمام الوالدين".

ويضيف أن "المحيط العائلي يشجع على الارتباط بالأقارب ليس فقط للحفاظ على المال والورثة، بل أيضاً لتفادي تأثير المشكلات في استقرار الأسر الصغيرة التي تظن الغالبية أنها تحتاج إلى الدعم المستمر والتدخل العائلي لتتجاوز العقبات منعاً للوصول إلى الطلاق".

ويشير إلى أنه بحكم طبيعة المجتمع، فإن الزواج المبكر لا يزال مسيطراً بين الجنسين، إذ يذعن الشاب والشابة لرغبة العائلة في الارتباط مبكراً، وهنا يكون الخيار الأول الزواج بفرد من العائلة إرضاء للوالدين، وتجاوزاً لأية عراقيل وصعوبات قد تواجه الارتباط بشخص آخر من خارج العائلة، لما سيتطلبه ذلك من تحقيق مستوى مادي وتوافق اجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كلف الزواج

ويرتبط زواج الأقارب في موريتانيا بدرجة كبيرة بالزواج المبكر، إذ يحرص الوسط العائلي على تشجيع الفتيات على الزواج مبكراً، وتكون الخيارات الأقرب هي من داخل العائلة التي لا تفرض شروطاً كثيرة تعوق الارتباط بشاب حديث العهد في الوظيفة.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد السعد إن الوسط العائلي يتدخل في اختيارات شريك حياة الابن أو زوج الفتاة بنيّة سلمية وحرصاً على حسن الاختيار وتحقيق التوافق والانسجام بين الطرفين، لذلك فهو يشجع أولاً على الاختيار من بين أفراد الوسط العائلي الواحد، ويتدخل لتقريب وجهات النظر وحلّ الخلافات بين الزوجين، والضغط بالطرق شتى لتحقيق الاستقرار والانسجام منعاً للانفصال، بينما في الزواج من خارج الوسط العائلي، فإن الأسرة غالباً لا تتدخل ولا تتواصل لحل الخلاف بين الزوجين ويظل الشخص غريباً عن العائلة.

ويؤكد أن العوائل المقتنعة بزواج الأقارب والتي تشجع أبناءها عليه، تبحث عادة عن الحفاظ على خصوصية العائلة وتحاول الابتعاد من الشخص الغريب الذي بنظرها سيأتي بعائلته ويتطفل على كل أسرار وخصوصية الأسرة.

ويشدد على أن العوائل تضحي كثيراً من أجل إبقاء هذا التقليد راسخاً، إذ إنها تقدم تنازلات عدة وتضع مالها وسلطتها لإنجاح هذا الارتباط، مؤكداً أن "العائلة تكون دائماً على أهبة الاستعداد للتدخل مادياً ومعنوياً لحل المشكلات التي تطرأ بين الشريكين من ذوي القربة، فتضغط بكل ثقلها من أجل إعادة الأمور لمجاريها وتحرص على إزالة أي توتر في العلاقة بين الطرفين ومنع الانفصال".

ويرى ولد السعد أنه على رغم أهمية ما تقوم به العوائل لمنع الانفصال في زواج الأقارب، إلا أنها في الوقت نفسه لا تمنح الزوجين حرية قرار مصيرهما، كما أنها تجعلهما يعتادان على جهودها لحل كل المشكلات.

ويحذر الباحث من استمرار تشجيع زواج الأقارب في مجتمع منغلق مثل المجتمع الموريتاني، مؤكداً أن انعكاساته الاجتماعية لا تقل عن تأثيراته الصحية لما يسببه من ظهور أمراض وراثية "تحوّل الأسر إلى عوائل تعيسة".

المزيد من تقارير