Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"روتردام" مهرجان بلا سجادة حمراء يرفع شعار "الفن للفن"

منبر الأفلام المستقلة يجذب مخرجين مجددين على هامش السوق الرائجة

ساندرا هولر في فيلم "توني إيردمان" في المهرجان (ملف الفيلم)

في المدينة الهولندية روتردام المطلة على بحر الشمال حيث أكبر مرفأ في أوروبا، ثمة مهرجان سينمائي عريق ترسو فيه كل عام مئات الأفلام من جميع بقاع الأرض، وكان عدد البلدان المشاركة فيه 91 في العام الماضي. يجري المهرجان هذا العام من 25 يناير (كانون الثاني) إلى 4 فبراير (شباط) ويعرض ما لا يقل عن 400 عمل سينمائي، بين قصير وطويل، روائي ووثائقي، هذا إضافة إلى إنتاجات بصرية يتعذّر تصنيفها كالتجهيزات وما شابهها، والعديد منها يشق طريقه إلى الشاشة للمرة الاولى.

منذ تأسيسه قبل 52 عاماً، استطاع المهرجان نيل الثقة، وفرض حضوره على الساحة الثقافية في أوروبا والعالم، من خلال استمداد شرعيته من الجمهور نفسه، الداعم الأساسي لهذا الحدث، والذي يشكّل العمود الفقري لهذه التظاهرة التي يحضرها في كل دورة أكثر من 300 ألف متفرج، في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها الـ700 ألف نسمة، وهذا الرقم هو ما يسجّله تقريباً مهرجان برلين كل سنة، ولكن بإمكانات أضخم وفي مدينة أكبر وعدد سكان أعلى.

"روتردام" تحوّل مع السنوات إلى أحد أكبر محافل السينما المستقلة، أو ما يُعرف بـ"سينما المؤلف". لطالما رفع راية هذه السينما، متباهياً بتوجهه الواضح الصريح، وكان سبّاقاً في صوغ فكرة معينة عن السينما وصونها. في روتردام، لا نجد نجوم هوليوود، ولا نكتشف أحدث الأفلام التي تحظى بانتشار واسع في صالات العالم، فقط تلك السينما المحمولة على الظهر والتي تحتاج إلى مساندة ودعم كي تصل إلى الجمهور العريض. "روتردام" وهو أول موعد سينمائي أوروبي كبير يفتتح العام السينمائي، يمكن اعتباره ثاني أشهر منبر للسينما المستقلة في العالم، بعد الأميركي "ساندانس" الذي اختتم دورته الأخيرة قبل أيام، والموعدان متداخلان زمنياً وعقائدياً. بيد أن المهرجان الأميركي أكثر شهرةً من نظيره الهولندي، لكونه احتضن على مدار سنوات كل إنتاجات السينما الأميركية الخارجة عن الدروب المطروقة.

جولة دولية

يعلم جمهور المهرجان أن هناك العديد من قاعات "الفن والتجربة" في المدينة والمدن المجاورة التي تغذي فضوله، فالمهرجان يشكّل إضافة نوعية له وفرصة لاكتشاف المواهب خلف الأفلام المعروضة والتواصل معها أحياناً في حلقات نقاشية. هولندا لم تكن يوماً من البلدان السينمائية الكبيرة، لها إسهامات على مستوى الفيلم الوثائقي من خلال بعض الأسماء الكبيرة من مثل يوهان فان در كوكن، لكن هذا لا يمنع أن الجمهور فيها واحد من أكثر الجماهير فضولاً وحبّاً للمشاهدة.

البرنامج في "روتردام" متنوع، يرضي كل الأذواق، لكن على المُشاهد أن يتمسّك بحس فضولي، فالأسماء خلف الكثير من العناوين الغامضة ليست دائماً معروفة ومكرسة، بل العديد منها لمبتدئين. ما الذي يقود جمهوراً بهذا العدد إلى الصالات؟ هناك نظريات عدة، ولكن يمكن القول إن البرد القارس والسماء الرمادية (التي تتسبب بكآبة عاجلاً أم آجلاً) من العناصر الأساسية. فلا نشاط يمكن ممارسته في مثل هذه الظروف سوى ارتياد الصالات المظلمة التي تكتظ خلال هذه الأيام الـ11 بحكايا البشر وتفاصيل عيشهم المنقولة من الواقع إلى الشاشة. والهولنديون لا يخيبون ظنّ المنظّمين، فهم يتوافدون بأعداد كبيرة إلى تلك القاعات الموزعة في أرجاء المدينة الباردة.

اليوم، يبدو المهرجان راسخاً في مكانة لا تهتز، لكنه لم يكن على هذه الحالة في بداياته، فهو ولد نتيجة مغامرة، ويصح القول إنه انطلق من العدم يوم أسسه الراحل هوبر بالز. يُحكى أن الحضور ليلة الافتتاح في الثامن والعشرين من عام 1972 اقتصر على 17 شخصاً. أما المهرجان برمته فلم يستقطب أكثر من 4500 مشاهد في تلك الدورة، على رغم أنه كان يقدّم 31 فيلماً. الآن، عدد المحترفين الذين يحضرون المهرجان يبلغ الـ2400. هذا كله، حققه "روتردام" بلا نجوم وبهرجة ومظاهر احتفالية. نعم، لا وجود لسجادة حمراء في "روتردام"، كما في كان وبرلين والبندقية وغيرها من مهرجانات الصف الأول التي تمزج الفنّ والثقافة بالترفيه والتسويق. هنا، ثمة نزعة لإعطاء الأشياء طابعاً جدياً، ويمكن القول إن الإدارة تنطلق من مبدأ "الفن للفن"، في خط تحريري يحدث قطيعة مع طغيان النجوم على مهرجان "كان" وسيطرة السياسة على مهرجان "برلين". أما هوبير بالز، مؤسس المهرجان، فبات اسم صندوق دعم لسينمات آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق أوروبا، وهي البقع الجغرافية الحاضرة على الدوام في برنامج المهرجان المهموم بالعالم بأسره بلا تمييز.

جائزة "تايغر" التي بدأت تُوزَّع بدءاً من عام 1995 ستُمنح هذا العام إلى أحد الأفلام المشاركة في المسابقة، وقيمتها 40 ألف يورو. أحد أعضاء لجنة التحكيم هو ماركو موللر، خبير السينما الآسيوية والمدير السابق لمهرجانات "روتردام" و"البندقية" و"لوكارنو". الرجل كان من أوائل الذين عرفوا عن سينما الشرق الأقصى في أوروبا، قبل أن ينتقل للعيش في الصين حيث أسس أيضاً عدداً من التظاهرات السينمائية. له أيضاً نشاط إنتاجي، إذ أنتج فيلم "أرض الحياد" للبوسني دانيس تانوفيتش الذي نال "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي عام 2002. التفاتة جميلة عودة هذا السينيفيلي الكبير إلى المهرجان الذي أداره طوال ثلاث سنوات (1989-1991)، قبل أن تنتقل إدارته من يد إلى يد، فتستقر أخيراً في يد الكرواتية فانيا كالوجرسيك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجسّدت ذروة المهرجان الذي يستمر حتى نهاية هذا الأسبوع، في زيارة الممثّلة الألمانية ساندرا هولر إلى روتردام، ومشاركتها في لقاء مفتوح مع الجمهور، في مناسبة ترشّحها لجائزة "أوسكار" أفضل ممثّلة عن دورها في "تشريح سقوط" لجوستين ترييه. امتلأت الصالة بحضور معظمه من الشباب. ناقد "الغارديان" بيتر برادشو هو مَن حاور النجمة الألمانية التي تحدّثت عن أدوارها في أفلام طبعت سجلّها، من "توني إيردمان" إلى "منطقة الاهتمام" مروراً بدورها في الفيلم الفرنسي حيث تلعب دور كاتبة متّهمة بقتل زوجها، وهو الموضوع الذي يشغل المشاهدين وأبطال هذه القصة المشوقة طوال ساعتين ونصف الساعة. أما المفاجأة، فتمثّلت في اعتراف هولر بأنها لا تعلم حقاً إذا كانت الشخصية التي جسّدتها بريئة أم مذنبة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما