Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عربستان وإيران... إلحاق أم احتلال؟

"هناك خيار ثالث لا ينفي احتلال وإلحاق عربستان بإيران قبل نحو 100 عام، بل يرى الحل في منح حق تقرير المصير للشعب الأحوازي"

صورة أرشيفية من مدينة المحمرة عاصمة إمارة عربستان ( مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

عقب سقوط الأمير خزعل تم احتلال عربستان ومن ثم إلحاقها بالدولة البهلوية ودخل المجتمع الأحوازي مرحلة استعمارية تختلف مع سابقتها سياسياً وإدارياً وقانونياً

كانت وحتى قبل قرن مضى توجد على خارطة الكرة الأرضية دولة أو شبه دولة، يصفها العرب بإمارة المحمرة أو إمارة عربستان ويسميها الفرس مملكة عربستان وكانت عاصمتها المحمرة. وقد داهمت قوات وزير الحرب الإيراني رضا بهلوي أراضي هذه المملكة في عام 1925 إثر خطة عسكرية وسياسية مقرونة بدعاية معادية واسعة ضد حاكم عربستان، الأمير خزعل، في الصحف الفارسية بطهران.

أين تقع عربستان التاريخية؟

لقد وصف كتاب "الكنز الثمين" (كنج شايغان) حدود المملكة كالتالي: "عربستان مملكة تمتد من شط العرب إلى ما وراء دسبول، أي إلى الحسينية التي تشكل الحد بين عربستان ولورستان، وعرضها من رامهرمز (رامز) ونهاية الفلاحية إلى أقصى الحويزة وحدود الأراضي العثمانية والعراق العربي، طول هذه المملكة 100 فرسخ وعرضها 40 فرسخاً تقريباً". ومؤلف الكتاب هو ميرزا تقي خان الأنصاري، موفد ظل السلطان نجل الشاه ناصر الدين القاجاري إلى الأحواز، وهو يشير إلى الحدود الجغرافية لمملكة عربستان في عام 1881، والكتاب متوفر بصورة مخطوط في مكتبة فرهنك بمدينة أصفهان.

يشير ميرزا محمد تقي خان الأنصاري إلى الحدود الجغرافية لمملكة عربستان في عصره بما يلي: شط العرب في جنوب البلاد وقصبة "الحسينية" في شماله. تقع الحسينية - وهي مدينة حالياً - شمال دسبول والصالحية (انديمشك فارسيا)، وكذلك بين الصالحية وبين مدينة بُلدختر في لورستان. سكان الحسينية من العرب المستلورين (نسبة إلى قوم اللور) وينتمي معظمهم إلى قبيلة "سكوندي" ويصفها العرب بالحسينيات، وتعني كلمة "سكوندي" اللورية "بني كليب" بالعربية. ويؤكد المؤلف انتماء مدينتي رامز والفلاحية لمملكة عربستان، وهما واقعتان في شرق المملكة. ويعني الأنصاري بنهايات الفلاحية ميناءي معشور وهنديان، اللذين كانا يخضعان للفلاحية إدارياً حتى أوائل حكم الشاه محمد رضا بهلوي. كما أنه يعتبر الحويزة والحدود العراقية التابعة للإمبراطورية العثمانية آنذاك الجزء الغربي لمملكة عربستان. هذا التوصيف لا يزال معتبراً بل يمكن الحديث عن منطقة جغرافية عربية في جنوب غربي وجنوب إيران، تمتد من شمال عربستان التاريخية المحاذية شمالاً لمناطق عيلام وكوهكيلوية إلى مناطق عرب الساحل جنوباً، التي كانت تحكمها مشيخات وإمارات قبل عقود ويقطنها مواطنون عرب.

وهناك سرديات مختلفة عما فعله رضا خان ضد عربستان وحاكمها الأمير خزعل بن جابر إذ كان وزيراً للحرب وقائداً عاماً للقوات المسلحة في حكومة الانقلاب الذي أطاحت الدولة القاجارية في عام 1921 أي قبل أن يتوج نفسه ملكاً على إيران ويلقب بالشاه رضا بهلوي في عام 1925. إذ تزعم السردية الفارسية - بمعظمها - أن عربستان الذي تم تحويل اسمه إلى خوزستان في عام 1923 عاد إلى الوطن بعد ما فصله الشيخ خزعل منه، ولم تقبل الأنظمة الإيرانية المتعاقبة بموضوع احتلال عربستان.

عربستان في الخطاب العربي والأوروبي والبهلوي

يتحدث الأوروبيون والعرب عن احتلال القوات الإيرانية المحمرة عاصمة عربستان في لحظتين تاريخيتين: الأولى في 1841 والثانية في 1925. وفي شأن الاحتلال الأول يقول اللورد كرزون: "في نوفمبر (تشرين الثاني) 1841 احتلها الجيش الإيراني بقيادة الشرير معتمد الدولة، الذي وصفه لايارد بأسلوبه الشجاع إلى الأبد. ثم سار بجيشه على عرب قبيلة بني كعب بالقرب من نهر كارون. لكن عند انتهاء الحرب ادعى الأتراك ملكية هذه المدينة، بحجة أنها لم تقع على الشاطئ الرئيس لكارون، بل إنها تقع على شواطئ قناة، كانوا قد حفروها على الضفة الشمالية لشط العرب. رفض الإيرانيون إخلاء المدينة مؤكدين أنه لا أحد يستطيع أن يحدد مكان القناة المذكور، لأن المدينة تقع في الحقيقة على طول الشواطئ الطبيعية لساحل كارون ومصبها الطبيعي. وقد تلقى لايارد - الذي كان على دراية تامة بالمنطقة - تعليمات من رئيس الوزراء البريطاني اللورد أبردين لتهيئة التقارير عن هذا الاختلاف. وقد أوصى لايارد بإعطائها للعثمانيين، لكن الحكومة الروسية ظاهرت إيران بقوة، وحذت الدولة البريطانية حذو روسيا، تاركة المحمرة في معاهدة أرضروم في يد إيران. ومنذ ذلك الحين كانت دائماً في يد هذه الحكومة". جاء هذا في كتاب "إيران وقضية إيران" للورد جورج كرزون المترجم إلى اللغة الفارسية. والمحمرة كانت عاصمة مملكة عربستان التي توصف أحياناً باسمها: إمارة المحمرة.

وفي ما يتعلق بالاحتلال الثاني تفيد صحيفة "باريس تايمز" في تقرير لها تحت عنوان "ثورة في بلاد فارس" في عددها الصادر في الـ22 من يناير (كانون الثاني) 1928: "خوزستان وعلى مدى أجيال تمتعت بحكم ذاتي، ألغاه الشاه رضا بهلوي فوراً في عام 1925 عندما سار بجيوشه إلى المحمرة". ويضيف التقرير "ليس للمنطقة التي كان يحكمها شيخ المحمرة أي عمل مع الإمبراطوية الفارسية على الإطلاق"، أي أن تجارة عربستان كانت مع العراق ومشيخات الخليج وأوروبا وليس مع بلاد فارس، وكذلك لم يشارك الأحوازيون في الأحداث السياسية التي كانت تحدث في تلك البلاد وأهمها ثورة الدستور.

يقول الشاه رضا بهلوي في كتاب "رحلة إلى خوزستان"، "لقد قررت أن أقمع أشرار لورستان كي أفتح الطريق الفاصل بين خوزستان والعراق، وذلك لاستتباب الأمن في خوزستان التي كان يعشش فيها انعدام الأمن والنهب والعصيان وعدم الولاء، ولأنهي مروق شخص خائن باع وطنه ونصب نفسه أميراً مستقلاً على تلك المنطقة".

تجدر الإشارة إلى أن رضا شاه لم يكتب رحلة خوزستان بيده، بل كتب رواياته الشفهية فرج الله بهرامي، السكرتير الأكبر لرئيس مكتبه عندما كان وزيراً للحرب. وهو يستخدم مفردة خوزستان بدل عربستان، ويعني بالعراق هنا، عراق العجم الذي يسمونه حالياً "أراك".

ويشبه الشاه رضا حكام لورستان بالأشرار والأمير خزعل بالمارق والخائن للوطن، ويعترف نوعاً ما باستقلال المنطقة تحت حكم الأمير خزعل، وقد كانت بالفعل خلال القرون التي سبقتها مستقلة في معظم الأحيان أو تتمتع بشبه استقلال خلال فترات التحالف مع سائر الممالك (المحروسة) في بلاد فارس وهذا ما لم يتحدث عنه الشاه رضا. كما أنه يسيء في رحلته هذه إلى الأمير خزعل ويصفه بالبدوي والصحراوي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير الشاه رضا بهلوي إلى تحالف رؤساء قبائل اللور والبختياري والبشتكوه أمام قواته العسكرية المتجهة إلى عربستان، متسائلاً عن هدف ذلك التحالف ليرد بنفسه "أقولها وبإيجاز: استقلال مناجم النفط في الجنوب وقطع الأيادي الإيرانية من منافعها مستقبلاً". وهنا يؤكد مرة أخرى ديدنه إزاء احتمال استقلال ما يسميها بمناجم النفط أي حقول النفط التي تقع بمعظمها في عربستان. كما أنه يشير في موضع آخر من الكتاب إلى أنه عقب عودته من لورستان إلى طهران حصل على معلومات تؤكد أن "خطة تطويق خوزستان [عربستان] وخطة الحفاظ على استقلاله كانت متوقعة منذ بعض الوقت، وكما استنتجت فإن الخطة المتعلقة بهذا الأمر تم التخطيط لها منذ فترة".

ويبدي الشاه رضا انزعاجه عما يصفه بـ"صحف بين النهرين والشامات التي تصف خزعل بالأمير المستقل لخوزستان" بل يتهم الأمير خزعل بأنه طلب رسمياً انتداب الأجانب لإمارته. إذ كانت صحف الشام - سوريا ولبنان وفلسطين - والعراق، بل وصحف مصر أيضاً تؤكد هذا اللقب للأمير خزعل، ومنهم المفكر اللبناني أمين الريحاني الذي صنفه ضمن "ملوك العرب" في كتاب له بهذا العنوان.

واللافت للنظر في كتاب رحلة رضا شاه تأكيده جهده لاستئصال النظام الإداري اللامتمركز السائد في إيران منذ قرون الذي يصفه بـ"ملوك الطوائف"، أي أن عداءه يتجاوز شخص الأمير خزعل وقادة اللور والبختياري، ويتمثل بعدائه للنظام اللامركزي في بلاد فارس وتأكيده المركزية الحديدية بيد قومية واحدة وهي القومية الفارسية.
 

نظرتان متباينتان إزاء عربستان

كما ذكرنا آنفاً أن الحملة العسكرية التي شنها وزير الحرب رضا بهلوي ضد مملكة عربستان ومداهمة قواته مدينتي الأحواز والمحمرة تمت على خلفية حملة إعلامية قومية واسعة، قامت بها معظم الصحف الفارسية في طهران وتركزت على شيطنة الأمير خزعل وتصويره كخائن ومارق، فيما كانت الصحف العربية الصادرة في عام 1925 إلى جانب الأمير خزعل ومساندة له إن كانت في العراق أو الشام أو مصر.

وحاول كتاب وصحافيون قوميون متشددون كمحمود أفشار، مبتكر فكرة "بان إيرانيست" العنصرية، وعلي دشتي الذي أصبح في ما بعد عضواً في مجلس الشيوخ الإيراني في عهد البهلوي الثاني، أن يردوا على ما كان ينشره العرب في صحافتهم دعماً للأمير خزعل والحكم العربي في عربستان. ولعب هؤلاء وكتاب آخرون في صحف فارسية كـ"حبل المتين" دوراً كبيراً في الهجمة المعادية للأمير خزعل، بسبب حوافز قومية فارسية معادية للعرب. وشارك في تلك الهجمة ضد خزعل عديد من القوميين الفرس بمن فيهم المعادون لرضا بهلوي.

وتكررت هذه الأدبيات السياسية التخوينية بعد عقدين من الزمن ضد مؤسسي منطقتي الحكم الذاتي في إقليمي أذربيجان ومهاباد الكردية - جعفر بيشهوري وقاضي محمد - أثناء وبعد حكمهما.

ومن خلال مقاربتي لتاريخ المحمرة ومملكة عربستان والتدقيق في ما كتبه السياسيون والكتاب الأوروبيون وكذلك العرب في العالم العربي، وما ذكرته من زبدة لهذا التاريخ، تبين لي أن معظم هؤلاء يعتقدون أنه تم احتلال هذه المملكة وعاصمتها من قبل الإيرانيين وذلك مرتين: المرة الأولى في عهد الشاه محمد القاجاري في عام 1841، والمرة الثانية في عهد الشاه رضا بهلوي في عام 1925. فيما ينفي الحكام ومعظم المؤرخين والأحزاب والمنظمات السياسية الإيرانية ذلك، مؤكدين تعلق عربستان أو خوزستان - كما يسمونها - بإيران عبر التاريخ. وأشرت في كتابي الصادر بعنوان "عربستان ومصير الدولة الأمة في إيران" إلى إنتماء مملكة عربستان إلى دولة القاجار ونظامها السياسي - الإداري القائم على الممالك المتحالفة (المحروسة) بعد احتلال المحمرة وتوقيع "معاهدة أرض روم" الثانية في أواسط القرن الـ19، حين تحولت من إمارة أو مملكة مستقلة إلى مملكة شبه مستقلة - شبه مستعمرة، وقد استمر الوضع على هذا المنوال حتى عام 1925. لكن لماذا أقول شبه مستقلة - شبه مستعمرة؟ لأن الدولة القاجارية خلال هذه الفترة التي استمرت أكثر من 75 عاماً (منذ أواسط القرن الـ19 حتى عام 1925) لم تملك في عربستان إلا ثكنتين في الحويزة والمحمرة لأغراض دفاعية فقط أمام الدولة العثمانية، ويكبر أو يصغر حجمها حسب بأس وسلطة الحاكم العربستاني، لكن عناصرها لم يلعبوا أي دور في الشؤون الداخلية للمملكة كما هو في المستعمرات الكلاسيكية كالهند والجزائر، بل كان - مثلاً - للأمير خزعل جيش وشرطة خاصان به، إذ تمكن وبواسطتهما أن يستولي على كل إمارات عربستان، من الحويزة وبني طرف والفلاحية إلى تستر ودسبول ورامز وهنديان. وعقب سقوط الأمير خزعل تم احتلال عربستان ومن ثم إلحاقها بالدولة البهلوية ودخل المجتمع الأحوازي مرحلة استعمارية تختلف مع سابقتها سياسياً وإدارياً وقانونياً. ونسيت بعض شرائح المجتمع الأحوازي هذه الحالة الاستعمارية وغلبت النظرة الثانية، أي الخطاب الفارسي في هذا المجال، على عقول هذه الشرائح، وذلك بسبب منع السلطات الإيرانية خلال العقود التسعة الماضية نشر أي كتاب أو دراسة أو مقال بصورة علنية وقانونية في الداخل الإيراني يؤكد الحقيقة التاريخية الخاصة باحتلال أرض عربستان. وعلى رغم الكتب والشروح التاريخية والسياسية والاقتصادية لمملكة عربستان وشعبها، فإنه لا يوجد شرح أو تبين قانوني دولي لوضع عربستان ليتضح وضعها القانوني: هل هو احتلال أم إلحاق؟ وذلك لتتحدد مكانتها في إيران نفسها وفي المنظمات الإقليمية والدولية كمنظمة الأمم المتحدة، وما دام الأمر كذلك فإنها تعتبر محافظة إيرانية توصف بخوزستان من دون أن يكون لها بعد عربي أو دولي، مثل القضية الفلسطينية أو قضية جنوب السودان.

لكن بين هاتين النظرتين والحالتين المتباينتين هناك خيار ثالث لا ينفي احتلال وإلحاق عربستان بإيران قبل نحو 100 عام، بل يرى الحل في منح حق تقرير المصير للشعب الأحوازي ويؤكد إقامة نظام فيدرالي كمرحلة للوصول إلى تنفيذ ذلك الحق.

إذ قامت السلطة الفلسطينية في عام 2012 بتعيين فريق قانوني من المحامين الدوليين، تمكنت من خلاله إقناع منظمة الأمم المتحدة بقبول فلسطين دولة مراقبة فيها، ويبدو أن ذلك يمكن أن يطبق في الحالة الأحوازية، لكن بعد أن يصبح لها جسد شامل، أياً كان اسمه - منظمة أو مجلس - يضم معظم الشخصيات والتشكيلات الأحوازية، ويناضل من أجل أن تكون لها موطئ قدم في الداخل من خلال إقامة حكم ذاتي أو نظام فيدرالي في إيران.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات