Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قيصر" لكل الفصول: مكر بوتين ومكر التاريخ

يمارس عملياً ما قاله ألكسندر الثالث وهو "ليس لروسيا سوى حليفين: الجيش والأسطول"

أوحى بمكر شديد أنه جامع لكل الأدوار، "قائد سوفياتي ومنشق سوفياتي ومؤمن بأيقونات السوفيات وابن الكنيسة الأرثوذكسية" (أ ف ب)

ملخص

 بوتين حفظ قول ستالين "إن الروس شعب قيصري ويبحث دائماً عن قيصر ليعبده ويعمل له"، وأدرك أن روسيا تكون إمبريالية أو لا تكون سوى دولة معزولة وكثيرة المتاعب.

يروي ميكويان قول خروشوف له في أيامه الأخيرة: "من كان يجرؤ على القول لستالين عليك أن تتقاعد؟ الآن صار الأمر ممكناً، وهذا هو إنجازي"، لكن الأمر لم يعد ممكناً مع الرئيس فلاديمير بوتين الحاكم منذ عام 1999 والذي فاز أخيراً بولاية خامسة ممتدة إلى عام 2030، وقد تليها ولاية سادسة تمتد رئاسته فيها حتى عام 2036 بموجب تعديل دستوري جرى عام 2020.

المعارض العنيد له ألكسي نافالني مات في السجن في سيبيريا، والمنافس الجدي له بوريس ناديجين لم يصادق على ترشحه، والمنافسون الثلاثة المسموح لهم مجرد ديكور ويؤيدون حرب أوكرانيا، وهم القومي ليونيد سلوتسكي والشيوعي نيكولاي خاريتونوف ورجل الأعمال فلاديسلاف دافانكوف.

وعبر كتاب "الألماني في الكرملين" سجل ألكسندرز راهر أن بوتين هو المسؤول الروسي الثاني بعد لينين الذي يجيد الألمانية، وتكهن بأنه يريد "تثبيت روسيا في البيت الأوروبي كقوة عظمى، والعمل على إضعاف النفوذ الأميركي"، لكن طموحه أوسع منذ ذلك بكثير بحيث يرغب في الوصول إلى "عالم ما بعد الغرب".

كولونيل الاستخبارات العادي الذي عمل في ألمانيا الشرقية، وعلى ساعته انهار جدار برلين ثم انتهت الحرب الباردة بقتيل هو الاتحاد السوفياتي، عاد لمسقط رأسه بطرسبورغ من دون مستقبل ليعمل سائق تاكسي، لكنه جلس في النهاية على عرش القيصر ثم على كرسي ستالين وانتقد لينين، وهو بحسب كتاب جوشوا يافا "بين نارين: حقيقة، طموح، وتسوية في روسيا بوتين".

وأوحى بمكر شديد أنه جامع لكل الأدوار، "قائد سوفياتي ومنشق سوفياتي ومؤمن بأيقونات السوفيات وابن الكنيسة الأرثوذكسية"، وبالطبع مقاتل بسلاح القومية الروسية والعقيدة الأرثوذكسية، وكله تنويع في المكر السياسي لبوتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليس صعود بوتين مجرد لعبة حظ، فهو ظاهرة أنتجتها روسيا التي أذلها الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وعمل على تطويقها عبر حلف الـ "ناتو" ودخلت فيه دول المعسكر الاشتراكي التي كانت في "حلف وارسو"، وهو فوق كونه قارئاً للتاريخ مستعد لاستخدام التاريخ كسلاح سياسي، وأحياناً لاختراع تاريخ على ذوقه، كما في حال أوكرانيا لتبرير غزوه لها وما يفعله في الصراع الجيوسياسي والإستراتيجي مع الغرب، حفظ قول ستالين "إن الروس شعب قيصري ويبحث دائماً عن قيصر ليعبده ويعمل له"، وأدرك أن روسيا تكون إمبريالية أو لا تكون سوى دولة معزولة وكثيرة المتاعب.

وهذا ما فعله حتى الآن، ففي البدء بدأ الشغل على تركيز السلطة في يده والعمل "عكس غورباتشوف ويلتسين"، كما قال لزائر أوروبي "حارب الشيشان لإخضاعهم وقمع المعارضين وقرب الـ "أوليغارشية" ثم ضربها لمصلحة مافيا الكرملين، وفي أيامه حدث اغتيال الإصلاحيين الليبراليين، وبعد ذلك التفت إلى التوسع في الخارج، ودخل عسكرياً إلى جورجيا عام 2008 وفصل عنها إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللذين يطالبان اليوم بالانضمام إلى الاتحاد الروسي، ودعم الانفصاليين في منطقة الدونباس الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم عام 2014 قبل أن يغزو أوكرانيا عام 2022 ويعلن ضم أربع مناطق منها إلى روسيا، وعلى الطريق دعوة من إقليم ترانزنيستيريا في مولدوفا لحمايته بالقوة العسكرية.

وليس غريباً أن تعود موسكو للرمز القيصري الذي قال فيه الشاعر فاسيلي كوروتشكين إن "مصدر مصائبنا هو النسر المزدوج والرأس"، فما يكرر بوتين قوله هو أن "ستالين أنجح حكام روسيا في القرن الـ 20، إذ مد الإمبراطورية إلى أبعد مما كانت عليه أيام آل رومانوف"، وما سجله في عقيدة السياسة الخارجية الروسية هو أن "الغرب تهديد وجودي"، ومن هنا كان غزو أوكرانيا، فالعنوان الكبير على "أجندة" بوتين هو "تحقيق المهمة التاريخية لروسيا كمركز للفضاء الأوراسي"، ولا أوراسية وإمبراطورية من دون أن تكون النواة روسيا وبيلاروس وأوكرانيا.

القيصرة كاترين العظمى خاضت حروباً وصفقات رابحة مع السلطنة العثمانية، ووصل أسطولها إلى شاطئ بيروت، فقصفها واحتلها عام 1772، كما في كتاب سيمون سيباغ مونتفلوري "آل رومانوف 1613- 1918"، وبوتين دخل جيشه إلى سوريا وصار أسطوله يمخر البحر المتوسط وله قاعدة بحرية في طرطوس، وهو يمارس عملياً ما قاله القيصر ألكسندر الثالث "ليس لروسيا سوى حليفين، الجيش والأسطول"، وما قاله قيصر سبقه، وهو "لا أطمئن إن لم يكن جيشي على طرفي الحدود"، وسيدخل التاريخ كقيصر حكم في الكرملين مدة أطول من حكم كاترين وستالين، ولكن مشكلته مع ما سماه الفيلسوف هيغل "مكر التاريخ"، فكيف إذا كان المؤرخ نيال فيرغسون يصفه بأنه "مثل مايكل في فيلم العراب"؟

المزيد من تحلیل