Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نيران "مطابخ الخير" في مصر لا يطفئها الغلاء

مبادرات شعبية لإفطار غير القادرين في رمضان وأسر تجهز وجبات مجانية للفئات الأكثر احتياجاً

تقع مهمة تجهيز وجبات الإطعام على عاتق 5 سيدات بينما يتولى 20 متطوعاً توزيعها (اندبندنت عربية - علاء أمين)

ملخص

على أحد أسطح العقارات السكنية في مصر تقف شابة ثلاثينية رفقة زوجها ويلتف حولهما فريق عمل كبير من المتطوعين لتجهيز وجبات الإطعام للصائمين والفئات الأكثر احتياجاً والأسر الأولى بالرعاية

لم تقف الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها عديد من الأسر المصرية في الوقت الراهن بسبب غلاء الأسعار حائلاً أمام ممارسة طقسهم المعتاد في شهر رمضان بإطعام الصائمين والفئات غير القادرة والأكثر احتياجاً.

وخلال السنوات القليلة الماضية تنامت ظاهرة "مطابخ الخير" التي دشنتها بعض العائلات المصرية في مناطق مختلفة من خلال تجهيز أماكن مخصصة بالاعتماد على أموال التبرعات من أجل تحضير وإعداد وجبات الإطعام لتوزيعها على الفئات المستهدفة طوال رمضان عبر مجموعات كبيرة من المتطوعين.

"اندبندنت عربية" أجرت زيارة ميدانية لأسرة مصرية بإحدى المناطق الشعبية أنشأت مطبخاً لإطعام الصائمين للتعرف على دوافع التجربة وأسباب انتشارها وما الذي طرأ عليها في ظل غلاء الأسعار.

مشهد يومي

على أحد أسطح العقارات السكنية في منطقة المرج (شمال العاصمة المصرية القاهرة) التي يقطنها عديد من أبناء الطبقة المتوسطة تقف الشابة الثلاثينية إيمان نبيل رفقة زوجها الأربعيني نبيل صلاح الدريني، ويلتف حولهما فريق عمل كبير من المتطوعين لتجهيز وجبات الإطعام للصائمين والفئات الأكثر احتياجاً والأسر الأولى بالرعاية.

"سطح بلا سقف، وصينيات معدة لطهي وتسوية الطعام، ووجبات جاهزة متراصة بجوار بعضها بعضاً على منضدة خشبية"، مشهد يومي معتاد طوال شهر رمضان، أشبه بخلية نحل داخل المطبخ المعد خصيصاً لتجهيز وجبات الإطعام.

في الـ10 صباحاً يبدأ المشرفون توزيع المهام المتمثلة في شراء البضائع والمواد الخام اللازمة لإنتاج الوجبات، ثم يتولى فريق مكون من خمس سيدات عملية توزيع الأدوار بين إعداد الخضراوات وطهي لحوم ودواجن، وتقطيع أصناف اختيرت للإفطار، وصولاً إلى تجهيز الوجبات وتغليفها قبل أن توزع على الفئات المستهدفة، والتي يجري اختيارها وفقاً لخطة مدروسة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة في نقل الوجبات عبر "توك توك" لتسليمها إلى الفئات المستهدفة بالمناطق المجاورة.

5 سيدات يجهزن 1000 وجبة

تقول إيمان نبيل، ربة منزل، "فكرة إنشاء المطبخ بدأت منذ 5 سنوات، بدعم من بعض الأصدقاء المقربين وأفراد الأسرة، الذين تحمسوا وتشجعوا للمشاركة في تلك التجربة، رغبة في مساعدة غير القادرين. تمرست كثيراً في العمل الخيري بحكم عملي السابق في إحدى المؤسسات الخيرية قبل تركها للتفرغ لتربية الأبناء، وهو ما جعلني أعشق العمل التطوعي ومساعدة المحتاجين".

وتضيف الشابة الثلاثينية خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "حاولت في البداية تنفيذ التجربة بإمكانات محدودة من خلال تجهيز وجبات قليلة العدد بمطبخ منزلي لتوزيعها على الفئات غير القادرة في محيط المناطق القريبة، ومع مرور الوقت توسع النشاط، وارتفعت أعداد الفئات المتطوعة، فقررت بعد التشاور مع أصدقائي وأفراد أسرتي تجهيز مطبخ كامل متخصص في تجهيز وجبات الإطعام على مساحة أكبر في سطح أحد العقارات السكنية لتوسيع نشاطنا الخيري".

تقول إيمان، "تقع مهمة تجهيز وجبات الإطعام على عاتق 5 سيدات، بينما يتولى 20 متطوعاً مهمة تسليم الـ1000 وجبة، التي يجري تحضيرها يومياً لتوزيعها على الفئات الأكثر احتياجاً ودور رعاية الأيتام والمسنين ومستشفى الجذام ومرضى السرطان والأرامل، ونحرص دائماً على أن يكون هناك تنوع في نوعية الوجبات المقدمة وما تشمله من أصناف مختلفة، وأن تخرج في أفضل صورة ممكنة لها".

وفاء أحمد، إحدى السيدات المشاركات بالمطبخ، التي تتولى مهمة إعداد وتجهيز الوجبات للطهي وتغليفها تمهيداً لتسليمها وتوزيعها، تقول "بدأت العمل في المطبخ منذ 3 سنوات مقابل أجر رمزي، ومهمتي تبدأ في الـ10 صباحاً، وتنتهي مع مرحلة تغليف الوجبات. كان لديَّ رغبة شديدة في المشاركة في تلك التجربة، بسبب حبي لعمل الخير، ووجدت تشجيعاً كبيراً من جميع أفراد أسرتي".

حال الشابة الثلاثينية نجاة عبدالرحمن لا يختلف كثيراً عن "وفاء"، التي تشاركها العمل في المطبخ ذاته منذ سنوات عدة، إذ تقول، "نحاول من خلال عملنا مساعدة الفئات غير القادرة والأكثر احتياجاً طوال رمضان بتوفير وجبات ملائمة لهم بحيث تحوي أصنافاً مختلفة من الخضراوات والنشويات والبروتين ونحرص على التنوع في الوجبات يومياً".

الاستغناء عن بعض الأصناف

لم تُخفِ الشابة الثلاثينية ضيقها من غلاء الأسعار، الذي طاول غالب السلع الغذائية، ما دفعها إلى اللجوء لبدائل عديدة للتغلب على تلك الأزمة، "تكلفة الوجبة منذ 5 سنوات 25 جنيهاً (53 سنتاً أميركياً)، وكانت تضم أصنافاً مختلفة إما دواجن وإما لحوماً وإما أسماكاً أو جمبري، لكن حالياً سعر الوجبة الواحدة أصبح يراوح ما بين 60 جنيهاً (1.27 دولار أميركي) و75 جنيهاً (1.59 دولار أميركي)، وتختلف بحسب نوع البروتين، واضطررنا إلى الاستغناء عن بعض الأصناف أو الاعتماد على البروتين لمدة يوم أو يومين فقط على أقصى تقدير".

وبحسب أحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري (جهة حكومية رسمية) ارتفع معدل التضخم السنوي خلال فبراير (شباط) الماضي إلى 36 في المئة مقابل 31.2 في المئة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، وسجل قسم الطعام والمشروبات ارتفاعاً سنوياً قدره 48.5 في المئة، أما مجموعة اللحوم والدواجن فسجلت ارتفاعاً 42.9 في المئة.

 

وتشير إيمان إلى أنهم تعرضوا لكثير من الأزمات، بسبب عدم وجود سقف للمطبخ، مما يجعل الوجبات مهددة في كثير من الأوقات، نتيجة التأثر بالعوامل الجوية المختلفة، ما بين ارتفاع في درجات الحرارة أو سقوط أمطار.

فيما يقول نبيل صلاح الدريني، أحد المساهمين في إنشاء المطبخ، ويعمل متخصص ميكروبيولوجي بأحد المراكز البحثية بوزارة الزراعة، إن خبراته السابقة في العمل الخيري بحكم عمله في مؤسسات خيرية في مجال الإطعام ساعدته في تنفيذ فكرة المطبخ، إذ يمارس دوره في الإشراف على فريق العمل، ووضع خطة إعداد الوجبات وتجهيزها، وصولاً إلى مرحلة تسليمها للفئات المستهدفة.

ويضيف الرجل الأربعيني خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "أنشئ المطبخ بأموال جرى تجميعها من الأصدقاء والأقارب، ومع تزايد أعداد المنتفعين ووجود صعوبات كبيرة في تخزين الكميات الكبيرة من اللحوم والدواجن داخل المنزل، كان من الضروري إنشاء المطبخ كي يستوعب ذلك التغير".

يتفق نبيل مع قول زوجته إيمان في أن غلاء الأسعار يعد إحدى أبرز المشكلات الرئيسة التي تواجههم في نشاطهم الخيري خلال الآونة الأخيرة، "أسعار الخامات تضاعفت، وهو ما أثر بدوره في سعر كلفة الوجبة الواحدة، الذي ارتفع بصورة كبيرة، مقارنة بما كانت عليه في بداية إنشاء المطبخ".

هؤلاء هم المستهدفون

في السياق ذاته، تقول إيمان عادل عبدالهادي، إحدى المتطوعات، تعمل موظفة بجامعة القاهرة، إن المطبخ استطاع أن يساعد كثيراً من الأسر غير القادرة خلال السنوات الماضية، وأصبحت بعض العائلات تعتمد على تلك الوجبة بصورة رئيسة طوال رمضان، مضيفة "نحاول التخفيف عن الفئات غير القادرة، ومساعدتهم بقدر الإمكان في ظل غلاء الأسعار، ونحاول أن نقدم لهم وجبة تليق بهم، وتضم أصنافاً مختلفة من البروتين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضيف الشابة الثلاثينية، خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "بعض جيران المنطقة والأهالي يساعدوننا كل عام في جمع التبرعات والإعانات المادية من أجل شراء لوازم البضاعة والخامات، ثم نتفق مع أصحاب المحال التجارية للحصول على المنتجات بأسعار منخفضة نسبياً، ويعقب ذلك مرحلة إعداد خريطة بالفئات المستحقة في المناطق المجاورة، وهو أمر يخضع للتدقيق والدراسة، ولا تتم تلك المهمة بصورة عشوائية"، وفقاً لـ"إيمان".

فيما يمارس الرجل الأربعيني منصور حامد، أحد المتطوعين المشاركين في العمل الخيري، دوره كهمزة وصل بين فئات المنظومة بأكملها، إذ يتركز دوره على شراء الخامات الأساس الخاصة بتحضير الوجبات، ثم توزيعها على الفئات المستهدفة، سواء في المستشفيات أو دور الرعاية أو الفئات الأولى بالرعاية. ويقول حامد، الذي يعمل موظفاً بوزارة الآثار المصرية، "نحاول قدر الإمكان إسعاد غير القادرين والتخفيف من معاناتهم وتوفير أبسط حاجاتهم في الحصول على وجبة متكاملة".

ومع الانتهاء من تغليف الوجبات وتجهيزها، تبدأ مهمة الشاب العشريني محمد أحمد (سائق توكتوك) الذي يتولى تنفيذ المرحلة الأخيرة، التي تبدأ قبل موعد الإفطار بساعة، بتسليم الوجبات إلى الفئات المستهدفة من خلال كشف محدد يتضمن أماكن وجود هؤلاء الأشخاص والمناطق المقيمين فيها. يقول محمد، "لا يشغلني الحصول على الأجرة بقدر شعوري بسعادة كبيرة حينما تصل تلك الوجبات للمستحقين".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات