Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة "ثلاثية" تعصف بالدراما التونسية

اعتبر نقاد أنها باتت خسارة لمجتمع بأسره قد يفتقد في قادم المواسم لمرآة فنية تعبر عن همومه وتعكس واقعه وتؤرخ للثقافة المعاصرة

جدل في تونس حول ندرة الأعمال الدرامية (أ ف ب)

ملخص

تقلص الميزانيات المخصصة للإنتاج الدرامي وغياب الرعاة والممولين منذ أعوام خلفا تأثيرات على جودة الإنتاج

أرخت الأزمة الاقتصادية في تونس بظلالها الكثيفة على الإنتاج الدرامي في شهر رمضان، حيث اكتفت أكثر من 13 قناة تلفزيونية بثلاثة أعمال درامية فقط هي "فلوجة" للمخرجة سوسن الجمني، و"باب الرزق" لمخرجه هيفل بن يوسف، و"رقوج" لمخرجه عبدالحميد بوشناق.

وعلى رغم أن عملاً مثل "باب الرزق" الذي يعرض على تلفزيون "الوطنية الأولى" العمومي ويشهد مشاركة نجوم يحظون بشعبية قوية وأثبتوا جدارتهم مثل كمال التواتي، يعالج قضايا اجتماعية على غرار الطبقية والظلم، فإن الجدل تجاوز ذلك ليتمحور حول ندرة الأعمال الدرامية.

ولجأت عديد من القنوات التلفزيونية في تونس إلى إعادة أعمال درامية قديمة سواء تونسية أو أجنبية، مثل "رأفت الهجان" والسلسلة الكوميدية "شوف لي حل" و"الخطاب على الباب" و"أولاد مفيدة" وغيرها.

الأزمة الاقتصادية

وعلى رغم أن الدراما التونسية نجحت في "تصدير" نجوم كثر إلى الساحة العربية على غرار ظافر العابدين ودرة زروق وهند صبري وآخرين من الذين نجحوا في ترسيخ حضورهم في الشاشات العربية، فإن أداءها على المستوى المحلي لا يزال محل شك وانتقادات.

وتلت انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 حالة انفتاح إعلامي عقدت عليها آمال كبيرة بأن تنعكس على الإنتاج الثقافي والدرامي، إلا أن الحنين يزداد إلى أعمال درامية عرضت في السابق.

وقال الناقد السينمائي والفني التونسي، خميس الخياطي، إن "الأزمة الاقتصادية القديمة جداً انعكست بالفعل على الإنتاج الدرامي، والإشهار السمعي البصري لم يعد يشجع على الإنتاج، والأهم من هذين السببين أنه ليست هناك رؤية لمشكلة نقص الإنتاج من قبل المعنيين".

وأوضح الخياطي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الحكومة تملك قناتين عموميتين (الوطنية الأولى والثانية) لكن ليست لها سياسة إنتاجية، مع الأسف لدينا أكثر من 13 قناة غالبيتها الساحقة تقوم ببث برامج دعائية لبيع مواد منزلية لا أكثر".

وشدد على أنه "ليست هناك أزمة كتابة في تونس، فهناك من يكتب أعمالاً جيدة لو كانت لدينا رؤية شاملة لملف الإنتاج الدرامي".

وعلى مستوى الأعمال الهزلية، سجلت القنوات التلفزيونية إنتاج أربعة أعمال تتوزع كالتالي، "سوبر تونسي" يبث على قناة "نسمة الجديدة" الخاصة، "أولاد الحي" في دبي الذي يبث على قناة "تلفزة تي في" الخاصة، "الفارماسي" على "الوطنية الأولى"، و"فندق المغرب العربي" الذي تبثه قناة "حنبعل" الخاصة.

ضعف النصوص والمحسوبية

ومنذ سنوات، تصاعدت الشكاوى من اكتساح مشاهير السوشيال ميديا للأعمال الدرامية، لكن أيضاً من أزمة كتابة يؤكدها البعض وينفيها آخرون.

وكان هناك اسم طاغ بصورة كبيرة على الأعمال الدرامية وهو الكاتب والشاعر علي اللواتي، الذي ألف نصوصاً ظلت راسخة بأذهان التونسيين على غرار "عودة المنيار"، و"الخطاب على الباب"، و"حسابات وعقابات"، و"قمرة سيدي محروس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت الصحافية المتخصصة في الشأن الثقافي، نعيمة الشرميطي، إن "النقص في الأعمال الدرامية يعود إلى أسباب عدة، أولها الأزمة الاقتصادية وضيق سوق الإنتاج منذ أعوام لأن كلفة الإنتاج باهظة جداً وسوق البرامج ضيقة ومحدودة".

وأردفت الشرميطي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "في تونس ليست لدينا سوق مثل تلك الموجودة في مصر أو سوريا، ثانياً لا بد من التنصيص مع غياب كلي للنصوص الجيدة وكتاب السيناريو، في السابق كان التلفزيون الوطني يقوم بإنتاج مسلسلات ذات قيمة، لكن غياب كتاب السيناريو الآن ترك فراغاً كبيراً".

واعتبرت أن "وجود مشاهير إنستغرام أثر أيضاً بصورة كبيرة على القيمة الفنية للأعمال الرمضانية، وقد أسهم هؤلاء في إقصاء خريجي المعهد العالي للمسرح، كما طغت المحسوبية على الأعمال مثل منح مخرجين عدة أدواراً لأصدقائهم أو فرض أصحاب قنوات تلفزيونية خاصة أشخاصاً معينين".

"اندثار محتمل"

ولا يخفي متابعون للنشاط الثقافي والأعمال الدرامية في تونس هواجسهم من استمرار التراجع على مستوى الإنتاج الدرامي، خصوصاً أنه حتى في أحسن أحواله في السنوات الماضية ظل مقتصراً على الأعمال الرمضانية.

واعتبر الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي، صابر الميساوي، أن "النقص الحاصل في الإنتاج الدرامي أصبح يثير مخاوف حقيقية من اندثار الأعمال الدرامية في المواسم القادمة".

ولفت الميساوي إلى أنه "يبدو أن المتمعن في الوضع المتدهور للإنتاج الدرامي، سيستنتج لا محالة أنها من تداعيات أزمة اقتصادية أربكت البلاد وطال ظلها كل المجالات، وبات لها تأثير مباشر على عمليات الإنتاج الفني بالنظر إلى ما تعانيه تونس من تحديات مالية، تتجلى في تقلص الميزانيات المخصصة للإنتاج الدرامي، وغياب الرعاة والممولين منذ أعوام، مما أنتج مشهداً فقيراً للأعمال الدرامية وخلف تأثيرات على جودة الإنتاج".

وأشار إلى أن "طرح موضوع تقلص الإنتاج مرتبط بتراجع جودة السيناريوهات الدرامية كواحد من أبرز العوامل المؤثرة في الإنتاج، بعد مشكلات ظهرت وتعمقت هذا العام في الكتابة أساساً، ولم تعد تنقذها الحلول البديلة مثل ورشات الكتابة التي أصبحت بمثابة مسكنات للآلام في جسد فني عليل تعمقت أزمته هذا العام".

وشدد الميساوي على أن "السؤال الحائر حالياً حول تراجع الإنتاج الدرامي يتجاوز تناول الجانب الاقتصادي في الواقع، لتبقى نقطة الاستفهام كبيرة حول تشكيل الوعي والهوية الثقافية في الأعوام المقبلة، فالخسارة لم تعد فقط خسارة منتجين، بل خسارة لمجتمع بأسره قد يفتقد في قادم المواسم لمرآة فنية تعبر عن همومه وتطلعاته وتعكس واقعه وتؤرخ للثقافة التونسية المعاصرة".

وفي ظل تراجع الإنتاج وتصاعد الانتقادات للأعمال التي رأت النور هذا العام كما الذي سبقه، فإن التساؤلات التي تطرح الآن تتمحور حول مستقبل الدراما التونسية ونجومها الذين اختار كثير منهم المغادرة إلى عواصم عربية على غرار فريال يوسف وظافر العابدين وآخرين.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون