Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستطيع إسرائيل الحرب على جبهتي غزة و"حزب الله" في التوقيت نفسه؟

قيود حقيقية وحدود للاشتباك الجديد وضغوط دولية تحدد مسارات السيناريوهات المقبلة

يمكن التأكيد أن القدرات العسكرية الإسرائيلية الراهنة غير قادرة على العمل في اتجاهات مختلفة حتى الآن (أ ف ب)

ملخص

تركز الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل على أنها تملك القدرات والإمكانات للحرب على جبهات متعددة، وفي التوقيت نفسه، الأمر الذي أراد أن يؤكده وزير مجلس الحرب أخيراً بيني غانتس عندما أكد أن إسرائيل ستذهب إلى كل المهددات، وستتعامل معها بصورة مباشرة وممكنة في ظل ما يجري من تحديات من الجنوب والشمال

مع استمرار التهديدات الراهنة لإسرائيل من جبهة الشمال واستمرار الحرب في غزة وعدم وجود ما يشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة، والذي قد يتم بعد الأعياد الإسلامية واليهودية على رغم استئناف المفاوضات في القاهرة، ومن ثم فإن استمرار المواجهات الإيرانية - الإسرائيلية يطرح تساؤلاً مهماً مرتبطاً بالإمكانات والقدرات الإسرائيلية للحرب على جبهتين، وثلاث في التوقيت نفسه على اعتبار أن إسرائيل، كما تشير كل التقديرات والتقييمات، تملك وافراً من القوة العسكرية تمكنها من الذهاب لحرب على جبهات متعددة، وليس باتجاه الحرب الراهنة على غزة والمناوشات التي تجري على جبهة الشمال.

 

رؤية محددة

تركز الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل على أنها تملك القدرات والإمكانات للحرب على جبهات متعددة، وفي التوقيت نفسه، الأمر الذي أراد أن يؤكده وزير مجلس الحرب أخيراً بيني غانتس عندما أكد أن إسرائيل ستذهب إلى كل المهددات، وستتعامل معها بصورة مباشرة وممكنة في ظل ما يجري من تحديات من الجنوب والشمال، وفي ظل تصميم على إزالة الخطر المهدد لبقاء الدولة في محيطها الإقليمي كقوة رئيسة قادرة على الردع والمواجهة، وهو ما تعمل عليه الدولة العبرية في الوقت الراهن من استعادة الهيبة والمكانة والقدرة العسكرية الحقيقية مثلما كانت قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وجزء مما يجري في إطار مواجهات غزة، والإمعان في استخدام القوة العسكرية الممنهجة، واستمرار القتال داخل القطاع مرتبط بالبعد السيكولوجي للمقاتل الإسرائيلي الذي يحارب من أجل استعادة المكانة والجدارة التي تعمل عليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الوقت الراهن وتنطلق من خلالها لتأكيد ثوابت المواجهة، سواء مع حركتي "حماس" و"الجهاد"، أو مع "حزب الله"، بل، ومع الفصائل الأخرى في سوريا والعراق وجنوب البحر الأحمر، ما يؤكد أن إسرائيل ستمضي في هذا السياق.

تأكيدات عسكرية

وتعززت ملامح سيناريو الحرب الشاملة بعد تصديق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي على خطط قتالية على الجبهة الشمالية، تزامناً مع اغتيال سلاح الجو الإسرائيلي قادة بالحرس الثوري الإيراني، في وقت أجرى فيه وزير الدفاع يوآف غالانت مشاورات مع قيادات الجبهة الداخلية في شأن مدى الجهوزية والتحمل للحرب، وكذلك طبيعة ومحاور الحملة الإعلامية التي سيعتمدها الجيش الإسرائيلي في حال اندلعت حرب شاملة مع "حزب الله".

لكن يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لإسرائيل الدخول في الوقت الراهن بحرب على جبهتين بالفعل أو ثلاث، ليس في إطار مواجهات غير دورية مثلما يجري، وإنما حرب شاملة مع "حزب الله" على رغم التقدير العام أن الطرفين لا يريدان بالفعل الدخول في مواجهة، حيث تبقى معادلة رابح رابح/ خاسر مطروحة، وفي إطار معضلة السجين التي يعمل عليها الطرفان، بخاصة أن القدرات الإسرائيلية، واقعياً، تتآكل على رغم كل ما يقال؟ ويتردد في ظل طلب إسرائيل عقد صفقات سلاح مع الجانب الأميركي، والحصول على الصفقة الثالثة التي نجح وزير الدفاع غالانت في اتمامها، ما يؤكد أن الإشكالية ليست في الحصول على السلاح الأميركي في إطار صفقة طوارئ فقط وقعها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وليس الكونغرس بتوصية من وزارة الدفاع، وإنما في سمعة السلاح الإسرائيلي في العالم، والتي كانت، ولا تزال، تتباهى به إسرائيل، وتركز عليه باعتبارها تبيع السلاح إلى دول عدة، وتعمل على توفيره لكثير من الدول في أسواق السلاح البيضاء، كما تتعامل مع أسواق أخرى في إطار تحركات أجهزة الاستخبارات بخاصة "أمان" و"الموساد" في التعامل عبر شبكات دولية كبيرة، إلا أن جاءت بالفعل حرب غزة، وكشف كثير من المستجدات في هذا المجال، ولا شك أن الأمر سيتطور بالفعل في إطار ما يجري، بخاصة أن الحرب مع "حزب الله" وتغيير وقواعد الاشتباك في حاجة إلى أدوات مختلفة وقدرات نوعية، إذ لا وجه للمقارنة بين المقاومة الفلسطينية وقدرات حركة "حماس" وقوات "حزب الله"، وهو ما تتخوف من تبعاته إسرائيل في أقرب مواجهة، وتتحسب لتداعياته الحقيقية حال دخول إسرائيل أي مواجهة ممكنة أو محتملة.

استراتيجية منضبطة

وستظل استراتيجية الردع والردع المقابل قائمة بين "حزب الله"، ومن ورائه، وبين إيران وإسرائيل، إلا أنه لا أحد يضمن وقوع المواجهات بالخطأ في إطار ما قد يجري من تطورات رئيسة في هذا الإطار، وفي سياق ما يجري من تصعيد إسرائيلي، ورفع حالة الطوارئ على طول مناطق الحدود، ومن ثم، فإن الحرب الراهنة في غزة انتقلت إلى مرحلة الترتيبات الأمنية التي تقوم بها إسرائيل في إطار استمرار المواجهات الحالية مع الانتظار لما هو قادم من تطورات متعلقة بنجاح أو فشل التهدئة، الأمر الذي يطرح أبعاداً أخرى متعلقة بأبعاد سياسية كحكم القطاع، أو إداراته، أو الدخول في مساحات من المواجهة غير الدورية، مع البقاء على الأرض، وهو ما يؤكد أن إسرائيل ستستمر تعتمد على قدراتها في الداخل مع البحث الدوري عن حكم إداري في قطاع غزة وطرح رؤية لوجود أمني دولي أو إقليمي أو عربي.

وإلى حين أن يتم ذلك، فإسرائيل ماضية في نهجها ما بين الاستمرار في مفاوضات التهدئة حتى الذهاب إلى تنفيذ بعض استحقاقاتها لفرض الاستقرار الداخلي، لبعض الوقت، مع تثبيت أركان الحكومة الحالية، وعدم الانجرار إلى دعوات المعارضة للدخول في انتخابات مبكرة، إذ إن الأمر لن يقتصر على مجرد دعوات، بل الاحتكام إلى الجمهور الإسرائيلي الداعم حتى الآن للاستمرار في الحرب وعدم الذهاب إلى تهدئة أصلاً، وذلك من واقع جزء من الرأي العام الذي ما زال متردداً بين العمل في ظل خيارات حرب ومواجهة ما سيجري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل احتمالات التصعيد تجاه "حزب الله" أو الاستمرار في مواجهات دورية مع الفصائل من دون أن تصل للحرب الجزئية أو الكلية، فإن السؤال مرتبط في المقام الأول بحدود وقدرات إسرائيل الواقعية، وعدم اقتصار ذلك على القدرات النظرية، وما أكثرها في إطار توازنات القوى والكم والكيف للسلاح الإسرائيلي، وهو ما يؤكد ثوابت المواجهة، بخاصة أن قدرات إسرائيل العسكرية باتت في مراحل معينة، بمرور أشهر من المواجهة مع حركة "حماس" عقيمة، ومحدودة، وغير قادرة على فرض الخيار الاستراتيجي لإسرائيل، بل دخلت في سيناريو مفتوح، وفي ظل مواجهات ممتدة، الأمر الذي يؤكد أن قدرات إسرائيل في حال الاتجاه للحرب على جبهة الشمال ستكون مرتبطة بأبعاد أخرى ومتعددة للمواجهة أو الحسم، وهو ما تؤكده التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية كافة من أن الحرب على الشمال ستكون مختلفة تماماً، وأن سيناريو ما يجري حتى الوقت الراهن في غزة لن يكون مشابهاً لما يمكن أن يجري في جنوب لبنان، بخاصة أن الحرب الأخيرة سترتبط واقعياً بثوابت حقيقية ومسارات مختلفة ما يؤكد أن الحرب ستكون محددة لمستقبل إسرائيل في الإقليم، في ظل احتمالات تحرك الوكلاء الإقليميين للدخول في مخطط لإنهاك إسرائيل، وتشتيت قدراتها العسكرية، وفي ظل تباين المواقف الداخلية حول الأولويات المطروحة أمام إسرائيل، والتي ترتبط بالفعل بقدرة المواجهة، والعمل في إطار من الحسابات المتعلقة بقدرة تل أبيب على الحرب الفعلية، أو المواجهة الحقيقية، والتي يمكن أن تضعها في منظومتها الإقليمية الراهنة بصرف النظر عن أي مواجهات محتملة، وعلى أي جبهة ستعمل عليها إسرائيل.

الخلاصات الأخيرة

يمكن التأكيد أن القدرات العسكرية الراهنة، وعلى رغم كل ما يتردد من إمكانية الحرب على جبهات مختلفة ومتعددة، غير قادرة على العمل في اتجاهات مختلفة حتى الآن، وفي ظل كثير من المتغيرات الراهنة التي فرضت نفسها على مسار ما يجري في غزة من تطورات متعلقة بفكرة اللاحسم، أو القدرة على إحداث تغيير حقيقي في إدارة المشهد على جبهة واحدة، ما يؤكد أن الجبهات الأخرى المرشحة للتصعيد قد تعمل في مساحة محددة، وعلى رغم التسليم المكرر بأن لا إسرائيل ولا "حزب الله" يسعيان إلى مواجهة كاملة اكتفاء بما يجري، إلا أن المواجهات بالخطأ قد تؤدي إلى حرب شاملة في إطار التصعيد المحتمل تدريجاً، ومن خلال تطورات نوعية حقيقية يمكن أن تعلن عن نفسها من خلال مقاربات عسكرية، واستراتيجية في المقام الأول.

في المجمل، فإن هناك إجماعاً لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول الحاجة إلى حملة دعائية لتحضير الإسرائيليين لحرب شاملة، ولكن هناك خلافاً حول كيفية تسويق هذه القضية للجمهور الإسرائيلي ومحاولة إقناعه بأن إسرائيل يجب أن تذهب للحرب على جبهة لبنان لتأمين حضورها في الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل