Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتصار أوكرانيا البحري

كيف سيطرت كييف على الأسطول الروسي وإلامَ تحتاج كي تبني على إنجازها؟

قوات البحرية الأوكرانية بمناورات تدريبية في البحر الأسود، يناير 2022 (قوات البحرية الأوكرانية/ رويترز)

ملخص

انتصار أوكرانيا البحري قد يكون عابراً إذا رجحت كفة روسيا عسكرياً في البر كما في البحر

عندما اجتاحت روسيا أوكرانيا سنة 2022 كان مصير كييف العسكري البحري مظلماً. فأوكرانيا ورثت عدداً ضئيلاً من السفن عندما تفكك الاتحاد السوفياتي، ودمرت روسيا أو صادرت معظم السفن عندما احتلت القرم سنة 2014. وبعدها، في 2018، صادرت روسيا ثلاثاً من السفن المتبقية لدى أوكرانيا، ومنعت السفن المدنية الأوكرانية من دخول مضيق كيرتش، الممر المائي الذي يفصل شبه جزيرة القرم عن البر الروسي. وسارعت روسيا حينها إلى إعادة فتح المضيق، وأعادت في نهاية المطاف السفن إلى أوكرانيا، بيد أن إجراءاتها كشفت ضعف أوكرانيا في البحر. وحين جاء الاجتياح الثاني، كانت القوى البحرية الأوكرانية تعد فرقاطة أساسية واحدة معمرة، تقود أسطولاً هزيلاً يضم سفينة حربية صغيرة، وبعض القوارب المحملة بالصواريخ، وعدداً من طائرات الهليكوبتر. وبعد أسبوعين من بداية الحرب اضطر القادة العسكريون الأوكرانيون إلى إعطاب الفرقاطة الأساسية خشية وقوعها بأيدي الروس. وأغرقت روسيا كثيراً من السفن الصغيرة.

وطوال السنة الأولى ونصف السنة التالية قلبت أوكرانيا الحرب البحرية رأساً على عقب. وتمكنت، بواسطة المسيرات، وصواريخ كروز، ومروحة من التقنيات غير التقليدية، عشية أكتوبر (تشرين الأول) 2023، من طرد الأسطول الروسي من قاعدته الأولى في القرم، وإبعاده إلى زاوية البحر الأسود الشرقية. ونجحت البحرية الأوكرانية في إغراق تسع سفن روسية أساسية، وحتى في استعادة بعض المناطق المحتلة. ونهضت تلك الانتصارات علامة مضيئة على بلد يتعرض لهجوم جوي مستمر، ويعيش حرب استنزاف ثقيلة الكلفة على الجبهات البرية.

وإنجازات كييف البحرية هذه لن تحسم الحرب، ولكن الانتصارات تساعد أوكرانيا على تحقيق نجاحات أكبر، وبالمعنى الأشمل للكلمة. فالانتصار في البحر سمح لكييف بنقل جنود كانوا يرابطون على طول الساحل (ساحل البحر الأسود)، وإرسالهم إلى الجبهات (البرية). وتمكنت كذلك من تأمين خطوط النقل البحري، البالغة الأهمية البالغة لتصدير الحبوب، وصعبت تأمين روسيا الإمدادات والتعزيزات للقرم. وبوسع أوكرانيا، مع مرور الوقت، البناء على هذا النجاح، فتزيد قوة موقفها في مفاوضات السلام مستقبلاً. وهي تحتاج في نجاح هذه الاستراتيجية، إلى تدفق معونات عسكرية متواصلة من الغرب.

روسيا المد والجزر والانحسار

عندما بدأ الاجتياح كان أسطول البحر الأسود الروسي أقوى بكثير من نظيره الأوكراني. وتألف من الطراد الحربي "موسكفا"، وخمس فرقاطات، وست غواصات حديثة، و13 سفينة لإنزال الدبابات، وكثير من السفن الأصغر الصالحة للدفاع عن السواحل. هذا إلى طائرات حربية، وأخرى للدوريات والاستطلاع، وطوافات مخصصة لدعم الأسطول. وجراء تلك القوة الكبيرة سيطرت القوات البحرية الروسية على الساحل الأوكراني، ونفذت هجمات صاروخية على المدن الأوكرانية، وأنزلت قوات عسكرية في مرفأ ماريوبول. وفي سبيل الحيلولة دون إنزال آخر قرب أوديسا، اضطرت أوكرانيا إلى نشر كتيبة مشاة، ولواء مدرعات قوي على طول الساحل – وجندت 5 آلاف جندي مدرب، و100 دبابة، فيما كانت المعارك محتدمة حول المدينتين الأوكرانيتين الكبيرتين، خاركيف وكييف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن النجاحات الروسية، في مطلع الاجتياح، لم تدم. فبعد شهر من بداية الحرب، أغرقت الصواريخ الأوكرانية من المسيرات عدداً من سفن الدوريات والاستطلاع الروسية. والواقعة الأبرز تعبيراً عن صحوة أوكرانيا، وعودتها الفعالة إلى ساحة القتال، ضرب صاروخان مضادان للسفن، أطلقا من السواحل الأوكرانية، الطراد "موسكفا" في شهر أبريل (نيسان) 2022. وحاولت البحرية الروسية سحب الطراد المعطوب إلى قاعدتها في القرم، لكنه غرق في الطريق. وكانت تلك أكبر سفينة حربية تغرق في معركة بحرية منذ أن نسف البريطانيون الطراد الأرجنتيني "بيلغرانو" سنة 1982 في حرب فوكلاند.

وبعد شهرين على غرق "موسكفا"، تمكن الجيش الأوكراني من طرد القوات الروسية من جزيرة الأفعى، الواقعة على طول خطوط ملاحية قرب الساحل الأوكراني الجنوبي. وكانت الجزيرة اشتهرت، في مطلع الحرب حين بعث المدافعون الأوكرانيون عنها برسالة تحد غاضبة إلى القوات الروسية التي احتلتها. بعد هجمات أوكرانية صاروخية متكررة على سفن الامداد، أجبر الجنود الروس الذين يحتلون جزيرة الأفعى على الانسحاب في يونيو (حزيران) 2022.

وبناءً على حسابات "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، فقدت روسيا نحو 40 في المئة من قوتها البحرية في البحر الأسود منذ فبراير (شباط) 2022. فإلى "موسكفا"، دمرت الصواريخ والمسيرات الأوكرانية، أو أعطبت في صورة بالغة، فرقاطتين، وخمس سفن لإنزال الدبابات، وغواصة. وأدت الهجمات على المقر الرئيس للبحرية الروسية، وعلى أحواض السفن والمطارات ومراكز الدفاع الجوي في القرم، إلى إضعاف دفاعات الأسطول الروسي على السواحل، وإنهاك شبكات القيادة والتحكم والدعم اللوجيستي. ونقلت روسيا لحماية ما تبقى من سفنها، معظم قطعها إلى قاعدتها البحرية في نوفوروسيسك، الواقعة على الوجه الشرقي من البحر الأسود. لكن حتى هناك، في تلك القاعدة البعيدة من الجبهات، لم تكن السفن بمأمن. ففي أغسطس (آب) 2023، اجتازت مسيرة بحرية أوكرانية البحر الأسود، وضربت وأعطبت سفينة حربية روسية راسية في المرفأ.

 

الانتصارات البحرية الروسية في مطلع الحرب لم تدم طويلاً

 

وكثير من الأسلحة التي استخدمتها أوكرانيا ضد الأسطول الروسي، على رغم حداثتها، لم تجرب من قبل في إطار حملة بحرية طويلة الأمد. وأظهرت أوكرانيا، في هذا المعرض، أن بوسع هذه الأسلحة أن تكون فعالة جداً. ونوعان من الصواريخ أثبتا فاعليتهما على نحو خاص. النوع الأول هو الصاروخ بعيد المدى والمضاد للسفن. وتنتج أوكرانيا بعض هذه الصواريخ محلياً، وبعض آخر هبة من الولايات المتحدة. وللصواريخ هذه مدى بين 100 ميل و200 ميل. ويكفي هذا المدى لإجبار السفن الروسية على البقاء بعيداً من السواحل ولا تلقى مصير "موسكفا". وعلى رغم أن تلك الصواريخ، في الأصل، صممت كي تحملها السفن، وتتسلح بها، إلا أن الجيش الأوكراني عدلها لتطلق من قاذفات برية، وتقلص احتمال تعرضها لهجمات مضادة. أما النوع الثاني من الصواريخ التي أثبتت فاعليتها، على نحو خاص، فهو الصواريخ الأرضية البعيدة المدى، التي تستكمل قدرات أوكرانيا على التصدي للسفن. وهذا النوع الأخير تنتجه، في الدرجة الأولى، الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وأوكرانيا نفسها. وهو يطلق من مواقع ثابتة، ومصمم للعمليات البرية، وليس لضرب أهداف بحرية متحركة. إلا أن الأوكرانيين، حين استهدفوا سفناً راسية في المرافئ، استخدموا الصواريخ الهجومية البرية هذه لضرب وإصابة خمس من أصل تسع سفن أساسية خسرتها روسيا في الحرب. لذا فإن استخدام أوكرانيا المسيرات البحرية في هذا الإطار يعد تطوراً جديداً على نحو خاص في الحرب البحرية. فهذه الأسلحة التي استخدمت لمدى بعيد يصعب رصد الأهداف وتحديدها فيه، ويمكنها التوغل عميقاً في مناطق الخصم ومواقعه البحرية، وهي مدججة بأحمال كبيرة من المتفجرات. ويتمكن المتحكمون فيها، وهم يراقبون حركة السفن بواسطة رابط فيديو، من تعديل مسارها، وتلافي المعوقات والمضادات. وفي مقدورهم تعديل هدفهم إذا لاحظوا أن هدف الهجوم الأصلي توارى. وبحسب وزارة الدفاع الأوكرانية، استطاعت إحدى المسيرات البحرية إغراق سفينة روسية راسية قرب القرم في يناير (كانون الثاني) 2024. وأدت المعلومات الدقيقة دوراً جوهرياً في إنجاح أنظمة الأسلحة التي تستخدمها أوكرانيا في البحر. ويفترض في الذخائر الموجهة بواسطة الـ"جي بي أس" (GPS) أن تكون مبرمجة كي تضرب الموقع الصحيح، في الوقت الصحيح. فضرب رصيف بحري، بعد مغادرة السفينة التي كانت راسية فيه، إهدار للصواريخ، وذاك أمر لا يمكن أن تتحمله كييف. والأسلحة التي يمكن تبديل مسارها والتحكم فيه ينبغي أن تطلق بدقة ليتسنى لنظام التوجيه في الصاروخ أن يصيب الهدف. وكلما كان الهدف بعيداً، صعبت المهمة. لذا فإن نظام الأقمار الاصطناعية وأجهزة المراقبة الإلكترونية، وغيرها من قدرات تجسسية تنتجها الولايات المتحدة وشركاء آخرون، تبقى بالغة الأهمية.

لا بديل عن النصر  

انتصرت أوكرانيا في معركة البحر الأسود. ولكن الأمر يقتضي بعض الوقت قبل أن تتوضح الآثار والمعاني الكاملة لهذا الانتصار في الحرب القائمة، وفي الحرب البحرية الحديثة عموماً. وتدل الهزيمة التي ألحقتها أوكرانيا بقوة بحرية أضخم بكثير منها، على أن السفن التقليدية المبحرة في المياه فات عليها الزمن. وينبه هذا الانتصار إلى أن حروباً بحرية في المستقبل، من دون تكتيكات حديثة وأنظمة دفاع مناسبة، قد يكون حالها كحال روسيا، تفتقر من حماية أمام الهجمات. على أن انتصار أوكرانيا البحري المحقق لا يعني نهاية الحرب التي تخاض على البر أولاً. لكنه يمنح كييف كثيراً من المكاسب المهمة. ومنها مكسب سياسي ونفسي. فإلحاق الهزيمة بالأسطول الروسي في البحر يقوي المعنويات في أوساط المدنيين الأوكرانيين والقوات العسكرية. وبينما يتولى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي توفير استمرار الدعم الخارجي لبلده المنخرط في الحرب، في وسعه إبراز هذا النجاح. فداعمو أوكرانيا، المحبطون جراء جمود الجبهة، والاستنزاف في المعركة، والهجمات الجوية الروسية المتصلة، قد يحملون الانتصار البحري المحقق دليلاً على إمكان إحراز الفوز العسكري. ولا شك في أن طرد السفن الروسية، وإبعادها من السواحل الأوكرانية، يسهم في إبطال خطر الهجوم البرمائي. وتمكنت أوكرانيا على الأثر، من إعادة نشر قواتها العسكرية على الجبهات البرية، بعد أن كانت مضطرة إلى خفر السواحل طوال الوقت. وتمكنت من تكليف ميليشيات محلية حماية السواحل. وباتت المرافئ الأوكرانية، والمناطق السكنية الساحلية، اليوم أكثر أماناً. وتراجع القلق الذي ساد في وقت سابق من الحرب، حين كانت الهجمات الروسية، بالمدفعية والصواريخ من السفن الراسية في عرض البحر، جزءاً من الحياة اليومية.

 

النجاح البحري الأوكراني مثل نقطة مضيئة وسط الركود السائد في الجبهات البرية

ومكسب أوكرانيا الآخر، في هذا الإطار، هو اعتراض صعوبات لوجيستية طريق روسيا في الوقت الراهن. فموسكو تواجه صعوبات متعاظمة في إرسال الإمدادات إلى القرم، وذلك جراء تهديد هجمات الصواريخ الأوكرانية سفن النقل الروسية. وهذه الهجمات تقسر روسيا على إغلاق جسر مضيق كيرتش، بين شبه الجزيرة والبر الروسي. وعلى رغم أن روسيا لا تزال قادرة على إرسال السفن والزوارق عبر هذا المضيق، فإن الرحلات الطويلة المفروضة عليها ترهق نظامها اللوجيستي المنهك أصلاً. إلى ذلك، يلحق التعطيل المتكرر لسلسلة الإمدادات المعاناة في سكان القرم. وقد تقنع هذه المصاعب المتعاظمة في شبه الجزيرة موسكو بضرورة الإسراع في التسوية، عندما تبدأ المفاوضات أخيراً. وقد يعجز الجيش الروسي المستنزف عن صد الاختراقات الأوكرانية، وقد يختار سكان شبه الجزيرة الذين يعانون الأمرين الوحدة مع أوكرانيا مجدداً، بدلاً من استمرار معاناتهم تحت الحكم الروسي.

وأخيراً، نجحت أوكرانيا في إضعاف قدرة روسيا على التأثير في صادرات الحبوب من أوديسا، لكنها لم تنهها تماماً. وسمح إبعاد البحرية الروسية وصدها لحركة النقل على طول الساحل (البحر الأسود) بالانبعاث من جديد. وعلى رغم انسحاب روسيا من اتفاقية وقعتها سنة 2022، تجيز لسفن الشحن الأوكرانية المحملة بالحبوب الحيوية عبور البحر الأسود، لم تحاول منع هذه الشحنات من مغادرة الموانئ الأوكرانية. ولا يزال في وسع موسكو تغيير رأيها في هذا الإطار. ولكن، مع إجبار بحريتها على الانسحاب من المنطقة، لا يبقى سوى طريقتين أو خيارين لتعطيل الشحنات الأوكرانية: نشر الألغام، واستخدام غواصاتها لمهاجمة سفن الشحن الأوكرانية. ويصعب الخيارين سيطرة أوكرانيا على البحر (الأسود). فروسيا تستخدم سفناً أو طائرات في نشر الألغام، وكلاهما عرضة للهجمات الأوكرانية المضادة في حال الاقتراب من الساحل الأوكراني. وهجمات الغواصات على سفن الشحن، إن حصلت، تستدعي إدانات دولية، منها إدانة من دول نامية تعتمد على واردات الحبوب، وهي دول تدعم السياسة الروسية.

وتحتاج أوكرانيا في سبيل الحفاظ على هذه المكاسب، إلى دوام المساعدة من حلفائها. وعلى رغم أن إمدادات كييف من الصواريخ المضادة للسفن كافية إلى الآن على الأرجح، نظراً إلى الاقتصاد الأوكراني في استخدامها، إلا أن الجيش يحتاج إلى مزيد من الصواريخ الهجومية البرية من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. وتستمر أوكرانيا في الاعتماد على الدعم الاستخباراتي من بريطانيا والولايات المتحدة، وشركاء آخرين، لمراقبة الأهداف وتحديد نقاط الضعف الروسية.

سلوك طريق الابتكار  

وتحتاج أوكرانيا للبناء على نجاحها، لأكثر من مجرد تعزيز قدراتها الراهنة. والأشد إلحاحاً اليوم، في هذا الجانب، هو حاجة أوكرانيا إلى معدات وتدريبات أفضل، وإعمالها في تنظيف البحر من الألغام. فالألغام الروسية تعوق العمليات والحركة الأوكرانية، وتجبر السفن على سلوك مسارات دون غيرها. ويسع القوى الغربية في هذا الإطار توفير سفن صغيرة وتجهيزات تحدد مكان الألغام، وتنزعها في مختلف الأعماق. وإذا تمكنت أوكرانيا من القضاء على قدرة روسيا على تعطيل شحنات الحبوب عبر البحر الأسود، ومن الإبقاء على خطوط الشحن مفتوحة، خسرت موسكو امتيازاً حاسماً في أي مفاوضة سلام مستقبلية. وعلى الجيش الأوكراني التدريب على خوض حرب الغواصات. فغواصات روسيا في البحر الأسود لا تتعرض جدياً للخطر، وفي إمكانها، من دون وجل، مهاجمة الهدف الذي تختاره. ولم تستخدم موسكو إلى اليوم، غواصاتها بسبب النقص في الأهداف العسكرية. ولم يبق للبحرية الأوكرانية هدفاً يستأهل الهجوم، ويحذر الروس إغراق سفن شحن تملكها بلدان أخرى. وهذه الغواصات، يمكن القول، تبقى ورقة روسيا الرابحة في الحرب البحرية، وما على موسكو سوى اختيار استعمالها. لذا تحتاج أوكرانيا إلى التفكير في الطريقة التي يسعها من خلالها، تعطيل هذا الخطر. وعلى كييف الإبداع والابتكار. ولا يسع أوكرانيا إهدار الوقت والمال في استنساخ نظام سفن سطح الماء، والغواصات والطائرات، المتطور الذي تستخدمه القوى البحرية الغربية لاصطياد غواصات العدو. وهو نظام يقتضي إنفاق مليارات الدولارات. ولا تستدعي معركة أوكرانيا الأدوار الوجودية والضخمة لمعارك الغواصات في شمال الأطلسي في أثناء الحرب العالمية الثانية، ولا الجهود الضخمة التي بذلها حلف الناتو لمواجهة مئات الغواصات السوفياتية إبان الحرب الباردة. وما تحتاج إليه كييف، قبل أي شيء آخر، السعي في إخراج الغواصات الروسية الخمس من البحر الأسود. وذاك أمر يمكن تحقيقه بواسطة السلاح الأميركي، وسلاح "الناتو" المضاد للغواصات، وتجهيزات الرصد المخصصة للعمل السريع على سفن صغيرة. وعلى هذا، تتقلص التهديدات والأخطار أمام حركة الشحن الأوكرانية، وتتراجع الضغوط الاقتصادية على الحكومة الأوكرانية، مما يمكنها من القيام بتنازلات في أي مفاوضات سلام مرتقبة.

 

تحتاج أوكرانيا إلى مساعدة حلفائها كي تحافظ على مكاسبها البحرية

وأخيراً، على أوكرانيا بناء قدرات برمائية في مستطاعها تهديد المواقع الروسية في القرم، والخطوط الخلفية الروسية على طول ساحل البحر الأسود. ويمكن توفير زوارق صغيرة فوراً من الولايات المتحدة وشركاء آخرين في حلف "الناتو"، وإشغال القوات الروسية في مراقبة ظهرها. إلى هذا يمكن نقل تلك الزوارق الصغيرة بسرعة براً، وتلافي الغواصات الروسية. ويمكن تلافي تعقيدات "معاهدة مونترو"، الاتفاقية الموقعة سنة 1936 التي تسمح لتركيا بمنع مرور السفن الحربية عبر المضائق المؤدية إلى البحر الأسود. وفي مقدور أوكرانيا، بواسطة قوة برمائية ترسو قرب المناطق الواقعة تحت السيطرة الروسية، إجبار القوات الروسية على الانسحاب من الجبهات، والانتقال لحماية الساحل - وهذا التكتيك عينه استخدمته روسيا ضد أوكرانيا في مطلع الحرب. ويسع أوكرانيا، في نهاية المطاف، استخدام قدراتها البرمائية كجزء من حملة أكبر لاستعادة القرم. ومثل هذه الحملة أو هذا الهجوم غير ممكنين اليوم. فثمة دفاعات قوية في القرم، وأي هجوم برمائي على شبه الجزيرة سيكون في غاية التعقيد. وبديل هذا هو ضربات دورية على القرم، كتلك التي نفذها الجيش الأوكراني في منطقة خيرسون القريبة. وحينها يمكن لتلك الضربات أن تجعل التهديدات البرمائية حقيقية، وتشغل الروس عن المعارك الأساسية على الجبهات البرية.

ونجاح أوكرانيا البحري هذا دراماتيكي، وغير مسبوق من دون شك، لكن النصر قد ينقلب هزيمة إذا حبست الولايات المتحدة، وشركاء آخرون، دعمها. إذا عجزت أوكرانيا عن تعويض ذخائرها والمعدات التي تخسرها في الميدان، وسع القوات الروسية العدوان على السواحل الأوكرانية، وإعادة تأمين خطوط الإمداد إلى القرم. فإذا حصل هذا، ربما غدا انتصار أوكرانيا البحري انتصاراً عابراً.

*مارك كانسيان، مستشار أول في برنامج الأمن الدولي الخاص بـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية".

مترجم من "فورين أفيرز"، فبراير (شباط)، 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء