Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا ينتظر الدراما العربية في عصر "احتكار الإنتاج"؟

شركات الإنتاج تهيمن على الأعمال الفنية في الموسم الرمضاني وندرة توزيع المسلسلات اللبنانية والسورية بمصر والخليج 

بوستر مسلسل «جودر» المأخوذ عن «ألف ليلة وليلة» (الشركة المنتجة)

ملخص

تمكنت الشركات من جذب صناع الدراما من مخرجين وكتاب وممثلين إليها في ظل تراجع واضح للشركات ذات الرأسمال المتواضع التي انتهى دورها في بعض الدول

بعد تراجع دور المؤسسة الرسمية في الهيمنة على الإنتاج الدرامي التلفزيوني وانتقال مهمة الإنتاج إلى القطاع الخاص، تمكنت بعض الشركات الضخمة صاحبة رؤوس الأموال الكبيرة من السيطرة على السوق الإنتاجية وتحكمت في مسار الدراما من خلال تقديم نوعية محددة من المسلسلات قلما تهتم بالمضمون، ولكنها حرصت في المقابل على ضمان أرباحها من خلال جمع النجوم في أعمالها لجذب المعلن والجمهور وتحقيق نسب مشاهدات عالية.

وتمكنت الشركات من جذب صناع الدراما من مخرجين وكتاب وممثلين إليها في ظل تراجع واضح للشركات ذات الرأسمال المتواضع التي انتهى دورها في بعض الدول ومن بينها لبنان الذي غابت مسلسلاته المحلية عن الخريطة الدرامية في الموسم الرمضاني 2024.

وتتوزع عملية الإنتاج الدرامي العربي على شركات عدة، وخليجياً تعتبر مجموعة "أم بي سي" الأضخم على مستوى العالم العربي وتتولى عملية الإنتاج مباشرة أو من خلال شركات تقوم بدور المنتج المنفذ، وفي لبنان تعدّ "الصباح للإعلام" و"إيغل فيلم" الأهم والأقوى عربياً ولكنهما تعملان وفق سياسة معينة تقوم على فكرة العمل وكادره ونجومه قبل إدراجه ضمن قائمة الإنتاج وتنحصر إنتاجاتهما في المسلسلات العربية أو المشتركة لأن السوق اللبنانية ضيقة جداً ولا يمكن أن تعوض عليهما الكلفة الإنتاجية الباهظة، عدا عن أن المسلسل اللبناني وبعناصره اللبنانية لا يبيع عربياً بسبب عدم انتشار ممثليه.

أما في مصر، فتتصدر "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" المشهد الإنتاجي، إذ أنتجت 40 عملاً هذا الموسم، بينما لا توجد في سوريا شركات إنتاج كبيرة بل شركات متوسطة وصغيرة وكان الإنتاج السوري الأضخم هذا العام من نصيب مسلسل "تاج" الذي أنتجته شركة "الصباح"، أما الأعمال الأخرى مثل مسلسل "ولاد بديعة" الذي أنتجته شركة "بينتالنس" فتمكنت من المنافسة من خلال حشد عدد كبير من النجوم فيها لجذب المحطات العارضة لها. 

فكيف ينظر النقاد وصناع الدراما إلى حصر الإنتاج بشركات معينة؟ وما تداعياته على الدراما العربية؟. 

آليات السوق

في مصر تسيطر "الشركة المتحدة للخدمات الاعلامية" على  الحصة الأكبر من سوق الانتاج الدرامي، ويرى بعض النقاد وصناع الدراما أن سيطرة جهة إنتاجية واحدة يؤثر في الإبداع الدرامي وتنوعه، وفي هذا الإطار يؤكد المخرج خالد يوسف أن "التنوع يخلق ثراء والرؤى المختلفة لشركات الإنتاج التي تعبر كل منها عن موقف محدد وذوق معين تصب في مصلحة الدراما والمشاهد، والفن يقوم في الأساس على فكرة التنوع وإفساح المجال أمام الدراما لتقديمه أمر مهم جداً، وتراجع عدد شركات الإنتاج سببه آليات السوق الموجودة حالياً التي جعلت المنصات تهيمن على العدد الأكبر من المسلسلات وتتعامل مع عدد محدود من المنتجين، مما تسبب في حصر الإنتاج بشركات معينة، وكل منصة منها تعمل على تسيّد توجه ورؤية وأجندة محددة وتتعامل مع عدد معين من المنتجين بما يتوافق مع هذه الرؤى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستغرب كثيرون كيف أن بلداً مثل مصر يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة تهيمن على الإنتاج الدرامي شركة واحدة، حتى إنها هيمنت على شركات إنتاج صغيرة أخرى وتعمل تحت إشرافها، إلا أن يوسف يقول "صحيح أن المتحدة تستحوذ على النسبة الأكبر من السوق ولكن هناك أيضاً شركات تعمل لمصلحة ’أم بي سي‘ و’شاهد‘ وشركات أخرى تنتج على حسابها الخاص ثم تسوق أعمالها، ولكن كلما زاد عدد الشركات المنتجة وتنوع الإنتاج يصبح الوضع الدرامي أفضل".

وفي الماضي كان عدد شركات الإنتاج في مصر أكثر ولكنه تقلص بسبب الهيمنة وتحكم شركتين كبيرتين بالإنتاج وحصر التنافس الدرامي فيهما، بينما تقع الشركات الصغيرة في الخسارة عندما لا توفّق في تسويق أعمالها، بحسب يوسف.

 

ويعتبر معظم النقاد في مصر أن غالبية ما قدمته الدراما هذا العام دون المستوى بسبب النصوص الضعيفة والركيكة أو المستنسخة عن أعمال عربية أو أجنبية، في إيحاء شبه مباشر إلى تداعيات هيمنة شركة إنتاج واحدة، لكن يوسف يوضح أن "هذا المفهوم خاطئ ولا يمكن أن نقول عن ’ألف ليلة وليلة‘ إنه مستنسخ لأنه ليس حكراً على أي دولة في العالم، وقصته تحرض النشء والشباب في فترة تكوين معينة على القراءة، بل هي الأهم في تاريخ الإنسانية وتصنع خيال العلماء قبل الأدباء".

ويشرح يوسف أن بعض الأعمال المصرية كانت بمستوى جيد من بينها "الحشاشين" و"جودر" و"أعلى نسبة مشاهدة"، ونجاح أربعة أو خمسة أعمال من أصل 30 أو 35 عملاً أمر طبيعي ولا يمكن لأي دراما عربية أن تنجح في كل ما تقدمه، وحتى في السينما المصرية فإن 10 أفلام تتميز من بين 100 فيلم تنتج سنوياً و40 فيلماً تكون بمستوى متوسط والبقية دون المستوى و"هذا الوضع ينسحب على السينما العالمية وهو ليس عيباً لأن المتميز يكون قليلاً دائماً في الصناعة الدرامية".

وتابع أنه "بالنسبة إلى تداعيات حصر الإنتاج على حاضر الدراما ومستقبلها، فالاحتكار مرفوض من حيث المبدأ خصوصاً في الفن، ويفترض أن يجرمه القانون والقوانين تمنعه في أميركا، وما يحصل في الإنتاج ليس احتكاراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هناك شركات تملك الإمكانات لتقديم التنوع بموازنات ضخمة، وأخرى صغيرة تعمل بموازنة محدودة جداً، وتبقى للشركات الكبيرة مزايا مثل القدرة على تقديم المسلسل التاريخي والاجتماعي الكوميدي والتراجيدي وكذلك لها عيوبها من ناحية عدم إفساح المجال لرؤى أخرى مفيدة جداً قادرة على تحقيق القفزات". 

في المقابل، يوضح الناقد الفني محمود قاسم أن الشركة المتحدة التي تعرف أيضاً باسم "سينرجي"، هي ملك الدولة، ومن الطبيعي أن تحظى بالحصة الأكبر من الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، ومقرها مدينة الإنتاج الإعلامي، ويوجد لديها فريق يقوم باختيار أداء الممثلين ويوزع العمل على الفنانين. أما بالنسبة إلى الشركات الصغيرة فإن عملها محدود بطبيعة الحال و"تضيع" وسط المنافسة، وتكتفي غالبيتها بإنتاج عمل واحد أو اثنين سنوياً.

حضور عربي

ويؤخذ على شركتَي الإنتاج اللبنانيتين "إيغل فيلمز" و"الصبّاح للإعلام" إهمالهما للدراما اللبنانية مع أنهما الأضخم عربياً، وغالباً ما تقدمان تبريرات تتعلق بالسوق المحلية الضيقة وعدم قدرة الممثل اللبناني على تسويق العمل عربياً، فضلاً عن اختلال الوضع في لبنان أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

المنتج جمال سنان صاحب شركة "إيغل فيلمز" التي تركز نشاطها الإنتاجي على الدراما السورية - اللبنانية المشتركة والدراما الخليجية يتحدث عن السبب الذي يجعله ينأى بنفسه عن الإنتاج اللبناني المحلي، قائلاً إن مسلسل "ع أمل" يشارك فيه ممثل سوري واحد و"نحن نقدم الدراما المشتركة تلبية لرغبات السوق، ولكننا كمنتجين نتمنى ونرغب في إنتاج أعمال محلية لبنانية ولكن السوق اللبنانية ضيقة جداً على عكس الأسواق السورية والخليجية والمصرية التي تستوعب إنتاجاتها المحلية، كما أن المحطات التلفزيونية والمنصات تشتريها، بينما نحن إذا جازفنا بعمل لبناني محلي واعتمدنا على المحطات المحلية، فلا يمكن أن نستمر".

ومسلسل "ع أمل" عمل كامل ومتكامل وبكلفة إنتاجية عالية تم تنفيذه في ظل وضع اقتصادي رديء وحرب في غزة وعلى رغم ذلك "جازفنا وقدمنا عملاً 99 في المئة من عناصره لبنانيون لأننا نؤمن ونفتخر بالعناصر والمواهب اللبنانية التي قمنا بتأمين أرضية كاملة ومتراصة وجاهزة لها وهي برهنت عن تفوقها، وحقق المسلسل نسبة مشاهدة عالية جداً في العالم كله"، وفق سنان الذي أكد أن "ليس لدينا شك بالموهبة اللبنانية ولكننا بحاجة إلى سوق تشتري أعمالنا وإلا نقع في خسائر فادحة، عدا عن أنه راجت خلال الفترة الماضية موضة الدراما المشتركة التي بدأت بالتراجع ولم يكُن الممثل اللبناني يحظى بالحضور عربياً".

 

ولا يخفي سنان انزعاجه من الانتقادات التي تطاول شركات الإنتاج ويؤكد أنها أصبحت قادرة على تقديم دراما لبنانية خالصة "عندما يكون المسلسل اللبناني كاملاً متكاملاً نصاً وإنتاجاً وإخراجاً وممثلين يبيع عربياً، وهذا ما عملنا من أجله طوال الأعوام الـ 10 الماضية ونجحنا في تأسيس أرضية للدراما اللبنانية لم تكُن موجودة سابقاً"، مردفاً أنه بدلاً من انتقادنا لـ "يشمروا عن عضلاتهم" ويعبروا عن حبهم لزملائهم الممثلين والممثلات بدلاً من انتقادهم.

ونوه المنتج بأن لبنان بلد منكوب و"نحاول أن ننهض من بين الركام ونحارب من أجل البقاء فيه ونأتي بالأعمال الخليجية والمصرية ونصورها في بلدنا لأننا نؤمن به، وما بدأنا به قبل 10 أعوام من خلال الدراما المشتركة أسهم في انتشار الممثل اللبناني في الخارج، وقبلها لم يكُن أحد يشاهد الدراما اللبنانية، ويهمني أن تشاهد أعمالي داخل لبنان وخارجه وربما لو أننا قدمنا ’ع أمل‘ قبل 10 سنوات لما كان شاهده أحد عربياً".

ولا ينفي سنان التداعيات السلبية التي تتأتى من حصر الإنتاج في شركتين، قائلاً "يجب أن تكون هناك 10 شركات إنتاج ونحن لا نمنع الآخرين وغياب الدراما المحلية هذا العام سببه تردي الأوضاع في لبنان، إذ يوجد منتجون جيدون يقدمون أعمالاً مهمة ولكنهم بحاجة إلى أسواق لبيعها، ويمكن تجاوز هذه التداعيات عندما يعم الاستقرار في البلاد".

وعبر سنان عن "تفائله بمستقبل الدراما اللبنانية من دون التوقف عند أمجاد الماضي كما يفعل بعضهم عندما يقولون إنها كانت في أفضل أحوالها في الستينيات والسبعينيات بل العمل من أجلها، ففي الماضي كان لبنان سويسرا الشرق ولكن أين نحن اليوم؟. وعندما تتوافر الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية المناسبة عندها تستعيد الدراما اللبنانية دورها".

تداعيات سلبية

الكاتب أيمن الحبيلي ينفي حصرية الإنتاج  الدرامي في الخليج ويؤكد تعدديته، لكنه لا ينفي وجود تداعيات سلبية تلحق بالدراما الخليجية وترتبط بسياسة شركات الإنتاج بصرف النظر عن عددها، ويوضح أنه "عندما تنتهج الشركات سياسة مقيدة ومغلقة تكون الدراما محصورة ومقيدة وبعيدة من الانفتاح والعكس صحيح أيضاً، ومع أن الدراما الخليجية متنوعة لكنها تعاني مشكلة في النص الدرامي والأفكار والمواضيع، فالأفكار سطحية ينقصها العمق والكتّاب ليسوا من أصحاب الخبرات والحبكات الدرامية غير مترابطة، فضلاً عن غياب الممثل المتميز الذي يمكن أن يغطي عيوب النص ويرفعه ويوصل الفكرة بصورة أفضل، ولكن عندما يكون كل شيء سيئاً في المسلسل، فكرته وموضوعه والحبكة والسياق الدرامي لا يمكن لأي شركة إنتاج أن ترفع من شأنه".

ويقول الحبيلي "أنا راضٍ بنسبة 70 في المئة على عمل شركات الإنتاج الخليجية ولكن بعضها يضغط على صناع الدراما ويركز على الربح المادي فقط، والبعض الآخر يتدخل في النصوص ويرفض خطاً درامياً قوياً ومؤثراً، فيضطر الكاتب إلى تغييره تماشياً مع وجهة شركات الإنتاج أو أنه يدخل خطوطاً جديدة إرضاء لبعض الممثلين، لكنها لا تكون بمستوى الحدث نفسه". 

محتوى متنوع

وفي المقابل لا يبدو المخرج مؤمن الملا الذي أخرج هذا العام مسلسل "أغمض عينيك" راضياً عن الوضع الإنتاجي في سوريا، ويقول "الاحتكار يلحق الضرر بأي صناعة بما فيها صناعة الدراما ويؤدي بصورة أو بأخرى إلى تراجعها لأنه يلغي المنافسة، والتنافس أهم شرط لتطور أي صناعة، وعدم وجود شركات إنتاج ضخمة في سوريا تتحلى بالوعي وتعمل من أجل إنتاج محتوى متنوع، سيعيد الدراما خطوات إلى الوراء".

 

وتابع الملا أن "الشركات التي تعمل في سوريا صغيرة ومتوسطة ولا توجد شركة كبيرة تحمل هم تطور وتطوير الدراما، لذلك نحن بحاجة إلى شركات كبيرة قادرة على صناعة دراما متنوعة لا تكتفي بلون واحد أو نوع واحد، وإلا فنحن في مشكلة حقيقية ولن نتطور أبداً".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون