Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حري بأوروبا وليس "الناتو" إرسال قوات إلى أوكرانيا

كييف تحتاج إلى مزيد من القوات على الأرض من أجل وقف التقدم الروسي

جنود فرنسيون وأوكرانيون يتدربون في فرنسا، نوفمبر 2023 (أوليفييه تشاسينول/ رويترز)

ملخص

على الأوروبيين أنفسهم الدفاع عن أوكرانيا سواء لوجيستياً أو عسكرياً خارج إطار الناتو

كان اقتراح مثل هذا الأمر في مثابة خروج على المحظورات في أوروبا. قبل بضعة أشهر فقط، لم يكن من الممكن تصور اقتراح الزعماء الأوروبيين بإرسال قوات من بلدانهم إلى أوكرانيا. إلا أن إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي قال في الـ26 من فبراير (شباط) إن نشر قوات أوروبية في أوكرانيا "غير مستبعد". ومنذ ذلك الحين، انضم مسؤولون أوروبيون آخرون إلى الجوقة. وقد أشار وزير الدفاع الفنلندي وكذلك وزير الخارجية البولندي إلى أن قوات من بلديهما قد ينتهي بها الأمر في أوكرانيا. وإلى جانب الدعم الحالي في دول البلطيق لمثل هذه الخطوات، تظهر هذه التعليقات أن هناك كتلة مؤلفة من عدد متزايد من الدول التي تبدي انفتاحاً على فكرة التدخل الأوروبي المباشر في الحرب.

إن هذه التعليقات التي ترفع الصوت تثيرها ديناميكيات الصراع المتغيرة. كان الجدل الدائر في الكونغرس الأميركي في شأن إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا بمثابة كارثة. وأخيراً، أصبحت الموافقة على حزمة المساعدات الجديدة مؤكدة، بيد أن أشهر التردد في واشنطن تسببت باستياء الأوروبيين وأوحت لموسكو بأن عزم الغرب على دعم كييف قد بدأ يتصدع. واستغلت القوات الروسية، وهي مدعومة بمعدات من الصين وإيران وكوريا الشمالية، الفجوة في الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا من خلال تكثيف هجماتها على المدنيين والبنية التحتية غير العسكرية.

وفي أوائل أبريل (نيسان)، شنت روسيا هجوماً صاروخياً أدى إلى تدمير أكبر محطة للطاقة في منطقة كييف، بعد أن علمت أن أوكرانيا كانت تعاني نقصاً في الذخائر المضادة للطائرات. وفي وقت سابق من مارس (آذار)، استهدفت القوات الروسية سداً لتوليد الطاقة الكهرومائية في دنيبرو ومنشآت كهربائية أخرى حول خيرسون، مما أدى إلى تقويض الصناعة الأوكرانية وجعل اقتصاد البلاد أكثر اعتماداً على شبكة الكهرباء الأوروبية. إن مزيداً من الضرر الذي يلحق بالبنية الأساسية الحيوية، ومحطات الطاقة النووية، والأراضي الزراعية قد يؤدي إلى ارتفاع كلف إعادة الإعمار بصورة كبيرة، ومن المرجح أن يتحمل شركاء أوكرانيا في الغرب جزءاً كبيراً من كلفة إعادة الإعمار.

ومع تقدم القوات الروسية بسرعة أكبر فإن احتمال تمكنها من اختراق الدفاعات الأوكرانية على طول الجبهة الشرقية ومحاولة إضعاف السيطرة الأوكرانية المحكمة على خاركيف أو حتى كييف، يمثل تهديداً أمنياً لأوروبا لا يمكنها تجاهله. إن النصر الروسي في أوكرانيا يمكن أن يبرر طموحات الرئيس فلاديمير بوتين الرامية إلى المراجعة [أطماع روسيا التحريفية في الجوار الروسي] ويقينه بأن الضعف المتأصل في الغرب. وهذا قد يمكن الكرملين من إبقاء روسيا في حالة حرب، وهو نهج على نطاق المجتمع كله، لتبرير الغزو، لن تتمكن الدول الأوروبية من مضاهاته.

ولا قرائن على احتمال أن يتوقف تمدد بوتين عند حدود أوكرانيا. فقد وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه "الكارثة الجيوسياسية الأعظم" في القرن الـ20، وأعرب عن أسفه لأن "عشرات الملايين من مواطنينا وأبناء البلاد وجدوا أنفسهم خارج الأراضي الروسية". وإن دول البلطيق معرضة للخطر، وكذلك بولندا: في العام الماضي، وصف رئيس الوزراء الروسي السابق ديمتري ميدفيديف الموالي لبوتين منطقة البلطيق بأنها مقاطعاتنا وبولندا بأنها "محتلة موقتاً" (من قبل حلف شمال الأطلسي).

ومن خلال التهديد بإرسال قوات، تحاول الدول الأوروبية تعطيل هذا المسار المثير للقلق. ولكن حري بالدول الأوروبية أن تفعل أكثر من مجرد الحديث عن عمليات نشر القوات إذا كانت تريد تغيير النتيجة في أوكرانيا بصور حقيقية. وإذا استمرت الولايات المتحدة في تأخير المساعدات، وخصوصاً في حال انتخاب دونالد ترمب (الذي تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، من خلال السماح لبوتين بالاحتفاظ بمكاسبه غير المشروعة) رئيساً في نوفمبر، فستصبح أوروبا المدافع الوحيد عن أوكرانيا.

ولا يستطيع الزعماء الأوروبيون أن يسمحوا للخلل السياسي الأميركي بإملاء شروط الأمن الأوروبي. ويجب عليهم أن يفكروا بصورة جدية في نشر قوات في أوكرانيا بغية تقديم الدعم اللوجيستي والتدريب، وحماية حدود أوكرانيا والبنية التحتية الحيوية فيها، أو حتى الدفاع عن المدن الأوكرانية. ويجب أن يوضحوا لروسيا أن أوروبا مستعدة لحماية سيادة أوكرانيا الإقليمية. إن قبول الحقيقة المريرة للوضع في أوكرانيا ومعالجته الآن أفضل من ترك الباب مفتوحاً أمام روسيا لتسريع توسعها الإمبراطوري.

غيروا موضوع النقاش

لقد أثارت فكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا اعتراضات متوقعة. وشعر الكرملين بغضب شديد بسبب التصريحات التي أطلقها أخيراً ماكرون وآخرون وتضمنت تحذيرات من نشوب حرب، ربما تكون نووية، مع أوروبا بأكملها. وردت واشنطن وبرلين أيضاً بغضب. وقد فرضت كل منهما قيوداً صارمة على المساعدات التي قدمتها لأوكرانيا خلال فترة الحرب، كما أعربتا عن قلقهما من أن روسيا قد تفي بتهديداتها بالتصعيد، ووجهت العاصمتان انتقادات حادة للدول الأوروبية الأكثر تشدداً [لقيامها] بالإقدام على استفزاز غير ضروري، كما تعتبر واشنطن وبرلين.

ومثل هذه المعارضة لا تقلل من شأن الفوائد التي قد تقدمها القوات الأوروبية في أوكرانيا، وحقيقة أن ردود الفعل من جانب برلين وموسكو وواشنطن كانت قوية للغاية تظهر مدى أهمية إجراء هذه المناقشة. لقد أثبت القادة الأوروبيون أنه من الممكن الخروج من مناقشة التصعيد الأحادية الجانب، والتي، صبت إلى الوقت الراهن في صالح روسيا. وفي الجدل من النمط السابق، هددت موسكو بالتصعيد، وردت برلين وواشنطن بكلمات وأفعال تهدف إلى التقليل من التصعيد، وهي ديناميكية تردع كلاً من ألمانيا والولايات المتحدة عن إرسال أنظمة الصواريخ الأكثر تقدماً التي تحتاج إليها أوكرانيا حاجة ماسة. والآن تطلق أوروبا التهديدات، ولا تنظر موسكو بعين الرضا إلى ذلك على الإطلاق.

ويردد عديد من السياسيين والنقاد في الولايات المتحدة وأوروبا نقاط الحوار نفسها التي طرحها بوتين من خلال التحذير من أن أي نوع من التدخل الخارجي في أوكرانيا يمكنه أن يمهد إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. وفي الواقع، فإن إرسال قوات أوروبية سيكون بمثابة رد على صراع من هذا النوع. لقد تسبب الغزو الروسي في اضطراب توازن القوى الإقليمي، ولدى أوروبا مصلحة حيوية في تصحيح هذا الخلل في التوازن. والطريقة الواضحة للقيام بذلك هي توفير شريان حياة للجيش الأوكراني الذي يمكن أن تتخلى عنه الولايات المتحدة مرة أخرى، وأفضل شريان حياة له يتمثل في الجنود الأوروبيين. وما لم تتغير السياسة في الولايات المتحدة، فإن أوكرانيا ستحتاج إلى مصادر بديلة للمساعدة لكي تواصل معركتها، وتعتبر وأوروبا الداعم الطبيعي لها.

أرسلوا القوات

وفي وسع القوات الأوروبية تنفيذ عمليات غير قتالية أو قتالية بقصد تخفيف بعض الضغط عن أوكرانيا. وسيكون من الأسهل الترويج لمهمة غير قتالية حصراً في معظم العواصم الأوروبية. وبوسع القوات الأوروبية أن تعفي الأوكرانيين من أداء المهام اللوجيستية، من قبيل صيانة وإصلاح المركبات القتالية. ومن خلال البقاء غرب نهر دنيبرو، وهو الحاجز الطبيعي الذي يحمي قسماً كبيراً من أوكرانيا من التقدم الروسي، فإن القوات الأوروبية ستثبت أنها لم تأت إلى هناك من أجل قتل الجنود الروس، مما سيكون بمثابة ضربة استباقية للاتهام الروسي الحتمي بالعدوان الأوروبي. وترسل منذ بعض الوقت بعض المركبات الأوكرانية إلى ألمانيا وبولندا ورومانيا لإجراء إصلاحات جوهرية، ولكن القيام بهذه المهمة قرب الجبهة من شأنه أن يسرع العملية، ويقلل وقت تكون فيه المعدات خارج القتال، ويسمح بتفرغ مزيد من القوات الأوكرانية للقيام بمهام قتالية. ويستطيع المستشارون العسكريون الفرنسيون والبولنديون وغيرهم من الأوروبيين أيضاً توفير تدريب قتالي وغير قتالي داخل أوكرانيا لتعزيز الجانب الاحترافي للمؤسسة العسكرية للبلاد. وإذا أدت التعبئة الإضافية إلى توسيع الجيش الأوكراني في العام المقبل، وهو ما يبدو مرجحاً، فإن زيادة القدرة على تدريب المجندين الجدد داخل أوكرانيا ستكون مفيدة خصوصاً.

وتستطيع القوات الأوروبية أن تفعل أكثر من مجرد تنفيذ الإصلاحات والتدريب. من الممكن أن يظل الشكل الأكثر محدودية للمهام القتالية الأوروبية غرب نهر دنيبرو وأن يكون دفاعياً بطبيعته. ويمكن أن تشتمل إحدى هذه المهام على تعزيز قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية في هذه المنطقة من طريق نشر الأفراد، وتوفير المعدات، أو حتى تولي القيادة والسيطرة على نظام الدفاع الجوي الأوكراني. وستكون أخطار التصعيد في حدها الأدنى، إذ لن تحظى القوات الأوروبية بفرصة كبيرة لقتل الطيارين العسكريين الروس الذين يطلقون الذخائر ضد أوكرانيا من المجال الجوي البيلاروسي والروسي. غير أنها ستساعد في إسقاط صواريخ كروز والطائرات من دون طيار. ومن خلال القيام بذلك، ستؤدي بطاريات الدفاع الجوي التي توجه دفتها أوروبا إلى تخفيف الأعباء عن القوات الأوكرانية [من مهامها الأخرى وتكليفها] لحماية القوات القريبة من الخطوط الأمامية. وهي تحبط أيضاً في الوقت ذاته المحاولات الروسية الرامية إلى تدمير البنية التحتية الحيوية وترويع السكان الأوكرانيين ودفعهم إلى الاستسلام. ويمكن للقوات الأوروبية أن تؤدي مهام دفاعية وإنسانية أخرى أيضاً، مثل إزالة الألغام ونزع فتيل الذخائر الروسية التي لم تنفجر. إن تولي مثل هذا العمل من الموظفين الأوكرانيين قد يكون مفيداً لجهة حماية المدنيين ودعم الانتعاش الاقتصادي في أوكرانيا، إذ يكافح المزارعون الآن للزراعة وجني المحاصيل في الحقول المليئة بالألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهي تلعب دوراً آخر على صعيد القتال لن يؤدي بها إلى الاشتباك بصورة مباشرة مع القوات الروسية، كما هي الحال في مهمة الدفاع الجوي، وقد يشمل تسيير دوريات في بعض الأجزاء التي لا تنتشر فيها القوات الروسية من الحدود الأوكرانية، مثل ساحل البحر الأسود والحدود مع بيلاروس وترانسنيستريا (وهي المنطقة الانفصالية التي تحتلها القوات الروسية في مولدوفا). ومن شأن حراسة هذه الأجنحة [على أن تتولى قوات أوروبية ذلك] أن تؤدي إلى مساعدة أكثر من 20 ألف جندي أوكراني على التفرغ (هم والأسلحة والذخيرة التي يحملونها) للقتال على الخطوط الأمامية. كما أن ذلك سيقود إلى تقليص احتمال فتح جبهة جديدة على طول هذه الحدود، إذ إن من المؤكد أن روسيا ستسعى إلى تجنب توسيع نطاق الحرب من خلال مهاجمة الجيوش الأوروبية الأخرى. ومن الممكن أن تسهل مهمة القوات الأوروبية أيضاً بخصوص تأمين الموانئ الثلاثة المتبقية على البحر الأسود في أوكرانيا، والتي تتمتع بأهمية حيوية لكل من الاقتصاد الأوكراني والأمن الغذائي العالمي، مما يخفف من الأعباء التي يتحملها عدد إضافي من الجنود الأوكرانيين [فيسهمون في الأعمال القتالية]. إن أي نوع من العمليات الأوروبية في أوكرانيا سيكون له وزن عاطفي أيضاً. ويمكن لوجود القوات الأوروبية أن يرفع معنويات الشعب الأوكراني ويطمئنه إلى أن مستقبل بلاده يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأوروبا.

وأخيراً، على أوروبا أن تفكر في إرسال [قوات لتنفيذ] مهمة قتالية مباشرة تساعد في حماية الأراضي الأوكرانية غرب نهر دنيبرو. وإضافة إلى تقليل أعباء الجيش الأوكراني في هذه المناطق، فإن وجود القوات الأوروبية سيفضي إلى استبعاد تقدم القوات الروسية عبر النهر من أجل حماية جزء كبير من أوكرانيا من الغزو. إن أحد الأهداف الروسية المحتملة هو أوديسا، الميناء الرئيس في أوكرانيا حيث يتم شحن معظم صادرات البلاد إلى الخارج. وإن اقتربت القوات الروسية من المدينة، فسيكون من حق الجنود الأوروبيين الموجودين في المنطقة المجاورة الدفاع عن أنفسهم وإطلاق النار على تلك القوات الروسية المتقدمة. كما يمكن للقوات الأوروبية أن تسهم في إحباط هجوم روسي سيكون خطراً نظراً إلى موقع أوديسا الاستراتيجي، إذ يمكنه أن يخنق الاقتصاد الأوكراني ويضع القوات الروسية في موقف يسمح لها بغزو محتمل لمولدوفا. ستحاول موسكو اعتبار أي رد فعل مميت على هجوم روسي عدواناً أوروبياً، بيد أن روسيا ستتحمل المسؤولية عن أي تصعيد.

بوتين في وضع الدفاع

إن الخطر المترتب على أن يقود نشر جنود أوروبيين في أوكرانيا بأي صفة من الصفات إلى تصعيد الصراع هو أمر مبالغ فيه. ليس لدى روسيا مجال كبير لتوسيع نطاق هجماتها التقليدية، باستثناء اللجوء إلى الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية. لقد فقدت بالفعل أكثر من 90 في المئة من الجيش الذي كانت تملكه قبل الحرب، مع سقوط مئات الآلاف من الضحايا، وتدمير عشرات الآلاف من المركبات القتالية، واستنزاف الغالبية العظمى من أنظمة الأسلحة الأكثر تطوراً لديها في هجمات على أوكرانيا. فقد جعلت العقوبات إنتاج الأسلحة الروسية أكثر صعوبة وتكلفة، كما أن نشر القوات في أوكرانيا لم يترك لروسيا سوى قوات بالكاد تكفي لحراسة بقية حدودها الطويلة، ناهيك بشن عملية كبيرة ضد دول أوروبية أخرى. كان الجيش الروسي يحل في يناير (كانون الثاني) 2022، على نطاق واسع، في المرتبة الثانية بعد الجيش الأميركي. أما اليوم، فقد لا يصنف كأقوى جيش حتى في أوكرانيا. ولكن إذا سمح الزعماء الأوروبيون لروسيا بالفوز في أوكرانيا، فإن الاستنتاج الذي سيخلص إليه بوتين هو أن إطلاق التهديدات النووية قد يسمح له بغزو مزيد من البلدان من دون إثارة رد فعل عسكري أوروبي.

والسؤال الحقيقي هو ما إذا كانت روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية فعلياً إذا دخلت القوات الأوروبية أوكرانيا. ومن الممكن القول إن هذه تشكل سلفاً نقطة خلافية، وذلك لأن قوات العمليات الخاصة الغربية تعمل حالياً في داخل أوكرانيا. وتستخدم موسكو بصورة منتظمة خطاباً عدوانياً تجاه أعضاء حلف شمال الأطلسي غير أن هذا لم يحصل وكان حتى الآن كلاماً بكلام، فيما تتجنب مواجهة مباشرة مع قوات حلف شمال الأطلسي وتركز بدلاً من ذلك على الدول المجاورة من خارج الحلف، مثل جورجيا وأوكرانيا، إذ يمكنها أن تتحرك بأمان. وكان بوتين قد هدد بمهاجمة بولندا ورومانيا ودول البلطيق في عام 2014، كما لوح في السنوات التالية بغزو فنلندا والسويد لانضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي، والنرويج بسبب استضافتها قوات أميركية إضافية، وبولندا ورومانيا لأنها آوت منشآت الدفاع الصاروخي الباليستي، وهدد "كل دولة أوروبية" سمحت بنشر الصواريخ الأميركية على أراضيها. وخلال السنوات الـ15 الماضية، هدد الكرملين باستخدام الأسلحة النووية ضد الدنمارك، وبولندا، والسويد، وأوكرانيا، والمملكة المتحدة، ودول البلطيق، والاتحاد الأوروبي ككل، وأيضاً حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، أو أجرى مناورات حربية تحاكي ذلك. وفي لحظة ما، ينبغي على الزعماء الأوروبيين أن يتجاهلوا تهديدات بوتين باستعمال الأسلحة النووية، والتي لا تعدو أن تكون مجرد لعبة دعائية مبنية على فكرة لا أساس لها من الصحة مفادها أن حلف شمال الأطلسي يريد مهاجمة روسيا أو غزوها.

 

إن وصول القوات الأوروبية إلى أوكرانيا سيؤدي إلى تغيير حسابات بوتين.

 

وفي نهاية المطاف، لا تستطيع روسيا تحمل أعباء مواجهة دول أوروبية متعددة في وقت واحد، ناهيك بشن حرب نووية. واللافت أن البلدان التي من المرجح أن تكون مستهدفة بهجوم نووي، أي تلك التي لها حدود مشتركة مع روسيا، ولا سيما بولندا ودول البلطيق، هي الأقل قلقاً بخصوص هذا الاحتمال. فإنها مصيبة في الخوف من عدوان الجيش الروسي التقليدي الذي أعيد تشكيله، مدفوعاً بنشوة النجاح في أوكرانيا. فأوروبا أكثر ثراءً بكثير، وتتمتع بقدر أوفر من التقدم التكنولوجي، كما أن عدد سكانها أكبر بكثير من عدد سكان روسيا. تدرك موسكو أنها لا تستطيع الفوز من خلال استفزاز القارة بأكملها، وهي تسعى إلى تجنب التدخل العسكري الأميركي الذي من المرجح أن يحدث إذا غزت القوات الروسية إحدى دول الناتو مما سيمهد إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف.

وعوضاً عن ذلك، تعلق روسيا آمالها على تحقيق النصر بالكامل تقريباً على [احتمال] معاملة أوروبا لأوكرانيا على أنها دولة منفصلة عن بقية القارة. ولقد تحققت آمالها، حتى الآن، ذلك أن الزعماء الأوروبيين تسامحوا مع الهجمات على أوكرانيا التي كانت ستؤدي إلى رد فعل أوروبي موحد لو حدثت في أي دولة عضو في الناتو أو الاتحاد الأوروبي. وسمح هذا الموقف لروسيا بتصعيد حربها في أوكرانيا، وهي مطمئنة إلى أن أوروبا ستتجنب التدخل في ما كان يجري.

وإن وصول القوات الأوروبية إلى أوكرانيا سيؤدي إلى تغيير هذه الحسابات. وسيتعين على موسكو أن تواجه احتمال أن يفضي التصعيد الأوروبي إلى جعل انتصارها في الحرب متعذراً. علاوة على ذلك، فإن الاستجابة [للحرب على أوكرانيا] بقيادة أوروبية ستعمل على تفكيك الدعاية الروسية التي تزعم أن تدخل دول حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا هو مجرد حيلة أميركية لإلحاق الضرر بروسيا. تحظى الرواية القائلة إن الناتو هو المعتدي في هذه الحرب بشعبية كبيرة في أجزاء كثيرة من العالم، ويمكن للتصدي لها أن يساعد على زيادة عزلة موسكو دبلوماسياً واقتصادياً. وباعتبار أن القوات الأوروبية ستعمل خارج إطار الناتو وأراضيه، فلن يؤدي وقوع خسائر في الأرواح إلى رد فعل بموجب المادة الخامسة التي من شأنها أن تحمل الولايات المتحدة على التدخل. هكذا لن يكون حلف الناتو خصم روسيا، بل تحالف تشكله الدول الأوروبية في سياق السعي إلى تحقيق التوازن ضد الإمبريالية الروسية المكشوفة بصورة صريحة.

إن أوكرانيا تبذل قصارى جهدها، ولكنها تحتاج إلى المساعدة من النوع الذي تستطيع الدول الأوروبية تقديمه وتتزايد رغبتها في توفيره. وبدلاً من فرض التصعيد الروسي، سيفضي وجود القوات الأوروبية في الغالب إلى منع الصراع من الانتشار وتجنب مزيد من الضرر للاقتصاد والبنية التحتية في أوكرانيا. ولا يحتاج الزعماء الأوروبيون إلى اتباع إملاءات الولايات المتحدة التي لا يمكن الاعتماد عليها بصورة متزايدة بما يتعلق بالكيفية التي ينبغي بها خوض المعركة في أوكرانيا، بل ينبغي عليهم أن يقرروا بأنفسهم ما أفضل السبل لضمان حرية القارة وأمنها. ويجب على أوروبا أن تفعل ما بوسعها لحماية مستقبلها، ويبدأ ذلك بالتأكد من [ضمان] فوز أوكرانيا في هذه الحرب.

*أليكس كراوثر هو زميل أول في برنامج الدفاع والأمن عبر الأطلسي في مركز تحليل السياسات الأوروبية وعقيد متقاعد من الجيش الأميركي

**جاهارا ماتيسيك هو أستاذ عسكري في الكلية الحربية البحرية الأميركية، وزميل باحث في مركز مبادرة المرونة الأوروبية، ومقدم في القوات الجوية الأميركية. الآراء التي أعرب عنها هنا هي آراؤه الخاصة.

***فيليبس ب. أوبراين هو رئيس كلية العلاقات الدولية وأستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز.

مترجم من فورين أفيرز، 22 أبريل (نيسان) 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء