Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التسييس التدريجي للجيش الأميركي

اختبارات الولاء المدفوعة من قبل الجمهوريين تؤدي إلى زعزعة الأمن القومي

السيناتور إريك شميت يتحدث إلى تشارلز كيو براون جونيور، الجنرال في القوى الجوية الأميركية، في واشنطن العاصمة، يوليو 2023 (رويترز)

ملخص

يجدر بالقادة العسكريين أن يأخذوا على محمل الجد التحديات التي تفرضها الجهود المدنية لتسييس القوات المسلحة.

عندما أفلتت في نهاية المطاف ترقيات 440 من كبار الضباط العسكريين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من التجميد الذي فرضه عليها عضو مجلس الشيوخ تومي توبرفيل، تنفس كثر في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الصعداء. وكان السيناتور الجمهوري من ولاية ألاباما قد منع الموافقة على الترقيات احتجاجاً على سياسة إدارة بايدن التي تمنح إجازة مدفوعة الأجر وتعويض سفر لخدمات الإجهاض للعسكريين المقيمين في الولايات التي يكون فيها الإجهاض غير قانوني. ومنع الضباط الذين ينتظرون الترقية من تولي مهام جديدة لمدة تقرب من 10 أشهر، مما أدى إلى خلق تكدسات في سلسلة القيادة وتعطيل حياة الأفراد الموجودين في الخدمة وعائلاتهم. وربما كان الكثر يأملون أن تعود الأمور إلى طبيعتها في نهاية الأمر مع رفع الحظر.

وفي الواقع أن تسييس المؤسسة العسكرية قد يصبح أشد سوءاً في وقت قريب، وخصوصاً إذا نجح بعض أعضاء الجناح اليميني في الحزب الجمهوري في تحقيق ما يريدون. كان السياسيون في الماضي غالباً ما يستخدمون العسكريين الموجودين على رأس عملهم كدعائم سياسية لهم ويوظفون السياسات العسكرية كقضايا تثير الجدل وتسبب الانقسام لاجتذاب الناخبين، إذ كان الجيش يقف متفرجاً في عملية تسييسه. وقد يسعى السياسيون في المرحلة المقبلة إلى فرض اختبارات أيديولوجية حاسمة في سياق ترقيات كبار الضباط وتعييناتهم. إذا نجحت هذه التكتيكات، فمن شأنها أن تحول الجيش من قوة محايدة حزبياً كما هي اليوم إلى حليف لفصيل واحد من فصائل الحزب الجمهوري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنتيجة سيلحق ذلك ضرراً جسيماً بالأمن القومي. فالقادة العسكريون يبذلون اليوم جهوداً لكي يقدموا استشارات محايدة للرئيس والمشرعين وغيرهم من المسؤولين المدنيين حول استخدام القوة. وبدلاً من ذلك، قد يقومون في المستقبل بجعل توصياتهم متوافقة مع مصالح حزبهم السياسي المفضل. وبصرف النظر عن تقويض دقة العملية الاستشارية جراء ذلك، فإن التسييس الداخلي من هذا النوع من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الوحدة الشاملة للجيش مع انتشار التوترات الحزبية عبر صفوف الجيش. وسوف تتضاءل الثقة التي يوليها الشعب الأميركي للمؤسسة العسكرية عندما تصبح في نظره مجرد مؤسسة مسيسة أخرى، على شاكلة المحكمة العليا التي يراها كثر سلفاً كذلك، لكن هذا الأمر ليس حتمياً إذا كان هناك عدد كافٍ من السياسيين في كلا الحزبين يعملون على إيقاف عملية تسييس المؤسسة العسكرية. ويتعين على الجمهوريين خصوصاً أن يقاوموا الجهود التي يبذلها زملاؤهم لجرها إلى خوض نزاعات سياسية. كما أن عليهم أن يحذروا حزبهم من الأخطار التي ينطوي عليها تحويل الجيش إلى قوة حزبية. وفي الوقت نفسه، يجب على العسكريين أن يعززوا المهنة التي تتعلق بأخلاقيات الحياد الحزبي، إلى جانب مقاومة الانجرار للتورط في الصراع الحزبي بأنفسهم.

المرحلة التالية من التسييس

سعى السياسيون منذ تسعينيات القرن الماضي إلى الاستفادة من شعبية الجيش، وذلك على سبيل المثال، من خلال اتخاذ الجنود خلفية لخطاباتهم المتعلقة بالسياسة الخارجية. واستخدم السياسيون أحياناً تصريحات القادة العسكريين كهراوة ضد الحزب المعارض أو اعتمدوا على القادة العسكريين الذين يتمتعون بالشعبية لتسويق سياساتهم في زمن الحرب في أوساط الشعب.

واتخذ هذا النوع من التسييس في السنوات الأخيرة منحى قبيحاً. وفي حين جرى تأخير ترقيات الضباط في بعض الأحيان، فإن جهود توبرفيل الشاملة لاحتجاز العسكريين كرهائن احتجاجاً على سياسات إدارة بايدن، تمثل خطوة غير مسبوقة. أشاد السياسيون بالجيش في الماضي لأن ذلك يحقق مصلحة حزبية. والآن، بات عديد من الجمهوريين ينتقدونه للسبب نفسه عبر طرق تتمثل إحداها في الاستخفاف بسياسات البنتاغون التي تساعد على تقريب التركيبة السكانية للجيش من تلك الموجودة في المجتمع. حتى إن السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، والسيناتور تيد كروز من تكساس، والنائب تشيب روي من تكساس، زعموا أن المؤسسة العسكرية ضعيفة لأن كبار قادتها من تيار "ووك" [ثقافة التنبه إلى التحيز والتمييز العنصري والظلم الاجتماعي].

وقد يكون الشكل المختلف التالي من التسييس أسوأ. فبدلاً من استخدام الجيش لمجرد خطب ود الناخبين، قد يتلاعب السياسيون بالتعيينات والترقيات لتعيين قيادة عسكرية مستعدة لتسخير مواردها وأفرادها من العمل على تحقيق أجندة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، بصرف النظر عما يعنيه ذلك بالنسبة إلى رفاهية التنظيم، ناهيك بأمن البلاد.

ومثل هذه النتيجة ستكون خروجاً جذرياً عن الأعراف الحالية. واليوم، يجهد القادة العسكريون إلى أن يكونوا محايدين في تفاعلاتهم مع المسؤولين المعينين في مناصبهم بفضل انتماءاتهم السياسية ومع المسؤولين المنتخبين، وكذلك مع الشعب. وتحد المعايير والقواعد، بما في ذلك نظم وزارة الدفاع، من النشاط الحزبي لمن هم في الخدمة العسكرية، وتمنعهم من القيام بحملات لصالح السياسيين أو تأييدهم علناً أثناء الانتخابات، على سبيل المثال. وقد يميل الضباط الخاضعون لاختبارات الحزبية الحاسمة إلى تجاهل تلك القواعد. وحتى لو لم يقوموا بحملة صريحة نيابة عن حزبهم، فقد يعمدوا إلى الإدلاء بتصريحات عامة تدعم وجهات نظر الحزب، على سبيل المثال، في شأن سياسة البنتاغون الخاصة بكوادره، أو الاستعانة بالجيش لإنفاذ قوانين الهجرة، أو بما يتصل بعلاقات البلاد مع الحلفاء، أو قد يدافعون عن التوجه المفضل لهذا الحزب وذلك عند الإدلاء بشهاداتهم أمام الكونغرس.

ويتعين على الجمهوريين أن يقاوموا الجهود التي يبذلها زملاؤهم لجر المؤسسة العسكرية إلى خوض نزاعات سياسية

ولحسن الحظ، سيكون تحقيق هذا النوع من التحول صعبا، نظرا لالتزام كبار الضباط حالياً بالحياد الحزبي. إلا أن تسييس التعيينات والترقيات يشكل أداة قوية لتعطيل هذا التقليد. إن جعل رفع المستوى الوظيفي في المؤسسة العسكرية مشروطاً بالميول الأيديولوجية للفرد، من شأنه أن يوجه إشارة قوية إلى الضباط مفادها أنه ينبغي عليهم التصرف كحلفاء حزبيين للرئيس، أو في الأقل التزام الصمت عندما يفعل الآخرون ذلك.

وبدأ الجناح اليميني بالفعل في التدقيق في آراء ضباط الجيش، بغض النظر عن المهارات والخبرة التي يوظفونها لصالح عملهم. وقد عممت "مؤسسة المساءلة الأميركية" American Accountability Foundation، وهي منظمة يمينية متطرفة غير ربحية، أسماء عديد من الجنرالات الذين زعمت أنهم يدعمون أجندات الـ"ووك"، وشككت في أن مؤهلاتهم بناءً على هذه المزاعم وحدها. وفي أغسطس (آب) الماضي، أعاد توبرفيل نشر رسالة من "مؤسسة المساءلة الأميركية" تصف أحد المرشحين للترقية في الجيش إلى رتبة عميد بشكل ساخر على أنه "محارب نخبوي من أجل العدالة الاجتماعية". وحتى بعد أن سمح توبرفيل بالتصويت بنعم أو بلا على الترقيات العسكرية في ديسمبر، قام سيناتور جمهوري آخر، هو إريك شميت، بتعطيل ترقية عقيد في سلاح الجو كان قد كتب مقالة افتتاحية حول الآثار الضارة للعنصرية في صفوف العسكريين.

ولعل المثال الأكثر واقعية للجهود الرامية إلى إقحام السياسات الحزبية في التعيينات العسكرية هو معاملة اليمين لتشارلز كيو براون جونيور، وهو جنرال في القوى الجوية يشغل الآن منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة. فقبل أن يصبح رئيساً، جرى تثبيته رئيساً لأركان القوات الجوية عام 2020 في تصويت أجري في مجلس الشيوخ بغالبية 98 صوتاً من دون مقابل. وبعد ذلك، وقع زعماء 30 مجموعة سياسية يمينية في يوليو (تموز) الماضي، رسالة مفتوحة تعارض تعيين براون رئيساً لهيئة الأركان المشتركة. وعلى رغم مسيرته المتميزة كطيار مقاتل، فإن 11 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين صوتوا ضده عندما جرى تأكيد تعيينه كرئيس لهيئة الأركان المشتركة العام الماضي. وكان عدد من صوتوا بـ"لا" [للمرشح لمنصب] الرئاسة غير مسبوق، وكذلك الأسباب المعلنة لهذا التصويت. وعزا توبرفيل تصويته بـ"لا" إلى دعم الجنرال لـ"تكافؤ الفرص" في الجيش. وشدد السيناتور الجمهوري من ولاية إنديانا مايك براون، على أن الجنرال، وهو أسود، كان يعطي "المبادرات السياسية الخاصة بالـ’ووك‘" الأفضلية على الفعالية في القوات الجوية.

وإذا فاز دونالد ترمب بالرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني)، فمن المؤكد أن هذه الديناميكيات ستستشري أكثر. وقد قال الرئيس السابق إنه سيجعل قادة البنتاغون، المدنيين والعسكريين على حد سواء، يراعون رغباته تماماً. إن تصرفات ترمب في الأشهر الأخيرة في ولايته تنذر بالكيفية التي يمكن أن تتطور بها هذه العملية. وبعد خسارته انتخابات 2020 أمام جو بايدن، عين ترمب حلفاء سياسيين مقربين منه يتمتعون بخبرة ومؤهلات محدودة في أعلى مناصب البنتاغون. كما أقال مارك إسبر، وزير الدفاع، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه حاول منع تطبيق بعض مقترحات ترمب المثيرة للجدل، بما في ذلك استخدام القوات العاملة لقمع الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة في مينيابوليس في ربيع عام 2020.

في أيامه الأخيرة كوزير للدفاع، كان إسبر قلقاً للغاية من أن ترمب سيستخدم حق النقض ضد تعيين امرأتين في مناصب قيادية عليا في الجيش فقط بسبب جنسهما، إلى درجة أنه آخر طرح الاسمين حتى تولى بايدن منصبه. وحذر لاحقاً من أنه إذا كان بديله "شخصاً لا يقول لا على الإطلاق لرئيسه... فليكن الله في عوننا". إذا انتخب ترمب، فمن المرجح أن يعين حلفاء سياسيين مقربين في القطاع المدني في البنتاغون، وبخاصة في مكاتب وزير الدفاع ووزراء الجيش والبحرية والقوات الجوية.

إن اشتراط الترقية في المؤسسة العسكرية بالميول الأيديولوجية للفرد من شأنه أن يضعف أخلاقيات الحياد الحزبي في المؤسسة

من المؤكد أنه من المفترض أن يقوم المعينون سياسياً بتحويل أولويات الإدارة إلى سياسات يتبناها البنتاغون، بيد أنهم مكلفون أيضاً من قبل الشعب الأميركي بحماية الأمن القومي للبلاد، وليس فقط المصالح الضيقة للرئيس. إن تعيين القادة المدنيين الذين يقومون بهذه المهمة سيكون بمثابة خروج آخر عن التقاليد المتبعة، ما يمهد الطريق لتسييس القطاع العسكري العامل أيضاً.

وفي حال انتخابه، قد يسعى ترمب إلى تعيين جنرال مطيع محل براون كرئيس لهيئة الأركان المشتركة. ومن المعتاد أن يقوم وزراء الدفاع بتشكيل قائمة بالمرشحين المحتملين، ويختار رئيس الجمهورية واحداً من بينهم لأداء الوظيفة. وغالباً ما تكون العلاقة السليمة بين رئيس الدولة والمرشح لرئاسة هيئة الأركان معياراً مهماً في عملية اختيار الفائز بالمنصب، وذلك خلافاً للانتماء الحزبي للمرشح الذي لا يعد مهماً. وقد تكون هذه القاعدة الأولى التي ستلغى في عهد ترمب المحتمل.

وقد يتحرك وزير الدفاع أو غيره من المسؤولين في البنتاغون بعد ذلك لضمان ولاء كبار الضباط الآخرين السياسي. وفي حين أن تسريح الضباط بصورة جماعية أمر مستبعد، إلا أن هناك طرقاً أخرى يمكن للإدارة الجديدة من خلالها الإشارة إلى أن الانحياز الحزبي واحد من الأولويات. وقد تنقل حفنة من القادة العسكريين الذين ينظر إليهم على أنهم مشبوهون أيديولوجياً أو غير ملتزمين بالقدر الكافي، إلى وظائف لا مستقبل لها، أو ممارسة الضغط عليهم لكي يتقاعدوا قبل الأوان، أو مطالبتهم بالاستقالة على أساس أن الرئيس قد فقد الثقة فيهم. وإذا امتنع أي من كبار الضباط عن المغادرة، فقد يسعى الرئيس إلى إقالتهم، مما يمهد الطريق أمام ضباط أكثر انحيازاً أيديولوجياً لتولي مناصب رئيسة. وقد يعمد آخرون إلى خطوة استباقية تتمثل في التقاعد المبكر، وهي آلية يمكن أن تنتشر في نهاية المطاف حتى في صفوف جميع العسكريين من غير الضباط.

ويمكن لمجلس الشيوخ أن يتراجع عن الجهود الرامية إلى هندسة الترقيات على أساس الولاء السياسي. ولكن إذا تمخض ذلك عن صراع حزبي عنيف حول ترقيات الضباط، فإن ضبط النفس لدى الجانبين قد يتراجع بصورة أكبر، لأن احترام أخلاقيات الحياد الحزبي للجيش عندما لا يحترمها الطرف الآخر قد يصبح عبارة عن مجازفة. وفي المستقبل، قد يعمل كل من الحزبين السياسيين على ضمان أن يشاطره الجيش، وخصوصاً قيادته العليا، وجهات نظره الحزبية.

نكوص إلى الوراء

إن الولايات المتحدة ستخسر كثير إذا تخلى الجيش عن حياده الحزبي. وسيتضرر أمنها القومي بسبب التشويه الذي ستتعرض له المشورة العسكرية نتيجة التسييس. ويقدم كبار القادة العسكريين، ولا سيما في هيئة الأركان المشتركة، المشورة بانتظام للمسؤولين المدنيين حول استخدام القوة، وسياسة البنتاغون، وغيرهما من جوانب الأمن الوطني الجديرة بالاهتمام. ويعتمد الرئيس على وجهات نظرهم الحيادية لاتخاذ قرارات صعبة مدروسة. ولكن إذا اختار الرئيس حلفاء سياسيين لأداء أدوار رفيعة في القيادة العليا للجيش، فلن يتلقى بعد الآن مشورة عسكرية حيادية. وستكون العواقب وخيمة، سواء كان الرئيس جمهورياً أو ديمقراطياً. وإذا كان هناك ضباط كبار منحازون إلى الحزب الجمهوري، فقد يشعرون بالضغط لكي تكون نصائحهم متوافقة مع الخيارات المفضلة للرئيس الجمهوري، أو قد يفشلون في تقديم حجج تدحض [خياراته] أو في تحديد الأخطار. وفي المقلب الآخر، قد يقوم الرئيس الديمقراطي بتعيين ضباط من محازبيه في مناصب عليا، وقد يؤدي ذلك إلى آثار مدمرة مماثلة على جودة المشورة المقدمة. وربما يكون هذا خطراً خصوصاً في أي نقاش مستقبلي في شأن التحولات السياسية الكبرى، مثل الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو إشراك القوات بحرب جديدة.

ويمكن لتسييس الجيش أن يترك أيضاً آثاراً على وحدته. وإذا شعر العسكريون الموجودون في الخدمة بالحرية للتعبير عن وجهات نظر حزبية في شأن الوظيفة، فقد تتفشى التوترات في شأن الاختلافات السياسية في صفوفهم. وقد يؤدي هذا إلى تقويض الثقة بين العسكريين العاملين، علماً أن هذه الثقة تشكل محور فاعلية الجيش الأميركي. كما سيفقد المواطنون ثقتهم بالجيش إذا اعتقدوا أن ضباطه يعطون الأولوية لمصالح حزب سياسي على حساب مصالح البلاد. والواقع أن سمعة المؤسسة العسكرية قد تضررت سلفاً في الأعوام الأخيرة، وهو ما يرجع جزئياً إلى تسييسها التدريجي بصورة بطيئة.

ويجب على الكونغرس أن يفكر في تبني تشريع جديد لحماية المؤسسة العسكرية من الجهود الرامية إلى تحويلها إلى قوة حزبية

وسيكون المضي في عكس هذا التوجه أمراً صعباً، ولكن الرهانات كبيرة إلى درجة لا يجوز لنا معها ألا نحاول ذلك. وينبغي على أعضاء كل من الحزبين السياسيين أن يقاوموا جهود اليمين الرامية إلى تسييس التعيينات والترقيات. ومن المشجع أن بعض الجمهوريين، الذين شعروا بالذعر من الضرر الذي أحدثه إحكام توبرفيل قبضته على الترقيات، ضغطوا على السيناتور لإنهاء ذلك. ومع ذلك، فإن الانتقادات التي وجهها اليمين إلى الجيش في غير محلها وقد تجاهل باقي الحزب الجمهوري في كثير من الأحيان التعليق عليها. إذا كانت لدى أعضاء الكونغرس مخاوف في شأن سياسة البنتاغون الخاصة بكوادره، فهناك طرق لمعالجة ما يقلقهم من دون توجيه انتقادات علنية لكبار القادة العسكريين. ومن هذه الطرق ممارسة النواب لمسؤولياتهم الرقابية المنتظمة من خلال اللجان المكلفة مراقبة القوات المسلحة. وفي هذه الأثناء، يجب على الديمقراطيين أن يخففوا خطابهم عندما يردون على تكتيكات اليمين، وذلك لتجنب جر المؤسسة العسكرية بعيداً إلى قلب المعارك الحزبية المتأججة ومفاقمة التسييس جراء ذلك.

إلى جانب دفع البنتاغون إلى فرض تطبيق القواعد التنظيمية القائمة بصورة أفضل، يجب على أعضاء الكونغرس من كلا الجانبين أن يفكروا في تبني تشريع جديد لحماية المؤسسة العسكرية من الجهود الرامية إلى تحويلها إلى قوة حزبية. قد يبدو هذا النوع من ضبط النفس والتعاون بين الحزبين مثاليا، نظراً إلى السياسة المنقسمة اليوم، ولكن في حين أن هناك مسؤولين في الكونغرس على استعداد لانتهاك القواعد لمصلحتهم الخاصة، فإن هناك أيضاً عديداً في كل من الحزبين الذين يريدون عدم المس بالقواعد.

ويتعين على المؤسسة العسكرية أيضاً أن تتأكد من تنظيم أمورها الداخلية بشكل لائق. وينبغي على كبار الضباط أن يذكروا بعضهم بعضاً بضرورة إبقاء المؤسسة العسكرية بعيدة من السياسة المحلية. ويجب عليهم تثقيف مرؤوسيهم حول أخلاقيات الحياد الحزبي، كما ينبغي على القادة المدنيين في البنتاغون دعم هذه الجهود. لقد أظهرت البحوث الاستقصائية التي أجريت على العسكريين منذ فترة طويلة أن الكثر منهم لا يدركون بصورة كاملة أسباب هذه العادة [عدم تدخل العسكر في السياسة]، حتى عندما يلتزمون بها. وإذا أهمل القادة العسكريون أخلاقيات الحياد الحربي، أو تصرفوا بصورة أسوأ من ذلك بانتهاكها بأنفسهم، كأن يعمدوا إلى الإشادة العلنية بالسياسيين أو بسياساتهم، فإن الالتزام في أوساط المؤسسة العسكرية قد يتراجع بصورة سريعة.

ويجدر بالقادة العسكريين أن يأخذوا على محمل الجد التحديات التي تفرضها الجهود المدنية لتسييس القوات المسلحة. ومن المفارقات أنه بسبب التزامهم بأخلاقيات الحياد الحزبي، ناهيك بتحمل مسؤوليات وظائفهم، فإن عديداً منهم غير معتادين على التفكير في دورهم الهادف إلى حماية المؤسسة من الانجرار إلى السياسة الحزبية. وعلى رغم أن هذا قد يكون مفهوماً، فهو يشكل ترفاً لم تعد البلاد قادرة على تحمله.

*ريسا بروكس أستاذة كرسي أليس تشالمرز للعلوم السياسية في جامعة ماركيت

مترجم عن "فورين أفيرز"، 20 مارس 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء