Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللغة العربية في فرنسا... حضور شعبي وغياب تعليمي

تنتشر بين الجاليات لكن الأبناء يجدون صعوبة في تعلمها لأنها تتعرض للتهميش في المدارس والجامعات

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أهمية تعلم اللغة العربية والتزام التعددية اللغوية (أ ف ب)

ملخص

تحد كبير يواجهه أبناء الجاليات في فرنسا لتعلم اللغة العربية

تمتلك اللغة العربية حضوراً عميقاً ومتصلاً في فرنسا على مر العصور، بدءاً من فترة النهضة حتى الوقت الحالي، فهي تعد جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي والأدبي الفرنسي، وقد أسهمت الترجمات الفكرية والعلمية والأدبية من العربية إلى الفرنسية في إثراء التحولات المعرفية والجمالية التي شهدتها باريس.

ولا غرابة أن يعدها رئيس معهد العالم العربي هذه اللغة بـ"كنز فرنسا"، إذ تعكس هذه العبارة الاعتراف بالقيمة الفريدة للغة العربية والأثر الذي تتركه في الحياة الفرنسية، وتظهر تسميتها بهذا اللقب إدراكاً واعياً لأهمية اللغة العربية، مما يشير إلى الدور البارز الذي تلعبه في تعزيز التفاهم الثقافي والحوار العابر للثقافات في فرنسا.

مكانة أكبر

وزير التربية والتعليم الفرنسي السابق ومدير معهد العالم العربي جاك لانغ معروف بمواقفه المنفتحة على الثقافة العربية، وهو مدافع شرس عن هذه اللغة، في حواره مع "اندبندنت عربية" أكد ذلك قائلاً، "أدافع دائماً عن فكرة إعطاء اللغة العربية مكانة أكبر. للأسف العربية، وكذلك عديد من اللغات الأخرى، يتم تدريسها من قبل عدد محدود من المدرسين، أجد ذلك غير عادل، ومع ذلك أقاتل من أجل اللغة العربية، من المهم تعزيز التنوع اللغوي لإثراء التجارب التعليمية والثقافية للطلاب".

وبخصوص تلقيبها بـ"كنز فرنسا" أشار لانغ إلى أن "اللغة العربية تعد لغة كونية، إذ إنها لغة الأدب والثقافة والعلم بامتياز، ويجب علينا جميعاً الدفاع عنها بشدة لتحقيق المكانة المستحقة لها في المجتمع الفرنسي، وعندما أقول إن اللغة العربية كنز فرنسا، فهذا لأنها جزء من تاريخنا، فكانت فرنسا بلداً استعمارياً وبلداً مضيفاً بعد الاستقلال، وهي تستضيف عدداً كبيراً من مواطني الدول العربية، لذا تحتل اللغة مكانة مهمة في الثقافة الفرنسية".

ويضيف الوزير السابق، "اللغة العربية مثل أي لغة، هي في المقام الأول وسيلة للثقافة والجمال، إنها لغة العلماء والفنانين ورجال الأعمال ولغة الشعراء"، لافتاً إلى أنها "كانت جزءاً من تاريخ فرنسا منذ فرنسيس الأول، وخامس أكثر اللغات انتشاراً في العالم وإحدى لغات الأمم المتحدة الست".

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه اللغة العربية في فرنسا، أوضح جاك لانغ أن جهود تعليم اللغة العربية تواجه تحديات عدة، بما في ذلك نقص الإرادة السياسية التي تعود إلى أسباب أيديولوجية، مما يعوق فرص توفير اللغة العربية، مشيراً إلى أن "الإشكال الحقيقي والسبب الرئيس الذي يعوق تعلم اللغة العربية في فرنسا يعود إلى مسألة التعدد اللغوي، فمع مرور الوقت يميل تعليم اللغات إلى التركيز على اللغة الوطنية، وتنخفض معه التعددية اللغوية، مما يعني أن عديداً من الطلاب يركزون على تعلم اللغة الفرنسية والإنجليزية، هذا أدى إلى تقليل العرض المتعلق باللغات في المدارس الثانوية والجامعات، وكانت اللغة العربية ضحية لهذا التقليل".

مادة تعليمية

واستشهد الوزير السابق باللغة الألمانية التي كانت في السابق اللغة الأولى، التي يختارها الطلاب والأولياء، لكن شعبيتها انخفضت بعد الحرب، وذلك يعود لوجودها الاقتصادي القوي، حيث تحتل آنذاك الألمانية مكانة مهمة في عقول العائلات في فرنسا، ومع ذلك انخفضت شعبيتها تدريجاً كمادة تعليمية، كما حدث في ألمانيا بالمثل، في حين انخفضت أيضاً شعبية اللغة الإيطالية كثيراً في فرنسا. على الجانب الآخر، تشهد اللغات المتعلقة بالصين نمواً معيناً بسبب الأهمية الاقتصادية المتزايدة لهذا البلد، وكذلك اللغة الكورية.

ومن وجهة نظر لانغ يعكس الإقبال الكبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات، حيث يكون تعليم العربية اختيارياً تغيراً إيجاباً في الواقع، ومن الملحوظ أن هناك عدداً متزايداً من الطلاب في الجامعات الذين يختارون دراستها، سواء كانت كلغة أولى يتقنونها فعلاً، أو لغة جديدة يسعون إلى اكتسابها، ويعكس هذا الاهتمام رغبة المتعلمين في استكشاف وفهم الثقافة العربية ومن الملح، حسب قوله، انتزاعها من الطائفية الدينية مثل الإنجليزية أو الألمانية، وكذلك الإسبانية أو الصينية.

وعن سؤال ما إذا كانت هناك توجهات سياسية حول مسألة اللغة العربية وأهميتها في المجتمع الفرنسي وهل الجماعات السياسية اليمينية هي من تروج لسياسة تهميش أو تقليل من قيمة اللغة العربية، يجيب جاك لانغ قائلاً "إن الذين يسعون إلى تقليص دور اللغة العربية واستغلال المخاوف غالباً ما ينتمون إلى التيارات اليمينية، ومع ذلك، يجب أن ندرك أن هذه الآراء لا تتجاوز مجرد التصريحات والكلمات. على الجانب الآخر، أكدت الحكومة الفرنسية، التي لا تنتمي بالضرورة إلى التيار اليميني المتطرف، والرئيس إيمانويل ماكرون، أهمية تعلم اللغة العربية والتزام التعددية اللغوية، ومع ذلك، يبدو أن الجهات المعنية تفتقر إلى الحزم في تنفيذ هذه السياسات بصورة كاملة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى الوزير السابق أن المشهد متناقض، حيث تتعرض اللغة العربية مثل كل اللغات الأخرى لتهميش معين مقارنة باللغة الإنجليزية، ومن جهة أخرى هناك تحسينات، إذ يوجد مزيد من معلمي العربية في المدارس الثانوية والكليات والمدارس العليا.

وفي رأي مدير معهد العالم العربي لانغ تتعلق التدابير التي يجب اتخاذها بسياسة وطنية تجعل تعلم اللغات غير الوطنية إلزامياً، ينبغي على الحكومة إصدار مرسوم ينص على أن كل طالب يجب أن يتعلم لغتين، إضافة إلى الفرنسية. ويصر لانغ على أنه "للأسف، هذه السياسة غالباً ما تكون عرضة لتقلبات سياسية".

العائلات المهاجرة

تواجه الجالية العربية في فرنسا تحديات في تعلم واستخدام اللغة العربية بصورة فعالة، ويعد نقص الدعم والانفتاح في المدارس الفرنسية على تعليمها من بين هذه التحديات، حيث عبرت بعض العائلات عن أملها في زيادة فتح المدارس الفرنسية لتدريس لغتهم، مما قد يسهم في تحسين الوضع وتعزيز تعلم اللغة العربية في بيئة فرنسية.

وكان الحفاظ على اللغة العربية في البيت تحدياً صعباً بالنسبة إلى أيمن الذي أصر على أن يتحدث أطفاله بلغتهم الأم، لأنها وسيلة التواصل الوحيدة مع أقاربه. يقول أيمن "أحرص كثيراً على أن يتعلم أطفالي لغتهم الأم، خصوصاً أنهم يجدون صعوبة في التحدث لأقربائهم في تونس، ولكن اللغة العربية ليست لغة مثل اللغات الأخرى بالنسبة إلى فرنسا، وتعلمها ليس بهذه السهولة، على سبيل المثال، أرسل أبنائي إلى المسجد ليتعلموا العربية، وأتمنى أن تفتح المدارس الفرنسية أبوابها أكثر لتعليم اللغة".

أما زوجته هدى فقالت، "من المهم أن تلعب الأسرة دوراً فعالاً في دعم تعلم اللغة العربية للأطفال، ويجب أن تكون هناك بيئة مناسبة في المنزل تشجع على استخدامها وتوفير الفرص للتعلم والتدريب".

الأطفال في هذه الجالية يواجهون صعوبات في الحفاظ على التوازن بين اللغة العربية والمحلية أو الرسمية في بلدهم، فالتعرض المتكرر للغة المحلية في المدرسة والمجتمع يمكن أن يؤدي إلى تراجع في استخدام اللغة العربية.

تعلم اللغة

من ناحيتها، كانت فاطمة تعتقد أن ابنتها ستتعلم اللغة العربية بطريقة تلقائية، وقالت "في البداية كنت أعتقد أن الأمر سيكون سهلاً جداً، ولكن مع دخول ابنتي المدرسة وتعلمها اللغة الفرنسية، تفاجأت بأنها تواجه صعوبة كبيرة في نطق الحروف بالعربية". وتقول فاطمة "تعليم اللغة العربية لأطفالنا يشكل تحدياً كبيراً، ونحن نسعى بكل جهدنا لتعليمهم هذه اللغة". وتضيف، "يجب أن يحظى الأطفال بدعم مستمر ومتواصل من الأسرة والمدرسة لمساعدتهم على التغلب على هذه التحديات وتعزيز مهاراتهم في استخدام اللغة العربية بفاعلية، ونأمل أيضاً زيادة افتتاح المدارس الفرنسية لتدريس اللغة العربية".

يظهر هذا المثال أن التعلم اللغوي ليس سهلاً بالنسبة إلى الأطفال، بخاصة عند تعلم لغة ثانية، فقد يواجه الأطفال صعوبة في التعبير بصورة صحيحة باللغة العربية، مما يتطلب الصبر، والتدريب المستمر.

اندماج وتكيف

من الناحية الثقافية، قد يشعر الأطفال بضغوط الاندماج والتكيف مع الثقافة الفرنسية المحيطة بهم، مما قد يؤثر في رغبتهم في تعلم واستخدام اللغة العربية، إضافة إلى ذلك، فقد يتعرض الأطفال لتحديات اجتماعية مثل التمييز أو عدم الانتماء، مما يجعل الحفاظ على اللغة والثقافة العربية أكثر صعوبة.

من جهته، يقول باديس "أحب العربية كثيراً لأنها لغتي الأم، لكنني أخجل من التحدث بها في المدرسة خوفاً من التنمر، إذ لا تزال اللغة العربية تواجه الرفض من قبل بعض الأشخاص في البيئة المدرسية".

ختاماً، يبقى السؤال حول سبب ربط البعض اللغة العربية حصرياً بالإسلام، فالواقع يظهر أنه يمكن للمرء أن يكون مسلماً دون أن يكون عربياً، كما هو الحال في إندونيسيا، التي تعد الدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، والتي ليست دولة عربية، وعلى الجانب الآخر، يمكن للأشخاص أن يتحدثوا بها دون أن يكونوا مسلمين، إذ تستخدم الكنائس الشرقية والمجتمعات اليهودية هذه اللغة، وقد كانت العربية موجودة قبل الإسلام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير