Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استمرار الضغوط التضخمية ينذر بإبقاء كلفة الاقتراض عالية

البنوك المركزية تخشى البدء في خفض سعر الفائدة تفادياً لارتفاع الأسعار

عودة ارتفاع التضخم بصورة مفاجئة تربك الأسواق التي توقعت بدء خفض أسعار الفائدة وحسبت تقديراتها المستقبلية على هذا الأساس (رويترز)

ملخص

البنوك المركزية حول العالم تتردد في خفض أسعار الفائدة كي لا تكرر فشلها في تقدير مدى وعمق التضخم قبل 3 سنوات

أبقى البنك المركزي الأوروبي، الذي يضع السياسة النقدية لدول منطقة اليورو، في اجتماعه نهاية هذا الأسبوع على سعر الفائدة في أوروبا على ما هو عليه عند نسبة أربعة في المئة، مع إشارات واضحة بأن البنك ربما يبدأ خفض أسعار الفائدة في يونيو (حزيران) المقبل. وفي مؤتمر صحافي عقب قرار البنك أول من أمس الخميس، قالت رئيسته كريستين لاغارد إن عدداً قليلاً من أعضاء لجنة السياسات النقدية كانوا يؤيدون خفض الفائدة في هذا الاجتماع.

وأضافت لاغارد أن "العقبات على الطريق" يمكن أن تجعل معدلات التضخم "تتذبذب" في الشهور المقبلة قبل أن ينخفض ارتفاع التضخم إلى النسبة المستهدفة من قبل البنك عند اثنين في المئة. وألمحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي إلى أن "المؤشرات الأخيرة تدل على بدء استقرار الارتفاع في معدلات الأجور والرواتب" وأن الأخطار على النمو الاقتصادي "تظل تتحرك في الاتجاه النزولي".

كان معدل التضخم في أوروبا انخفض من نسبة 10.6 في المئة عام 2022 إلى نسبة 2.4 في المئة في مارس (آذار) الماضي، وهو حال معدلات التضخم في الاقتصادات المماثلة، كما في الولايات المتحدة وبريطانيا وإن كان انخفض معدل التضخم في البلدين الأخيرين شهد انعكاساً صعودياً مفاجئاً في الشهر الأخير. لكن الوضع في أوروبا يختلف، ليس فقط في خفض التضخم بمعدل أكبر قليلاً، وإنما لأن ارتفاع الأجور أكثر اعتدالاً عنه في بريطانيا وربما أميركا، كما أن الاقتصاد في دول منطقة اليورو لم يشهد تعافياً معقولاً كما في أميركا، متأثراً بوضع الركود في أكبر اقتصادات أوروبا، في ألمانيا.

التضخم والفائدة والأسواق

لكن حتى لو رأى البنك المركزي الأوروبي أن عوامل التضخم ومؤشرات أداء الاقتصاد ومعدلات الأجور (التي تعد أحد أهم الضغوط التضخمية) تسمح له بالبدء في التيسير النقدي مع منتصف العام، فإن الوضع في غير أوروبا يختلف. تنقل صحيفة "فايننشال تايمز" عن كبير الاقتصاديين في "كومرز بنك" في فرانكفورت يورغ كرايمر قوله "ما فعله البنك المركزي الأوروبي هذا الأسبوع يقترب تماماً من الإيحاء ببدء خفض أسعار الفائدة في يونيو... وسيحتاج التراجع عن ذلك إلى مزيد من أخبار التضخم السيئة وبيانات ارتفاع الأجور والرواتب".

جاءت أخبار التضخم السيئة تلك هذا الأسبوع في أكبر اقتصاد في العالم، إذ ارتفع معدل التضخم لشهر مارس الماضي في الولايات المتحدة بصورة مفاجئة إلى 3.5 في المئة بمعدل سنوي، بعدما كان اتجاه معدل التضخم نحو النزول منذ نهاية العام الماضي، كذلك لم تكن بيانات التضخم إيجابية في الاقتصاد البريطاني، مما أحبط تطلعات حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك بتحسين فرص حزبه الانتخابية.

وبما أن غالب البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة تنظر إلى سياسة "الاحتياط الفيدرالي" في ما يتعلق بمسار السياسة النقدية، فإن ما يصدر عن "الاحتياط" في غاية الأهمية للأسواق حول العالم، وهذا الأسبوع جعلت البيانات الرسمية الصادرة في أميركا الأسواق في حالة اضطراب في شأن التوقعات المستقبلية لأسعار الفائدة.

وبحسب الإشارات من البنك المركزي، بخاصة من رئيسه جيروم باول، فإن "الفيدرالي" يأخذ في الاعتبار عديداً من العوامل إلى جانب معدل التضخم عندما يقرر السياسة النقدية، فأرقام التوظيف، التي تعد مؤشراً إلى النشاط الاقتصادي بصورة عامة، ومعدلات الأجور وغيرها تشكل ضغوطاً تضخمية لا يريد البنك أن يسرع في خفض سعر الفائدة كي لا تدفع هذه العوامل الأسعار إلى الارتفاع.

ومنذ فترة، لم يعد "الاحتياط الفيدرالي" يأخذ توقعات السوق في الاعتبار أكثر من مؤشرات الاقتصاد الفعلية، ومن ثم ربما تصدم الأسواق التي بدأت هذا العام بالتعامل على أساس خفض سعر الفائدة ثلاث مرات هذا العام لتنهي العام عند نسبة 4.5 في المئة تقريباً، من نطاق 5.25 – 5.5 في المئة حالياً.

تردد البنوك المركزية

بعدما كان التوقع بداية هذا العام أن يبدأ "الاحتياط الفيدرالي" في خفض أسعار الفائدة مع منتصف العام، على أن يخفضها ثلاث مرات في الأقل قبل نهاية 2024، تتباين التقديرات الآن بين تخفيض البنك المركزي سعر الفائدة مرتين أو مرة واحدة هذا العام.

ويرى الاقتصاديون في بنك "غولدمان ساكس" وبنك "يو بي أس" أنه ربما يخفض البنك المركزي سعر الفائدة مرتين في يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) المقبلين، أما المحللون في بنك "باركليز" فيرون أن البنك لن يخفض سعر الفائدة هذا العام سوى مرة واحدة، ربما في سبتمبر المقبل، وهناك غيرهم يرون أن "الفيدرالي" قد ينتظر حتى الشهر الأخير من العام، ديسمبر (كانون الأول)، قبل أن يقرر خفض الفائدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يخلص تحليل لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن النقاش الآن في السوق وبين الاقتصاديين والمحللين لم يعد كم مرة سيخفض "الاحتياط الفيدرالي" سعر الفائدة هذا العام، بل ما إذا كان سيبدأ التخفيض أصلاً في 2024 أم ينتظر حتى 2025. ويلاحظ أن العقود المستقبلية المرتبطة بنسبة الفائدة في الأسواق يجرى تداولها حالياً على أساس نسبة فائدة خمسة في المئة، كما تشير بيانات شركة "فاكت ست".

لا يتعلق الأمر بهذا العام فحسب، وإن كان "الاحتياط الفيدرالي" سيخفض سعر الفائدة مرة أو مرتين أو لا يخفضها على الإطلاق، فاستمرار ارتفاع معدلات الأجور والنمو الاقتصادي الجيد قد يدفع "الفيدرالي" للتردد أكثر في خفض سعر الفائدة العام المقبل بالمعدلات التي تتوقعها الأسواق حالياً، وتحسب تعاملاتها على أساسها، إذ تتوقع الأسواق أن يخفض البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة ست مرات العام المقبل، لكن تلك التقديرات أصبحت محل شك الآن.

ربما يكون تردد البنوك المركزية في الإسراع بخفض الفائدة مع وجود ضغوط تضخمية في الاقتصاد مفهوماً، بخاصة أنها سبق أن فشلت في تقدير مدى وعمق التضخم في عام 2021 ولا تريد أن تكرر الخطأ الآن، لكن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة يؤثر بصورة واسعة ليس على السوق فحسب، إنما على جوانب كثيرة في الاقتصاد، فارتفاع كلفة الاقتراض يفاقم مشكلة الديون التي وصلت حول العالم إلى مستوى ينذر بفقاعة قد تؤدي إلى أزمة عالمية، وفي النهاية تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى الضغط نزولاً على معدلات النمو، بخاصة في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة.

اقرأ المزيد