Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجارب على الحيوانات... طب وتجارة

انتفاء للشروط الإنسانية وشراهة في الاستخدام يشمل الجرذان والفئران والخيول والخنازير والطيور والدواجن

شكّل مدافعون عن حقوق الحيوان عشرات الجمعيات، التي اتخذت من الدفاع عن تلك المخلوقات قضيةً أساسيةً ومحورية (مواقع التواصل)

ملخص

ليست فقط القوارض... مختلف أنواع الحيوانات ضحايا لتجارب الإنسان المستمرة بقوة التشريعات

تجري على ما بين مئة ألف إلى نصف مليون حيوان سنوياً، بحسب مصادر معنية بحقوق الحيوان، تجارب طبية، أو علمية، أو تلك التي تتعلق بالمستحضرات التجميلية والمنتجات المتنوعة والمتعددة الأهداف والأشكال، وسط أصوات تتعالى رافضة تكريس الحيوان لجعله مزرعة اختبار بيولوجي، أو تجاري، أو أياً كان الهدف من تلك التجارب التي استنفرت المجتمع المعني بالدفاع عن حقوق الحيوان والذي تداعى بصورة عصرية لاتخاذ إجراءات رادعة في السياق الإعلامي والحقوقي والتشريعي.
وشكّل مدافعون عن حقوق الحيوان عشرات الجمعيات المعنية بالأمر اتخذت من الدفاع عن تلك المخلوقات قضية أساسية ومحورية في إطار صراع لا يبدو أن زمنه سيكون قصيراً لجملة من العوامل والأسباب المتداخلة والتي يملك كل طرف في إطارها أسباب دفاع قد تبدو مقنعة. فهل ينجح رافضو الفكرة في بترها والقضاء عليها وإقناع المجتمع الطبي والتجاري بالتوجه نحو خيارات بديلة؟ خصوصاً إذا علمنا أن تلك الحيوانات ينتهي بها المطاف بعد إجراء التجارب إلى القتل الرحيم.

كذبة شائعة

يعتقد الناس وفق مفهوم أقرب إلى الشيوع الجمعي، بأن التجارب على الحيوانات تقتصر بصورتها العامة على القوارض مثل الفئران وما يرتبط بها من تصنيفات فرعية، لكن الحقيقة أن الاستخدام الأكثر شيوعاً في التجارب يتجه نحو حيوانات أخرى تماماً، مثل الخيول والخنازير والأبقار والماعز والأغنام والثعابين والطيور والدواجن، والأكثر استخداماً بينها هي الكلاب، لا سيما الفصائل التي تميل بطبيعتها إلى أن تكون هادئة أكثر من كونها شرسة.
لقاء كل ذلك الكم من التجارب، وفي ظل وجود أكثر من 80 في المئة من دول العالم التي لا تحرم أو تجرّم التجارب الحيوانية، وجدت جمعيات عدة نفسها في سياق حرب طويلة لا زالت ممتدة منذ عقود، ولعل أهمها "الجمعية الدولية لمنع إجراء التجارب القاسية على الحيوانات"
 (Cruelty Free International) التي ما زالت تخوض حربها الشعواء بغية تحقيق ما قامت من أجله، في حفظ حقوق الحيوان ككائن حيّ ومنع تعرضه للتعذيب والاستثمار فيه عبر التجارب المتنوعة.


ديمومة التجربة تاريخياً

ينطلق أصحاب فكرة ضرورة الاستمرار بإجراء التجارب على الحيوانات في وجهة نظرهم من أن أول من قام بها كان أرسطو قبل الميلاد، ولحقه آلاف العلماء ومن بينهم ابن رشد وغالينوس وابن زهر وابن سينا وفرانسيس بيكون ولافوازييه بكل ما أنتجوه وقدموه من ثورات هائلة في العلوم من خلال التجربة على الحيوانات وصولاً إلى القرن الـ20 والتجارب التي أفضت إلى ثورة جديدة في آلية نقل الأعضاء البشرية ولقاح السعال الديكي والبنسلين، والتجارب المستمرة حالياً في محاولة معالجة أمراض التصلب المتعدد وألزهايمر وغيرها.
ويوصف أصحاب هذه المدرسة التجريبية بـ"العقلانيين" الذين يرغبون في تسخير الموجودات الكائنة بصورة طبيعية في الكون لأجل تطوير العلوم، ولكن ماذا تكون الحال والتجارب انقسمت إلى علمية وتجارية عبر تجربة مستحضرات لا تقدم ولا تؤخر في العلوم الطبية بيد أنها تصنع فارقاً تجارياً لشركات استثمارية؟

أنانية التجربة

قد يصعب القبول بسهولة بأن ثمة حيواناً أليفاً سيموت بغية إجراء تجربة علمية ربما تثمر نتيجة ولو "نبيلة"، ولكن على المقلب الآخر ثمة حيوانات تموت لأجل مستحضرات تجميل، شامبو للاستحمام مثلاً ومساحيق تجميل الوجه وغسول العناية بالبشرة والصابون ومواد تستخدم للأظافر وأمثلة أخرى.
في تلك الحالة إما أن يُستخدَم المنتج النهائي على الحيوان لدراسة مدى إمكان تسببه بحساسية لديه قبل طرحه في السوق، أو يمكن تجربة مكوناته منفردة. ومعلوم أن تلك المكونات عامة ناتجة من صيغ وتفاعلات كيماوية، فحتى إن عبرت بأمان عبر الحيوان ربما تصل إلى السوق وتحدث تأثيرات سلبية لدى المستخدمين لشدة تعقيد تركيبتها في بعض الأحيان.
وفي تأثيرها ذلك لا يكون الضرر لكل المستخدمين كما ثبت في مرات عدة، لكن حساسية جزء معين من المستخدمين كفيلة بإعادة النظر في طريقة التجريب نفسها، مما يمكن لحظه في البلدان الفقيرة أكثر من غيرها، إذ تنعدم فيها شروط التجربة المنهجية – العلمية من أساسها حتى لو توافر المختبر الحيواني.
وإذا اختُبر كلّ مكون على حدة من مستحضرات التجميل تلك، فستمر التجربة بمراحل عدة وعلى عدد من الحيوانات. وتلك المراحل ستكون على الشكل التالي، النفاذ من الجلد والحساسية الواضحة والسمّية المطلقة ومرحلة درييز وتآكل الجلد. والمراحل الثلاث الأخيرة كفيلة بقتل الحيوان وبما أن الأمر يجري في سياق التجربة لا البرهان، فهذا يعني وضع احتمالية قتل الحيوان.

بريطانيا في الواجهة

وكانت بريطانيا أوقفت قبل 25 عاماً أي عملية اختبار لمستحضرات تجميل على حيوان، لكنها عادت بقرار تسمح به أواسط العام الماضي باستئناف ذلك النشاط بعد حظر طويل. وامتلكت الحكومة البريطانية حين أوقفت ذلك النشاط في 1998 رؤية تتعلق بأن الأمر يجب أن يتوقف ما لم تكُن فيه فائدة عليا تتعلق بمكافحة الأوبئة.
صدمة المجتمع الرافض لإجراء الاختبارات تلك من أساسها، جاءت بعد قرار "وكالة المواد الكيماوية الأوروبية" (ECHA) في 2020 التابعة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، بأن "الشركات التجارية تحتاج بصورة ضرورية إلى اختبار مكوناتها للسلامة العامة من جهة ولسلامة العاملين بها من جهة ثانية".

ورفعت "الجمعية الدولية لمنع إجراء التجارب القاسية على الحيوانات" دعوى ضد الحكومة البريطانية لكنها خسرتها بقرار من المحكمة العليا، إلا أنها لم تكن تتوقع أن تساندها كبرى العلامات التجارية العالمية في دعواها، إذ انضمت إليها 80 علامة تجارية واصفة قرار استئناف التجارب بالمشين.
مدير الجمعية ميشال ثيو قال حينها في تصريح إلى وسائل إعلام دولية إن "القضية أظهرت بوضوح أن الحكومة تعطي الأولوية لمصالح الشركات على مصالح الحيوانات ورغبات الغالبية العظمى من البريطانيين الذين يعارضون بشدة اختبار مستحضرات التجميل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المهمة تزداد صعوبة

عام 2023 مُنحت جائزة نوبل عن فئة الطب لكل من المجرية كاتالين كاريكو والأميركي درو وايزمان لضلوعهما البحثي والتنفيذي والمسهم الذي أدى إلى تطوير عقار (MRNA) الذي استُخدم كلقاح مضاد لفيروس "كوفيد-19"، مما وضع المدافعين عن حقوق الحيوان في موقف أشد خطورة وصعوبة، خصوصاً أن الباحثَين طورا اللقاح إثر تجارب حية على حيوانات.
ويستند المدافعون في نظريتهم حول انعدام الشروط الإنسانية للتجربة، إلى وجود نسبة مئوية غير ثابتة لا تخضع فيها الحيوانات لأي نوع من التخدير أو ما من شأنه تخفيف الألم، وذلك أيضاً ما أكدته وزارة الزراعة الأميركية في إحدى دراساتها، فيما يعتمدون أيضاً على دراسات الجمعية الأوروبية لأبحاث الحيوان والتي تقدم شرحاً مفصلاً عن مراحل الألم ونوعه ودرجاته التي تلمّ بالحيوان.
وجاء في شرح الجمعية الأوروبية حول أخطار التجارب أنه "في هذه الحال من المحتمل أن تعاني الحيوانات ألماً شديداً أو ألماً معتدلاً طويل الأمد أو معاناة أو ضيقاً، كما يُحتمل أن تسبب ضرراً شديداً لسلامة الحيوان أو حاله العامة، ويدخل فيها على سبيل المثال أي اختبار يكون الموت فيه هو نقطة النهاية، أو تكون هناك وفيات متوقعة".

أصوات في الفراغ

من جهة أخرى، حازت العلامة التجارية "ذا بودي شوب" the body shop)) التي أطلقت مشروعها عام 1989 للدفاع عن حقوق الحيوان ومنع إجراء التجارب عليه بالتعاون مع علامات ومنظمات أخرى، أكثر من 8 ملايين صوت رفعتها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى الأمم المتحدة بهدف وقف تنفيذ أي نشاط تجريبي على الحيوانات.
وسلكت منظمات عدة سلوك تلك العلامة التجارية، ولكن أيّاً يكن المجهود الذي بذل في ذلك الإطار فإنه لم يثمر كما أريد له أن يكون، فالتجارب كما توحي المؤشرات والمعطيات والأرقام ما زالت مستمرة ومتواترة ومتتابعة، خصوصاً أن دولاً عظمى لا تجرم الأمر ودولاً أخرى عادت عن قرارات منع التجريب.
اللافت أن دولاً عربية تمنع إجراء تلك التجارب نهائياً، أو منعتها أخيراً، ضمن سعيها نحو رفع سوية الرفق بالحيوان، ومن بين تلك الدول، السعودية والإمارات، وبالتأكيد ثمة دول أخرى في الإقليم لا تمارس تلك النشاطات أساساً لأسباب متباينة، من بينها رداءة جودة الناتج العلمي والتجريبي.

العلم نفسه سيوقف التجارب

وفي حديث إلى "اندبندنت عربية"، رأى الباحث في الشؤون المخبرية الدكتور عبدالمنعم عطار أن "وضع حد للتجارب على الحيوانات لن يحدث نتيجة ضغوط من جمعيات معنية بالأمر، بل إن العلم نفسه هو من سيدفع تلك التجارب إلى التوقف تباعاً".
ويقول "صار من الثابت اليوم أن كثيراً من التجارب التي تنجح على الحيوانات تفشل لدى البشر، وهذه معضلة مستجدة ستنحي تلك التجارب مستقبلاً، لتحلّ مكانها طرق أبحاث أكثر ديناميكية وفاعلية علمية مثل التجارب على الأنسجة البشرية والطباعة المتنوعة المعمقة وخزع الأعضاء والحوسبة الذكية، والأهم هو الإدخال الروبوتي في السياق العلمي".

المزيد من منوعات