Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع على القيادة في إيران... تهميش مراكز الثقل الشرعية (3)

لا شك أن موقف المؤسس من الحوزة الدينية يعود إلى مراحل متقدمة من تاريخه السياسي

مسار الأحداث في ظل قيادة المرشد الحالي لم يؤسس لنقل المؤسسة الدينية لتغيير موقفها من مسألة خلافية حول طبيعة دور ولي الفقيه (أ ف ب)

ملخص

لعل ما واجهه المرجع الديني كاظم شريعتمداري، في السنوات الأولى ما بعد استقرار النظام، يشكل مؤشراً واضحاً إلى المسار الذي يريد المؤسس والسلطة الدينية في طهران تكريسه، وأنه على استعداد لمواجهة أي جهة بغض النظر عن موقعها الدينية أو الاجتماعي أو السياسي من أجل الدفاع عن هذا المشروع

بالعودة إلى سياسة التصفية التي اعتمدها النظام، والتي طاولت الحوزة الدينية باعتبارها المؤسسة الحاملة لمشروع الحكومة أو السلطة الدينية، فهي سياسة بدأ التمهيد لها في ظل وجود المؤسس، وتحت إشرافه، في رسالة واضحة منه تهدف إلى رسم حدود تدخلها ودورها في الشأن العام، ولكبح أي طموحات قد تبرز لدى بعض رجال الدين الكبار ليكونوا شركاء في مشروع السلطة الذي يريده.

ولعل ما واجهه المرجع الديني كاظم شريعتمداري في السنوات الأولى ما بعد استقرار النظام يشكل مؤشراً واضحاً إلى المسار الذي يريد المؤسس والسلطة الدينية في طهران تكريسه، وأنه على استعداد لمواجهة أي جهة بغض النظر عن موقعها الديني أو الاجتماعي أو السياسي من أجل الدفاع عن هذا المشروع.

وعلى رغم الدور البارز والأساس الذي لعبه شريعتمداري في تعطيل حكم السجن والإعدام الذي أصدره النظام الملكي في حق الخميني في ستينيات القرن الماضي، بعد الحراك الذي قاده اعتراضاً على قانوني الإصلاحات الزراعية والحصانة القضائية للمستشارين الأميركيين، وتحول هذا الحكم بنفي الخميني من البلاد باتجاه تركيا، ثم انتقل منها إلى العراق ومدينة النجف وحوزتها الدينية، فإن ذلك لم يشفع له لدى المؤسس، الذي وجد في أفكار هذا المرجع مصدر خطر على مشروعه الأيديولوجي والسلطوي، كونه يعارض نظرية ولاية الفقيه، ويسعى إلى أن يكون جزءاً في العملية السياسية، ولم يتردد الخميني في اتخاذ قرار بتجريده من زيه ولباسه الديني ووضعه في الإقامة الجبرية.

هذا المسار استكمل مع نائبه الشيخ حسين علي منتظري الذي حاول الوقوف في وجه عملية تهميش دوره والحد من اعتراضاته على آليات إدارة الدولة والنظام، فلم يكن مصيره في البداية سوى العزل والتجريد من كل الصلاحيات التي كانت له بحكم موقعه، ومن ثم وضعه في الإقامة الجبرية والمحاصرة بعد غياب المؤسس في عهد المرشد الحالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا شك أن موقف المؤسس من الحوزة الدينية يعود إلى مراحل متقدمة من تاريخه السياسي عندما لم يتردد في التلميح إلى موقفه السلبي من الصراعات التي تدور بين بيوت المراجع وحاشيتهم ومكاتبهم، واعتبر ذلك، وبحسب ما ينقله عطاء الله مهاجراني وزير الإرشاد الأسبق في عهد الرئيس محمد خاتمي في كتابه "قراءات متعددة للدين" لا علاقة له بالدين، بل بالمصالح والدور والنفوذ والصراع على "المقلدين" من عامة الشعب، بمن هم مصدر قوة شعبية ومالية مرتبطة بالحقوق الشرعية.

هذه النظرة السلبية لم تسقط من موقف المؤسس بعد إقامة النظام الإسلامي الذي طمح له، بل تحولت إلى آلية للتعامل السياسي مع رجالات الحوزة الدينية وموقعها ودورها، الذي يجب أن يكون في خدمة المشروع، لا أن تنتج مشروعاً موازياً أو مخالفاً له.

هذا النهج وإن لم يتحول في عهد المؤسس إلى آلية استتباع للحوزة الدينية، لأنه لم يكن في حاجة إليها نتيجة ما يتمتع به من شرعية شعبية ودينية وسياسية وأيديولوجية، إلا أنه بعد وفاته وانتقال ولاية الفقيه وقيادة النظام إلى خليفته علي خامنئي، وغياب هذه الكاريزما أو "الكاريزما المؤسسة"، سيطر هاجس الشرعية والمشروعية على المرشد الجديد، لأنه كان في حاجة إلى الحصول على اعتراف من هذه المؤسسة أو الحوزة الدينية ورجالاتها بامتلاكه شرعية الفقيه، وتوفره على شرط "المرجعية" الذي اعتبر أساساً في محددات وشروط ولي الفقيه باعتباره الموقع المتقدم داخل المؤسسة الدينية.

ولم يكن الطريق للحصول على هذه المشروعية والبحث عنها سهلاً، أو من دون معرقلات، وهي معرقلات حكمتها ضرورة المرور من خلال هذه المؤسسة الدينية التي من المفترض أن الجهة الوحيدة التي تمنح مشروعية المرجعية ضمن آلياتها الخاصة والمعقدة، إلا أن هذه المؤسسة انقسمت أو تأرجحت في البداية بين الصمت الذي يتضمن أو يستبطن الرفض لأي محاولة مساس بالثوابت الخاصة والمؤهلة للمرجعية، وبين الرفض الذي وجد أنصاره الفرصة أمامهم سانحة لاستعادة الهامش الذي فقدوه، بخاصة في موقفهم أو رأيهم الخلافي حول مسألة فقيهة واجتهادية تتعلق بمبدأ ولاية الفقيه الخاصة مقابل ما أسس له النظام في مبدأ "ولاية الفقيه العامة" التي تحولت إلى نظرية حكم وسلطة متجاوزة المتعارف عليه داخل الحوزة الدينية أو المرجعيات التاريخية.

وما بين هذين الموقفين لم يخلُ الأمر من استثناء لبعض الرجالات الذين انحازوا إلى خيار السلطة ودخلوا في آلياتها وتركيبة النظام، وارتبطوا معه بمصالح وتسويات، وتصدوا لمهمة تأمين هذه المشروعية الدينية لموقع ولي الفقيه، بخاصة بعد إسقاط شرط المرجعية عمن يتولاها، إلا أن جهودهم بقيت محل إشكال وجدل، نظراً لتداخلها مع جهود النظام لتحويل موقفهم وتأييدهم موقفه، وما يطلبه وما يريده، إلى غطاء لهذه المشروعية التي تخدم برنامجه السياسي باستخدام مبدأي الترغيب والترهيب.

المسار الذي اتخذته الأحداث والتطورات في ظل قيادة المرشد الحالي لم يؤسس لنقل المؤسسة الدينية لتغيير موقفها من مسألة خلافية حول طبيعة دور وسلطات ولي الفقيه، بل بقي الرأي الغالب لدى هذه المرجعيات التقليدية يتمحور حول الولاية الخاصة وليس العامة، بخاصة مع تراجع كبار منظري نظرية ولاية الفقيه العامة عن رأيهم، والذهاب إلى القول بالولاية التخصصية أو مجلس فقهاء، كما هي الحال مع الشيخ حسين علي منتظري صاحب كتاب "ولاية الفقيه" الذي يعد التأسيس النظري والفقهي لسلطة ولي الفقيه العامة.

في المقابل، استطاعت السلطة، ومعها النظام، إنتاج طبقة من رجالات دين تقليديين ومتشددين، وكانوا في بعض المراحل من منتقدي مشروع الخميني الذي مزج بين مفهوم دنيوي كالجمهورية ومفهوم عقائدي هو "الإسلامية"، كما هي الحال مع محمد تقي مصباح يزدي، وهؤلاء عملوا على إضافة نوع من القداسة على موقع ولي الفقيه والتأسيس لإقامة حكومة دينية، وإخراج شرعية ولي الفقيه ومشروعيته من الحيز البشري وربطهما بالبعد الغيبي والإلهي باعتبارها امتداداً لحكم الرسول والأئمة المعصومين، وأن الراد على الولي كالراد على الأئمة، والراد على الأئمة كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل