Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عرب البرازيل... مجتمع "الأرواح المتمردة"

الـ25 من مارس من كل عام هو يومهم الوطني والمهجر يحتفي بتراثهم كجزء من مكونات وثقافة الأمة

العنصر العربي السوري أو اللبناني أو غيرهما يمثل علامة لا تمحى في التكوين البرازيلي على مدى المئة عام الماضية (اندبندنت عربية)

ملخص

بحلول عام 1920، دخل أكثر من 108 آلاف مهاجر عربي إلى البرازيل، واستقر 40 في المئة منهم في سان باولو بحكم كونها مركز الاقتصاد والتجارة الأكثر حيوية في البلد، بينما تفرق الباقون في مدن وولايات برازيلية أخرى.

تحتفل البرازيل في الـ25 من مارس (آذار) من كل عام باليوم الوطني للجالية العربية، ويرجع اختيار التاريخ إلى حقيقة أن أوائل المهاجرين العرب استقروا في البداية في شارع يدعى "25 مارس" وسط مدينة سان باولو والمناطق المحيطة به، حيث بدأوا نشاطهم التجاري في ذلك المكان الذي يعد منطقة التسوق الأكثر ازدحاماً في المدينة حتى يومنا هذا.

وتكثفت الهجرة العربية إلى البرازيل في بداية القرن الـ20، مع عدم الاستقرار السياسي في الإمبراطورية العثمانية. كما أسهمت الأسباب الدينية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان الأصلية في تسريع وتيرة الهجرة.

بحلول عام 1920، دخل أكثر من 108 آلاف مهاجر عربي إلى البرازيل، واستقر 40 في المئة منهم في سان باولو بحكم كونها مركز الاقتصاد والتجارة الأكثر حيوية في البلد، بينما تفرق الباقون في مدن وولايات برازيلية أخرى.

"أبناء العمومة" ومكانتهم

يقول المؤرخ ديوغو بيرسيتو مؤلف كتاب "أبناء العمومة"، الذي يتحدث عن تاريخ هجرة العرب السوريين واللبنانيين على وجه الخصوص إلى البرازيل، إن معظم العرب الذين ظلوا في سان باولو مارسوا التجارة بينما انصرف آخرون في ولايات برازيلية أخرى إلى نشاطات مثل العمل بالزراعة، وبخاصة مزارع البن ليتحولوا لاحقاً إلى ملاك للأراضي.

ويضيف بيرسيتو لـ"اندبندنت عربية"، "اليوم العرب وأحفادهم منتشرون في جميع الأنشطة، والمهاجرون القادمون من الشرق الأوسط يشكلون جزءاً مهماً من مكونات وثقافة الأمة البرازيلية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طور العرب بسرعة تجارة غنية في منطقة "25 مارس" مع الابتكارات التي لا تزال حتى اليوم من سمات التجارة الشعبية، مثل الدفع بالتقسيط وارتفاع معدل التداول والعروض الترويجية كالمبيعات مؤجلة الدفع.

في تقييم ديوغو بيسيتو، فإن "مساهمة الثقافة العربية للأمة البرازيلية تمثل واحدة من أعظم العمليات الحضارية الحديثة المعروفة". مشدداً على أن وجود "العنصر العربي أو السوري أو اللبناني أو التركي، كما يطلق عليه عادة، يمثل علامة لا تمحى على التكوين البرازيلي على مدى المئة عام الماضية".

ويضيف أن مساهمة العرب لا تقتصر على التجارة، فـ"تأثيرهم الثقافي حدث في جميع المجالات، حيث يعد وجود عدد لا يحصى من الشخصيات العربية في الفنون البرازيلية علامة صارخة على هذه المساهمة، وعلى رغم أن أفضل ما يتذكره الناس هو تأثيرهم على المطبخ، فإنهم بارزون أيضاً في السياسة والصناعة والأدب والسينما، وكذلك في القانون والأوساط الأكاديمية."

صوت المهاجرين الأوائل

حرص المهاجرون الأوائل من العرب على الاندماج السريع في المجتمع البرازيلي مع الحفاظ قدر المستطاع على لغتهم وثقافتهم، والحرص على ربط الصلات مع بلدانهم الأصلية من خلال نقل الأخبار والتطورات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط باللغة العربية، ليظل أفراد الجالية على اطلاع تام بما يجري من تطورات في العالم العربي. من هنا ولدت صحافة مهجرية في البرازيل، وكانت أول صحيفة عربية ظهرت في مدينة كامبيناس بولاية سان باولو هي "الفيحاء" التي تأسست عام 1894 على يد المهاجر اللبناني ابن مدينة زحلة سليم يوحنا باليش.

ووصل عدد الصحف العربية التي ظهرت حتى عام 1929 في البرازيل 95 صحيفة ومجلة. وهو عدد كبير مقارنة مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة التي لم يتجاوز العدد فيها آنذاك 85 صحيفة.

 

 

ويرجع المؤرخون وجود هذا العدد الكبير من الصحف العربية في البرازيل إلى حرية النشر وعدم المصادرة، عكس ما كانت عليه الحال في الإمبراطورية العثمانية. كما يشيرون إلى أن الحرب العالمية الثانية جعلت النقاشات ذات الطابع الوطني والقومي تحتدم في تلك الصحف، وبرز من بينها صحف مؤيدة للإمبراطورية العثمانية، وأخرى داعمة لفرنسا التي استعمرت سوريا ولبنان وبلداناً عربية أخرى في شمال أفريقيا، لكنها مع ذلك كانت تخصص مساحات واسعة للثقافة وبخاصة الشعر والقصص ذات الصلة بالتراث وتكوين الشخصية العربية.

لكن إحدى الصحف العربية انفردت آنذاك ضمن ما تنشره بتخصيص مساحات من صفحاتها للاستشارات الطبية للجالية، وهي صحيفة "الأفكار" التي تأسست عام 1903 على يد سعيد أبو جمرة، واستمرت في الصدور بشكل منتظم تقريباً حتى عام 1941 لتكون بذلك أطول صحيفة عربية عمراً في البرازيل.

قبل أن تضيع "الأفكار"

كان أبو جمرة، المولود عام 1871 في مدينة كفير في لبنان، هاجر إلى الولايات المتحدة التي درس فيها الطب، ووصل منها إلى سان باولو في البرازيل عام 1899، وتوفي بها عام 1954، وكان أول طبيب في الجالية العربية، كما كان أحد أبرز رواد الصحافة العربية في المهجر البرازيلي.

تقول أدلويس أبو جمرة، وهي حفيدة سعيد لـ"اندبندنت عربية"، إنها جمعت أرشيف جدها الذي كان مهدداً بالضياع وأهدته إلى متحف الهجرة في ولاية سان باولو، وهو متحف أقامته حكومة الولاية في مبنى يضم نزلاً كان يعرف بنزل المهاجرين (بني أواخر القرن الـ19 لاستقبال العمال القادمين أساساً من أوروبا) ومن العالم العربي بخاصة من سوريا ولبنان ومصر والعراق وفلسطين بعد جولة الإمبراطور بيدرو الثاني عام 1876 في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي دعا فيها العرب للمجيء إلى البرازيل والمساهمة في نهضتها الاقتصادية والعلمية.

 

 

وأضافت أن من تلك المقتنيات 43 عدداً من صحيفة "الأفكار" يعرضها المتحف حالياً في إحدى صالاته، مع أعداد من صحف ومقتنيات عربية أخرى ضمن احفاليته بيوم الجالية العربية لهذا العام.

ويشاهد زوار المتحف كذلك نماذج من جوازات السفر والأوراق الثبوتية الأخرى التي كان يأتي بها المهاجرون وحقائب سفرهم، كما يضم نماذج من الحقائب التي كان التجار العرب المتجولون يحملون فيها سلعهم على ظهورهم ويجوبون بها أحياء سان باولو، حيث يطرقون أبواب البيوت بحثاً عن مشترين.

وإذا كانت أدلويس تمكنت من إنقاذ بعض التركة الثقافية لجدها فإن كثيراً من الإرث الثقافي للمهاجرين العرب في البرازيل اندثر بعد أن تعرض للتلف والضياع نتيجة عدم الاهتمام من الأبناء والأحفاد. ويقول المهتمون بالبحث عن ذلك الإرث إن العائلات قلما تهتم بالحفاظ على الكتب والمطبوعات العربية، لأن أغلب أبناء وأحفاد العرب لا يتكلمون لغة الأجداد.

المزيد من تقارير