Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر لم تستطع الهرب من أزمة الكهرباء وتجنبها كان ممكنا

يرى وزير البترول الأسبق في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن نقص الدولار وتراجع غاز "حقل ظهر" وغياب تنويع مصادر الطاقة وراء الانقطاعات

يدافع وزير البترول المصري الأسبق عن تخفيف الأحمال ساعتين يومياً باعتباره يجنب إرهاق موازنة الدولة عبء تدبير الدولار (علاء أمين - اندبندنت عربية)

ملخص

كان بإمكان مصر تجنب أزمة الكهرباء الحالية في مصر، وتحديداً منذ عام 2015، لكنها لم تستطع الهروب منها، بحسب وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال في حواره لـ"اندبندنت عربية"

كان بإمكان مصر تجنب أزمة الكهرباء الحالية، وتحديداً منذ عام 2015، لو اتجهت سياساتها آنذاك نحو تنويع مصادر الطاقة المستخدمة في محطات الكهرباء، بدلاً من الاعتماد الرئيس على البترول والغاز بنسبة 93 في المئة، لكن الأزمة الحالية خرجت للعلن في هذا التوقيت الحساس من تاريخ البلاد، لأسباب كثيرة عددها وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق أسامة كمال، في حوار لـ"اندبندنت عربية"، ليس نقص الدولار أولها، ولا تراجع إنتاج حقل ظهر آخرها، فللأزمة جذور قديمة.

في مبنى جمعية المهندسين المصرية التاريخي ذو 100 عام وأربعة، والواقع على مقربة أمتار من ميدان رمسيس في قلب القاهرة، كان القلق من انقطاع الكهرباء في ظل ما تشهده البلاد من تخفيف أحمال، هاجساً يساور صحافي "اندبندنت عربية" أثناء إجراء حوار مصور مع رئيس الجمعية ووزير البترول الأسبق، في حديث لم تغب عنه الأزمة الحالية من انقطاعات الكهرباء، التي يرى فيها المسؤول المصري، نتيجة مباشرة لغياب سياسة تنويع مصادر توليد الطاقة في بلاده، واعتماد محطات الكهرباء على النفط والغاز كمشغل رئيس، وفي ظل ما تشهده الموارد البترولية الناضبة وذات الكلفة العالية أيضاً من "تراجع طبيعي" في الإنتاج، ومن هذا التراجع ما حل بـ"حقل ظهر" الذي تتقاسم مصر إنتاجه مع شركاء إيطاليين وبريطانيين وروس، بحصص مختلفة.

لكن الأزمة ليست كلها في حقل ظهر، وإن امتلك وحده نحو نصف إنتاج البلاد من الغاز، إذ يضيف أسامة كمال "قبل حقل ظهر ماذا كنا نفعل؟ كانت هناك آبار تدخل وآبار تخرج، ليس حقل ظهر فقط هو الذي يتراجع إنتاجه، كل الآبار على وجه العموم يتراجع إنتاجها، لكن ماذا فعلنا نحن على الجانب الآخر في مجال الترشيد وتنويع المصادر؟ لم يكن بالقدر الكافي، ولهذا تظهر من حين إلى آخر الأزمة الخاصة بالاعتمادية على الغاز، لأن إنتاج الكهرباء بنسبة 93 في المئة يعتمد على البترول والغاز، لذلك في حال حدوث أي نقص في البترول والغاز تحدث الأزمة، لكن لو كنا منذ 2015 نعمل كل عام فقط غيغا واحدة من الطاقة المتجددة، لكان لدينا اليوم 8 غيغا طاقة متجددة".

ويرى أسامة كمال الذي كان وزيراً للبترول في فترة سياسية عصيبة من تاريخ البلاد بين عامي 2012 و2013، في تخفيف أحمال الكهرباء في مصر، بنحو ساعتين يومياً، أمراً مطلوباً في إطار سياسة الترشيد التي تتبعها بلاده، تجنباً لإرهاق موازنة الدولة بأعباء تدبير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد الوقود اللازم لتشغيل المحطات، وفي ظل الأحداث الجيوسياسية التي أثرت في إيرادات السياحة وقناة السويس من النقد الأجنبي، لكن مع ذلك تظل موارد بلاده من الطاقة "كبيرة" وفق ما يقول لـ"اندبندنت عربية"، إذا ما قورنت تلك الموارد بما تملكه بلدان كبرى مثل كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تملكان عدد السكان نفسه في مصر تقريباً، من دون أن يكون لديهما ما لدى مصر من 6 مليارات قدم مكعب من الغاز يومياً، وما يقرب من نصف مليون برميل نفط يومياً.

الهند مثال آخر يسوقه أسامة كمال في حديثه حول إمكانات الطاقة الهائلة في مصر، مثال لبلد كبير يضم 1.5 مليار نسمة، ولا يتجاوز إنتاجه النفطي 50 ألف برميل يومياً، لكن الأساس كما يقول، ليس بما تملكه البلدان من موارد الطاقة بقدر كيفية استخدام تلك الموارد، ومصر التي تحظى بإمكانات من الموارد النفطية الناضبة، ومناطق صالحة لإقامة مزارع رياح، قادرة على توليد 12 ضعفاً ما تنتجه اليوم من الكهرباء، ومناطق أخرى واسعة وذات كفاءة عالية لتوليد طاقة كهربائية من الشمس، تصل إلى أكثر من 400 ضعف ما تنتجه اليوم، لا تعمل على توليد الكهرباء بما يكفي من تلك المصادر.

 

"مصر صنعت معجزة في الكهرباء"

على نحو أكثر دقة، يشرح أسامة كمال، حال قطاع الكهرباء في بلاده، بدءاً من دخول أول لمبة كهرباء عام 1870 حتى 2015، إذ يقدر إجمالي الطاقات الاسمية في تلك الفترة ما بين 35 إلى 37 غيغا، تستهلك منها البلاد شتاء 30 غيغا، و25 خلال أشهر الصيف، لكنه يشير إلى الفترة ما بين 2015 حتى 2023، التي تمكنت خلالها مصر من الوصول إلى ما يقرب من 55 غيغا وات، أي ضعف الطاقة الاسمية تقريباً التي كانت موجودة، مما يعني بقوله إن مصر صنعت معجزة في قطاع الكهرباء.

يستدرك أسامة كمال بأن معجزة مصر في قطاع الكهرباء، جاءت على حساب البترول والغاز، بالتالي لم تتمكن بلاده من الهرب من الأزمة حين انخفض إنتاج البترول والغاز بعض الشيء منذ 2011، حين كانت البلاد تنتج تقريباً 6 مليارات قدم مكعب من الغاز، ثم انخفض الإنتاج وصولاً إلى 3.7 مليار قدم مكعب في عام 2017، لكن مع دخول حقل ظهر عام 2018، وحتى ذروة إنتاجه مطلع عام 2020، بلغ إنتاج البلاد 7.2 مليار قدم مكعب، قبل أن ينخفض الضغط الطبيعي للآبار من 10 إلى 15 في المئة سنوياً.

ويتابع المسؤول المصري حديثه، بأن ذروة إنتاج حقل ظهر في المياه العميقة بلغ 3 مليارات قدم مكعب من الغاز في الفترة ما بين نهاية 2019 ومطلع عام 2020، ويضيف "مع افتراض تراجع إنتاجه سنوياً منذ ذلك الوقت بالنسب المذكورة، فإن الإنتاج اليوم يتجاوز 2.2 مليار قدم مكعب، وهو ما يؤكد أن التعامل مع خزان الحقل تعامل رشيد، ويمكن تعويض هذا التراجع في إنتاج الحقل، عبر اكتشافات أخرى، وقطاع البترول لا يهدأ عبر إضافة اكتشافات جديدة، أو رفع كفاءة بعض الحقول".

وقود السيارات في مصر

ويضيف أسامة كمال أن وسائل النقل بمختلف أنواعها البرية والبحرية والجوية، التي تستهلك 60 في المئة من الوقود عالمياً، وقطاع الصناعة الذي يستهلك 27 إلى 30 في المئة من إجمالي النفط المنتج عالمياً، لكن عند مقارنة النسبتين في مصر، يتبين أن 100 في المئة من وسائل النقل في مصر تعتمد على الوقود البترولي، بينما يعتمد قطاع الصناعة المصري، على الغاز والنفط بنحو 90 في المئة، و10 في المئة المتبقية تتوزع على مصادر وقود أخرى، كما الحال في قطاع الأسمنت والسيراميك، وفق ما يقول.

وبينما تعتمد دول العالم في توليد الكهرباء على البترول والغاز بنسبة لا تتجاوز 40 في المئة، ثم الفحم في حدود 30 في المئة، والطاقة النووية بنحو يتراوح ما بين 10 و12 في المئة، ومثل هذه النسبة تقريباً من الطاقات المتجددة، وفق ما يضيفه المسؤول، فإن مصر تعتمد بنحو 93 في المئة على البترول والغاز في توليد الكهرباء.

خدمت سياسة التنويع في مصادر توليد الكهرباء، أوروبا حين واجهت أزمة انقطاع الغاز الروسي بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وفق ما يستشهد المسؤول المصري السابق، في إشارته إلى أهمية تنويع سلة مصادر الطاقة في بلاده، وينظر إلى الطاقة باعتبارها أحد أعمدة نمو الاقتصاد الرئيسة في أي مكان، وبوصفها محور أساس للنمو الاقتصادي، ويضيف "الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة هي القوة، فمن لديه اقتصاد قوي، لديه تأثير شديد في السياسة العالمية، حتى لو لم يمتلك جيشاً قوياً، ولا يزال التباطؤ الاقتصادي في العالم منذ جائحة كورونا يلقي بظلاله على أسعار وكميات النفط، ورأينا كيف خشيت أوروبا من تأثير انقطاع الغاز الروسي على مناحي الحياة، بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، كونه يمثل 40 في المئة من إجمالي الواردات الأوروبية، لذا سيظل ملف الطاقة محور أساس بالنسبة إلى العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حديثه عن فضيلة التنويع الغائبة، يضرب كمال مثال آخر بقطاع صناعة الأسمدة في مصر، الذي يعتمد على الغاز بنسبة 100 في المئة، إذ يمكن فيه موفق ما يقول، استغلال الهيدروجين الأخضر كوقود بديل، وإحلال الغاز المستخدم في كل مصانع مصر بمصادر أخرى، مع تطبيق الأمر ذاته في وسائل نقل الركاب التي تعتمد على المنتجات البترولية، شريطة تجهيز البنية التحتية اللازمة قبل استيراد السيارات الحديثة التي تعمل بخلية الهيدروجين.

بيع الكهرباء بسعر مدعم

وعما إذا كان يتعين على الدولة مواصلة الاستثمار في قطاع الكهرباء، يقول أسامة كمال "لدينا طبقات تحتاج إلى حماية اجتماعية، وتوليد كهرباء بسعر مناسب، لكن لا ينبغي في الوقت ذاته استيراد وقود مرتفع الكلفة، من أجل توليد الكهرباء بسعر مدعم للمواطن البسيط، إذ يجب تزويده بسعر مدعم وفق ما تنتجه البلاد من البترول والغاز، فالكيلو وات الكهرباء يحتاج في المتوسط من 180 إلى 200 غرام من الوقود، وسعر طن الوقود في حدود 500 دولار، وهو ما يعني أن كيلو وات الكهرباء يكلف ما بين تسعة إلى 10 سنت، وهي كلفة مرتفعة إذا ما قورنت بإنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، بالتالي توفر الدولة الوقود البترولي وكلفته المرتفعة، وتتجنب آثاره البيئية الضارة إذا لجأت إلى توليد الكهرباء من طاقات متجددة، وعليه لابد من تنويع سلة الطاقة في مصر، ووزارة الكهرباء المصرية بدأت تنفيذ ذلك، وإن تأخرت لأسباب تتعلق بالأزمة السياسية بعد 2011، ومكافحة الإرهاب وصولاً إلى كورنا والحرب الروسية - الأوكرانية".

لا يغفل وزير البترول الأسبق كلفة إنتاج الطاقة في بلاده، فيقول إن حفر البئر الواحدة في حقل ظهر، كلف البلاد 100 مليون دولار، مما يعني أن إجمالي حفر 20 بئراً كلف ملياري دولار، وهو جهد كبير لا ينبغي التعامل معه باعتباره إنتاجاً في كوب مثقوب، إذ يتعين ترشيد الاستهلاك وتنويع مصادر الوقود اللازمة للأغراض كافة، وفق قوله.

خصخصة قطاع الكهرباء

لكن الدولة برأيه غير مطالبة طوال الوقت بالاستثمار في الكهرباء، كما الحال في قطاع البترول، بل يكفيها إدخال مطورين من القطاع الخاص، وتخصيص أراض في أماكن مختلفة لتوليد الكهرباء وتصدير جزء منها، والحصول منهم على حصة مجانية، وهو ما من شأنه تخفيف الضغط على الاستيراد اللازم لتوليد الكهرباء، مضيفاً "هذه ليست خصخصة، لا أدعو إلى بيع محطات الكهرباء، بل إتاحة المجال لدخول مطورين لإقامة محطات للطاقة المتجددة، وبقاء الدولة في القطاع ضروري للحفاظ على التوازن، إذ لا توجد دولة في العالم تخصخص خدمة بشكل كامل، بل تظل الدولة موجودة في كل القطاعات منظم وشريك ومراقب لأداء المطورين".

يتناول الوزير المصري الأسبق، أزمات البوتاجاز والبنزين قبل أكثر من 10 سنوات في بلاده، ويرى أن السبب كان الاعتماد الكلي على المنتجات البترولية كمصدر رئيس من دون تنويع الطاقة، ويلفت في حديثه إلى أن الدعم مطلوب لكن ليس بما هو عليه في مصر، فمع شراسة آليات السوق المفتوحة، لا يمكن ترك الطبقات المتوسطة وما دون المتوسطة من دون رعاية، لكن يتعين أن يكون الدعم شخصياً للشخص المستحق وليس دعماً عينياً على السلع، لأن السلع تباع للغني والفقير، ولا يمكن أن تكون بسعر واحد، مضيفاً "وجدنا أن 80 في المئة من استهلاك الوقود في مصر يعود لـ20 في المئة فقط من المواطنين، لذا لا يتعين إتاحة الوقود بالسعر نفسه لهؤلاء، ولا ينبغي دعم الكهرباء للأثرياء والفقراء في مصر، والحل أن تمتد مظلة الحماية الاجتماعية بالدعم النقدي وليس الدعم العيني، فلا ينبغي أن تكون هناك في السوق سلعة بسعرين، وإلا ستنشط السوق السوداء، لكن يتعين تقديم الدعم على البطاقات التموينية، وهو أمر مطبق في كل العالم".

"مشكلة الشعب المصري"، وفق ما يلخصها وزير البترول الأسبق، هي نظرته إلى الحكومة باعتبارها الأب والأم، الذي يتعين عليه أن ينفق ويوفر السكن ويخلق الوظائف، بينما الأمور ليست بهذا الشكل في الخارج، فالضرائب المفروضة على المشاريع الكبيرة توجه حصيلتها إلى تلك الأمور، وهناك ولايات أميركية تصل بها الضرائب إلى ما يزيد على 40 في المئة، بحسب ما يقول.

ويشير المسؤول السابق إلى أن أزمة قطاع الثروة المعدنية تتمثل في أن قانونه لم يتطور منذ عام 1956، قبل أن تصدر وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية قانوناً جديداً في عام 2019، بلائحة تنفيذية جاذبة، تحقق التوازن ما بين طلبات المستثمر والدولة، وبدأت الدولة تركز بدرجة كبيرة في مجال تعدين الذهب، فلدى بلاده أوجه عديدة للتعدين، بدءاً من الرمال البيضاء والصفراء والسوداء بمختلف أنواعها والفوسفات، معبراً عن التفاؤل في شأن قطاع التعدين الفترة المقبلة.

المزيد من حوارات