Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا فشلت أميركا في تمثيل الملونين بصورة عادلة بالمناصب المنتخبة؟

يشكل البيض 59 في المئة من السكان لكنهم يشغلون الغالبية العظمى من القيادات التشريعية

جو بايدن وباراك أوباما وبيل كلينتون في مدينة نيويورك (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أن الولايات المتحدة أمة متناقضة، فهي تحتضن مبادئها التأسيسية، مثل الحرية والمساواة، لكنها مبنية على الاستبعاد والقمع المنهجي للمجتمعات الملونة، والنتيجة الحتمية هي ديمقراطية أميركية مشوهة على نحو يؤدي إلى تركيز السلطة والنفوذ في يد السكان البيض

 

مع احتدام المعارك الانتخابية هذا العام في الولايات المتحدة على مستويات الرئاسة والكونغرس والمجالس التشريعية والحكام في الولايات، لا يزال السؤال الأكثر أهمية للأقليات في المجتمع الأميركي هو لماذا يستمر نقص تمثيل الأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية وعربية في أجهزة الحكم المنتخبة والقضاء على المستوى الفيدرالي وفي الولايات، إذ مازال البيض الذين يشكلون 59 في المئة من السكان يشغلون أكثر من 70 في المئة من المناصب التشريعية وفي القضاء، كما لم يصل رئيس ملون للبيت الأبيض سوى باراك أوباما، فما السبب وراء ذلك؟ ولماذا فشلت الديمقراطية الأميركية في إنصاف حقوق الناخبين عبر تمثيل عادل؟ وكيف يؤثر ذلك في القرارات الأكثر أهمية؟

استثناء الحكومة الفيدرالية

على رغم أن الأميركيين لم ينتخبوا سوى رئيس ملون واحد فقط على مدى نحو 250 سنة، وهو باراك أوباما عام 2008، فإن الرؤساء الأميركيين حرصوا خلال العقود الأخيرة على تعويض نقص تمثيل الملونين في المناصب المنتخبة من خلال منحهم مناصب في الحكومة الفيدرالية تعادل نسبتهم في المجتمع الأميركي، حيث منحهم الرئيس الحالي جو بايدن 40 من المناصب العليا في إدارته، والتي تعادل تقريباً النسبة التي منحها أوباما لهم، في حين كانت هذه النسبة في عهد جورج دبليو بوش 36 في المئة، وفي عهد دونالد ترمب 20 في المئة، ليظل الرقم القياسي محفوظاً للرئيس بيل كلينتون، إذ بلغت نسبة تمثيل الأقليات من الملونين 43 في المئة، وفقاً لتحليل معهد بروكينغز، لكن إدارة بايدن تميزت بأن ثاني أعلى منصب في السلطة التنفيذية، شغلته أول امرأة في تاريخ البلاد، وهي كامالا هاريس التي كانت أيضاً أول امرأة ملونة من أم هندية وأب جامايكي، كما تم تعيين ستة من غير البيض بين أعلى 15 منصباً في حكومة بايدن عام 2021، وهي تلك الموجودة في خط خلافة الرئاسة، ومنهم أول وزير دفاع أسود هو لويد أوستن، وأول وزير من الأميركيين الأصليين ديب هالاند الذي يشغل منصب وزير الداخلية المسؤول على الأراضي والغابات والمتنزهات الوطنية، وثلاثة من أصل لاتيني شغلوا مناصب وزير الأمن الداخلي، ووزير التعليم ووزير الصحة.

ديمقراطية مشوهة

لكن خارج هذا الاستثناء في مناصب التعيين الرئاسية والفيدرالية تظل صورة الديمقراطية الأميركية مشوهة بسبب نقص تمثيل غير البيض في المناصب المنتخبة على كل المستويات، من أعضاء الكونغرس الأميركي ومنصب الرئيس نفسه، إلى المحكمة العليا والمناصب القضائية، وحتى على مستوى الولايات في المجالس التشريعية ومناصب الحكام وعمد المدن، إذ لا يزال تمثيل الأميركيين الملونين (غير البيض) غير متناسب إطلاقاً من نسبتهم من عدد سكان الولايات المتحدة.

ووفقاً لأحدث أرقام مكتب الإحصاء الأميركي يشكل الأميركيون البيض 59.3 في المئة من السكان، بينما يشكل اللاتين (المنحدرين من بلدان أميركا اللاتينية) 19.1 في المئة، في حين يستحوذ السود أو الأميركيين من أصل أفريقي على 13.6 في المئة من السكان، والآسيويون على 6.3 في المئة، والأميركيون الأصليون وسكان ألاسكا الأصليون على 1.3 في المئة، وسكان هاواي الأصليون وجزر المحيط الهادئ الأخرى 0.3 في المئة.

الكونغرس الأميركي

ومع ذلك، يظل الأميركيون البيض يستحوذون على الغالبية العظمى من المناصب المنتخبة في الولايات المتحدة، ويؤدي هذا الافتقار للتمثيل العادل إلى التأثير سلباً في الناخبين والحياة بصورة عامة لأن خلفيات الشخصيات المنتخبة في الكونغرس مثلاً، وتجاربهم الحياتية يمكن أن تؤثر في خياراتهم وأولوياتهم والقضايا التي يعتقدون أنها الأكثر أهمية، وفقاً لما كتبه جيرمان لوبيز لموقع "فوكس".

وعلى سبيل المثال، يقوم المشرعون الأميركيون من أصل أفريقي واللاتين، الذين هم ممثلون تمثيلاً ناقصاً في الكونغرس نسبة إلى سكان الولايات المتحدة، بعمل أفضل في تمثيل ناخبيهم من الأميركيين من أصل أفريقي واللاتين مقارنة بالمشرعين البيض من خلال كونهم أكثر اهتماماً بمخاوفهم وأكثر تحفيزاً لتعزيز مصالح الأميركيين السود واللاتين.

 

وعلى رغم التحسن البطيء في تمثيل الأقليات العرقية من الملونين في الكونغرس الحالي رقم 118 بما جعله الأكثر تنوعاً من الناحية العرقية بوجود 133 مشرعاً على أنهم من السود أو اللاتين أو أميركيين آسيويين أو السكان الأصليين، فإن هؤلاء المشرعين لا يشكلون جميعاً سوى ربع أعضاء الكونغرس (28 في المئة من مجلس النواب و12 في المئة من مجلس الشيوخ، وفقاً لتحليل مركز بيو للأبحاث للبيانات الصادرة عن خدمة أبحاث الكونغرس.

المحاكم الأميركية

بوجود ثلاثة قضاة فقط من الأقليات العرقية، فإن المحكمة العليا بالولايات المتحدة ليست أفضل من الكونغرس في عكس المشهد الأميركي، إذ يمثل هؤلاء 33 في المئة من قضاة المحكمة العليا، وعلى مدى تاريخ المحكمة، فإن الافتقار إلى قضاة من الأقليات العرقية والإثنية يثير الانتباه لأنه من بين 115 شخصاً شغلوا أعلى منصب في البلاد، كان هناك أربعة فقط من القضاة الملونين.

وبالنظر إلى المحاكم الفيدرالية ككل، بما في ذلك محاكم الدوائر والمقاطعات، فإن تمثيل الأقليات العرقية والإثنية لا يعكس سكان الولايات المتحدة، فوفقاً لبيانات نقابة المحامين الأميركية، كان هناك 23 في المئة فقط من القضاة الملونين من بين 1423 قاضياً فيدرالياً نشطاً منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

على مستوى الولايات

ولا يوجد مكان يتجلى فيه الافتقار إلى التنوع أكثر مما يظهر في مناصب الحكام في جميع أنحاء البلاد، إذ لا يوجد حالياً سوى أربعة فقط من الولايات الخمسين التي يقودها شخص غير أبيض وهي ولايات ميريلاند ونيوهامبشاير ونيو ميكسيكو وأوكلاهوما، ولم يكن هناك سوى ثلاثة حكام سود منتخبين.

وعلى رغم المكاسب المتواضعة التي حققتها الأقليات العرقية والإثنية على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن المجالس التشريعية بالولايات لا تزال بغالبية ساحقة من البيض، إذ يمثل الأميركيون السود 10 في المئة من جميع المشرعين بالولايات في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لدراسة أجراها المؤتمر الوطني للهيئات التشريعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وتظل عضوية اللاتين في المجالس التشريعية للولايات عند 5 في المئة، أي أقل من ثلث حصتهم من إجمالي السكان، فيما تشكل عضوية الأميركيين الآسيويين من المقاعد التشريعية في الولايات اثنين في المئة فقط.  

ويزداد الأمر سوءاً في المدن الأميركية التي تعد الأكثر تنوعاً بين سكان الولايات المتحدة ككل، فعلى رغم تمثيل الأقليات بنسبة أفضل في قائمة رؤساء بلديات المدن الكبرى، فإنه لا يتم تمثيلهم بصورة عادلة، ووفقاً لمؤسسة عمد المدن، فإن ثلث أكبر 100 مدينة في أميركا يقودها اليوم أو كان يقودها في السابق شخص أسود، وتشمل هذه القائمة عديداً من رؤساء البلديات الحاليين أو السابقين البارزين.

تمثيل اللاتين

وبالنظر إلى حجم السكان اللاتين وانتشارهم في عديد من المناطق الحضرية بأميركا، فإن الافتقار إلى تمثيلهم للمجموعة واضح بصورة لافتة، فمن بين أكبر 50 مدينة بالبلاد، هناك مثالان بارزان من أصل لاتيني يشغلون منصب العمدة، ويعزو البعض ذلك إلى قوانين الانتخابات التي تضر أحياناً بنسبة إقبال الناخبين اللاتين، فضلاً عن النظام السياسي الذي يكافئ المرشحين البيض الذين تدعمهم مؤسسة حزبهم.

وتشير أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميشيغان أنجيلا أوكامبو إلى أن "هذه الأحزاب والجهات المانحة لها تأثير كبير، ولكن في كثير من الحالات يتلقى اللاتين دعماً محدوداً من الجهات الفاعلة المهمة أثناء محاولتهم إطلاق حملتهم".

 

فشل قديم

ومنذ تأسيسها، فشلت الولايات المتحدة في توفير المساواة لجميع مواطنيها، إذ بدأ حرمان معظم الأميركيين من فرصة أن يكون لهم رأي في حكم الأمة، وناضل الأميركيون السود طويلاً من أجل الحصول على حقهم في الإدلاء بأصواتهم دون عوائق والحق في التمثيل على قدم المساواة في الحكومة.

ونظراً إلى أن البيض يفضلون المرشحين البيض ويفضل السود المرشحين السود، وفي ظل وجود السود كأقلية، كان المرشحون البيض يفوزون دائماً، وبدأ قادة الحقوق المدنية يجادلون بأن الناخبين السود يجب أن يتمتعوا بفرصة عادلة لانتخاب ممثليهم السود، لكن تحقيق ذلك ظل أمراً عسيراً في ظل نظام سياسي قائم على حكم الغالبية.

ومن بين العوامل التي تسهم في تحديد من سيفوز بالانتخابات تأثيرات التلاعب في حدود الدوائر الانتخابية أو رسم خطوط الدوائر التشريعية للكونغرس والولاية لصالح مجموعة على أخرى، وبسبب ميل الناخبين السود للتصويت للديمقراطيين استخدم الجمهوريون التلاعب في حدود الدوائر الانتخابية لتقليل القوة السياسية للناخبين السود، لأن المناطق ذات الغالبية السوداء تنتخب في كثير من الأحيان ممثلين سوداً، ولهذا يصبح التدخل في إعادة رسم الدوائر الانتخابية الذي يستهدف مجتمعات السود، يمكن أن يسهم في تقليل تمثيل السود بمجلس النواب والمجالس التشريعية للولايات.

أمة متناقضة

ويشير باحثون في مركز التقدم الأميركي إلى أمثلة أخرى منها الحرمان من حق الاقتراع الكامل للمقيمين في واشنطن العاصمة والأراضي الأميركية، الذي لم تتم معالجته إلى حد كبير طوال التاريخ الحديث، وبينما يصوت الملايين في كل عام انتخابي، من أعضاء الخدمة العسكرية والدبلوماسيين والمغتربين الأميركيين الذين يعيشون في الخارج بولاياتهم الأصلية باستخدام الاقتراع الغيابي، إلا أن الأميركيين الذين يعيشون في واشنطن العاصمة وبورتوريكو وجزر فيرجن الأميركية وغوام وجزر ماريانا الشمالية وجزيرة ساموا الأميركية، يفتقرون إلى حقوق التصويت الكاملة.

وعلى رغم أن سكان واشنطن يخدمون في الجيش ويدفعون الضرائب الفيدرالية، فليس لديهم سوى صوت انتخابي رئاسي واحد ولا توجد لهم قوة تصويت في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ.

ويصف الباحثون في مركز التقدم الولايات المتحدة بأنها أمة متناقضة لأنها تحتضن مبادئها التأسيسية مثل الحرية والمساواة، لكنها أمة مبنية على الاستبعاد والقمع المنهجي للمجتمعات الملونة، وأنه على مر القرون، حتى في الوقت الذي كانت فيه الأمة تكافح من أجل حظر أكثر صور الاستبعاد والقمع البغيضة، فإنها أهملت اقتلاع العنصرية الهيكلية الراسخة، والنتيجة الحتمية هي ديمقراطية أميركية مشوهة على نحو يؤدي إلى تركيز السلطة والنفوذ في يد السكان البيض.

المزيد من تحقيقات ومطولات