Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير الثقافة الفلسطيني يروي "أهوال يوم القيامة" بجباليا

مكث أبو سيف 3 أشهر في قطاع غزة متنقلاً من المخيم إلى خان يونس ثم رفح

لم تكن زيارة وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف إلى قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كغيرها من زياراته المتكررة لتفقد أهله، إذ تصادفت مع الهجوم غير المسبوق لحركة "حماس" واندلاع "واحدة من أبشع الحروب" في المنطقة.

ومع أن زيارته هذه المرة كانت من المفترض أن تستمر عدة أيام للمشاركة في إحياء يوم التراث الوطني الفلسطيني بخان يونس، إلا أنها امتدت إلى أكثر من ثلاثة أشهر عايش فيها "يوميات الحرب"، وتنقل من مسقط رأسه في مخيم جباليا شمال قطاع غزة إلى خان يونس جنوباً، ثم إلى رفح حيث نصب خيمته.

ولأكثر من أربعين يوماً شاهد أبو سيف "أهوال يوم القيامة في مخيم جباليا، حيث كنت أرى القذائف تمر من نافذة منزلي، وأنتظر أن أموت بهدوء".

حرب مختلفة

ووفق أبو سيف فإنه أدرك منذ الساعات الأولى للحرب "بأنها مختلفة عن الحروب السابقة"، إذ "بدأت في كل مناطق قطاع غزة وبالوقت نفسه، وبذات القوة التدميرية، وفجأة تحول القطاع إلى كتلة من اللهب، وكل يوم تزداد الحرب شراسة وتدميراً".

خلال إقامته في مخيم جباليا كان وزير الثقافة الفلسطيني شاهداً على تدمير مربعات سكنية كاملة، وعلى سقوط أكثر من 13 شخصاً من أفراد عائلته، وتدمير منزل الأسرة.

ومن بين هؤلاء شقيقة زوجته وابناها الذين سقطوا في اليوم الثامن للحرب، وبقوا حتى هذا اليوم تحت الأنقاض بسبب عدم وجود معدات للإنقاذ.

 

 

يقول الوزير عاطف أبو سيف إن القصف التدميري الإسرائيلي كان في كل ساعة يغير معالم مخيم جباليا، "فالطريق الذي تخرج عبره من منزلك لن تعود منه لأنه كان يدمر".

ويرفض الوزير الحديث عن أسباب هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، إلا أنه يشدد على أنها تأتي في سياق "صراع بين شعب فلسطيني سرقت أرضه وأقيمت دولة أخرى عليها بعد تهجيره، وبين قوة استعمارية إحلالية تريد التخلص من الفلسطينيين كافة".

"لسنا جيران"

بحسب أبو سيف فإن القضية ليست "نزاعاً بين جيران، نحن لسنا جيران مع الإسرائيليين، على رغم أننا نريد أن نكون كذلك، لكن بعد الحصول على حقوقنا الشرعية"، وإنهاء السيطرة الإسرائيلية على أراضيهم.

وأوضح أن إسرائيل تريد من الشعب الفلسطيني أن يكون "مسالماً وطيباً، وأن يقدم كل ما يثبت أنه جار صالح، وذلك بعد سرقة أرضه، وطرده منها"، مشيراً إلى أن والده ووالدته هُجرا بالقوة من منزلهما في يافا عام 1948، ما دفعهما إلى اللجوء لشمال قطاع غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودعا إلى "تصويب العلاقة الشائكة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، لأنه لم يمنح فرصة للسلام إلا في اتفاقية أوسلو التي قتلها الإسرائيليون".

ووفق أبو سيف فإن والدته خرجت للتظاهر في مخيم جباليا في عام 1993 تأييداً للاتفاق بهدف الإفراج عن ابنها نعيم الذي لم يخرج من السجون الإسرائيلية إلا بعد وفاتها.

وتمسك وزير الثقافة الفلسطيني بأن قطاع غزة حافظ على "الكينونة والهوية الفلسطينيتين منذ عقود طويلة، مشيراً إلى أن أي حل يجب أن لا يفصله عن المصير الجمعي للشعب الفلسطيني".

"استكمال مسلسل النكبة"

والحرب الحالية - وفق أبو سيف - تهدف إلى "استكمال مسلسل النكبة، وإزالة غزة بعد تجريم النضال الفلسطيني، ونزع الإنسانية عن الفلسطينيين بهدف إبادتهم جماعياً بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية".

وعن أسباب رفضه المغادرة من غزة في الأيام الأولى للحرب كما فعل زملاؤه والعودة إلى الضفة الغربية، أشار إلى أنه لا "يمكنه ترك شعبه وعائلته فقط لأنه لديه امتيازات تمنحه الفرصة للمغادرة". قبل أن يستدرك بقوله "في لحظات اليأس كنت أشعر بأن قرار البقاء كان قاسياً على نفسي".

وتابع أبو سيف أن الجميع في قطاع غزة في "حالة موت مستمر، ومعرض للموت، فأنت لا تنجو لأنك اتخذت التدابير اللازمة، ولا تموت لأنك اتخذت التدابير الخطأ، فقط لأن مخالب الموت لم تتمكن من الإمساك برقبتك".

وروى أنه لم يذهب إلى المستشفى للعلاج بعد إصابته في قدمه اليسرى، لأنه شعر حينها "بالخجل من القيام بذلك خلال الهجوم الذي تسبب في قتل ثمانية من عائلته".

وعن صعوبة وبشاعة الأيام الأولى للحرب البرية على جباليا، قال أبو سيف إنها كانت "أول تمرين ميداني لتدمير غزة باستخدام آلة تدميرية شرسة للغاية"، مضيفاً أنه "لم يمر أصعب من تلك الأيام في حياتي".

واضطر أبو سيف بعد 48 يوماً على ترك جباليا والانتقال إلى خان يونس بحثاً عن الأمان له ولنجله، في رحلة امتدت من الخامسة فجراً وحتى الثالثة عصراً، واستخدم فيها كل الوسائل من مركبات وحمير وحتى السير على الأقدام.

 

 

ومضى في حديثه بالتأكيد على أنه اصطف نحو ثلاث ساعات في طابور على حاجز عسكري إسرائيلي في شارع صلاح الدين، قائلاً "كنا نرفع هوياتنا للجندي الإسرائيلي وهو يتلذذ بشرب القهوة من أعلى دبابته".

وبعد عشرة أيام من مكوثه عند أحد أصدقائه في خان يونس اضطر أبو سيف إلى المغادرة إلى رفح جنوباً التي بقي فيها لنحو ثلاثين يوماً.

 وفي خيمة نصبها غرب تل السلطان قرب البحر المتوسط، كان أبو سيف لا يمتلك أغطية للنوم ولا حتى وسادة لابنه في الأيام الأولى، بل إن خالة الوزير نور أقامت معه في خيمته، وذلك للمرة الثانية بعد 75 سنة على نصب والدها خيمة لعائلتها عام 1948 بعد تهجير العصابات الصهيونية لهم من مدينة يافا.

ومع ذلك فإن أبو سيف شدد على أن الاستهداف "الجماعي الإسرائيلي للفلسطينيين سيعمل على تعزيز الذاكرة الفلسطينية في شأن النكبة والتطهير العرقي، وتجديد للذاكرة الفلسطينية، وتأكيد على ضرورة عدم النسيان".

وبعد عودته إلى مقر وزارته في رام الله، تمكن أبو سيف من إصدار الجزء الأول من روايات فلسطينيين في قطاع غزة عاشوا الحرب الحالية لتوثيق تجربتهم تحت عنوان (كتابة خلف الخطوط... يوميات الحرب في غزة).

وجاءت عودة أبو سيف بتنسيق مع السلطات المصرية، إذ خرج من رفح إلى مصر، ثم انتقل جواً إلى الأردن ومنها دخل براً إلى الضفة الغربية.

المزيد من حوارات