Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الدور المتوقع لواشنطن في أي صراع محتمل بين إسرائيل وإيران؟

لا توقعات بحرب مباشرة لكن استهداف القوات الأميركية وارد رغم التحذيرات

تخشى إدارة بايدن من أن تؤدي الغارات الإسرائيلية إلى تصعيد القتال في المنطقة (أ.ف.ب)

ملخص

لم يخفِ كثير من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين مخاوفهم من احتمال أن تؤدي الغارات الجوية الإسرائيلية على مجمع السفارة الإيرانية في سوريا إلى تصعيد القتال في المنطقة وانعكست هذهالمخاوف بسرعة على أرض الواقع بعدما آحبطت القوات الأميركية المتمركزة في حامية التنف هجوماً بطائرة مسيّرة.

فيما خرجت حرب الظل بين طهران وتل أبيب إلى العلن مع قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، واحتمالات أن يؤدي ذلك إلى تصعيد كبير، كشف الهجوم أيضاً عن القيود المفروضة على قدرة واشنطن على السيطرة على حليفتها وعلى الأحداث في الشرق الأوسط، فما موقع الولايات المتحدة من أي صراع مفتوح محتمل، وما الدور المتوقع لإدارة بايدن في أجواء التوتر المقبلة؟

قلق أميركي

لم يخفِ كثير من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين، مخاوفهم من احتمال أن تؤدي الغارات الجوية الإسرائيلية على مجمع السفارة الإيرانية في سوريا إلى تصعيد القتال في المنطقة، وتؤدي كذلك إلى ضربات انتقامية ضد إسرائيل وأميركا لأن الهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة جنرالات في فيلق القدس الإيراني وأربعة ضباط آخرين أول من أمس الإثنين وجه ضربة قوية لإيران.

ووصف أحد كبار المسؤولين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية رالف غوف الذي خدم في الشرق الأوسط الهجوم الإسرائيلي بأنه "متهور إلى حد بعيد" لأنه سيسفر حتماً عن تصعيد من قبل إيران ووكلائها، مما اعتبره أمراً خطراً للغاية على القوات الأميركية في المنطقة التي يمكن استهدافها بضربات انتقامية من قبل وكلاء طهران.

ويبدو أن هذه المخاوف انعكست بسرعة على أرض الواقع، إذ لم تمر سوى ساعات قليلة على الضربة الإسرائيلية في العاصمة السورية دمشق، حتى أسقطت القوات الأميركية المتمركزة في حامية التنف بجنوب شرقي سوريا طائرة مسيّرة هجومية، مما يعد الاعتداء الأول الذي تشنه الميليشيات المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية في العراق أو سوريا منذ ما يقارب شهرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسؤولية واشنطن

وبينما اعتبر علي شمخاني، مساعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على صفحته في منصة "أكس" أن الولايات المتحدة مسؤولة بصورة مباشرة عن الغارة الجوية الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، بصرف النظر عما إذا كانت واشنطن على علم بنوايا إسرائيل، سارعت واشنطن إلى نفي أي دور لها في الغارة، وأكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) سابرينا سينغ أن الادارة الأميركية لم تكُن على علم بها مسبقاً وأنها نقلت رسالة بهذا المعنى إلى إيران عبر القنوات الخاصة، وكذلك أشار مسؤولون أميركيون في وقت سابق إلى أن الإسرائيليين أبلغوا الولايات المتحدة بالضربة خلال تنفيذها، ولم يذكروا أنهم سيستهدفون مجمع السفارة الإيرانية، كما لم يطلبوا ضوءاً أخضر من إدارة بايدن.  

لكن هذه الرسالة السريعة والنادرة من الإدارة الأميركية إلى طهران تظهر الحذر والترقب اللذين تشعر بهما الولايات المتحدة من أن تؤدي الضربة الإسرائيلية إلى تصعيد إقليمي واستئناف هجمات الميليشيات التابعة لإيران ضد القوات الأميركية، وهو الأمر الذي سعى المسؤولون الأميركيون إلى تجنبه مع طهران منذ هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وحتى بعد توجيه ضربة أميركية عنيفة للميليشيات الإيرانية عقب مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم من الجماعات الوكيلة لطهران على قاعدة أميركية صغيرة في شمال الأردن. 

ومع ذلك، فإن الرسالة الأميركية وإن كانت تؤكد التزام واشنطن اتفاق التهدئة وضبط النفس مع إيران منعاً لتوسيع الصراع، فإنها تشير في الوقت ذاته إلى أن إدارة بايدن سترد على أي خرق لهذا الاتفاق الضمني بين الجانبين وأنه على طهران ألا تدفع الولايات المتحدة إلى التصعيد.

دور بايدن

لكن هجوم أول من أمس على القنصلية الإيرانية في دمشق لم يكُن مثل حرب إسرائيل على غزة، فمن خلال قتل قادة الحرس الثوري الإيراني وتدمير ممتلكات دبلوماسية محمية دولياً، بعث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قادة النظام رسالة واضحة بأنه لن يتوقف عند نقطة محددة ولا خطوط حمراء تمنعه، بما في ذلك اندلاع حرب إقليمية، مما يعني أن حرب الظل التي كانت قائمة بين الجانبين منذ أعوام، يمكن أن تتطور الآن إلى صراع أوسع بكثير وربما تجبر واشنطن على الدخول في الصراع، ولهذا يتطلع كثيرون إلى الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف ذلك.

لكن ما إذا كانت إيران ستغامر بتوسيع نطاق الصراع أو لا هو أمر متروك لصاحب القرار الأخير في طهران، المرشد الأعلى علي خامنئي الذي سيختار كيف سترد إيران ومتى وما إذا كان هذا الرد سيزيد من أخطار التصعيد العسكري في الشرق الأوسط وربما سوء التقدير.

طبيعة الرد تحدد مسار الصراع

ومع التهديدات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، تراقب واشنطن احتمالات التصعيد وترسم خططها المرتقبة، ففي وقت وعد فيه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الهجوم لن يمر من دون رد، وأكد خامنئي أن إسرائيل ستندم عليه، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من أن ثمن العمل ضد إسرائيل سيكون باهظاً، لكن المسار الذي سيتجه إليه الصراع سيعتمد في النهاية على كيفية الرد الإيراني ومتى سيحدث ذلك وأين إذا قررت الرد بالفعل وسط مخاوف كثيرة من سوء التقدير.  

ونظراً إلى الأخطار التي يتحملها البلدان، فلا إسرائيل ولا إيران ترغبان في شن حرب كبرى، على رغم استمرار محاولات كل منهما الضغط من أجل تحقيق مكاسب في غزة وجنوب لبنان، حيث يبدو أن إيران تشعر بالقلق من الدخول في حرب واسعة النطاق مع إسرائيل، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى هذه الحرب متعددة الجبهات ويشير إليه مسؤولون إيرانيون بأن طهران تخطط للرد، لكنها لن تصعد بطرق يمكن أن تؤدي إلى توجيه ضربة إسرائيلية مباشرة إلى منشآتها على الأراضي الإيرانية، بخاصة برنامجها النووي، ولهذا يرجح أن النظام لن يعلن مسؤوليته عن أي انتقام عنيف.

خيارات طهران

يمكن لطهران أن تتخذ مجموعة من الخيارات التي يتوقعها كثيرون منها شن هجوم إلكتروني كبير على البنية التحتية الإسرائيلية أو الجيش، أو إطلاق وابل من الصواريخ من جنوب لبنان، أو اغتيال مماثل لقائد إسرائيلي، أو شن هجوم على سفارة إسرائيلية في الخارج، أو تسريع حاد آخر لبرنامج التخصيب النووي، وربما يكون الخيار الأخير بمثابة نوع من الرد المباشر على نتنياهو الذي حذر منذ فترة طويلة من خطر حصولها على أسلحة نووية وتعهد بمنع حدوث ذلك. 

يمكن أيضاً توقع أن يواصل الحرس الثوري الإيراني تصعيد حملته ضد المواطنين الإسرائيليين وأتباع الديانة اليهودية في الخارج كخطوة انتقامية، خصوصاً أنه استهدف خلال العامين الماضيين الأفراد اليهود والإسرائيليين في الخارج، تحديداً في أوروبا، كوسيلة لمعاقبة تل أبيب.

ولا يمكن تصور أن الضربة الإسرائيلية ستؤدي إلى تصعيد أوسع بين إسرائيل وإيران، أو حتى شن حرب شاملة يشارك فيها "حزب الله" على طول الحدود الشمالية لإسرائيل الذي يشير إليه الجنرال المتقاعد كينيث ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية لـ"البنتاغون" التي تشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، إذ يتوقع أن تنتقم إيران بطريقة ما، لكنها لن تصل إلى تصعيد كبير في القتال بينها وإسرائيل لأن خيارات طهران لضرب إسرائيل محدودة للغاية والإسرائيليون لن يتراجعوا إذا تعرضوا لهجوم كبير. 

ولعل أحد الأمثلة السابقة في هذا الشأن هو تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992 من قبل حركة "الجهاد الإسلامي" الذي أسفر عن مقتل 29 شخصاً رداً على اغتيال إسرائيل لزعيم "حزب الله" عباس الموسوي، كما أن المثال الأكثر وضوحاً خلال الآونة الأخيرة هو رد إيران على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني قبل أربع سنوات على يد الولايات المتحدة، حين شنت إيران هجوماً صاروخياً كبيراً على قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، بعد تحذير الأميركيين من الهجوم مسبقاً الذي أدى إلى إصابة 100 عسكري بإصابات دماغية.

لا صراع مباشراً

ولا يعتقد بأن لدى الحرس الثوري الإيراني القدرات الضرورية للدخول في صراع مباشر مع إسرائيل، خصوصاً عندما يكون عدم الاستقرار الداخلي في إيران مرتفعاً كما هي الحال حالياً، حيث يعمل الحرس الثوري باعتباره الضامن الرئيس للنظام الديني في البلاد، وعلى رغم كل الضجيج الدعائي الآتي من طهران، فإنه لا يجعل توجيه ضربة مباشرة من الحرس الثوري لإسرائيل أمراً مرجحاً. 

وعلى خلاف ذلك، من المتوقع أن يأتي انتقام النظام عبر شبكة وكلاء الحرس الثوري الموجهة نحو استهداف حلفاء تل أبيب، بما في ذلك الولايات المتحدة في المنطقة، إذ يدرك الحرس الثوري أنه لا ينبغي العبث بصورة مباشرة مع إسرائيل التي أوضحت أجهزتها الأمنية أنها ستضرب مواقع داخل إيران نتيجة لذلك، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة التي بذلت قصارى جهدها لتوضح لطهران أنها لا ترغب في استهداف الحرس الثوري بصورة مباشرة. 

وتزيد هذه الفجوة في الردع من فرص توجيه ضربة من قبل الحرس الثوري الإيراني ضد المواقع الأميركية في الشرق الأوسط لأن طهران لم تشعر بعد بأي تداعيات ذات معنى لمقتل ثلاثة جنود أميركيين في يناير الماضي عبر وكلائها.

هل تغير إيران استراتيجيتها؟

ولا تعتقد الولايات المتحدة أن تغير إيران استراتيجيتها في وقت قريب على الرغم من الضرر المحتمل لخسارة عدد من أبرز قيادات الحرس الثوري في الضربة الأخيرة، مثلما حدث من تدهور في السيطرة والقيادة عقب مقتل الجنرال قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) 2020 بحسب المسؤولة السابقة في "البنتاغون" عن سياسة الشرق الأوسط دانا سترول، إذ اتخذت الميليشيات المدعومة من إيران القرارات بأيديها تحت قيادة الجنرال إسماعيل قاآني، القائد الحالي لفيلق القدس، لكن استراتيجية إيران الأساسية لم تتغير قط، وستواصل طهران الاستثمار في شبكتها الخارجية من أجل إبعاد القتال من حدودها.

ومع ذلك، يختلف الأمر بالنسبة إلى نتنياهو الذي من المفترض أنه وافق على مثل هذا الهجوم الحساس، ذلك أن القضاء الناجح على هذه الشخصيات العسكرية الإيرانية يأتي في وقت ازدادت حدة التظاهرات المطالبة باستقالته، مع استمرار الحرب ضد "حماس" وبقاء الرهائن الإسرائيليين في غزة، ومن ثم يمكن للضربة أن تساعده في إعادة تأهيل سمعته كرجل لا نظير له في الحفاظ على أمن إسرائيل من خلال إظهار قدرته على اختراق الاستخبارات الإيرانية وضرب الجزء العملياتي لوكلاء إيران الإقليميين، أو ما يسمى "محور المقاومة" بهدف تعطيلهم وردعهم، حتى مع استمرار الحرب في غزة.

الدور الأميركي 

لكن في الوقت نفسه، قد لا تكون الضربة الإسرائيلية كافية لتحقيق هدف نتنياهو في ظل تورط إسرائيل في غزة وعدم هزيمة "حماس" بالكامل حتى الآن وعدم تقليص دور إيران ووكلائها، لذلك يأتي دور الولايات المتحدة في تحذير طهران من الخطأ في الحسابات بمهاجمة إسرائيل أو تجديد قصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا على رغم أن أميركا قد تكون أكثر تسامحاً من إسرائيل. 

وعلى رغم إدانة الحكومات حول العالم لهجوم إسرائيل على منشأة دبلوماسية تتمتع بوضع محمي بموجب القانون الدولي، بما في ذلك "اتفاقية فيينا" لعام 1961 التي تنص على أن المباني القنصلية لا يجوز انتهاك حرمتها، إلا أن واشنطن من المرجح أن تستخدم حق النقض في مجلس الأمن الذي بدأ عقد اجتماع طارئ لمناقشة هجوم دمشق، إذ من المرجح أن تستند واشنطن إلى رواية المتحدث العسكري الإسرائيلي بأن المبنى الذي تعرض للضرب في دمشق لم يكُن منشأة دبلوماسية، بل إنه مبنى يستخدمه فيلق القدس متخفياً بموقع مدني.

المزيد من تحلیل