Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"القديمة تحلى"... عواصم تخرج من الخدمة وأخرى ترثها

كلما كانت العاصمة "القديمة" ضاربة في التاريخ أوجعت قلوب محبيها وتمنوا لو بقي الزمن على حاله

لقطة عامة للعاصمة الإدارة الجديدة في مصر (أ ف ب)

ملخص

عواصم العالم ينظر إليها باعتبارها رمزاً للدوام وعنواناً للأبدية ودليلاً على عظمة تاريخ الدولة ورفعة الشعب وتغيير كل ما سبق بقرار يحتاج إلى حنكة وخبرة وتعامل سياسياً واجتماعياً ونفسياً وإعلامياً يختلف من شعب لآخر ومن عاصمة لأخرى.

يتفكه قاهريون فكاهة لا تخلو من مرارة بأن الانتقال إلى العاصمة الجديدة سيجعل منهم "قرويين سذج". سكان القاهرة – سواء كانوا أصليين أم ممن هاجروا داخلياً بحثاً عن أضواء المدينة الأكبر وفرصها - يتابعون مجريات عاصمة مصر الجديدة بعين ملؤها القلق، وأخرى لا تخلو من أمل في أن يظلوا جزءاً من العاصمة أو أن تظل العاصمة جزءاً منهم.
المصريون ليسوا أول شعب تتغير عاصمته، أو تتمدد لتشمل مدينة جديدة. سبقتهم شعوب أخرى، وسينتهج نهجهم آخرون، لكن يبقى كل انتقال أشبه بالانفصال العاطفي أو الطلاق الواقع رغماً عن أحد الزوجين. وعادة يتفاقم الوجع العاطفي وتتضاعف صدمة الطلاق طردياً مع عمر العاصمة "القديمة".  كلما كانت العاصمة "القديمة" ضاربة في التاريخ أوجعت قلوب محبيها، وتمنوا لو بقي الزمن على حاله، وبقيت العاصمة كما هي، لا جديدة أو قديمة.

القديمة تحلى

يرفع سكان القاهرة شعار "القديمة تحلى" هذه الأيام، بعضهم يكتفي بنصف العبارة، وبعضهم الآخر لا يخجل من إضافة "ولو كانت وحلة". القاهرة قديمة بحكم التاريخ، ومحملة بمشكلات لا حصر لها، لكنها ليست "وحلة"، ولو أوحت بذلك الفكرة من التحول صوب "العاصمة الإدارية الجديدة".
العاصمة الإدارية الجديدة – وهذا اسمها الموقت إلى حين الإعلان الرسمي للاسم الدائم - أنشئت "بهدف أن تكون مدينة بمواصفات عالمية، تسهم في تخفيف الازدحام في القاهرة وحل أزمة الكثافة السكانية، وتأمين فرص اقتصادية متعددة ونوعية حياة مميزة"، بحسب ما ذكر وقت إعلانها في فعاليات المؤتمر الاقتصادي "مستقبل مصر" في مارس (آذار) 2015.
ومنذ ذلك التاريخ، والمصريون منقسمون بين مؤيد لفكرة عاصمة جديدة تخفف الأحمال عن العاصمة القديمة، ومعارض لها لأسباب مختلفة تراوح بين الخوف على مصير القاهرة التاريخية من الإهمال، ورفض مبدأ علاج المشكلات بترك القديمة تأكل نفسها وبناء جديدة وكأن القديمة لم تكن، ومعارضة من باب النكاية السياسية.

القرار الصعب

سياسياً قرار نقل العاصمة – أي عاصمة - لم يكن يوماً سهلاً، لماذا؟ لأن عواصم العالم ينظر إليها باعتبارها رمزاً للدوام وعنواناً للأبدية ودليلاً على عظمة تاريخ الدولة ورفعة الشعب، وتغيير كل ما سبق بقرار يحتاج إلى حنكة وخبرة وتعامل سياسياً واجتماعياً ونفسياً وإعلامياً يختلف من شعب إلى آخر ومن عاصمة إلى أخرى.

العواصم البديلة ملف ملغوم، حركة تبديل العواصم لم تقتصر يوماً على منطقة بعينها أو دولة أكثر من أخرى. تقول الباحثة المتخصصة في الإدارة العامة إيمان مرعي في ورقة عنوانها "العاصمة الإدارية الجديدة: الحالة المصرية والخبرات الدولية" (2015)، "إن تغيير العواصم أمر يجري في العالم كله، لكن يختلف تعامل كل دولة معه بحسب ظروفها الداخلية والسياسية والعمرانية". وتشير إلى أن "أسباب النقل والتغيير تتباين بين مشكلات عمرانية وتفادي تفاقمها، كوضع حد لحالة التمركز السكاني الشديد في المدن الكبرى، والاختناق المروري وزيادة استهلاك الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي إلخ. وكذلك جذب الاستثمارات إلى الأقاليم الداخلية بهدف توفير فرص عمل وتحسين الأداء الاقتصادي، وبالتالي كانت مهمة المخططين وصانعي القرار وضع تصور لحل تلك المشكلات من خلال إنشاء عواصم بديلة".
وراء كل عاصمة بديلة أو جديدة قصة مختلف عليها، أو سبب يثير القيل والقال، أو سر يدفن مع متخذي قرار النقل. وعلى رغم تداول أسباب تتعلق بالكثافة السكانية أو البنى التحتية أو الفرص الذهبية، باعتبارها الأبرز وراء قرارات نقل العواصم، إلا أن السياسة ما خفي منها وما بطن تبقى في قلب أغلب قرارات نقل العواصم وتبديلها.
في دراسته المعنونة "التاريخ السياسي لعاصمة نيجيريا الجديدة" (1984)، أشار أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "هارفارد" الأميركية جوناثان مور إلى أن "القرار الحكومي النيجيري بنقل العاصمة من لاغوس إلى أبوجا جعلها تنضم إلى مجموعة الدول النامية التي سبقتها في تغيير العاصمة مثل البرازيل وبوتسوانا وملاوي وباكستان وتنزانيا". ويشير مور إلى أن "انتشار ظاهرة بناء عدد كبير من العواصم الجديدة في القرن الـ20 جذبت انتباه الجغرافيين والديموغرافيين والمخططين والمهندسين، وهؤلاء جميعاً يدرسون الظاهرة من وجهة نظر التخطيط من أجل التنمية على المستوى الوطني في تلك الدول". ويرى مور أن "أغلب هؤلاء لا يأخذون الأسباب السياسية في الحسبان".


حسابات معلنة

الحسابات المعلنة في حالة نيجيريا التي نقلت عاصمتها من لاغوس إلى أبوجا في عام 1991 (وإن بدأ الحديث والتخطيط للنقل قبلها بسنوات)، تتعلق بالكثافة السكانية الآخذة في الارتفاع، والبنى التحتية الآخذة في التهالك، إضافة إلى موقع لاغوس الساحلي الذي يعرضها لهجمات البحر البشرية والطبيعية. لكن الاحتقانات والمواجهات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين ربما لعبت دوراً غير معلن في قرار النقل، إذ اختيرت مدينة أبوجا التي تقع في منطقة وسط بين الأغلبية المسيحية في الجنوب والأغلبية المسلمة في الشمال، وبالتالي تكون الحكومة قادرة على تمثيل المكونين، إضافة إلى عشرات المجموعات الإثنية والعرقية الموجودة في نيجيريا.
وقبل أسابيع قليلة تأكد ضلوع العامل الطائفي في قرار نقل العاصمة من لاغوس إلى أبوجا "حتى تقف المدينة الجديدة على مسافة واحدة من الجميع"، فبعد تداول إشاعات وأقاويل عن تفكير سياسي في نقل العاصمة مجدداً، ولكن هذه المرة في الاتجاه المعاكس من أبوجا إلى لاغوس، نفى مكتب الرئيس النيجيري بولا تينوبو وجود خطط لنقل العاصمة، ملقياً لوم "الإشاعة" على المعارضين السياسيين و"مثيري الأذى" العازمين على "تأليب الشمال ضد الجنوب" و"إشعال فتيل فقدان الثقة العرقية".

الشغب في ميانمار

ومن المعارضين و"مثيري الأذى" في نيجيريا، إلى المتمردين و"مسببي الشغب" في ميانمار، لعبت عوامل السياسة والأمن أدوراً رئيسة في قرار نقل العاصمة من رانغون إلى نايبيداو. وبدأت عمليات البناء في العاصمة الجديدة، التي تقع في موقع ناء وبعيد جداً من العاصمة القديمة في عام 2004. وفي العالم التالي بدأت أجهزة الدولة الإدارية بالانتقال إلى العاصمة الجديدة، التي يقول المسؤولون إن الانتقال إليها كان بسبب ازدحام العاصمة الجديدة مما استوجب بناء عاصمة جديدة.
يؤكد المراقبون السياسيون أن قرار النقل في حالة ميانمار كان سياسياً وأمنياً بامتياز، فالعسكريون الذين تحكموا بالسلطة منذ عام 1962 استشعروا الخطر في العاصمة القديمة، ورأوا في الجديدة درجة أعلى من الأمان بفضل التضاريس الجغرافية الصعبة التي تحيط بها، إضافة إلى أن موقع نايبيداو يمكن الحكومة من السيطرة على المناطق البعيدة حيث يتركز المتمردون بشكل أفضل.
ولا تخلو عاصمة ميانمار الجديدة من غرائب وعجائب، تبقى جميعها في خانة القيل والقال، إذ قيل إن منجمين هم من اختاروا موقعها، وقال مراقبون إن عملية الانتقال تمت بين يوم وليلة في تاريخ تم تحديده من منجمي رئيس ميانمار السابق ثان شوي، الذي كان ملقباً بـ"جنرال ميانمار المخيف".

وبحسب تقرير منشور في صحيفة "تلغراف" البريطانية (2019)، فإن العلامة الوحيدة الدالة على الحياة في الطرق السريعة بالغة الاتساع والخالية في نايبيداو، هي عمال النظافة الذين يرتدون قبعات القش. بعض هذه الطرق يصل عرضه إلى 20 حارة مرورية، وتقول الإشاعات إن المقياس وضع بحيث يمكن أن تتحول إلى مدرج للطائرات في أحوال الطوارئ أو الاحتجاجات أو الثورات.
هاجس الاحتجاجات والثورات، بالنسبة إلى المكون العسكري حين يدير شؤون الدول، يكون من الأمور المحركة لقرارات نقل العواصم. ويمكن فهم قرار نقل العاصمة الباكستانية من كراتشي التي ظلت العاصمة حتى عام 1959، إلى إسلام آباد في ضوء نشأة باكستان كدولة ذات مكون عسكري قوي في شؤون الحكم. وتقع إسلام آباد على مقربة من مدينة راولبندي حيث مركز القيادة العسكرية.
اللافت أن راولبندي قامت بدور العاصمة الانتقالية على مدار ست سنوات، وذلك إلى حين الانتهاء من تشييد العاصمة الجديدة إسلام آباد أو "أرض الإسلام". ونظراً إلى قرب راولبندي من موقع إسلام آباد، تعجب بعضهم من عدم اعتبارهما مدينة واحدة تكون هي العاصمة، ولكن محللين رجحوا أن يكون وجود محطة "كهوتة" النووية في راولبندي سبباً رئيساً لفصلها عن العاصمة لأسباب تتعلق بالأمن والسرية.

كازاخستان ومجاملات العاصمة

وليس سراً أن لكازاخستان تاريخاً حديثاً، لكن حافلاً ومتخماً بتغيير العاصمة وتعديل اسمها غير مرة، مرة تيمناً برئيس وأخرى بعد تنحي الرئيس. وبناء على تعليمات الرئيس السابق نورسلطان نزرباييف، الذي رأس كازاخستان لثلاثة عقود في ظل الاتحاد السوفياتي، ثم بعد حصول بلاده على الاستقلال في عام 1997، قرر نقل العاصمة من ألماتي إلى أستانة. جاء القرار صادماً وغريباً، لا سيما أن موقع العاصمة الجديدة ناء ومعروف بطقس بالغ القسوة تصل الحرارة فيه إلى -51 درجة مئوية في الشتاء.
وعلى رغم تنحي نزرباييف عن الحكم في عام 2019، إلا أنه ظل محتفظاً بعدد من المناصب السياسية في البلاد. وقبل وقوع الخلاف بينه وبين الرئيس القاسم غومارت توكاييف، حظي نزرباييف بتكريم كبير حين قرر توكاييف إطلاق اسم "نور سلطان" على آستانة. لكن وقوع الخلاف بينهما أدى إلى إعادة الاسم لما كان عليه، ناهيك عن فقدان نزرباييف مناصبه، وفقدان أقاربه ومعارفه مناصبهم أيضاً، وذلك في عام 2022.

ستالين رفض ولينين وافق

وعلى النقيض من نزرباييف، وفر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين على نفسه وعلى أهل بلده عناء تغيير الاسم تخليداً له ولـ"إنجازاته" ثم إعادته لما كان عليه بعد موته أو رحيله أو تحوله من بطل مغوار إلى جبان مرتعش، فرفض مقترح تقدم به مساعده رئيس المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية نيقولاي ياغوف في عام 1938 بتغيير اسم موسكو لتحمل اسمه. الطريف أن ستالين أصدر أمراً بعد هذه الواقعة بعامين بإعدام ياغوف.
وعلى رغم ذلك فإن تغيير أسماء المدن كان سمة عامة في أعقاب نجاح الثورة البولشفية عام 1917، والسبب في ذلك هو تقطيع أواصر الصلة والارتباط بكل ما يتعلق بروسيا القيصرية. وكان نصيب مدينة سان بطرسبورغ أن تصبح "لينينغراد" نسبة للقائد فلاديمير لينين الذي لم يعترض على التعديل.
وبعد التعديل عدلت العاصمة نفسها، وقرر القادة السوفيات أن تكون موسكو عاصمة للاتحاد السوفياتي بدلاً من سان بطرسبورغ سابقاً، ولينينغراد لاحقاً. كانت لينينغراد تعج بموالين ومخلصين للقياصرة، إضافة إلى تعرضها لهجوم أعداء البلاشفة بحكم موقعها الجغرافي.
الطريف أن اسم سان بطرسبورغ عاد مجدداً ليصبح لينينغراد في عام 1991 بناء على استفتاء أجري بين سكان المدينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


استفتاء تنزانيا

استفتاء آخر جرى قبل 51 عاماً ولكن في تنزانيا، لسؤال المواطنين عن موقفهم من نقل العاصمة، وذلك من مدينة دار السلام إلى دودوما. ووافق التنزانيون على الانتقال. الغريب أن قليلين فقط حول العالم هم من يعرفون أن عاصمة تنزانيا الحالية هي دودوما وليست دار السلام.
أسباب الانتقال كلاسيكية. الكثافة السكانية المرتفعة وتحميل البنى التحتية فوق ما تحتمل، مع تركز كل جهود التنمية العمرانية في العاصمة دار السلام، وتضاؤلها في ما عدا ذلك. كما كان هناك شعور بأن اهتمام الدولة وأولوياتها يتركز على العاصمة القديمة وما حولها، وهو ما استوجب النقل.
الغريب أن نقل العاصمة ظل حبراً على ورق، إذ تم الانتهاء من مخططات العاصمة الجديدة دودوما في منتصف الثمانينيات، لكن غالبية الوزارات والسفارات ظلت في العاصمة القديمة.  

وللبرازيل نصيب

"العاصمة القديمة" في كل مكان تثير هواجس وعواطف وحنين. وحتى هذه اللحظة يسأل الناس أحد سؤالين في ما يختص بالبرازيل: إما: هل ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل؟ أو لماذا ريو دي جانيرو ليست العاصمة؟ كانت ريو دي جانيرو العاصمة حتى الخمسينيات، لكن صدر قرار بأن تكون العاصمة هي برازيليا منذ تأسست في عام 1960.

ويظل القرار الصادر عن الحكومة الإندونيسية لنقل العاصمة من جاكرتا إلى موقع آخر، وتحديداً نوسانتارا، هو الوحيد الأشبه بقرار الطوارئ الذي يهدف إلى الإنقاذ. فجاكارتا – منذ أصبحت عاصمة البلاد بعد الاستقلال عام 1945- لم تكن تدري أنها ستشهد نمواً سكانياً من مليون نسمة على أرضها إلى 30 مليوناً. هذه الكثافة السكانية الكبيرة أدت إلى تفاقم مشكلات الازدحام من تلوث وأزمات مرورية وتهالك بنى تحتية. وليت الأمور اقتصرت على ذلك، بل أخذت جاكرتا تهبط وتغوص تدريجاً على مدار السنوات، حتى أصبحت 40 في المئة منها تحت مستوى سطح البحر. ويتوقع أن تغمر المياه ربع جاكرتا مع حلول عام 2050.
وبدأ العمل في العاصمة الجديدة في عام 2022، لكن تظل جاكرتا حاضرة في الأذهان باعتبارها عاصمة أندونيسيا التي تحاول أن تنجو بنفسها وبمن عليها. وعلى سكان الأرض البدء في تذكر اسم "نوسانتارا" بدلاً من جاكارتا استعداداً للانتقال الفعلي.

عواصم ليست عواصم

سيتوجب على العالم حفظ كثير من أسماء العواصم، أغلب من يسألون عن عاصمة أستراليا سيقولون إما "سيدني" أو "ملبورن"، والحقيقة هي أن "كانبرا" هي العاصمة. وهي في هذا الوضع الملتبس شأنها شأن سويسرا التي يعتقد كثيرون أن زيوريخ أو جنيف أو حتى بازل هي العاصمة، لكن عاصمة سويسرا هي بيرن. حتى تركيا التي تبدو عاصمتها واضحة وضوح الأخبار، يظن بعضهم أن اسطنبول هي العاصمة وليست أنقرة. الأغرب أن بعضهم يظن أن نيويورك هي عاصمة الولايات المتحدة. وحين تخبره أن واشنطن العاصمة، يسأل: وهل واشنطن في نيويورك؟

انقسام البلاد

واشنطن ليست في نيويورك، تماماً كما أن مدينة براغ لم تعد في تشيكوسلوفاكيا، لماذا؟ لأن تشيكوسلوفاكيا انقسمت بلدين: جمهورية التشيك وعاصمتها براغ، وسلوفاكيا وعاصمتها براتيسلافا. كما أن أبيدجان لم تعد عاصمة ساحل العاج منذ عام 1988، وهو العام الذي أصبحت فيه ياموسوكرو العاصمة. يشار إلى أن ساحل العاج طالبت العالم في عام 1985 بأن يستخدم اسم "كوت ديفوار" فقط في الإشارة إليها، وليس ترجمات للاسم مثل "ساحل العاج".
تداخل المعلومات شيء، وتنافرها سياسياً وحقوقياً وأخلاقياً شيء آخر. وأبرز أمثلة العواصم المتنازع عليها هي القدس وتل أبيب. فحين تقول إسرائيل إن القدس عاصمتها، فالأمر ليس ملتبساً عليها. وحين يرفض العرب وآخرون أن تكون القدس عاصمة، فهذا ليس نسياناً أو تشابك معلومات. لكن تبقى مسألة العاصمة خلافاً مفتوحاً.
عربياً مصر ليست الدول الوحيدة التي تطرق باب العاصمة الجديدة، سبقتها سلطنة عمان على سبيل المثال، التي تغيرت عاصمتها من صلالة إلى مسقط، وذلك بعد أربعة عقود ظلت خلالها صلالة عاصمة البلاد.
تخرج عواصم من الخدمة وتدخل أخرى، تتوسع عواصم وتتمدد حتى تتغير ملامحها الأصلية تماماً، وتنمو أخرى على مقربة منها، لكن يجري الفصل بينهما حتى لا يختلط سكان هذه بتلك. تكبر عاصمة وتبلغ من العمر 100 أو ألف أو بضعة آلاف سنة، فيعتقد بعضهم إنه آن أوان إحالتها على التقاعد والاكتفاء بكونها مجرد مدينة يسكن فيها بعضهم، أو تتحول العاصمة المتقدمة في العمر إلى نموذج يحتذى في الترميم والتحديث والحفاظ على شباب الأداء على رغم شيخوخة العمر.
وبعيداً من الأعمار، تبقى حجة الاكتظاظ السكاني أو النمو العمراني أبرز الأسباب المعلنة سياسياً لنقل العاصمة من هنا إلى هناك. أما ما وراء القرار من أسباب أمنية أو رغبة في تمجيد قائد أو مجاملة زعيم، فيبقى قيد الإعلان يوماً ما، أو التحليل والقيل والقال طوال عمليات الإحلال والتبديل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات