Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لم تهدئ زيادة الأجور من روع المصريين الاقتصادي؟

محللون يرون أن أزمة الدولار والأسعار في معظمها نتيجة السياسات الحكومية

شملت القرارات رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة بنسبة 50 في المئة (اندبندنت عربية)

بعد يومين من إعلان الحكومة المصرية زيادة غير مسبوقة في الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد ما زالت أحاديث الناس في مصر لا يسيطر عليها سوى غلاء الأسعار وتوقعات تعويم الجنيه المصري (تحريك سعر الصرف) مجدداً أمام الدولار الأميركي.

وعلى رغم أن بعضاً منهم يبالغ في تأثير الأزمة الاقتصادية على متطلبات الحياة اليومية، إلا أنك تشهد ذلك بنفسك حين تجلس على مقهى أو تشتري بعض المواد الغذائية أو غيرها من السلع لحاجات البيت.

وبلغت كلفة القرارات التي أعلنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين في ظل ارتفاع معدلات التضخم بصورة رهيبة ما يصل إلى 180 مليار جنيه مصري (نحو 6 مليارات دولار) من موازنة الدولة.

وشملت القرارات التي تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة والقطاعات التابعة لها بنسبة 50 في المئة، أي زيادة أجور ورواتب هؤلاء العاملين بما بين 1000 جنيه (300 دولار) و1200 جنيه (400 دولار) شهرياً، وتضمنت أيضاً زيادة في معاشات التقاعد بنسبة 15 في المئة تقريباً، إضافة إلى زيادة ما تدفعه الدولة للفئات الفقيرة من مساعدات مالية شهرية.

الأسعار وغياب نظم ضريبية

مع ذلك لا تسمع من الناس في مصر سوى الشكوى من أن تلك الزيادة لن تعني لهم سوى ارتفاع كلفة المعيشة، إذ ينتظرون رفع تجار الجملة والتجزئة للأسعار، خصوصاً السلع الضرورية، نتيجة زيادة الرواتب والأجور، ذلك في الوقت الذي لا يتوقف تجار التجزئة عن رفع الأسعار للمستهلكين بصورة متواصلة تحت مبرر ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية (السوق السوداء) عن ضعف سعره الرسمي في البنوك. وتقريباً لا يحكم حياة اليومية في مصر حالياً أكثر من مسألة سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وتأثير ذلك في الأسعار.

لكن معظم الاقتصاديين المستقلين الذين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" يرون أن ارتفاع الأسعار بالصورة الحالية، لا يستند في أغلبه إلى حقائق اقتصادية أساسية استناداً إلى البيانات والأرقام الرسمية من الجهات الحكومية بما فيها البنك المركزي المصري، إذ إن معدل التضخم الرسمي في مصر يقل عن نسبة 30 في المئة، بينما أسعار السلع والخدمات ترتفع بأكثر من ضعف تلك النسبة وأحياناً بثلاثة أو أربعة أضعاف في بعض الأحيان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرجع الاقتصاديون ذلك إلى السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة التي تسمح للتجار بذلك، فعلى سبيل المثال، كما يرى المحلل المالي علاء عبدالحليم، أن "غياب أي نظام مالي وضريبي تطبقه الحكومة هو الذي يسمح بهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار بل وأحياناً اختفاء بعض السلع الضرورية من السوق"، مضيفاً "التاجر الذي لديه مخزون من سلعة ما اشتراها بالجملة بسعر معين يرفع السعر بنسب مضاعفة"، مبرراً ذلك "بتراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء، بالتالي يضاعف هامش الربح ويتحمل المستهلك ذلك".

السبب الرئيس في ذلك، كما يكاد يجمع أكثر من اقتصادي وخبير مالي، هو ليس فقط غياب السلطة الرقابية للدولة على التجار والأسعار، وإنما أيضاً الافتقار لنظم ضريبية تجعل التجار ومقدمي الخدمات للمواطنين يدفعون ضرائب على تلك الزيادة الهائلة في الأرباح. فهؤلاء يدفعون الضرائب عن الأسعار الحقيقية المثبتة في فواتير الشراء بالجملة أو حتى الاستيراد، وهي غالباً أقل بنحو النصف عن السعر الذي يبيعون به للمستهلك. ويذهب كل ذلك الربح خالصاً من دون أن تحصل الدولة الضرائب عليه بما يهدر أيضاً مصدراً مهماً لعائدات الخزانة العامة.

كان المفترض أن يكون مشروع "الفاتورة الإلكترونية" الذي بدأ تنفيذه عاملاً أساسياً في ضبط تلك المنظومة بالتالي الحد من الارتفاع العشوائي لأسعار السلع والخدمات، لكن التنفيذ حتى الآن لم يطاول فواتير البيع للمستهلك النهائي، وكذلك كثيراً من الخدمات المهنية تقاوم الالتزام بالفاتورة الإلكترونية.

وقال عبدالحليم إنه "ليست هناك مشكلة في ارتفاع الأسعار بالقدر المعقول، فمعدلات التضخم ترتفع في كل الدنيا، لكن هذا الانفلات سببه غياب نظم ضريبية تحول دون تلك المبالغات التي تضر بالمواطن وبعائدات الحكومة على السواء".

الدولار والتعويم

في غضون ذلك يلوم بعض الاقتصاديين أيضاً على الحكومة لجوءها إلى الأدوات التقليدية في مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار التي لم تجد نفعاً حتى الآن. فقرار البنك المركزي المصري قبل أيام برفع سعر الفائدة بنسبة اثنين في المئة إضافية لتتجاوز الفائدة على الجنيه المصري نسبة 20 في المئة لا يتوقع أن يؤثر كثيراً في ضبط ارتفاع التضخم، خصوصاً أن ارتفاع الأسعار للمستهلكين لا يحدث في معظم الأحيان استناداً إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي أو السياسة النقدية للحكومة. وربما يكون التأثير الأكبر لرفع سعر الفائدة هو زيادة الأعباء المالية على الموازنة مع ارتفاع كلفة خدمة الدين بالعملة المحلية نتيجة ارتفاع كلفة الاقتراض.

إلى ذلك يفسر كثيرون التذبذب الواضح في سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء بأكثر من طريقة، لكن الأقرب إلى المنطق هو أن تسعير الدولار خارج النظام الرسمي لا يخضع لأي معايير منطقية وإنما يعتمد على العرض والطلب الموقت، فبعدما ارتفع سعر الدولار إلى أكثر من ضعف السعر الرسمي متجاوزاً حاجز 70 جنيهاً للدولار انخفض إلى ما دون حاجز 50 جنيهاً للدولار ليعود ويرتفع فوق حاجز 60 جنيهاً للدولار.

وبحسب عدد من المحللين الماليين فإن ربط ذلك بالحديث عن قرب "تعويم" جديد للجنيه المصري بعد زيارة وفد صندوق النقد الدولي لمصر قد لا يكون مبرراً مهماً، إذ إن سعر الدولار في السوق السوداء يحدده تجار بعض القطاعات مثل المتعاملين في الذهب أو سوق السيارات وغيرها ممن يحتاجون إلى تمويل الاستيراد بالعملات الصعبة، وهذا ما يؤدي إلى التباين بحسب توفر الدولارات في السوق وطلب التجار عليها من ناحية أخرى.

في تلك الأثناء انتهت زيارة وفد الصندوق إلى القاهرة على ما يبدو بصورة إيجابية، مما يشير إلى احتمال إفراج الصندوق عن الدفعتين المتأخرتين من قرض سابق متفق عليه مع مصر بقيمة 3 مليارات دولار، وبالتالي ستحصل مصر على الدفعتين، وهما حدود 700 مليون دولار.

بينما يفسر آخرون إعلان حزمة الدعم المالي للمواطنين بأنه مؤشر إلى احتمال الاتفاق مع الصندوق على زيادة القرض لمصر، وربما مضاعفته إلى 6 مليارات دولار بدلاً من الاتفاق السابق بقيمة 3 مليارات دولار فقط.

وهكذا تبدو الزيادة في المرتبات والأجور والمدفوعات الحكومية الأخرى للمواطنين جزءاً من تعزيز "الحماية الاجتماعية" للشرائح الأكثر عرضة للضرر من تغيير السياسات الاقتصادية والمالية ضمن اتفاق الصندوق. من بين تلك المتطلبات تحرير سعر صرف العملة المصرية، لكن الأرجح كما قال علاء عبدالحليم إنه لن يكون هناك "تعويم" للجنيه المصري بمعنى ترك سعر صرفه للسوق الحر، إنما سيكون خفضاً أمام الدولار بنسبة ما بين 10 و20 في المئة على الأكثر، وبالتالي يتوقع ألا يزيد سعر صرف الدولار على 40 جنيهاً.