Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسرح يندب حظه في موريتانيا

يربط البعض تأخر "أبو الفنون" بتوقف الحياة المدنية منذ انقلاب 1978 وحتى عودة الديمقراطية 1991

ملخص

يرى المخرج والكاتب المسرحي عبدالفتاح سولي أن الإرادة السياسية والمجتمعية اجتمعتا على إجهاض المشروع المسرحي الموريتاني

منذ نصف قرن حاول المسرح الموريتاني إثبات ذاته كفعل ثقافي يمارس في مجتمع لم يعرف مجاله العام وجود مسرحيين، ولا مسارح، لأنه ببساطة لم ينعم بترف ممارسة هذا الفن الذي يتطلب وجوده خلق بنية تحتية واستقراراً حضرياً.

حال المسرح اليوم في موريتانيا بات يواجه حالة رفض مجتمعي يجهله، كما أن السلطة السياسة تتوجس منه، بحسب مسرحيين موريتانيين.

لماذا هذا الرفض؟

يرجع المشتغلون بالمسرح أسباب "تأخر مشروع المسرح الموريتاني عن نظرائه في الدول الأخرى، لكونه مجتمعاً بدوياً أصلاً، والمسرح لا ينشأ إلا في بيئة متمدنة، فهو أحد الفنون المرتبطة بالحضر".

يقول الكاتب والصحافي الربيع أدومو إنه "في الوقت الحالي لا يمكن للمسرح الموريتاني تحقيق طموحات الفاعلين والفنيين والجمهور لأسباب بنيوية، وأسهمت الدولة بتجاهلها للمسرح لأنها تخضع لضغوط المجتمع والنخب التي لم تضغط من أجل خلق مسرح جاد، وذلك لأنه ليس جزءاً من الحملات السياسية لجمع الدعم والشعبية، مما جعل هذا الفن ضحية له".

وعلى رغم عدم خلق مسرح موريتاني جاد طوال عقود مضت ما زال الأمل يحدو عراب المسرح الموريتاني وأحد المؤسسين الأوائل للجمعيات المسرحية في منتصف الثمانينيات سالم دندو أن يواصل أحد الشباب هذا الحلم.

 

 

ويؤكد رئيس فرقة أمل المسرحية الفنان الشيخاني محمد في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "هناك شباباً عصاميين ما زال لديهم هوايات مسرحية ويعملون على تكوين أنفسهم عبر الإنترنت وعبر صداقاتهم وعلاقاتهم بالخارج، غير أنه من دون توجه حقيقي ودعم لهذا المجال لا يمكن وجود مسرح جاد".

وبأسى واضح مشوب بأمل مرده عزيمة الشباب، يشير الشيخاني إلى أن المسرح في الظرفية الحالية لا يحقق إلا طموحات قلة من ممارسيه، أي "المسرحيين"، بخاصة المضحين منهم بجهدهم ومالهم وعرقهم بقناعة وحب، لكنه بدا أكثر تفاؤلاً، إذ يرى أن "الحركة المسرحية الموريتانية تعد الآن في أفضل حالاتها، خصوصاً في العاصمة نواكشوط ومدن الشمال كنواذيبو وأزويرات".

"الكيكوطية" الحلم

داعب المسرح خيلاء شباب موريتانيا الذين واكب الاستقلال سنوات شبابهم الأولى، وبالفعل قاد الفنان همام فال فرقته المسرحية ومارس بإبهار عروضاً أطلق عليها "الكيكوطية"، وهي نحت لهجي ساخر قريب من معنى المحاكاة ببعدها الكوميدي. واستطاع همام أن يحجز لفرقته وفنه مكاناً خاصاً في النشاطات الرسمية للدولة، إلا أن ذلك لم يسايره اعتراف واهتمام من وزارات الثقافة المتعاقبة في حكومات موريتانيا.

وعن هذه الجزئية يقول المسرحي والسينمائي سالم دندو، "بدأ المسرح الموريتاني بصورة طبيعية منذ فترة تأسيس الدولة الموريتانية، وتلتها مرحلة أخرى في منتصف الثمانينيات عند إنشاء الاتحاد الوطني لمسرح الهواة، وكانت هناك في نواكشوط دور عرض هي دار الشباب الجديدة مع أن دار الشباب القديمة كانت موجودة وفيها قاعات عرض، لكنها في الغالب كانت خصوصية. الجمعيات الثقافية المهتمة بالمسرح واتحاد المسرحيين الهواة كانوا دائماً يوجدون في دار الشباب الجديدة، وكانت هناك في تلك الفترة صحوة كبيرة للمسرحيين للهواة في زمن كان التلفزيون قليل الانتشار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتذكر الفنان الموريتاني علاقة الجمهور الموريتاني بالمسرح بقوله، "كان كثر من الناس يرتادون دار الشباب الجديدة، وتم إنشاء جمعية غرناطة للثقافة والفنون واتحاد المسرحيين الهواة وجمعية المرابطين وفرقة مسرح شنقيط، وهي صحوة كبيرة، وكتبت مسرحيات من قبل كتاب وطنيين مثل الشاه الذي كتب مسرحية (الجرو والماء)، ومحمد فال ولد عبدالرحمن الذي كتب مسرحيات (اللعبة) و(بريق الصمغ) و(حفلة خطوبة) و(الحب للجميع)، وكتبت مسرحيات أخرى، وتم تمثيل مسرحيات لتوفيق الحكيم وتمثيل مسرحيات لكتاب سوريين، وتمت ترجمة مسرحيات من المركز العربي السوري والروسي".

ويرى الكاتب والصحافي الربيع أدومو أنه ومنذ "بروز المسرح في ستينيات القرن الماضي مع (الكيكوطية) والفرق التي تلت ذلك، أعدمت محاولات المسرحيين الموريتانيين في البداية من طرف المجتمع الذي اعتبره منافياً لثقافته المعروفة بالنسبة لهم كبدويين، وجرى قمع الفئات الثقافية دائماً من طرف المجتمع نظراً إلى بعض الحرية التي توجد لدى هذه الفئات".

السياسة تفسد العرض

لا يتردد بعض العاملين في المجال المسرحي في موريتانيا في ربط تأخر الحركة المسرحية الوطنية والقرار السياسي في بلد توقف الحياة المدنية فيها منذ انقلاب العاشر من يوليو (تموز) 1978، وحتى عودة الديمقراطية والتعددية السياسية في عام 1991.

ويرى المخرج والكاتب المسرحي عبدالفتاح سولي أن "الإرادة السياسية والمجتمعية اجتمعتا على إجهاض المشروع المسرحي الموريتاني". ويضيف عبدالفتاح "لا توجد إرادة سياسية لبناء مسرح وطني يساعد في تصدير الفعل الثقافي للآخر داخلياً وخارجياً، ولا وعي مجتمعياً بقيمة وضرورة المسرح".

 

 

ويخلص سولي، وهو مخرج العمل المسرحي "منت البار" الذي شارك في المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء، إلى أن كسل المشتغلين بالمسرح وضعفهم الثقافي عموماً، والمسرحي خصوصاً، ساعد على استمرارية تلك التوليفة الكابحة لأي خلق مسرحي في منكب الأرض هذا. ويضيف "لم تكن تصفية المسرح بإرادة سياسية، لكن عدم الاهتمام به كلون من ألوان الثقافة، ربما يكون دخيلاً، لكنه دخل في سن مبكرة، يمكن أن يكون سبباً في تصفيته نظراً إلى عدم إعطاء العناية اللازمة، فالمجتمع يمكن توجيهه عبر وجود مسارح لديها روادها عندها ستتمايز الناس، فمنهم من يريد الفكاهة، ومن يهتم بالمسرح الجاد، أو أي لون آخر، لكن المشكلة أنه لا توجد أماكن للمسرح، هناك بعض المحاولات منها ما يظهر في التلفزيون، لكن الجمهور انقطع عن المسرحيين".

ويطالب الشيخاني بوجود "إرادة جاهدة من السلطات ومن المسرحيين الموريتانيين، لأننا لم نشارك في أي مهرجان عربي إلا وحصدنا جوائز، لكن المشكل هنا يكمن في ضعف الإمكانات وغياب الدعم من أجل خلق حركة مسرحية مستمرة".

المزيد من فنون