Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجندوا لخدمة بريطانيا فاستخدموا كفئران تجارب في اختبارات نووية

آلاف من الجنود كانوا موضوع تجارب بشرية مروعة أجرتها الحكومة البريطانية في منتصف القرن الماضي، لكن الحجم الحقيقي لتلك الفظائع لم يتكشف إلا الآن

أرسل أكثر من 22 ألف جندي من بريطانيا ودول الكومنولث إلى جنوب المحيط الهادئ في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث استُخدموا فئران تجارب في اختبار آثار تجارب الأسلحة النووية (أ ف ب / غيتي)

ملخص

هؤلاء الجنود الذين لم يتعد عمرهم آنذاك ثمانية عشر سنة، كانوا قد تلقوا أوامر من رؤسائهم بأن يجلسوا بلا قمصان على أسطح السفن الحربية لمشاهدة التفجيرات النووية، أو التحليق بطائراتٍ عبر سحب الفطر الذري الذي يلي الانفجار، والتعرض لمخلفاتٍ مشعة شديدة الخطورة

قليل من الناس الذين شهدوا انفجاراً نووياً ما زالوا اليوم على قيد الحياة. تصور رواياتهم كيف شاهدوا عظام أجسادهم كما لو كان جهاز تصوير بـ "الأشعة السينية" X-ray يقوم بإظهارها، ومواجهتهم لضوء ساطع للغاية يصعب النظر إليه من دون المخاطرة بتلف العين، وموجةً انفجارية هائلة كانت قادرةً على إطاحة كل ما يقف في طريقها.

ومن المثير للصدمة أن هذه الشهادات ليست صادرةً عن أفرادٍ نجَوا من انفجار القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان، بل تعود إلى أكثر من 22 ألف جندي بريطاني ومن دول الكومنولث، الذين نشروا في جنوب المحيط الهادئ في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بغرض مراقبة تجارب نووية واختبار تأثيراتها، ليتحولوا بذلك إلى فئران مختبرات لتلك المهمات.

لقد تُوفي كثيرون منهم منذ ذلك الحين، لكن لا يزال قليلون منهم على قيد الحياة. وقد كان لنا شرف التعرف للمرة الأولى على هؤلاء المحاربين القدامى الشجعان وأفراد عائلاتهم خلال لقائهم السنوي في عام 2023. وكانت رؤية وطنيتهم الدائمة - حتى بعد تلك الأعوام وما مروا به - محفزة بشكلٍ خاص. كل ما سعوا إليه كان تحقيق العدالة لعائلاتهم ولزملائهم.

ومع ذلك، كان من المروع ملاحظة التأثير العميق لتعرضهم للإشعاعات خلال الاختبارات، ليس عليهم فحسب، بل على أسرهم أيضاً. ولا يحتاج الأمر لخبرةٍ في المجال الطبي لإدراك السبب. ومن المحبط أن وزارة الدفاع البريطانية لا تعترف بما هو واضحٌ للجميع، الأمر الذي يستلزم تدخلاً قانونياً لفرض مساءلة وتحديد المسؤوليات.

هؤلاء الجنود الذين لم يتعد عمرهم آنذاك ثمانية عشر سنة، كانوا قد تلقوا أوامر من رؤسائهم - الذين كان بعضهم يدخن السجائر في غرف نوادي شارع "بال مول" Pall Mall الفاخر (يقع في منطقة ويستمنستر وسط لندن، اسمه مشتق من لعبة كرة كانت تُلعب في القرن السابع عشر) - بأن يجلسوا بلا قمصان على أسطح السفن الحربية لمشاهدة التفجيرات النووية، أو التحليق بطائراتٍ عبر سحب الفطر الذري الذي يلي الانفجار، والتعرض لمخلفاتٍ مشعة شديدة الخطورة، أو اجتياز مناطق ملوثة بالغبار والتساقط الإشعاعي، في ما لا يمكن وصفه بأقل من سلسلةٍ مروعة من التجارب البشرية.

هؤلاء قاموا بواجبهم، لكن الكلفة كانت هائلة بالنسبة إلى كثيرٍ منهم. فبعضهم أصيب بداء السرطان وقضى نحبه، وشاهد آخرون أفراد ذريتهم يُولدون بعيوبٍ خطيرة، فيما أصيب عددٌ كبيرٌ بحالات عقم، ولم يتسن لهم إنجاب أطفال بسبب تلك التجارب.

ومن المفارقات الصادمة، أن حكومة المملكة المتحدة رفضت حتى الاعتراف بالمستويات العالية من الإشعاع التي تعرض لها المحاربون القدامى. وهذا الكابوس "الأورويلي" (نسبةً إلى رواية جورج أورويل عن سيطرة الحكومات على مواطنيها والتلاعب بالمعلومات وتشويه الحقائق) ما زال مستمراً في حياة هؤلاء الأفراد الشجعان، الذين يتحملون العواقب اليومية للتعرض للإشعاعات، في وقتٍ تخبرهم حكومتهم بألا علاقة لذلك بمعاناتهم.

وتمثلت المشكلة الأكثر إلحاحاً التي يواجهها المحاربون القدامى، في عدم قدرتهم على الوصول إلى السجلات العلمية والطبية الشاملة من ذلك الوقت، التي كانت ضروريةً لإثبات أن التعرض للإشعاعات النووية هو السبب في معاناتهم اللاحقة.

وقد أسهم هذا النقص في الأدلة، في سقوط دعوى تقدموا بها إلى "المحكمة العليا" البريطانية Supreme Court في عام 2012، أنفقت عليها وزارة الدفاع لهزيمتهم أكثر من 6 ملايين جنيه استرليني (7 ملايين و560 ألف دولار) على شكل رسومٍ قانونية، ممولة من دافعي الضرائب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن النتيجة لم تردعهم عن مواصلة النضال لتحقيق هدفهم. فقد كشفت تحقيقاتٌ أخيرة قامت بها صحيفة "ذا ميرور" البريطانية، عن أدلةٍ جديدة مقنعة، يمكن أن تكون محوريةً في تحقيق العدالة لهؤلاء الأفراد الشجعان. وتبين أنه تم إجراء فحوصاتٍ طبية شاملة للمحاربين القدامى أثناء قيامهم بتلك المهمات، بما فيها اختبارات الدم والبول.

كما كُشف عن توجيهاتٍ حكومية تفرض إجراء مثل تلك الفحوصات، ما يؤكد أقوال المحاربين القدامى عن خضوعهم للاختبارات. ويشكل وجود أدلةٍ موثقة لا تقبل الجدل، دعماً قوياً لشهاداتهم. وما لم يكن هناك عصيانٌ جماعيٌ واسع النطاق للأوامر العسكرية في جنوب المحيط الهادئ لأكثر من عقدٍ من الزمن، فإن الوقائع تشير بقوة إلى أن تلك الاختبارات قد حدثت بالفعل.

إلا أن حكومة المملكة المتحدة ما زالت تصر على حجب نتائج تلك الفحوصات وعدم تسليمها، وترفض تقديم معلوماتٍ واضحة عن مصيرها. ولهذا السبب نطلق اليوم حملةً قانونيةً جديدة نيابةً عن كثيرٍ من المحاربين القدامى، بتمويلٍ جماعي من المجتمع المدني.

إن قضيتهم واضحة وعادلة ومقنعة. وما هو مطروحٌ على وزارة الدفاع البريطانية الآن من خيارات قانونية يتمثل في اثنين: إما تقديم السجلات المفقودة لإجراء تقييم في ما يتعلق بدعم مطالبات الإصابة الشخصية، أو التعويض عن الإهمال والاستهتار بهؤلاء الجنود إذا ما تم فعلاً حجب الاختبارات الطبية أو فقدانها أو إتلافها، أو عدم إجرائها مطلقاً في المقام الأول.

وفي محاولةٍ لتجنب دفع تكاليف معارك قانونية قد تطول، اقترح المحاربون القدامى بسخاء حلاً أسرع وأكثر فعالية وكفاءةً من حيث الكلفة، يقضي بإنشاء محكمةٍ مخصصة ذات سلطةٍ قانونية، للنظر في القضية والفصل فيها، وتحديد التعويضات وتقديمها لهم، وبناء إرثٍ يمكن لجميع المحاربين القدامى - ولمواطني البلاد ككل - أن يفخروا به.

الوقت ينفد بسرعة بالنسبة للعديد من المحاربين القدامى، وبالنسبة للبعض، فقد فات بالفعل. إن الظلم المتمثل في حجب الحقيقة الكاملة حول ما حدث من بعض أبطالنا الأكثر شجاعة يجب أن يتوقف على الفور. ومن دون اضطلاع الحكومة بالمساءلة، لا يمكننا أن نبدأ الرحلة نحو المصالحة. من الضروري أن نتوقف عن معاملة أبطالنا على أنهم مجرد فئران تجارب، وأن نقوم بدلاً من ذلك بتكريمهم واعتبارهم أسود الشجاعة كما هم حقاً.

الدكتور جيسون ماكيو وأولي تروين محاميان في مكتب "ماكيو جوري أند بارتنرز" McCue Jury & Partners القانوني، يتوليان ملف الدفاع عن حقوق المحاربين القدامى

© The Independent

المزيد من تقارير